يري الدكتور فخري الفقي، المستشار السابق لصندوق النقد الدولي، أن مصر تمر بأزمة اقتصدية شديدة، والسبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو تطبيق البرنامج الاقتصادي الذي عرضته الحكومة علي صندوق النقد الدولي، لاسيما أننا نعاني من ندرة في النقد الأجنبي وانفلات في سعر الصرف وهو ما لايحفز أي مستثمر علي الاستثمار في مصر. ويضيف "الفقي"، في حوار ل "بوابة الوفد"، إذا لم تتمكن مصر من تطبيق شرط صندوق النقد الدولي بتجميع الدفعة الأولي، التي تتراوح قيمتها من 5 إلي 6 مليار دولار، فإن تداعيات الفشل ستكون ذريعة ولا عزاء للاقتصاد المصري. وعن تقييم الأداء الاقتصادي للحكومة، يقول المستشار السابق لصندوق النقد الدولي " إنه لايوجد تناغم بين الوزرات، كما أن رئيس الوزراء لا يمتلك خلفية اقتصادية كافية لإدراة الأزمة الاقتصادية، لذا يتعين علي الحكومة تعيين نائب لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية بالتخصص"، موضحًا أن سحر نصر وزيرة التعاون الدولي وأشرف العربي وزير التخطيط هما الجديران بهذا المنصب. إلي نص الحوار .. كيف تري الوضع الاقتصادي الراهن؟ مصر تمر بأزمة اقتصادية، وأعراض هذه الأزمة تتمثل في أن معدل النمو الاقتصادي أو الناتج المحلي الإجمالي أقل من ما هو مستهدف، فعلي سبيل المثال كنا نستهدف في السنة الماضية أن يكون4.5 % ولكن ما تحقق علي 3.8 %، ومن ضمن الأعراض الآخري ضعف قدرة الاقتصاد علي خلق فرص عمل، حيث إن معدل البطالة ارتفع ليصل إلي12.6 % من إجمالي القوة العاملة. كما أن جسم الاقتصاد يعاني من سخونة شديدة في لهيب الأسعار، ومعدل التضخم تزايد أيضًا ليصل إلي 16.4%، حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة لشهر أغسطس، فضلا عن أننا نعاني من ندرة في النقد الأجنبي، وارتفاع في عجز الموازنة، وانفلات في سعر الصرف، الأمر الذي لا يحفز أي مستثمر علي الاستثمار في مصر. حدثنا عن الأسباب التي أدت إلي انهيار الاقتصاد بهذا الشكل.. يعود انهيار الاقتصاد المصري إلي أسباب خارجية وأخري داخلية، الخارجية تكمن في تباطؤ معدلات النمو العالمي، وانخفاض حركة التجارة العالمية، وانخفاض أسعار البترول بنسبة 60%، الأمر الذي أثر بشأنه علي الدعم النقدي من الدول الخليجية لمصر خاصة السعودية والإمارات والكويت، وكذلك انتشار الإرهاب في المحيط العربي، كما ان هناك بعض القوي التي تستهدف مصر، وقيام بعد الدول بتطبيق الحظر علي مواطنيها بالسفر لمصر مما أضر بالسياحة في مصر. وعن الأسباب الداخلية فتعود إلي تراجع حجم الصادرات والتحويلات المصرية والسياحة كما أن أيضًا قناة السويس حدث فيها تباطؤ، واندلاع ثورتي يناير ويونيو الذان أديا إلي إنهاك الاقتصاد، وأيضًا عدم تناغم أداء المؤسسات الحالية، خاصة بين وزارة المالية والبنك المركزي. وكيف يمكن الخروج من الأزمة الاقتصادية التي نعيشها؟ بداية لابد من توفير النقد الأجنبي خاصة وأنه السبب الرئيسي في مرض جسم الاقتصاد المصري، ويتم ذلك من خلال إصلاح تداعيات الثورتين يناير ويونيو، والاهتمام بمشروعات البنية التحتية ومشروعات قناة السويس، خاصة أن المستثمرين لم ينجذبوا إلي الاستثمار في مصر سوي بتوافر تلك الموارد كالطرق والطاقة وغيرها، وهو ما تسير نحوه البلاد حاليا. ماتقيمك للبرنامج الاقتصادي الذي وضعته الحكومة؟ برنامج قوي جدا، ولكن يبقي السؤال هل الحكومة ستقدر علي تنفيذه أم لا؟.. فالبرنامج، يُعد برنامجا شاملًا وسيُعالج ميزان المدفوعات وسعر الصرف ويشمل أيضًا تصحيح الهياكل الاقتصادية المشوهة ويسرع من معدل النمو الي 5.6%، ومعالجة مشكلة الاقتصاد وجعل سعر الصرف موحد ومستقر، ويستغرق تنفيذه 3 سنوات، وكانت الحكومة طالبت من صندوق النقد الدولي، أن تضع البرنامج في قالب معلوم، بحيث يفتح شهية المستثمرين ويشمل معالجة الاختلالات المالية وتخفيف العبء علي غير المقتدرين. ماذا عن شروط الموافقة النهائية ؟ وضع صندوق النقد الدولي شرطًا من أجل الموافقة النهائية علي القرض، وهو تدبير الدفعة الأولي والتي تترواح من 5 إلي 6 مليار دولار من مصادر أخري. هل مصر قادرة علي تحقيق هذا الشرط ؟ أتمني أن ننجح في تحقيق الشرط، وحصلنا بالفعل علي مليار دولار من البنك المركزي، ومليار دولار من البنك الدولي، ونحاول تجميع باقي القيمة بالتفاوض مع السعودية والصين، كما نحاول الاقتراض بضمان سندات دولية. ماذا لو لم نتمكن في تجميع الدفعة الأولي ؟ في هذه الحالة فإن تداعيات الفشل ستكون ذريعة والاقتصاد المصري سينهار. وكيف ترى إغلاق بعض الشركات العالمية فروعها في مصر؟ جاء إغلاق فروعها نتيجة تعثرها في الحصول علي الدولار، لاسيما في ظل تراجع النقد في مصر بنسبة 25% . في وجهة نظرك .. ما معوقات الاستثمار التي مازالت قائمة؟ يبقي ندرة النقد الأجنبي وسعر الصرف، البيئة التشريعية المتواجدة هما أهم معوقات الاستثمار... فلابد من معالجة المناخ الاستثماري، وسرعة تطبيق فكرة الشباك الواحد، ومراجعة قوانين الاستثمار وقانون الإفلاس والتصفية، ويجب معالجة قانون العمل أيضًا. كيف تري قرار البنك المركزي بإغلاق 54 شركة صرافة من إجمالي 115 شركة؟ في الحقيقة أري أنه حل أمني ونقدي مؤقت، ولكني اقترح أن تنشئ البنوك شركات صرافة بحيث تكون تابعة لفكر مؤسسي، خاصة أن معظم شركات الصرافة المتواجدة تتعامل بفكر "تجار العملة"، وينتهزون الفرصة في حال ندرة العملة، لتحقيق مكاسب مادية عديدة. هل هناك توقع بزيادة الأسعار؟ طبعا ستكون هناك زيادة، وستحدث فور البدء في تطبيق البرنامج الاقتصادي، خاصة في السلع الأساسية... ويجب أن تكون الحكومة حينها جاهزة لرفع سعر الفائدة، بحيث يجعل المواطنين أكثر ادخارًا وأقل استهلاكًا، وإن كان ارتفاع سعر الفائدة سيحدث بعض السلبيات تكمن في رفع الدين العام، كما سيؤثر علي الاقتصاد خاصة أن تكلفة الاقتراض ستكون عالية. كيف يمكن مواجهة الفساد المتناثر في القطاع الاقتصادي ؟ طالما يوجد نشاط الاقتصادي يبقي هناك فساد، ولكن لابد من وجود آلية لمحاربة الفساد، لكي يتم إعادة هيكلة المؤسسات والتشريعات الحاكمة والتكنولوجيا المستخدمة، في مراقبة الفساد. ويجب تطوير آلية مراقبة الفساد، وكشفه مباشرة والافصاح عنه، كما يتعين علي المسؤلين تدريب المسئولين عن كشف الفساد ومحاربته، كما يجب ربط الاجهزة الرقابة بالتكنولوجيا ولا نعتمد فقط علي الكاميرات. هل طرح شركات القطاع العام في البورصة سيحقق عائدا اقتصاديا ؟ نعم سيكون هناك عائد سيصب في الإيرادات غير الضريبية، وهذا الفكر من شأنه التقليل من عجز الموازنة. كيف تري "خصخصة" العديد من الشركات؟ الخصخصة أداة لا غبار عليها، ونجحت في كثير من الدول وإن كانت مرتبطة بذهن المواطن بانها محاطة بالفساد، لذا لابد أن تحاط بالمسائلة والشفافية والحوكمة. ما تقيمك لأداء الحكومة الحالية ؟ لا يوجد تناغم بين الوزارات كما أنه لابد من تعيين نائب لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية بالتخصص، خاصة أن الخلفية الاقتصادية له غير كافية، وفي النهاية تقيمي لأدائها يكون "مقبول" من الشخصية القادرة علي إدارة الأزمة الحالية أو شغل منصب نائب رئيس الوزراء ؟ سحر نصر وزيرة التعاون الدولي وأشرف العربي وزير التخطيط كيف تري أداء اللجنة الاقتصادية للبرلمان؟ أداؤها جيد، لاسيما أن بها كوادر طيبة. هل سيكون ل"قمة العشرين" تأثير إيجابي علي الوضع الاقتصادي العالمي والمصري؟ علي الصعيد الدولي ستتسبب في تصحيح مسار الاقتصاد من التباطؤ إلي النمو كما سيصب في صالح مصر خاصة أن مصر تتأثر بالاقتصاد العالمي. يقول البعض أن مصر يمكنها أن تستغني عن 75% من السلع المستوردة.. هل هذا صحيح؟ ليس له أي أساس من الصحة، فكل ما يمكننا أن نستغني عنه من الواردات لايتعدى 15%، فقط لأن الباقي يتتمثل في السلع الاستهلاكية والاساسية. كيف تري مستقبل الجنيه المصري؟ إذا لم نعجل ونسرع الخطي في الوصول إلي موافقة نهائية للحصول علي قرض البنك الدولي، فلا حدود لسعر صرف الجنيه في تدهوره أمام الدولار. في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات كيف يتعايش المواطن البسيط ؟ مصر بها 55 مليون مواطن من الفئات غير المقتدرة والكادحة، ولا هناك بديل عن التحلي بالصبر، وانصحهم بتعلم ثقافة الترشيد.