تابعت عن قرب، انتخابات «الإعادة» على المقاعد الفردية ، بدائرة امبابة، والتى تضم إلى جوار هذا الحى العريق، كلا من الدقى والعجوزة، وكانت متابعتى المباشرة لهذه الدائرة، ترجع إلى سببين، أولهما سياسى، لكونى وفدياً، ينتمى تنظيمياً، للجنة الوفد بقسم امبابة، وهى دائرة عشت فيها منذ سنوات طوال وبالمناسبة كان للوفد على المقعد الفردى فى المرحلة الأولى مرشحة هى السيدة الفاضلة الدكتورة شادية محمود ثابت، التى لم توفق، ولكنها أدارت معركة انتخابية محترمة أشاد بها الجميع والسبب الثانى شخصى،لأننى كنت تقريباً على علاقة جيدة جداً بالمرشحين الأربعة الذين خاضوا معركة الإعادة، وهم الصديق الدكتورعمرو الشوبكى «مستقل» والدكتور عمرو دراج «حرية وعدالة» على مقعد «الفئات» والأستاذان أيمن صادق «حرية وعدالة» وعصام بهى الدين «مستقل» على مقعد العمال..فالأول هو الدكتور عمرو الشوبكى خبير العلوم السياسية بمركز الأهرام والصحفى المعروف، وهو صديق عزيز، تعرفت عليه منذ سنوات ، وتبادلنا فى مناسبات عديدة، أفكاراً، حول الوطن الديمقراطى الحر الذى نريده، والثانى الدكتور عمرو دراج، الأستاذ بكلية الهندسة،وقد تقابلت معه ، منذ عدة أشهر فى برنامج تلفزيونى، وتبادلت معه الحديث ، قبل ظهورنا على الهواء ، ووجدته يستخدم مفردات غير إخوانية، وقلت لنفسى إن الأخوان يغيرون جلدهم « الخارجى» لتحسين صورتهم أمام الناس، والثالث، هو أيمن صادق جارى العزيز، الذى يقابلنى دائماً بابتسامة طيبة، لكننى لم أكن أعرف أنه « كادر سياسى» مهم لهذه الدرجة ، فى حزب الحرية والعدالة،وقد عرفت بعد ذلك أنه واجه الاعتقال عدة مرات،أما الشخص الرابع ، فهو مفاجأة الانتخابات بالدائرة، عصام بهى الدين ، وهو جار لى أيضاً ، وزوج شقيقة واحد من المنحازين لى شخصياً فى إمبابة، وهو رجل يمتلك سمعة طيبة حاول منافسوه تشويهها خلال المعركة، مثلما سعوا بشتى الطرق، لطعن الشوبكى فى ظهره. معركة الإعادة كانت بالنسبة لى «مهمة» لأسباب شخصية، ولكنها كانت أهم « سياسياً» لأن نتيجتها تمثل انعكاساً لتوجهات الناخب فى إمبابة، وهذه النتيجة ستمكننى من قياس توجهات الرأى العام، فى الدائرة، ورغبات ناخبيها السياسية،لأن الذين خاضوا معركة الإعادة ،هم أربعة مرشحين ، اثنان منهم من الإخوان، والإثنان الآخران مستقلان، أحدهما ليبرالى واضح، والثانى لا ينتمى لتيار أو فكر بعينه.. والقراءة الأولية للمعركة تحسم فكرة أن الناخب سوف يختار قطعاً إما مرشحى الإخوان معاً ، وإما المستقلين معاً، خاصة أن أرقام الجولة الأولى كانت مفاجأة ، حيث حصل الشوبكى على الترتيب الأول بفارق يزيد على ستين ألف صوت، قبل أقرب منافسيه عمرو دراج، والمنطق يقول إن الإخوان هم الأكثر تنظيماً، وسوف تتكاتف جهودهم، للحصول على الأغلبية ، بأصوات أنصارهم الذين لا يتخلفون عن التصويت، بعكس المرشحين المستقلين الذين واجهوا، فكرة ضعف الإقبال فى الإعادة.. وكانت المشاهد الأولى توحى بشراسة المعركة، بسبب الشائعات التى أصابت عمرو الشوبكى، وعصام بهى الدين، فالأول قيل عنه، إنه مدعوم بساويرس والأقباط، وهذا غير صحيح، والثانى قيل عنه إنه عضو سابق بالحزب الوطنى، وهذا أيضاً خبر غير صحيح بالمرة. ورغم أن المعركة كانت هادئة على السطح ، ولكنها كانت ، شرسة ، على الأرض، والاستقطابات فيها واسعة ، وكان السؤال المهم ، لمن ستنحاز امبابة، التى كانت تعانى، منذ وقت قريب جداً، من فتنة طائفية حادة، كادت تحرقها، لسبب غير مفهوم بطلته سيدة تحاكم الآن أمام القضاء..هل ستنحاز إمبابة الشعبية والتاريخية للدولة المدنية وترفض الإخوان والتيار الدينى؟ أم ستعلن هويتها الدينية وتقرر ارتداء «عباءة» الإخوان التى لم ترتدها إلا مرة واحدة على أيدى القيادى الإخوانى صلاح أبو اسماعيل ، وكان هو نفسه مرشحاً، على قوائم حزب الوفد عام 1984 وبعدها قررت امبابة التحول نحو توجهات سياسية وفكرية أخرى؟ الإجابة كانت مفاجأة.. وضعها الناخب فى الصندوق .. اختار عمرو الشوبكى «الليبرالى» وأيمن صادق « الإخوانى».. نعم وضع اسميهما فى صندوق واحد، وورقة واحدة أحياناً، ليرسل خطاباً واضحاً، مسجلاً بعلم الوصول، لكل الأمة المصرية، بأنه يريد الوطن متسعاً للجميع ،ليبرالى وإخوانى،وفدى وسلفى،دينى واشتراكى، لأن هذه هى مصر التى نريدها ، وهذا هو الوطن الذى نصنعه للمستقبل.. كانت رسالة لمن يريد أن يفهم ، ورسالة للناخب فى المرحلة الثالثة،الذى يجب أن نقول له إن « التوازن» فى البرلمان، هو « مُعامل أمان» لهذا الوطن، وليس مُعاملاً حسابياً سياسياً لهذا التيار أو ذاك.. بل هو المخرج الآمن من مأزق التخوف من تمزق البلد بين يمينى ويسارى ،التوازن هو السبيل لتحقيق أهداف الأمة التى يهددها البعض بتركها فريسة لأمراضها، الطائفية، والاجتماعية،والجغرافية أحياناً. لقد حققت انتخابات الإعادة فى إمبابة نجاحاً ، ليس لعمرو الشوبكى « الليبرالى» ولا ل « أيمن صادق» الإخوانى ، ولكن لناخب واع ومدرك لمصلحته الوطنية الآنية واللاحقة.. ناخب يستحق أن نرفع له القبعة ، وأن نحييه تحية الوطنية المصرية، تحية احترام ل « العقل الجمعى» الفاهم لنوعية النائب المطلوب تحت قبة البرلمان.. نحييه لذكائه.. فقد جمع بين نائبين أحدهما خدمى والثانى مراقب.. وهما السبيل لتحقيق مرحلة انتقالية سهلة. انتخابات امبابة التى أطلق عليها « انتخابات الشوبكى» درس لمن يريد الاستحواذ على البرلمان وحده.. الناس تريد «التوازن».. الناخب قرر ألا يترك مصيره فى يد واحدة.. هذا ما نتمنى أن نراه واضحاً فى المرحلة الثالثة.