أخطر الأمور التى تبلورت بعد النتائج الأولية للانتخابات التشريعية فى المرحلة الأولى، هذا الصراع المحموم بين التيار الدينى والتيار الليبرالى، الذى قد يترتب عليه فى أى لحظة، صدام شبه دينى بين المسلمين المتشددين وبين الإسلاميين المعتدلين، ومعهم إخواننا المسيحيون، فضلاً عن احتمال صدام آخر بين الأغلبية الدينية فى المجلس التشريعى وبين المجلس العسكرى الممثل للسلطة التنفيذية. هذه الصورة ظهرت بجلاء حينما قفزت نتائج الكتلة المكونة من حزب المصريين الأحرار ومعها حزب التجمع ومجموعة أخرى من الأحزاب الليبرالية، رغم أن حزب المصريين الأحرار من الأحزاب الوليدة بعد ثورة 25 يناير الماضية، إلا أن هذه الكتلة قد تفوقت على العديد من الأحزاب الليبرالية ومن ضمنها حزب الوفد، وفى غالب الأمر فإن الأحزاب الليبرالية كلها سوف تتكتل مع بعضها فى المرحلتين الانتخابيتين القادمتين فى مواجهة التيار الإسلامى الذى يجمع بين أحزاب الحرية والعدالة والنور والوسط. السؤال الآن: إذا ما ظل هذا التفوق الكبير للتيار الدينى فى مقابل التيار الليبرالى، فهل سيكون فى البرلمان القادم توافق بين مجموع التيار الدينى المكون من أحزاب الحرية والعدالة والنور والوسط؟ وهل الخلاف الفكرى بينها سيتلاشى فى سبيل الهدف الأساسى من سيطرة الإسلاميين على الحكم؟ وفى المقابل هل ستشكل الأحزاب الليبرالية كلها جبهة معارضة لجبهة التيار الإسلامى تحت قبة البرلمان؟ ومع فرص حصول التوافق بين مجموع التيارات الإسلامية المختلفة واحتكارها القرار تحت قبة البرلمان، رغم معارضة الكتلة الليبرالية، فهل فى هذه الحالة سيقع الخلاف بين الكتلة الدينية والمجلس العسكرى باعتباره هو السلطة التنفيذية التى تنادى بالدولة المدنية؟ وهل التيار الليبرالى المكون من الكتلة والوفد وباقى الأحزاب الأخرى الليبرالية ستكون على وفاق مع السلطة التنفيذية الممثلة فى المجلس العسكرى؟ ويبقى بعد ذلك سؤال مهم جداً، إذا ما أجريت الانتخابات الرئاسية للدولة ونجح فيها أحد المرشحين المنتمين للتيار الدينى فهل هذا يعنى أن السلطة التنفيذية برئاسة رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية بالأغلبية الدينية هما اللذان سيديران البلد ويضعان ما يشاءان من دستور وقانون؟ ثم هل سيرتضى ثوار 25 يناير هذا الوضع، ولا يثورون مرة أخرى فى أنحاء المعمورة طلباً للدولة المدنية؟ هناك تساؤلات عديدة أخرى ستكشف عنها الأيام القليلة المقبلة حينما تنتهى الانتخابات التشريعية تماماً ثم نشرع فى تشكيل الجمعية التأسيسية التى ستتولى إعداد الدستور. أعود فأقول أهم شىء فى تقديرى الشخصى فى هذه المرحلة الراهنة، أن تنتهى المرحلتان القادمتان من الانتخابات التشريعية على خير وكذا تشكيل الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور القادم، وفى رأيى أنه لابد أن تكون الجمعية التأسيسية جامعة لجميع طوائف الشعب على اختلاف مشاربهم، وألا يحتكر هذه الجمعية جماعة أو حزب دون باقى أطياف الشعب، الدستور هو الميثاق الوطنى الذى يرتضيه جميع المصريين مسلمين وأقباطاً ليبراليين واشتراكيين مسلمين معتدلين وآخرين متشددين، فنحن جميعاً أبناء مصر ولابد أن تكون كلمتنا على وفاق تام فى إعداد هذا الدستور وإلا ستنقلب الأوضاع علينا جميعاً. أهم الإيجابيات التى ترتبت على ثورة 25 يناير وتبلورت فى الانتخابات الحالية هى رغبة هذا الشعب فى السير على طريق الديمقراطية الحقة والحرية الكاملة وإصرار الشعب على الحضور بهذه الصورة لإبداء صوته فى اختيار حكامه، هو دليل قاطع على رغبة هذا الشعب فى الديمقراطية والحرية، فإذا كانت هذه هى رغبة الشعب، فأرجو ألا تفسدها الأطماع الحزبية والفكرية والأيديولوجية للمجموعات المختلفة التى ظهرت فى هذه الانتخابات، التضارب بينها والخلاف بينها سيؤدى ببلدنا إلى كوارث أرجو أن نتفهم ذلك جيداً وأن نعى أن مصلحة مصر فوق كل شىء. وفى النهاية أتمنى ألا ينال الغرور من التيار الدينى نتيجة هذا التأييد الكبير من الشعب، لأنه لولا ثورة 25 يناير التى حررتنا جميعاً من قيود وظلم وقهر الفترة الماضية، لما تحقق لهم هذا الانتصار الكبير، الغرور والعظمة والكبرياء قد يجرنا جميعاً إلى التهلكة وهذا هو مكمن الخطر.