كنت أول من اقترح على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يشكل مجلساً أو لجنة استشارية لجسر الفجوة التى نشأت بين ثوار 25 يناير والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك بسبب أن هذه الثورة ليست لها قيادة، ولا هيكل تنظيمى محدد، وكذلك ليس لها أيديولوجية محددة سوى إسقاط النظام المباركى ورئيسه وأعوانه.. إلخ، مع المطالبة بتحقيق العيش الكريم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويتعين لذلك إيجاد «آلية» يمثل فيها الثوار مع قادة الأحزاب والقوى الطائفية والسياسية من أقباط ومفكرين وعمال وفلاحين ومحامين ومهندسين وفنانين، وذلك لتحقيق «حوار منتظم» فى المسائل العامة التى يختص بها المجلس العسكرى من تشريعات وسياسيات طبقاً للدستور المؤقت!! وقد أصدر المجلس العسكرى بالفعل منذ أيام قراراً بتشكيل «المجلس الاستشارى» المكون من 30 عضواً بينما انسحب من الاجتماع الخاص بتشكيل هذا المجلس ممثلو حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية للإخوان المسلمين!!، وقد ذكروا أسباب هذا الانسحاب فى وسائل الإعلام، بأنهم يرفضون هذا المجلس لأنه يهدف إلى الالتفاف على الاستفتاء الذى تم من قبل على ما اقترحته لجنة البشرى الإخوانية بالنسبة لتعديل عدد محدد من مواد دستور 71، مع دس اقتراحها إجراء الانتخابات قبل إعداد مسودة الدستور بواسطة لجنة المائة المختارة بواسطة الأعضاء المنتخبين بمجلسى الشعب والشورى، وأضاف بعضهم أيضاً أن المجلس الاستشارى المذكور مقصود به التدخل فى الاختصاصات التشريعية لمجلس الشعب المنتخب بالنسبة لقواعد وإجراءات تشكيل هذه اللجنة، وكذلك بالنسبة لمشروعات القوانين!! والحقيقة أنه لا سند ولا أساس لهذه الاعتراضات فالمجلس الاستشارى المذكور هو مجرد هيئة استشارية مؤقتة تعاون المجلس العسكرى فى معرفة مطالب الشعب والرأى العام واتجاهاته وأهدافه خاصة بالنسبة لشباب الثوار ولن يستمر هذا المجلس إلا لفترة مؤقتة منذ تشكيله وحتى انتخاب مجلسى الشعب والشورى ورئيس الجمهورية، وليس لتوصياته واقتراحاته صفة الإلزام للمجلس العسكرى، ولا لغيره!! ويبين من ذلك أن الحزب الإخوانى يصر على الانفراد وحده باختيار لجنة المائة من أعضائه بمجلسى الشعب والشورى على أساس ما يفترضه من حصول الإخوان وحدهم على الأغلبية الساحقة من كراسى البرلمان، وذلك بمراعاة ما تم من انتخاب أغلبية الإخوان والسلفيين فى المرحلة الأولى للانتخابات!! ويبدو أن جماعة الإخوان وحزبهم يرون أنه ليس لازماً أن يضع الدستور جمعية تأسيسية تعبر توافقياً عن كل القوى السياسية والحزبية والاجتماعية والنقابية المصرية. إلخ، ويتصورون أن ذلك من حق الإخوان وحدهم بناء على الأغلبية التى يعتقدون، فى حصولهم عليها فى المرحلتين الثانية والثالثة!! وهذا غير صحيح ولا سند له، فضلاً عن أن احتمال حصولهم وحدهم على هذه الأغلبية الساحقة يعد أمراً غير حتمى، ومازال فى علم الغيب ويرتبط بإرادة الناخبين المصريين فى المرحلتين الثانية والثالثة، هذا بالإضافة إلى أن كل دول العالم التى وضعت دساتير لها خاصة بعد نجاح الثورات الشعبية فيها، قد شكلت لجاناً أو جمعيات تأسيسية تمثل كل الطوائف والفئات والعناصر السياسية المختلفة، التى يتشكل منها المجتمع المدنى، وذلك سواء تم هذا التشكيل بطريقة الاختيار والتعيين من سلطة السيادة كما حدث بالنسبة للدساتير المصرية منذ 1923 وحتى دستور 1971 المعدل 1980 ولا يجوز أن يلتزم الشعب المصرى بالبدعة التى وضعتها لجنة البشرى الإخوانية خاصة بعد أن ألغى المجلس الأعلى العسكرى دستور 71، وأصدر الدستور المؤقت الذى أدمج فيه بعض المواد التى جرى الاستفتاء عليها، وذلك بعد التعديل فى هذا ودون استفتاء عليها أو على الدستور المؤقت الذى بلغت مواده ال62 مادة!! كذلك فإنه يجب على كل النواب الذين سوف ينجحون فى الانتخابات أياً كانت أغلبيتهم أن يدركوا أن الإسلام عقيدة وشريعة يستهدف صلاح حياة المسلمين فى الدنيا والآخرة، وأن على البرلمان بمجلسيه أن يقرر القوانين اللازمة وأن ينشط أعضاء بهما فى تحقيق الرقابة على الحكومة وأدائها لتحقيق الغايات والمصالح القومية العامة للمواطنين بالعمل على تحقيق حياة حرة وكريمة لأفراد الشعب جميعاً!! دون تمييز أو تفرقة وأن أركان الدولة القومية المدنية التى بدأ تأسيسها منذ عهد محمد على تقوم على الإيمان والعلم معاً، وأن حريات وحقوق الشعب المصرى العامة تلتزم بها الدولة بناء على أحكام اتفاقيات دولية ومعاهدات تلزم بها مصر، وأبرزها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة واتفاقية منتريال لاستقلال القضاة.. إلخ، ولا يجوز إذن لأية جمعية أو لجنة تأسيسية أن تهدر أو تتجاهل حقوق المصريين فى التمتع بالعدالة وبهذه الحريات والحقوق العامة وأنه على البرلمان أن ينشغل مع الحكومة لحل المشاكل والأزمات «الحياتية الواقعية»، التى يعانى منها الشباب المصرى خاصة وهى البطالة وأزمة الإسكان، وإزالة العشوائيات والزواج وانخفاض مستوى الأجور والتقريب بين الدخول ومنع إهدار ضمانات العاملين، ومواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار، وقبل كل ذلك توفير الأمن العام للمصريين ولابد أن يعرف النواب أن بمصر 40٪ أميين و45٪ فقراء لا يزيد دخلهم على دولار فى اليوم، وأن الإسلام لا يستهدف تحويل الشعب المصرى بأغلبيته المسلمة الفقيرة إلى فقهاء فى الشريعة الإسلامية، وعلماء فى أصول الفقه، بدلاً من الوسطية المقبولة فى العقيدة، والالتزام بأركان الإسلام الخمس، وقد قال رسول الله إن المؤمن القوى طبعاً وعلمياً واقتصادياً وعملياً خير من المؤمن الضعيف والله يهدى من يشاء إلى التقوى والإصلاح. -------- رئيس مجلس الدولة الأسبق