يرى غالبية أطياف الشعب أنهم أكثر من أفسدوا فى الأرض خلال عهد النظام السابق، بينما يرون الآن أنهم ضحية للظلم كغيرهم بحرمانهم من رواتب ومعاملة آدمية فى عهد الوزير السفاح حبيب العادلى. لم يدخر أمناء الشرطة جهدا للتصالح مع المواطنين وإقناعهم بأنهم شركاء فى القهر،بل راحوا يسكبون نارا على زيت الكراهية التى يحظون بها، بسلسلة من الاحتجاجات المستفزة بدأوها بعد خلع مبارك مباشرة. كانت البداية بسماح محمود وجدى وزير الداخليه السابق لهم بالخروج فى مظاهرات فئوية للمطالبة بعدة مطالب مادية لتحسين أوضاعهم المعيشية ومساواتهم بالضباط وإلغاء المحاكمات العسكرية لهم وعودة المفصولين، الذين يقارب عددهم ثلاثة آلاف مفصول تحولوا فى الأغلب لاحتراف الإجرام وتكوين تشكيلات عصابية وبعضهم مسجل بالفعل على ذمة أنشطة مخدرات وسلاح. وبالفعل قرر وجدى فى تصرف مفاجئ إعادتهم جميعا، بل وأغدق عليهم العطايا والمنح إلى جانب الضباط، متجاهلا ما تمر به البلاد من حالة انفلات أمنى وخطورة اتخاذ مثل هذه الإجراءات وهو ما اتفق عليه عدد من خبراء الأمن. الغريب أن منصور العيسوى لم يدخر جهدا هو الآخر لإرضاء هذه الفئة رغم تصريحاته القوية فى البداية عن الحزم والانضباط وقوله «للى مش هيشتغل يروح» ليرتفع سقف مطالبهم بالانضمام لائتلاف ضباط وأمناء الشرطة وزيادة نشاطهم الملحوظ على موقع فيس بوك والذى دعوا عليه إلى اعتصام 24 اكتوبر المفتوح أمام مقر وزارة الداخلية، ليكون بمثابة انتفاضة لمناء الشرطة. وبالرغم من الاستجابة لأغلب مطالبهم المادية، بعد عقد اجتماع معهم فى الليلة الأولى للاعتصام إلا أنهم صمموا على البقاء، وتصعيد المطالب إلى إقالة وزير الداخلية وتعيين وزير مدني أو عسكرى أو من هيئة قضائية, وإلغاء المحاكمات العسكرية التى ألغاها وجدى وأبقى عليها العيسوى. ما يثير كثيرا من الأسئلة حول طبيعة هذه المطالب ومن يقف وراءها، طرح المعتصمون بعض الأسماء لخلافة العيسوى منها العقيد السابق عمر عفيفى المقيم فى الولاياتالمتحدة والمطلوب حاليا للقضاء المصرى على ذمة اتهامات بالتحريض فى أحداث ماسبيرو, إضافة إلى الوزير السابق محمود وجدى والذى أشادوا به ورفعوا لافتات ورددوا هتافات مؤيدة وشاكرة له. هنا لابد من الالتفات إلى صراع القوى الناشب داخل وزارة الداخلية مابين فلول الوزير المحبوس حبيب العادلى وأنصار خليفته محمود وجدى، والفريق الذى يحاول الوزير الحالى منصور العيسوى تثبيت أقدامه دون نجاح يذكر حتى الآن، لنكتشف بسهولة أن وجدى هو كلمة سر هذه الاحتجاجات، فقد بذل دورا خلال ولايته غير المستقرة لفترة لم تتجاوز الشهر سمح بتأجيج فتنة فى بنيان جهاز الأمن، باعتماده إجراءات خطيرة من إعادة الأمناء المفصولين للخدمة وإلغاء المحاكمات العسكرية لأفراد الشرطة دون تقنين بديل كمجلس تأديب الضباط ما أدى لانفلات بعضهم وتطاولهم على رؤسائهم فى العمل، وموافقته على جميع مطالبهم ومنحهم حق العلاج