في إعادة بناء الدولة نحتاج رؤيةً لمنطق البناء وتصورِ النماء والارتقاء. المسارعةُ في السير على نفس المسارِ لاستدراك ما فات، يحرمنا فرصةَ تغييرٍ نادرة؛ فمشكلتُنا ليست دستورا أو وزارة. بل إن التصور الإسلامي للعدالة والاستقلال الوطني أسير بنية دولة استبدادية مُعسكرة، تختزل أحكامَ الشرع في قوانين. بيد أن حُكم الله هو .. الميزان، هو منطق الحق ومصالح الخلق ومنهج الصدق، والأساس هو أخلاق وقيم تحقق استخلاف الإنسان، لكن للدولة الحداثية منطق سُلطة..آخر! وإذا لم نُغير نُظُم وعلاقات القوة السياسية التي تقوم على مراكمة السلاح والثروة، ونؤسس نظاما جديدا للعلاقات، فسنظل ندور في نزاعات دون نهضة حقيقية. إن إعادة اختراع منطق الدولة والسياسة ورؤية المؤسسات وغاياتها لتفعيل العقل واستعادة الروح وضمان العدل هو مقصد الشرع، وتبقى الأحكام تفاصيلا .. لتصور؛ لذلك ينبغي أن ندرك أن معركتنا ليست مع المجلس العسكري، بل مع منطق العسكر، هي معركة الإنسان في مواجهة منطق الهيمنة، لأن المجتمع إذا تحول لثكنة عسكرية فقد هَلك. وهي معركة بقاء منطق ومقصد الشريعة في ظل تحولها لتشريع، وألا تبتلع تفاصيلُ الآلةِ القانونيةِ رسالةَ الرحمة الأصلية، فتتوه العدالةُ في الإجراءات. وهي أيضا معركة المستضعفين ضد المستكبرين. وهي كذلك معركة الحق في كرامة إنسانية ووطنية. فغاية النُبوات نقض نظام وفلسفة هامان .. وقارون. هذه هي الثورة الحقيقية. الخلاصة: النظام الذي لا يدافع عن الحرية والكرامة والعدل والعِزة الوطنية واستقلال القرار، ليس نظاماً إسلامياً، بل هو منظومة تكذيب بالدين. ومنطق التراشق وتسديد الأهداف لا يجيد رسم الخرائط وحفظ الاستخلاف. فتتحول الشعائر لطقوس، وتحيد الأفعال عن مساراتها ويغيب إدراك المآل، فيتأخر النصر: عدل في المال وشورى في الأمر. فإن صارت السياسة دُولة بين الأغنياء وحكم منطق الكِبر والاستعلاء، بدأ المجتمع طريقه للأفول وضلت أيضا القلوب .. والعقول. كذلك فإن اختزال المنهج النبوي في منهج حركي أضعف معايشة المعنى والدوران معه، فتسمع كلاماً وترى سعيا، لكنك لا تلمس تغييرا في الأحوال. فإن نبهت تعجب البعض! إلا من أتى الله .. بقلب سليم .. والله غالب .. شرعاً وسُنناً.. لا تبديل لخلق الله.. فسيروا في الأرض.. وانظروا!