مازالت تداعيات فضيحة "وثائق بنما" المسربة تتواصل, وتثير ردود فعل متباينة في دول العالم, حيث اعترف رامون فونسيكا, أحد مؤسسي شركة "موساك فونسيكا" للمحاماة, ومقرها بنما, بصحة الوثائق المسربة من شركته, والتي فضحت قيام زعماء وسياسيين ومشاهير في دول العالم بالاستعانة بشركات أجنبية سرية في الخارج بطرق غير مباشرة، والتستر وراءها, من أجل إخفاء ثرواتهم, التي نهبوها من بلادهم. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن فونسيكا, قوله إن الوثائق التي تم تسريبها في 4 إبريل, ونشرتها مئات الصحف، صحيحة. وفيما نفى ارتكاب شركته أي مخالفة قانونية، اعترف في الوقت ذاته بحدوث اختراق ناجح، لكنه "محدود" لقاعدة بيانات الشركة. وتابع " هذه التسريبات جريمة وجناية، الخصوصية هي حق أساسي من حقوق الإنسان وتتآكل أكثر فأكثر في عالمنا اليوم، كل شخص لديه الحق في الخصوصية سواء أكان ملكا أم متسولا". وأضاف فونسيكا أيضا أن عملية التسريب "هجوم على بنما, لأن بعض الدول لا تروق لها مقدرتها التنافسية العالية على جذب الشركات". واستطرد "هناك حرب بين الدول المنفتحة مثل بنما والبلدان التي تفرض ضرائب أكثر فأكثر على شركاتها ومواطنيها". وكان الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين, الذي يضم أكثر من من مائة صحيفة, ومقره واشنطن, كشف عن مفاجأة مدوية هزت العالم بأكمله, بنشر ما قال إنه تحقيق واسع في تعاملات مالية خارجية لعدد من الأثرياء والمشاهير والشخصيات النافذة حول العالم، استنادا إلى 11.5 مليون وثيقة زوده بها مصدر مجهول. ونقلت "رويترز" عن الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين, قوله في بيان له, إن الوثائق التي سُرِّبت من شركة "موساك فونسيكا" للمحاماة -ومقرها بنما- احتوت على بيانات مالية لأكثر من 214 ألف شركة فيما وراء البحار، في أكثر من مائتي دولة ومنطقة حول العالم. وأظهرت تلك الوثائق تورط عدد كبير من الشخصيات العالمية -بينها 12 رئيس دولة، و143 سياسيا- بأعمال غير قانونية مثل التهرب الضريبي، وتبييض أموال عبر شركات عابرة للحدود. وعقب نشر الوثائق, التي عرفت بفضيحة "وثائق بنما", أعلنت أستراليا والنمسا والبرازيل وفرنسا والسويد أنها بدأت التحقيق في مزاعم تستند إلى أكثر من 11.5 مليون وثيقة من شركة "موساك فونسيكا", وهي متخصصة في تأسيس شركات المعاملات الخارجية "أوفشور". وطلبت الحكومة البريطانية نسخة من البيانات المسربة التي قد تسبب حرجا لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد ورود اسم والده الراحل إيان كاميرون في الوثائق. واتصلت هيئة الرقابة المالية في السويد بالسلطات في لوكسمبورغ لطلب معلومات ذات صلة بمزاعم أفادت بأن مجموعة نورديا البنكية ساعدت بعض العملاء على فتح حسابات في ملاذات ضريبية في الخارج. وفي أوكرانيا, دعا مشرعون البرلمان إلى التحقيق في الادعاءات بأن الرئيس بوروشينكو استخدم شركة خارج البلاد للتهرب من الضرائب. أما في آيسلندا, فقد دعا أعضاء المعارضة السياسية رئيس الوزراء ديفد غنلاوغسن إلى الاستقالة في أعقاب نشر الوثائق التي تؤكد احتفاظه هو وزوجته بأموال سرية في أحد الملاذات الضريبية بجزر البحر الكاريبي. وفي المقابل, ندد الكرملين بالتسريبات التي اشتملت على شخصيات روسية مقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، وقال إن الرئيس بوتين هو المستهدف الأساسي بها. وشدد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين على أن الهدف "زعزعة الوضع" في روسيا، مشيرا إلى أنه "لا يوجد شيء جديد أو ملموس" حول الرئيس بوتين في التسريبات. وتابع بيسكوف للصحفيين "بوتين، وروسيا وبلادنا واستقرارنا والانتخابات المقبلة، كلها الهدف الرئيسي وخصوصاً من اجل زعزعة الوضع″. واستطرد "الصحفيون الاستقصائيون الذين عملوا على أوراق بنما المسربة، حول التهرب الضريبي لشخصيات بارزة في العالم، هم مسئولون أمريكيون سابقون وعملاء سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه)". وقال بيسكوف أيضا " "نعرف هذه المسماة مجموعة صحفية"، في إشارة إلى "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"، مضيفاً "هناك الكثير من الصحفيين الذين يركزون مهنتهم خارج الاعلام, عدد كبير من المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية الأمريكية و(سي آي ايه) وأجهزة خاصة أخرى". ووفق الوثائق، فإن مساعدين لبوتين هرّبوا أموالا تزيد عن ملياري دولار بواسطة مصارف وشركات وهمية. ومن جانبها, نفت باكستان ارتكاب أسرة رئيس الوزراء نواز شريف أي مخالفات، بعد أن ربطت الوثائق بين ابنه وابنته وبين شركات خارج البلاد. وحسب "الجزيرة", تغطي "وثائق بنما" المسربة فترة تمتد لنحو 40 عاما من 1977 وحتى ديسمبر الماضي، وتشير إلى أن بعض الشركات التي توجد مقارها الرسمية في ملاذات ضريبية يتم استغلالها في عمليات