تحرير ماسبيرو بقلم : د. طارق عباس منذ 44 دقيقة 28 ثانية لا أمل مع الأنانية ولا تطور في ظل ثقافة الإقصاء ولا ريادة لدولة لا تمتلك إعلاماً تديره كفاءات مسلحة بالفكر المستنير والخطط الواعية بكل أشكال التنمية، ولا يخيل لعاقل أن مأساة المصريين تكمن فقط في تفاقم الأزمات وتفشي البطالة والمحسوبية والرشوة، وإنما مأساتهم الأكبر في ذلك الإعلام البائس الذي دمر الوجدان المصري بعد أن تحكم فيه أنصاف الموهوبين من أولئك الذين تربوا في حظيرة المنافع خدمة للسلطة والسلطان، ذلك الإعلام البائس الذي كان اشتراكياً عندما دعا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للاشتراكية، وكان رأس مالياً بعد انفتاح السادات السداح المداح، كان يدق طبول الحرب مع كل تصريح يؤكد فيه عبدالناصر بأنه سيلقي بإسرائيل في البحر، ويتمايل مع إيقاع السلام بعد أن أعلن السادات عن زيارته للقدس ثم توقيعه لمعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، وكان سمك لبن تمر هندي بمجرد تسلم الرئيس السابق مبارك مقاليد السلطة، مرة مع العراقيين ضد الإيرانيين وثانية مع الكويتيين ضد العراقيين، مرة مناصراً للقضية الفلسطينية وشهدائها وثانية صامتاً علي حصار الأهل في قطاع غزة، وكان ستاراً لأنشطة بعض رجال الأعمال المشبوهة ووسيلة آمنة لغسل أموال بعضهم، ولا ينسي أي منا بصمتهم علي أشهر برامج التليفزيون وأكثرها جماهيرية. لكن يبدو أن الرياح في مصر تأتي دائماً بما لا تشتهي السفن، فالإعلام الذي كنا نتمناه حراً ربما نجح في الإفلات من قبضة مبارك لكنه لا يزال أسيراً لبعض ممن تشبعوا بما تلقوه علي مآدب النظام البائد، عندما تنوسي الحديث عن التخطيط المفترض لاستعادة ريادة مصر الإعلامية واستبدل بالاحتجاجات والاعتصامات والمطالبات التي ترتد بنا للانصهار في أنانية الفرد وتغليب المصالح المحدودة، انشغل البعض بالإعلام كمهنة كسبوبة كحصص يتم تقسيمها بالتساوي وبالعدل بين العاملين بغض النظر عن الكفاءات والفروق الفردية، بغض النظر عن الخطط أو رؤي من يتحملون قيادة الإعلام في تلك المرحلة الحرجة، بصراحة شديدة، أسعدني وصول الأستاذ صلاح الدين مصطفي إلي رئاسة التليفزيون لكونه إعلامياً متميزاً مشهوداً له بالكفاءة سواء في عمله بالإذاعة والتليفزيون ويبدو أن تاريخه غير الملوث ونظافة يده كانا سببين أساسيين في تنحيته طيلة ولاية أنس الفقي لوزارة الإعلام، لكن ما أزعجني أيضاً اعتصام ثلاثة من قدمي البرامج بالقناة الأولي احتجاجاً علي عدم إشراكهم في تقديم البرنامج الجديد «ستوديو 27» وهو برنامج سوف يقدم يومياً بالقناة الأولي، وانتداب مذيعين من القناة الثالثة والخامسة للعمل في هذا البرنامج، ولانزعاجي هنا عدة أسباب منها: أولاً: أن من قاموا بهذا الاعتصام سبق أن قدموا برامج ولا يزالون يقدمون فهل يتطلعون اليوم لزيادة حصتهم في الظهور الإعلامي وهل سيقبلون اعتصام غيرهم اعتراضاً عليهم مثلما يعتصمون اعتراضاً علي غيرهم؟ ثانياً: اعتراض هؤلاء المعتصمين علي استقدام مذيعين من قنوات إقليمية وكأنها قنوات من كوستاريكا ونيكاراجوا وإسرائيل، ونسي هؤلاء أو تناسوا أن غالبية قيادات القنوات التليفزيونية الموجودة الآن هي في الأساس صناعة القنوات الإقليمية. ثالثاً: أن المذيعين الذين تم استقدامهما كانا ضمن عشرة مذيعين تم اختيارهم للمشاركة في تقديم البرنامج وكلهم من القناة الأولي، وهو ما يفقد الاعتصام معناه ثم إن أحد المذيعين وهو كامل عبدالفتاح، هو في تقديري مكسب حقيقي للقناة الأولي، لما يتمتع به من خبرة إعلامية واسعة في الإذاعة والتليفزيون والقنوات الفضائية، بالإضافة لكونه كاتباً صحفياً متخصصاً في الشئون السياسية فتحت له جريدة الأهرام والدستور وروزاليوسف صفحاتها، فلماذا نصادر كفاءات الناس قبل أن نستنشق عبيرها؟.. ليس كل من خرج للتظاهر في ميدان التحرير يصلح لإدارة البلاد، وليس كل من يريد أن يقدم برنامجاً أو يعترض علي مقدمي برامج، يحق له اللجوء للاعتصام لأن الإعلام فن والاعتصام ليس غاية والإعلام في كل دول العالم لا يديره كل الإعلاميين وإنما عدد معين ألقيت علي عاتقهم المسئولية وحفظ أمانتها وما أحوجنا لتغيير المفاهيم التي قد تعيننا علي تحرير ماسبيرو.