بمستشفى الضباط، قبل تردد أنباء مؤخرا عن تورطه فى تدبير موقعة الجمل وأحداث الاعتداء على المتظاهرين. الصلف الذى كان يتعامل به أمناء الشرطة فى السابق بوصفهم عصا الأمن الغليظة وذراعه الممتدة فى كل حى وشارع، تجلت من جديد خلال احتجاجهم فى صورة عنف وتمرد وتهديد بالتخريب وقطع الطرق، كما حدث فى الشرقية والدقهلية وإتلاف السيارات كما حدث فى المنوفية، فضلا عن قطع الطرق المؤدية إلى وزارة الداخلية. وتطورت الأحداث مساء الثلاثاء إلى تهريب سجناء قسم ثان العاشر من رمضان قبل السيطرة على المحاولة، واقتحام مديرية أمن البحر الأحمر وهروب مدير الأمن خوفا من المعتصمين المهاجمين.. ما دعا الداخلية لإصدار بيان يؤكد انها لم تتخذ إجراءات استثنائية خلال الأحداث، ولكنها لن تسمح بأية صورة من الصور باستمرار محاولات أمناء الشرطة التصعيد المستمر وتعطيل الأعمال والإضرار بمصالح المواطنين لتحقيق أهداف خاصة على حساب مصر واستقرارها. بيان الداخلية أعلن أنه سبق الاستجابة لأغلب المطالب المالية والإدارية لأفراد الشرطة، فى أعقاب اللقاءات العديدة التى عقدها وزير الداخلية وقيادات الوزارة والممثلين المختارين من أفراد الشرطة المحتجين، كان آخرها فجر الثلاثاء، وانتهت بالموافقة على أغلب المطالب وإعلانهم إنهاء الوقفات الاحتجاجية. واستنكر البيان الإصرار الواضح على استمرار الوقفات والامتناع عن العمل والتصعيد غير المبرر، رغم ذلك، بل والقيام بتصرفات من شأنها الإضرار بأمن البلاد ومصالح الجماهير وتعطيل العمل بالمنشآت الشرطية ما تخطى حاجز المطالب الأساسية التى طالما كانت تنادى بها تلك التجمعات - حسب وصف البيان. الأخطر هو ما رصدته وزارة الداخلية من تدخل بعض العناصر المُحرضة لاستغلال تلك الأحداث وتحريكها فى اتجاه إحداث فوضى شاملة بالبلاد للتأثير على مناخ الاستقرار المطلوب وقطع الطريق على الانتخابات البرلمانية المقبلة. من ناحية أخرى عبر كثير من المواطنين عن سخطهم من هذه التحركات التى يتبناها أمناء الشرطة المنبوذون والتى وصلت إلى الإضراب، لأنه يزيد من حالة الانفلات الامنى وعدم شعور المواطن بالاستقرار. عدد من المواطنين يردد أن هؤلاء المحتجين غير منتجين ويحصلون على رواتب من الضرائب بزيادة تستقطع من دم الشعب ثم يطالبون بالمزيد دون أن يلتزموا بتأدية واجبهم الوظيفى بدليل غياب الامن وانتشار البلطجة, وهاهم يساهمون فى زيادة الانفلات بتهيئة الأجواء لعودة محاولات هروب السجناء فى أقسام الشرطة والسجون، فى ظل مناخ مريب بسبب تفجر هذه الاحتجاجات مع قرب انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وفى ظل دعوات تنطلق هنا وهناك لتعطيل الانتخابات. إن ما يحدث من احتجاجات فئوية مهزلة حقيقية لم تكن مقبولة من جانب المواطنين العاديين فكيف تتأتى من أشخاص نظاميين تحكمهم قواعد الانتماء لجهاز أمنى من المفترض ان يكونوا أكثر حرصا على الامن وتطبيق القانون..