كشفت "وثائق بنما" المسربة عن فضيحة كبرى لقادة وسياسيين حاليين وسابقين من مختلف دول العالم، تورطوا فى عمليات إخفاء ثروات، وتهرب ضريبي، لكن الوجه الآخر لهذ التسريب هو أنه يفضح سعي أمريكا لإفشال أي دولة أو حكومة تخطو نحو التنمية، وحرصها على استمرار التوتر في الشرق الأوسط، وفرض واقع جديد يحقق مصالحها. لا يمكن لأحد أن يبرر فسادا أو أن يتجاهل ما حوته "وثائق بنما"، لكن الضروري أيضا ملاحظة أنها خلت من أي شخصية أو شركة أمريكية أو حتى إسرائيلية، وهو ما يؤكد وجود أهداف سياسية "خبيثة" بين سطور هذا التسريب الضخم يجب قراءتها جيدا؛ لمعرفة على من تريد أمريكا أن تطلق الرصاص.. هل انتقاد الفساد في الدول العربية المدعومة من واشنطن، أمر مفاجئ أو جديد، وهل هذه التسريبات تحاول كشف تحايل عدد كبير من رجال الأعمال، ورؤساء دول وضعوا أموالهم في الجزر المعروفة ب"الملاذات الضريبية" فقط، أم أن هناك سيناريو آخر؟!. قال أوباما في فيديو على الموقع الرسمي لوزارة المالية الأمريكية اليوم: "إنه وجه منذ سنوات للقضاء على الظلم في نظام أمريكا الضريبي؛ لذلك فهو سعيد بإجراءات وزارة المالية الجديدة التي منعت استفادة مزيد من الشركات بالثغرات الضريبية، ويبقى فقط الهاربون من دفع الضرائب المستحقة عليهم خارج البلاد.. وأكمل أن الصحافة الاقتصادية اهتمت مؤخرا بهذا الأمر في إشارة إلى "وثائق بنما"، وأنه أراد التأكد من إجراء وزارة المالية ولماذا وجه بما فعلته.. ولسان حاله يقول "إحنا اللي عملنا المقلب ده". توقيت التسريب لم يكن صدفة بل جاء نتيجة اختيار دقيق بعد أسبوع من تحرير تدمر السورية بمشاركة القوات الروسية؛ الذي يمثل نكسة لتنظيم "داعش".. والسؤال الآخر: هل أمريكا بمعزل عن الفساد؟!!، ولماذا استفزاز الخليج؟ وهو يجعل النظر بشكل بانورامي شامل للتسريب ليس "صحيحا"، ومن الضروري التعامل بشكل فردي، وقراءة الابتزاز الغربي جيدا للحصول على أهداف سياسية بعيدة عن "الفساد".. في محاولة للتأثير على حلف سوريا وروسيا الذي يحقق انتصارات على الأرض. يرجح اللواء طيار أركان حرب هشام الحلبي، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن دول أو أجهزة مخابرات وراء هذا الكم الضحم من الوثائق المسربة، نحو 11 مليون وثيقة تكشف عملية إخفاء مليارات الدولارات من قبل قادة وسياسيين من مختلف دول العالم، خاصة أنه أصبح أمرا متكررا ومن دون اعتماد على تحليل؛ مستبعدا إمكانية حصول أفراد أو جهات خاصة على مثل هذه الوثائق. وأضاف أن هناك سناريو محتمل بأن تكون أجهزة مخابرات استخدمت هؤلاء الصحفيين من دون علمهم ووضعت هذه الوثائق -عن قصد- في طريقهم، وقد يكون جزء من هذه الوثائق غير صحيح ومقصود تمريره. وأكد "الحلبي" أن التوقيت والدول المشار إليها في التسريبات يضع أمامنا علامات استفهام كبرى، وأشار إلى أن هناك من يريد الحفاظ معدل التوتر في منطقة الشرق الأوسط أو زيادته. وعاد "الحلبي" وتساءل هل هذا الكم من الوثائق بلا مقابل؟، وهل يملك هؤلاء الصحفيون مقابل الحصول عليها؟ أم أن صحف كبرى تدعمهم في مقابل نشرها بعد الحصول عليها، خاصة أنهم لم يقدموها إلى جهات القضاء أو إلى منظمات حقوق الإنسان؟ وختم الحلبي بسؤال كبير: ابحث عن صاحب المصلحة تعرف من وراء التسريب؟. جدير بالذكر أن تسريب وثائق بنما، يتفوق على عدد وثائق فضيحة ويكيليكس، التي أعلن عنها في 2010، والوثائق المخابراتية التي سربها إدوارد سنودن للصحفيين في 2012، وهو ما قد يعكس حملة أمريكية للثأر بكشف الوثائق واستخدامها في الابتزاز السياسي، ومحاولة تضخيم الملف بشكل غير مسبوق، في سلسة مدروسة ومكررة من حروب الجيل الرابع التي تحترفها أمريكا وتنصّب نفسها الحاكم الأعلى على دول العالم وتوزع أحكاما في اتجاهات مختلفة "مع وضد" وتنشر حالة الضبابية وعلامات الاستفهام؛ كي "تسبك" دور الدولة العادلة التي تدافع عن القيم السامية، وهي عن ذلك ببعيد.. ولنا في خدعة أمريكا للعراق بإعادة هيكلة جيشها ووهم تحقيق الحياة الديمقراطية هناك "خير مثال". أمريكا باتت تهدف إلى ضرب القطاع المدني في أماكن مصالحها، باستخدام مواطني هذه الدول المستهدفة تحت ما يسمى القوة الذكية "مزيج من القوتين الصلبة والناعمة"، وهو المصطلح الذي ابتكره جوزيف ناي، أحد الأكاديميين المؤثرين في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الأميركية، وكانت كتاباته مصدرا رئيسيا لتطور السياسة الخارجية لأوباما. أمريكا غيرت شكل الحرب وصارت تستهدف القطاع المدني للدول التي تريد خوض حرب ضدها أو لها مصالح معها، وفي أحداث الربيع العربي "مثال آخر"، وكيف استغلت أمريكا المظاهرات المعبرة عن إرادة شعبية حقيقية ووجهتها إلى أهداف تخدم مصالحها واستقرار إسرائيل فقط. كانت "وثائق بنما" التي كشف عنها صحفيون تابعون للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، الأحد الماضي، أضهرت عمليات إخفاء مليارات الدولارات من قبل قادة وسياسيين من مختلف دول العالم.. وتكشف الوثائق وقائع فساد تخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والسوري بشار الأسد والليبي الراحل معمر لقذافي، والعائلة الحاكمة في قطر، إضافة إلى علاء مبارك، الابن الأكبر للرئيس المخلوع حسني مبارك . الوثائق سميت "وثائق بنما"، وجرى تسريبها من شركة موساك فونسيكا للخدمات القانونية التي تتخذ من بنما مقرا لها، وتعتبر إحدى أكثر الشركات التي تحيط أعمالها بالسرية. توضح الوثائق كيف ساعدت شركة موساك العملاء على غسيل الأموال، وتفادي العقوبات، والتهرب من الضرائب، بأن تصمم العديد من الشركات حساباتها المالية بطريقة تجعلها تنفذ نشاطها الاقتصادي في بلدان ذات معدلات ضريبية مرتفعة، وتحاسب ضريبيا على هذا النشاط في البلدان أقل في معدلات الضريبة. شاهد الفيديو https://www.facebook.com/ustreasury/