وصلت أزمة نقص المحاليل الطبية إلى عصب المنظومة الصحية في مصر، وينبئ استمرارها بتوقف شريان الحياة داخل المؤسسات الطبية بكل أنواعها وعجز المستشفيات عن استقبال آلاف المرضى يوميا بالإسكندرية والمحافظات الأخرى، واللافت للنظر في هذه الأزمة أن كثير من المسئولين لا يدركون نتائجها، والبعض الآخر يتخذ من الإنكار وسيلة لتجاوزها ضاربا عرض الحائط بأبسط الحقائق الطبية وهى أن كثير من الأدوية يمكن توفر بدائل لها باستثناء المحاليل الطبية التي لايوجد لها بدائل، وهى تعد مفتاح إنقاذ حياة لمئات من المرضى فى كل لحظة. يقول الدكتور محمد سليمان، رئيس قسم الصيدلة بأحد المستشفيات الخاصة بالإسكندرية: "عانينا فى الأسابيع الماضية من نقص كمية المحاليل التى ترد إلينا من الشركة المنتجة، وكنا نعوض ذلك بالإعتماد على ما لدينا من مخزون إلى أن بدأ هذا المخزون فى الانتهاء تزامنًا مع رفض الشركة توريد أى كميات أخرى، واليوم علمنا أن هناك قرارا صدر بتوجيه أى محاليل متوفرة فى السوق الى المستشفيات الحكومية" . ويضيف: "إذا استمر الوضع على هذا المنوال ففى خلال أسبوعين أو أقل ستحدث كارثة وهناك أماكن لغسيل الكلى تعانى من العجز الشديد فى المحاليل وبعضها توقف عن العمل واستقبال المرضى لأن عملهم فى الأساس يعتمد على المحاليل الطبية". أما عن السبب فى تفاقم الأزمة فيتابع سليمان "السبب فى رأيى هو سوء الإدارة والتخطيط فى القطاع الطبى فقد تم غلق مصنع شركة المتحدون فارما بعد مشكلة محاليل الجفاف دون دراسة تأثير ذلك على احتياجات السوق حيث كان المصنع يغطى جزءا كبيرا منها وأصبح مصنع أوتسوكا الياباني لا يستطيع الوفاء بباقي الاحتياجات". ويضيف سليمان: "وتتبقى شركة النيل التى كانت تشترط عند الطلب منها أن نشترى مع كل زجاجة محاليل عبوة كريم من إنتاجها، وكنا نضطر للموافقة مع عدم استفادتنا من الكريم للحصول على أى كمية بالرغم من رداءة نوعية عبوة المحاليل فى شركتى النصر والنيل مما دفعنا إلى الاعتماد على شركة أوتسوكا التى تتميز بجودة منتجاتها ". وعن رأيه فى كيفية حل الأزمة يدق رئيس قسم الصيدلة ناقوس الخطر قائلا: "اذا لم يعترف المسئولون بحجم المشكلة ويعملوا على إيجاد حل سريع فستنفجر الأزمة منتصف الشهر الحالى وستعجز اي مؤسسة طبية عن القيام بدورها مما سيعرض حياة كثير من المرضى للخطر". ويتابع قائلا: "على المدى الطويل لابد أن تشدد وزارة الصحة على وجود منتج مصرى بجودة عالية كما نبهت لذلك نقابة الصيادلة مرارا بنفاد المحاليل إعلان توقف المستشفى عن العمل". ويوضح الدكتور طارق عثمان، استشارى التخدير بوزارة الصحة، مدى أهمية المحاليل الطبية قائلا: "تستخدم المحاليل للتعويض السريع للنقص فى حجم الدورة الدموية، الذى يحدث أثناء العمليات الجراحية، وفى عمليات المناظير والنزيف نتيجة للحوادث، وفى وحدات الغسيل الكلوى والعناية المركزة وتستخدم فى التغذية الوريدية لتعويض نقص الأملاح الأساسية فى الجسم ونقص الجلوكوز، كما أنه وسيلة إنقاذ حياة لمرضى السكر والذين يواجهون احتمال حدوث غيبوبة نقص السكر ، كما يتم بواسطتها إعطاء أدوية التخدير أثناء العمليات". ويتابع استشارى