القراءة المبدئية للمشهد تؤكد أن هُناك «سلة من الفرص» تُتاح أمام الصناعة المصرية فى دول شرق إفريقيا، فى مواجهة حواجز وتحديات صعبة لم يتم التعامل معها بجدية وحماس من جانب الحكومة والقطاع الخاص على السواء. فى نيروبى حيث السمة الإنجليزية تغلب على الشوارع وفى سوق ضخم نسبيا يتعدى حجم سكانه 45 مليون نسمة تصافحك ابتسامات سمراء توحى باللطف.ازدحام واضح فى الشوارع التى تبدو للزائرين مقبولة التخطيط والخدمات، بينما يُحدثك كثيرون عن مناطق أخرى خارج العاصمة تفتقد للمستويات الدنيا من الخدمات مثل الكهرباء والصرف والطرق. ويبدو ذلك متشابها مع كثير من عواصم الدول الإفريقية التى يخدعك تنظيمها وحسن معمارها. مع وفد من رجال الأعمال المصريين المشاركين فى معرض لصناعات المياه والطاقة يحمل اسم «وييبيكس» سافرت للتعرف على الفرص الواعدة التى تُبشر بها الحكومة فى دعوتها الدائمة للتوجه جنوبا تحت لافتة «إفريقيا للإفريقيين» مستهدفا الإمساك بتلك الفرص وعرضها على الراغبين فى الاستفادة منها. كان المعرض يقدم أحدث تقنيات الصناعة المصرية فى مجال الكهرباء والإنشاءات ومستلزمات الزراعة والرى، وبلغ عدد الشركات المشاركة 25 شركة، وكان من الواضح أن جبال الذهب التى يتحدث عنها البعض بالنسبة لدول شرق أفريقيا ليست خيالا حيث تجد المنتجات المصرية سوقاً واعدة وطلباً كبيراً خاصة فى كينيا التى تقتصر صناعاتها على الشاى والبُن وقليل من المنتجات الجلدية التى يسيطر عليها الهنود. فى الوقت ذاته فإن كثيرا من الحواجز والمشكلات تحد من تدفق السلع المصرية إلى تلك السوق، وهو ما يتطلب جدية واهتماما كبيرا من جانب مصر حكومة ومُستثمرين خلال القريب العاجل. حجم التبادل التجارى بين مصر وكينيا شهد ارتفاعا خلال السنوات الثلاث الأخيرة ليصل من 300 مليون دولار عام 2009 إلى نحو 500 مليون دولار فى العام الماضى، منها 300 مليون دولار صادرات مصرية ونحو مائتى مليون دولار ورادات. وطبقا للسفير محمود طلعت سفير مصر فى نيروبى فإن ذلك يجعل مصر أكبر شريك تجارى لكينيا بين دول الكوميسا. وتُعد أهم السلع المصرية المصدرة إلى السوق الكينى معاجين الاسنان والمحضرات الطبية ومواد التجميل والورق والكرتون والأسمدة المعدات والمواسير وبعض الأجهزة الكهربائية. أما الواردات فيسيطر على الجانب الأكبر منها الشاى الذى يتجاوز نسبة ال90 % من الواردات ويليه التبغ. ويرى السفير محمود طلعت أن هناك سلعا مصرية أخرى من المُمكن أن تلقى قبولا واسعا فى السوق الكينية مثل الأثاث والنجف والشمعدانات المعدنية، مُشيرا إلى أن أسعارها مناسب جدا بالنسبة للسوق. كما توجد بعض الاستثمارات القليلة لمصر داخل كينيا ربما أهمها فرع شركة النصر للاستيراد والتصدير وشركة المقاولون العرب التى دخلت مؤخرا إلى كينيا للمشاركة فى مشروعات سكنية وأعمال بنية تحتية. وفى تصور سليمان خليل المستشار التجارى لمصر فى كينيا فإن أكبر وأهم مشكلة تواجه المتعاملين مع كينيا هى النقل حيث لا توجد خطوط مُباشرة بين الموانئ المصرية وميناء مومباسا الكينى، مما يدفع المُصدرين المصريين إلى نقل منتجاتهم إلى دبى أولا ثم تصديرها من هُناك إلى كينيا. هذا الأمر دفعنى أن أسأل « خليل « عن سبب عدم وجود خطوط نقل من مصر فقال لى إنه كان هناك خط نقل يديره رجل الأعمال مُصطفى الأحول فى التسعينيات وتوقف بسبب ضعف التجارة، والمشكلة أنه لو عاد مرة أخرى فإن تكلفة نقل الحاوية ال20 قدما من الإسكندرية إلى ميناء مومباسا تبلغ 1050 دولارا بينما تبلغ تكلفة النقل من دول شرق آسيا 500 دولار للحاوية، وهو ما يعنى أن نقل المصدرين المصريين لمنتجاتهم عبر شرق آسيا ودبى أقل من نصف تكلفة نقلها من الموانئ المصرية. والحل من وجهة نظر السفير محمود طلعت هو ضرورة انشاء شركة نقل مشتركة بين دول الكوميسا تنقل السلع بكثافة عبر موانئ الدول الأعضاء مما يقلل تكلفة النقل بين مصر وكينيا. ثانى مشكلات النقل تتعلق بالنقل البرى حيث يعانى المصدرون من نقل السلع من ميناء مومباسا إلى العاصمة نيروبى بسبب عدم وجود سكة حديد، أو طرق ممهدة، فضلا عن ارتفاع تكلفة الوقود، وهو ما يدفع إلى ضرورة تنفيذ استثمارات مصرية فى مجال النقل بالأسواق المستهدفة، وهو ما فطنت إليه شركة «القلعة» للاستثمار مؤخرا، حيث تنفذ حاليا مشروع سكة حديد يربط بين أوغنداوكينيا. وفى تصور رجال الأعمال المصريين فإن الصناعة المصرية لديها فرص عديدة للتواجد فى الاسواق الأفريقية خاصة كينيا بشرط الاهتمام بالمواصفات وتكثيف الاتصالات. وفى رأى الدكتور حسن يونس رئيس التصدير بشركة «الوايلر» فإن السوق الكينية تستوعب كميات كبيرة من منتجات ومستلزمات الرى والطاقة وهو ما يتطلب ضرورة المشاركة المكثفة فى المعارض الخارجية المتخصصة بكينيا. وقال إن دول آسيا خاصة الصين والهند تتواجد بقوة فى كينيا والاسواق الإفريقية المجاورة نظرا لأهمية تلك الأسواق. وفى رأى المهندس زكى عبد الفتاح المدير التنفيذى لشركة «تو أرت» فإن الدخول إلى أسواق شرق إفريقيا يتطلب جدية واهتماما كبيرا من جانب الشركات الصناعية فى مصر خلال السنوات القادمة، نظرا للفرص الكبيرة المتاحة فى تلك الدول. ويؤكد أن حجم الفرص كبير لأن معظم تلك الدول دول زراعية وليست صناعية، والمهم هو بث الثقة لدى جمهور المستهلكين من خلال الاهتمام بجودة المنتجات وتقديم أسعار منافسة. ويرى «عبدالفتاح» أن إفريقيا يجب أن تكون للأفارقة، مؤكدا أهمية التكامل الاقتصادى بين دول القارة السمراء.