«بلاها لحمة وفراخ».. هنقضيها «قرداحى».. ولو مفيش هياكل ومرقة على شوية ملوخية وبامية، يبقى مفيش غير الجبن القريش والفول.. وهى أكلة والسلام.. هذا لسان حال الغلابة وهم يستعدون لإفطار رمضان. «الوفد» شاركت هؤلاء الإفطار، جلست معهم وأكلت من أكلهم واستمعت الى قصصهم المؤلمة. من عبد العليم الخباز إلى عبد النبى إلى الحاجة شاهدة، لمسنا كم يعانى فقراء مصر ويكابدون.. ومع ذلك صامدون قانعون بما كتب الله لهم، أو كما قالوا «نصيبنا كده.. ولازم نرضى بالمقسوم».. حتى ولو كان مرقة هياكل وشوية فول. معاشه 400 جنيه.. ويستعين بصديق عبدالعليم الخباز.. اللحمة والفراخ لا تدخل بيتنا «يتناول السحور ثم يذهب مسرعاً على الفرن الذى يعمل به، رغم بلوغه سن التقاعد، ولكنه يتحدى السن والمرض ويقرر ألا يجلس فى المنزل عاطلاً خاصةً مع ارتفاع تكاليف العيشة والأسعار التى ترتفع يوماً تلو الآخر. عبدالعليم عبدالحميد يعمل خبازاً بأجر بسيط فى أحد الأفران فى بين السرايات، يعيش مع أسرته المكونة من 6 أفراد، زوجته وأولاده الخمسة، اثنان منهم فى تعليم عالى وواحد فى ابتدائى وآخر فى إعدادى والخامس رضيع. أحياناً لا يفطر مع أسرته بسبب ظروف عمله، والتى تقتضى أن يسهر أحياناً فى الفرن، فيقوم بإعداد الطعام فى حجرة بسيطة ويدعو أحد زملائه لكى يفطرا معاً. «معاشى مش بيكفى العيش الحاف»، هكذا تحدث عبدالعليم، مشيراً إلى أن معاشه لا يتجاوز 400 جنيه شهرياً لذلك فضل أن يعود مرة أخرى للعمل لكى يستطيع الإنفاق على أسرته، وأن يلبى جميع احتياجاتهم. ويضيف: فى الفطار، تكون الملوخية.. والبامية و«مرقة هياكل الفراخ»... هى أكلتنا المفضلة، دون «زفر» كما يقول «أحمد» زميل وصديق عبدالعليم، مشيراً إلى أنهم كانوا يقاطعون اللحمة بسبب جنونها وارتفاعها المستمر، ويستعينون بالفراخ، ولكن الفراخ كمان ارتفع ثمنها، مش باقى لينا غير الهياكل اللى بنحمد ربنا عليها، وبعمل أى طبخة عليها والسلام.. وأهى المعدة مش بتقول «لا» على حاجة. أثناء الإفطار تبادلت معهما أطراف الحديث عن المعيشة والحياة. فقال عبدالعليم، زمان كان الخير كتير، والحياة بسيطة والناس مش «بتخبى حاجة عن بعضها وكان لو حد عمل أى حاجة حلوة أو طبخة عليها القيمة.. يعزم على جاره... انما الآن لو واحد اشترى لحمة بقى بيخبيها من التانى أحسن ما يحسدوا عليها.. الدنيا مابقاش فيها خير خالص. أما أحمد الذى يعمل كهربائي، وكان ينتظر أحد الأشخاص لإصلاح عطل يسترزق منه أو كما قال يطلع منه بعشرة أو عشرين جنيه، يقدر يفطر بيها أفراد أسرته... ورغم الفقر الشديد الذى يعانى منه أحمد يرى أن الدنيا لسه فيها خير.. «وربنا مش بينسى العبد الصالح أبداً».. بيتها حجرة واحدة وحمام.. ودخلها 300 جنيه من الضمان وجبة الحاجة شاهدة.. أرز وبطاطس الحاجة شاهدة أرملة منذ أكثر من 28 عاماً، رفضت أن تتزوج بعد وفاة زوجها، وقررت أن تعيش وحيدة بعد علمها بعدم «إمكانية حصولها على طفل» أو أن تبقى «أماً» بسبب مشاكل فى الرحم، فرضيت بنصيبها وعاشت وحيدة، إلا من حب الناس. تقضى الأرملة شاهدة اليوم فى رمضان فى منزلها البسيط المكون من حجرة واحدة وحمام، وصالة صغيرة، تستيقظ فى الصباح الباكر لكى تقوم بترتيب بيتها البسيط، ثم تذهب إلى السوق وتحضر بعض الخضراوات والسلع لكى تقوم بإعدادها على «شعلة غاز». قبل أذان المغرب بلحظات تنادى على الابنة الصغرى لأحد أبناء عمها، لكى تشاركها «الفطار»، حتى لا تكون وحيدة، ثم تضع ما أعدته طوال النهار على «طبلية» من الألومنيوم وبجوارها بوتاجاز صغير لعمل الشاى عليه. ومع أذان المغرب تبدأ بشرب المياه والتمر، ثم تمد يدها لكى تأكل البطاطس والأرز والسلطة.. والفول الذى يحل محل اللحمة والفراخ، ثم تشكر ربنا على هذه النعمة بوجه راضٍ غير حاقدة أو ناقمة على أحد. سألتها أخبارك إيه؟ قالت بابتسامة لا تخلو من الانكسار: «رضا.. والحمد لله»، كل اللى يكتبه علينا ربنا إحنا راضيين، مشيرة إلى أن الحياة «غالية» والأسعار ارتفعت ومع ذلك ربنا بيدبرها أهو شوية فول ورز.. وشوية تانية ربنا يرزقنا ونجيب فراخ وتبقى الحياة «فل الفل». وتابعت، أنا عايشة على ال300 جنيه اللى باخدهم من الضمان الاجتماعى، من يوم ما مات زوجى كنت بتقاضى حوالى 50 جنيه، وتزايد هذا المبلغ مع مرور الوقت.. حتى وصل إلى 300 جنيه.. والحمد لله ربنا بيدبرها وعايشين والحمد لله. ومع أن ربنا لم يرزق الحاجة شاهدة بأطفال، إلا أنها قامت بتربية العديد من الأطفال فى المنطقة، واعتبرتهم مثل أولادها بالضبط. تجمعهم طبلية واحدة.. ولا يعرفون شكل «الياميش» 22 فرداً فى رقبة عبدالنبى فى حى بسيط بالجيزة تسكن عائلة مكونة من 12 فرداً و6 أحفاد، يعيشون معاً فى منزل من حجرتين وصالة، يجتمعون قبل أذن المغرب، على «طبلية واحدة» للإفطار، ويعيشون حياة هادئة وبسيطة بعيدة عن كافة التعقيدات. «عبدالنبى السيد»، و«ليلى عبدالحميد» أب وأم ل5 أبناء وثلاث بنات، وجد وجدة لسبعة أحفاد يجلسون جميعاً على مائدة واحدة بالمكرونة والبطاطس المحمرة.. يعنى خالية من أى لحوم أو بروتين. «كيلو الرز ب7 جنيه ونص»، يقولها عبدالنبى»، بحرقة وحسرة: «هنعمل إيه مش هنقدر نشترى كل حاجة 400 جنيه مرتب هيعملوا إيه، هناكل بيها والا نتعالج والا نصرف على العيال». الجد الستينى يعمل فى أحد النوادى الرياضية «بائع حلويات»، يرى أن أيام شبابه كانت أحلى: «كنا بنعرف الفرحة، وكانت الحياة رخيصة ومش بنحس بتكاليف الحياة. فكنا نجيب شوية بلح قبل رمضان ونعلق زينة، كان الحال على القد برضه بس كان فيه خير، إنما جيل ولادى وأحفادى مظلوم أوى، هيعيشوا إزاى بكرة؟.. مش عارف». والأولاد هم: «فتحى.. كارم.. سعد»، والبنات هن «كوثر، سحر»، تحكى «كوثر» وهى أصغرهم سناً عن زوجها والحالة الصعبة التى وصلا إليها: «زوجى عامل باليومية.. يوم يعمل وعشرة لا» والحياة بقت غالية وإحنا معانا 3 عيال، و3 شهور مرت دون شغل، فالدنيا ملطشة خالص، وأقل وجبه دلوقتى ب30 جنيه. أما «سحر»، فطلقها زوجها منذ 5 سنوات، وتعيش هى وابنها 7 سنوات فى منزل والدها، ولكى تخفف الحمل على والديها قررت أن تعمل «كخادمة» فى إحدى حضانات الأطفال، لكى تنفق على طفلها الوحيد. عندما سألتها عن الياميش وأسعاره قالت ساخرة: لا أعرف من الأساس سعر الياميش ولا البلح ولا الفانوس، مؤكدة أنها منعت ابنها الوحيد من الخروج ، بسبب ارتفاع الأسعار، فحديقة الحيوان تذكرتها ب5 جنيهات. أما الأبناء الثلاثة فيعملون باليومية ويعيشون مع زوجاتهم فى منزل والدهم، «كارم» الابن الأكبر، قال: من كام يوم، ابنى تعب، وكان جسمه مولع، ذهبت مسرعاً لكى أحضر طبيباً عيادته قريبة منا، الدكتور قال لى هكتب لك على دواء ولابد أن تضعه فى التلاجة قلت له ماعنديش ثلاجة، ولما رأى منظرى والعيال حولى، وشاهدنى أبكى خرج وأحضر العلاج مع ابنى محمد، فتحسرت كثيراً على حالى وعلى الفقر الذى يلازمنا ولا يفارقنا أبداً».