التخدير "تكمن خطورة نقص المحاليل فى عدم امكانية الاستغناء عنها فى أى مستشفى ولو ليوم واحد كما لا يمكن استبدالها بأى بديل آخر ويعد إعلان أى مستشفى بانتهاء مخزونها من المحاليل الطبية هو إعلان بتوقفها عن العمل واستقبال المرضى . وينظر دكتور مجدى محمود استشاري النساء والتوليد بوزارة الصحة الى الأمر من وجهة نظر أخرى فيقول : "أدى نقص المحاليل الطبية الى إزدهار السوق السوداء التى تتعامل فيها وتبيعها بسبعة أضعاف سعرها العادى ويؤدى ذلك إضافة إلى النقص فى بعض الأدوية الخاصة بالعمليات وارتفاع سعرها مثل بعض أدوية التخدير إلى ارتفاع التكلفة لأي عملية جراحية التى يتحملها المريض فى المقام الأول"، وعن مدى توفر المحاليل الطبية فى الصيدليات الخاصة تقول دكتورة آلاء عيسى التى تعمل بصيدلية خاصة بدمنهور "تناقصت كثيرا كمية المحاليل التى تصل إلينا فسابقا كان يصلنا أي كمية نطلبها أما الآن فلا يصلنا إلا خمسة عبوات محلول ملحى وخمسة جلوكوز فى كل طلبية ونشتريهم بأى سعر وبالتالى لا نبيعهم إلا لمريض نشعر أن حالته حرجه ويحتاج بشده اليهم، كما نسمع كثيرا عن احتكار بعض مخازن الأدوية لكميات كبيرة منها لبيعها فى السوق السوداء، وسمعنا أن القوات المسلحة بصدد إنشاء مصنع لحل الأزمة" . ويقول دكتور أحمد طارق صيدلى إكلينيكى بوحدة التغذية الوريدية بأحد المستشفيات الخاصة بالإسكندرية: "حتى الآن تستطيع المستشفى توفير احتياجاتنا من المحاليل والجلوكوز، ولكننا عانينا من نقص فعلى فى عقار الجلايكوفوس المحتوى على عنصر الفوسفور ولا يوجد له بديل ولا يمكن الاستغناء عنه لمرضى العناية المركزة وربما يكون السبب فى نقصه يرجع إلى مشكلة ارتفاع سعر الدولار وما يتبعه من مشاكل فى الاستيراد". وتشهد سوق الدواء المصري نقصًا حادًا في العديد من الأدوية، الذي استمر لفترة طويلة برغم قرار الحكومة رفع أسعار الأدوية المحلية بنسبة 20% لتشجيع الشركات على إنتاجها مما أثار السخط لدى المواطنين. بين تضارب التصريحات الرسمية للمسئولين عن ملف الصحة فى مصر بخصوص قضية المحاليل الطبية وواقع طبى هش تكاد تعصف به كارثة وشيكة لم تشهد مصر مثيلا لها من قبل حتى فى حالات الحروب والكوارث .. يرقد المريض المصرى امام منظومة طبية عاجزة عن ضخ محاليل الحياة فى جسده متسائلا فى صمت عن المتسبب فى هذا العجز. الأزمة ستنفجر منتصف الشهر الحالى. يذكر أن تبعا للمؤسسة البريطانية للتغذية الوريدية والمعوية فإن متوسط كمية المحاليل التى يحتاجها مريض يعجز عن تناول الطعام بالفم مثل حالات ما بعد العمليات الجراحية ومرضى العناية المركزة يتراوح مابين خمسة الى ستة عبوات محاليل يوميا، وتعلن شركة باكستر الأمريكية المنتجة لمحلول بريزماسول المستخدم فى الغسيل الكلوى أن متوسط مايحتاجه مريض الغسيل الكلوى فى الجلسة الواحدة يصل الى ستة لترات من المحاليل ،مع العلم أنه يحتاج الى جلستين الى ثلاثة جلسات أسبوعيا وأن عدد المرضى الذين يترددون على مراكز الغسيل الكلوى بلغ 140 ألف مريض كما أفاد تقرير الجمعية المصرية لأصدقاء مرضى الكلى بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية فى مارس 2016 .