هكذا تساءل أحمد الفولى مساعد وزير الداخلية السابق رافضا بعض التصرفات التى صدرت عن أمناء الشرطة خلال الاعتصام، مشيرا إلى أن هناك عده طرق فى قوانين الشرطة تتيح لهم الحصول على حقوقهم ومن خلال التحاور مع وزير الداخلية نفسه. الفولى أشار إلى أن اللقاءات التى جمعت أمناء الشرطة بوزير الداخلية حققت جانبا من مطالبهم مثل منع المحاكمات العسكرية، مضيفا: لكن مايحدث الآن يثير القلق والشكوك فهناك ثلاثة آلاف أمين شرطة كانوا مفصولين من العمل، أعادهم الوزير السابق محمود وجدى بعد أول اعتصام لهم عقب الثوره، وجزء من هذا القرار خاطئ لان هناك اخطاء إجرامية لايمكن أن يعود مرتكبها الى جهاز الامن وحمل سلاح ميرى ليحمى القانون من جديد بعد انتهاكه، ومن الضرورى إعادة فرز العائدين وأن يتخذ المجلس التأديبى بالوزارة إجراءات تجاه هؤلاء. وأوضح الفولى أن علو سقف مطالب المحتجين حتى طلب إقالة وزير الداخلية فلتان غير مقبول, قائلا: وزير الداخلية قام بدوره تجاههم وتحملهم كثيرا عبر نقاشات عديدة, مشيرا إلى أنه يرفض الموافقة ولو بشكل مبدئى على إلغاء المحاكمات العسكرية لأفراد الشرطة حسب مطالبهم. وقال: هذا ابتزاز فى وقت حرج ولا يحق ولا يصح من الناحية الأدبية والفعلية, وأشكر الأمناء الذين لم يستجيبوا لهذه الغوغائية. سعد الزنط الخبير الأمنى يؤكد أهمية فئة أمناء الشرطة فى المؤسسة الأمنية لان عددهم يقدر بنحو 300 الف على مستوى الجمهورية، قائلا: ما يقومون به فى هذا التوقيت عملية مدبرة ومقصودة مع الوضع فى الاعتبار المميزات التى منحها إياهم وزير الداخلية السابق من إلغاء المحاكمات العسكرية والتمتع بخدمات النوادى والمستشفيات الشرطية ومنحهم زيادة فى الرواتب تعادل ضعف ماكانوا يتقاضونه وجميعها مكاسب حسنت من أوضاعهم المادية والمهنية. ويضيف الزنط: هذه المميزات جاءت فى وقت خاطئ من جانب «وجدى»، حيث منحهم فرصة غير مسبوقة للتمرد على قياداتهم، ما أدى إلى سوء آدائهم خاصة فى المواقع الجماهيرية, إضافة إلى تدنى مستوى التمسك بقيم الرسالة الشرطية وهو أمر ملموس لدينا جميعا. وحذر الزنط من هذه الاحتجاجات لانها قد تثير ضباط الشرطة فى المرحلة القادمة وتحول الامر الى صراع وتحد متبادل بين الطرفين يطيح بالمؤسسة الأمنية التى نحتاجها الآن وليست فى حاجة الى مزيد من الاعباء. الأزمة الحالية ان قيادات الداخلية أصبحت أقل جرأه وقدرة على إصدار قرارات صارمة, ما نتج حتما عن الظروف المحيطة وتجربتها المريرة خلال الثورة... ويرى الزنط أن الوضع يحتاج إلى إعادة الانضباط لهذه الفئة بالحوار أولا والاتفاق على إجراء قانونى يعيد هندسة العلاقة بين هذه الفئة والمؤسسة الأمنية, إذ يجب على المؤسسة أن تستعيد هيبتها بترتيب البيت من الداخل بقررات حازمة بسبب حساسية الموقف والتوقيت، فالأمر يتعلق بأمن الوطن وهيبته. الزنط يشير إلى أن معظم هؤلاء الامناء على مستوى المسئولية ولا زال كثير منهم يؤدون