يشتبه في أنها غسل أموال وصفقات سلاح ومخدرات إلى جانب التهرب الضريبي. ومن جانبه, كشف الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن هذه الوثائق حصلت عليها أولا صحيفة "تسود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، قبل أن يتولى الاتحاد نفسه توزيعها على 370 صحفيا من أكثر من سبعين بلدا, من أجل التحقيق فيها في عمل مضن استمر نحو عام كامل. ولم يوضح الاتحاد كيف تم تهريب هذه الوثائق، التي أطلق عليها اسم "وثائق بنما"، لكن الصحيفة الألمانية -ومقرها ميونيخ- أفادت بأنها تلقت تلك المعلومات عبر قناة سرية من مصدر مجهول دون مقابل مالي نظير تلك الخدمة، مكتفيا بطلب توفير إجراءات أمنية غير محددة. وأعرب مدير الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين جيرار رايليه عن اعتقاده بأن التسريب ربما يمثل "أكبر لطمة تلقتها المؤسسات العابرة للحدود في العالم، نظرا للنطاق الواسع للوثائق" المسربة. وبدورها, ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أن الوثائق تضمنت تفاصيل لأسهم وسندات يملكها قادة دوليون حاليون وسابقون، ورجال أعمال، ومجرمون، ومشاهير ونجوم رياضيون. وبدورها, سلطت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الضوء على تفاصيل الوثائق المُسرّبة التي كشفت كيف يستخدم الأغنياء وذوو النفوذ، ومن بينهم قادة دول، ملاذات ضريبية لتخبئة ثرواتهم في الخارج. وأشارت "بي بي سي" إلى أن 11 مليون وثيقة من شركة موساك فونسيكا للخدمات القانونية التي تتخذ من بنما مقرا لها وتُعتبر إحدى أكثر الشركات التي تحيط أعمالها بالسرية. وتُظهر الوثائق صلات مع 72 شخصية من رؤساء الدول الحاليين والسابقين، بينهم حكام متهمون بنهب أموال بلادهم. وتشمل البيانات شركات سرية في الخارج مرتبطة بعائلات ومقربين من الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، والرئيس السوري بشار الأسد. وتوضح الوثائق كيف أن الشركة ساعدت العملاء على غسيل الأموال، وتفادي العقوبات، والتهرب من الضرائب. وتقول الشركة إنها عملت طيلة 40 عاما بمنأى عن اللوم وأنها لم تواجه أي اتهام بارتكاب مخالفات جنائية. وحصلت صحيفة "زود دويتشه تسايتونج" الألمانية على الوثائق، التي تم تداولها مع الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين. وكانت "بي بي سي" ضمن 107 مؤسسات إعلامية في 78 دولة عكفت على تحليل الوثائق. ولا تعرف "بي بي سي" هوية المصدر الذي سرّب الوثائق. وقال جيرارد رايلي، مدير الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، إن الوثائق تغطي الأعمال اليومية في شركة موساك فونسيكا خلال الأربعين عاما الماضية. وأضاف "اعتقد أن التسريب قد يصبح أكبر لطمة يتلقاها عالم (الأنشطة) في الخارج بسبب حجم الوثائق". وكشفت البيانات أيضا شبكة مشتبها بها لغسل الأموال تقدر قيمتها بمليار دولار يديرها بنك روسي ويشارك فيها عدد من المقربين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويدير العملية بنك روسيا، الذي فرضت عليه عقوبات أمريكية وأوروبية إثر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم, وتوضح الوثائق كيفية عمل البنك, وكيف يتم نقل النقود عبر شركات في الخارج، يمتلك شركتين منها بصورة رسمية اثنان من الأصدقاء المقربين لبوتين. وتمتد صداقة عازف التشيلو رولدوغين مع بوتين منذ كانا صبية وهو الأب الروحي لماريا، إبنة بوتين. وعلى الورق حقق رولدوغين أرباحا بملايين الدولارات من صفقات وصفت بأنها "مشبوهة". ولكن الوثائق من شركات رولدوغين تقول إن "الشركة غطاء مؤسساتي أقيم في المقام الأول لحماية هوية وسرية المالك المنتفع النهائي للشركة". وتوضح وثائق "موساك فونسيكا" أن رئيس الوزراء الأيسلندي سيغموندور غونلاوغسون لديه مصالح غير معلنة في بنوك البلاد التي قامت الدولة بإنقاذها. واتهمت الوثائق غونلاوغسون بإخفاء استثمارات بملايين الدولارات في بنوك بلاده خلف ستار شركة أجنبية سرية. وتوضح وثائق مسربة أن غونلاوغسون وزوجته اشتريا شركة في الخارج اسمها "وينتريس" عام 2007. وتقول موساك فونسيكا إنها تلتزم بالبروتوكولات الدولية لضمان أن الشركات التي تضمها لا تستخدم في التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب أو أي غرض غير قانوني. وتقول أيضا إنها حريصة في عملها وتأسف على إساءة استخدام خدماتها. وأضافت في بيان لها " على مدى 40 عاما عملت موساك فونسيكا بعيدا عن أي شبهات في بلدنا وفي المناطق الأخرى التي توجد بها عمليات لنا.لم يوجه الاتهام قط لشركتنا ولم تدان في أي عمل إجرامي". واستطردت "عندما نكتشف أي نشاط مشبوه، نبلغ السلطات على الفور.وعندما تتصل بنا السلطات بدليل على احتمال وجود مخالفات، نتعاون معها بصورة تامة". وتقول "موساك فونسيكا" أيضا, إن الشركات التي تدار في الخارج موجودة في كل مكان وتستخدم لأغراض قانونية متعددة.