الدول كالبشر .. لها تاريخ وذاكرة وروح. قد تتغير الملامح وتتلون الكلمات لكن المنطق حاكم. فقد قامت نشأة الولاياتالمتحدة على حركة الاستيطان وحروب الإبادة، وإن تجمّلت! فنموذج أوروبا الناجح قام على تاريخ استعماري حافل الانتهاكات، ومن يريد استلهام النموذج عليه أن يفكر من أين سيأتي بالتراكم الرأسمالي الذي تَوازَى مع فلسفة التنوير المرافقة له. وتاريخ الليبرالية أسير ازدواجية لم يُفلح الفكر الليبرالي في حلها، وهي ذلك التناقض القائم بين فكرة الإنسانية العالمية والقيم الليبرالية من ناحية وبين الرأسمالية الشرسة التي تتبناها الليبرالية. أما نحن فلنا تاريخ طويل، علينا أن نفهم قيمة ما نملك .. ونبني على تاريخ مصر: العقيدة الراسخة، ومدارس الحكمة والفلسفة، وقوة الفكر وعزم الإرادة وصناع الحياة. نموذج النهضة المصرية يخسر كثيرا لو وقف على عمود واحد. فلا يهدر هذا التنوع الحضاري والثراء التاريخي إلا سفهاء. المهم بناء المعمار بصبر وبصيرة، وتجديد الرؤى بتوافق. ففي اللحظة التي يضع العالم فيها عينه على مصر، وتواجه فيها الرأسمالية العالمية أزمتها، ويدخل الاتحاد الأوروبي في تحديات تاريخية وجودية .. نتردد! .. ويحكمنا عسكر. لذا فإن مصر تحتاج رؤية استراتيجية وعقلية للنهضة، ترى الواقع وتفهم العالم. ولسنا أهل ادعاء أو تبجح بل نحن ورثة تاريخ وبُناة حضارة. فالنظرة الضيقة خيانة والبطء كارثة. لقد دأب المجلس العسكري على اختلاق أزمات وتحجيم التحول الديمقراطي، وحصل على دعم سخي من الولاياتالمتحدة، وأعلنت هيلاري أن في ذلك مصلحة استراتيجية لهم .. لن ننسى! كذلك فإن تشرذُم القوى السياسية وتواضع أداء الأغلبية وارتباك الأقلية سيدخل مصر في نفق، وإن لم نكن على قدر المسئولية ولحظة التحدي التاريخي، فسيخسر الجميع .. كافة. نحن جميعا نحتاج أن نتذكر أنه في كل فرصة، كان يمكن فيها بناء رؤية وطنية، تحترم التعددية، وتُعلي فضائل هذا المجتمع، انصرف البعض لاقتسام غنائم تافهة، وتلميع صورهم على حساب وطن.