أعمالهم بأمانة ولكن هناك فئة قليلة منهم عادت ضمن مايزيد علي ألف أمين شرطة مفصولة لاسباب شائنة للخدمة، هى من تقف وراء تصعيد الأحداث. وأضاف: للأسف قرارت وزير الداخلية السابق باعادة خدمة الأمناء المفصولين كادت تمتد الى مجموعة ضباط تم فصلهم أيضا بنفس الطريقة إلا ان القدر حال دون إتمام ذلك، وهى قرارات فى مجملها تقوض أسس رسالة أجهزة الأمن. وبشأن مطالبهم بإلغاء المحاكمات العسكرية قال الزنط إن هذا القرار اتخذه وزير الداخلية السابق بالفعل ولكن الأمناء لديهم إصرار على ان يتضمنه مرسوم عسكرى, وذلك لن يتم إلا بعد الدراسة الفنية والتشريعية من جانب الإدارة العامة للشئون القانونية بوزارة الداخلية لتحديد مدى صلاحيته للعمل من عدمه, وأضاف: أعتقد ان الوزارة ليست بحاجة الى تعديل هذا التشريع فقط وإنما لإعادة صياغة قانون الشرطة. اللواء مجدى شريف مدير مباحث الامن المركزى سابقا يرى ان ما يجرى الآن بلطجة من جانب أمناء الشرطة قائلا: إن هؤلاء أصبحوا خطرا على المجتمع بعد أن تولد تطلعات لديهم لتغيير أوضاعهم وصاروا قنبلة موقوتة قد تنفجر فى أمن الوطن. وأضاف شريف: أمناء الشرطة أصبح لديهم حقد طبقى ويتطلعون إلى أن يكونوا فى نفس مستوى الضابط, وانحراف بعض ضباط الشرطة بثرائهم السريع جعلهم يتطلعون إلى تقليدهم والمساواة بهم . تدنى المستويات المادية والصحية لأمناء الشرطة واختلاطهم بالمناطق العشوائية التى يعيشون فيها ساهم فى انحراف بعض القيم لديهم- يضيف شريف- والشرطة هيئة نظامية شبه عسكرية وغير مقبول ان يكون بها فئوية، وهناك أياد خفية تعبث بالوزارة وبالامن ايضا، وفق مخطط يشبه إلى حد كبير أحداث الأمن المركزى التى أطاحت باللواء أحمد رشدى وزير الداخلية الأسبق، لذا يجب التعامل بسرعة وحزم مع هذه الاحتجاجات. فيما يرى الخبير الأمنى محمد عبدالفتاح عمر أن مايحدث من امناء الشرطة حاليا يحتاج إلي اجتماع بهؤلاء المضربين عن العمل لبحث مطالبهم بشكل فورى وحل المشكلات المقبولة منها واشعارهم بأنهم الذراع التى يعتمد عليها الأمن المصرى فى تحقيق رسالته, لأن هؤلاء على دراية كاملة بالحوافز والبدلات والرواتب التى يتقاضاها زملاؤهم فى كافة المواقع الاخرى . وأضاف: أرجو ألا يتهمهم أحد بأن لديهم اجندات وأيادي خفية تديرهم، فبعض المحتجين يؤيدون الوزير منصور عيسوى ومن رجاله، وعلى الوزير ان يختار الوجوه التى تجلس مع هؤلاء لتجنب تفاقم الأزمة وتعلن النتائج خاصه اننا مقبلون على انتخابات تحتاج الى أن تمر بسلام. عمر يؤكد أن هؤلاء الأمناء عاشوا حياة «ضنك» لسنوات طويلة ويجب عليهم ان يصبروا قليلا حتى تستقر الامور، مقترحا أن يقوم الوزير بتكليف إدارة التفتيش بفحص حالات من صدر ضدهم احكام عسكرية بالفصل وإنصاف من ظلم. وعلى الجانب الاخر يرفض اللواء السابق فؤاد علام تجاوز أى فرد من جهاز الشرطة خلال الإضراب عن العمل، مشددا على أنه لابد من اتباع الإجراءات القانونيه اللازمة.