كثر الحديث مؤخرا عن قانون العزل السياسي ومدي دستوريته خاصة بعد إحالته للمحكمة الدستورية العليا لكي تقول القول الفصل في هذا الأمر. هذا المقال هدفه تقديم تحليل قانوني لمسألة مشروعية إحالة مثل هذا القانون للمحكمة الدستورية العليا من جانب لجنة الانتخابات الرئاسية. رأيي الشخصي أنه إذا كانت هناك شكوك جدية في دستورية قانون العزل فإن هناك شكوك أكثر جدية في سلامة الإجراءات التي اتبعتها لجنة الانتخابات الرئاسية بخصوص إحالتها قانون العزل للمحكمة الدستورية لعليا. فالمحكمة الدستورية العليا - مثل أي محكمة - لها اختصاص لا يجوز تجاوزه ولها إجراءات يجب اتباعها لكي يصبح ممكنا الفصل في موضوع الدعوي الدستورية. وعدم الالتزام بالمسائل الإجرائية له نتائج قانونية وخيمة تتمثل في الحكم بعدم قبول الدعوي أو بعدم اختصاص المحكمة. وكما هو مستقر فقها وقضاء فإن التعرض للمسائل الإجرائية يسبق بالضرورة الخوض في المسائل الموضوعية فلا سبيل للمحكمة الدستورية العليا للفصل في موضوع الدعوي الدستورية دون أن تقضي بقبول الدعوي وباختصاصها. السؤال الذي يطرح نفسه ابتداء هو: هل يجوز للجنة العليا الانتخابات الرئاسية أن تحيل قانون العزل (أو أي قانون آخر) للمحكمة الدستورية لعليا؟ بعبارة أخري، هل إجراءات إحالة قانون العزل سليمة بحيث يكون للمحكمة الحق في الفصل في موضوع هذا الطعن أي في دستورية القانون؟ للإجابة علي هذا السؤال، علينا أن نراجع قانون المحكمة الدستورية العليا (قانون رقم 48 لسنة 1979) الذي ينظم الإجراءات المتبعة أمام المحكمة. تنص المادة 29 علي أنه: "تتولي المحكمة الرقابة القضائية علي دستورية القوانين واللوائح علي الوجه التالي: (أ) إذا تراءي لإحدي المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدي الدعاوي عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع، أوقفت الدعوي وأحالت الأوراق بغير رسوم إلي المحكمة الدستورية العليا للمسألة الدستورية. (ب) إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوي أمام إحدي المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوي وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوي...". هناك إذن شرطان أساسيان لإمكانية الإحالة: شرط متعلق بصفة المحيل وشرط متعلق بوجود نزاع ودعوي. أما فيما يتعلق بصفة الهيئة المحيلة فينص القانون بصورة واضحة علي أن هذه إما محكمة وإما هيئة ذات اختصاص قضائي فهل لجنة الانتخابات الرئاسية واحدة من هاتين؟ بلا شك، اللجنة ليست محكمة. فلم يرد في أي نص قانوني وصف للجنة بالمحكمة أو وصف لقراراتها بالأحكام . فالمحكمة دورها إصدار الأحكام فصلا في المنازعات وهذا ليس دور لجنة الانتخابات الرئاسية. ولجنة الانتخابات ليست هيئة ذات اختصاص قضائي. فدور اللجنة - طبقا للمادة 28 من الإعلان الدستوري - فهو "الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية بدءاً من الإعلان عن فتح باب الترشيح وحتى إعلان نتيجة الانتخاب". إن الإشراف علي الانتخابات ليس عملا قضائيا ولم نسمع من قبل أن هناك محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي علي وجه الأرض أنشئت خصيصا من أجل الإشراف علي الانتخابات! فمن المستقر فقها وقضاء أن كل ما يصدر من القضاة ليس بالضرورة عملا قضائيا فقد يسند إليهم بجانب مهمتهم الرئيسية في الفصل في المنازعات بعض المهام الأخري غير القضائية. البعض يقول أن المادة 28 من الإعلان الدستوري وصفت لجنة الانتخابات بأنها "لجنة قضائية عليا" ليستنتج من هذا أن اللجنة هيئة ذات اختصاص قضائي وبالتالي ينطبق عليها المادة 29 من قانون المحكمة. هذا القول مردود عليه لأن يخلط بين مسألتين مختلفتين: مسألة التشكيل ومسألة الاختصاص. أما تشكيل المحكمة فهو قضائي ولا أحد ينازع في أن السادة الأفاضل أعضاء اللجنة قضاة متمرسون في القضاء العادي والإداري والدستوري والعسكري. وهذا ما تشير إليه عبارة "لجنة قضائية عليا". أما اختصاص اللجنة فهو ليس قضائيا كما أوضحنا من قبل. بلا شك اختصاص اللجنة اختصاص في غاية الأهمية ولكنه يبقي عملا إداريا بحتا. إن تمسك البعض بتعبير "لجنة قضائية عليا" للتدليل علي أن اللجنة هيئة ذات اختصاص قضائي لا يصمد أمام النقد. فهناك العديد من القرائن النصية التي تنفي عن اللجنة تمتعها باختصاص قضائي. لماذا يستخدم قانون الانتخابات الرئاسية لفظ "قرار" وليس حكم؟ لماذا يستخدم لفظ "تظلم" كوسيلة للاعتراض علي قرارات اللجنة؟ هل يجوز التظلم بالنسبة للأحكام؟ أين حجية الأحكام؟ ألم نتعلم أن القاضي يستنفد ولايته بإصداره الحكم؟ البعض يقول أن اللجنة تفصل في خصومات المرشحين وهذا أيضا تضليل. الخصومة تفترض خصما. لا يوجد خصوم لكي تكون هناك خصومة. إن ما تفعله اللجنة عندما يقدم إليه طلب أو تظلم هو أنها تطبق القانون (أو علي الأقل هذا دورها الذي يفترض أن تؤديه). ولا تختلف لجنة الانتخابات الرئاسية عن جهة الإدارة (مثل الجامعات والوزارات) في وظيفتها: تطبيق القانون دون الفصل في المنازعات. سؤال أخير في هذا الشق، هل يجوز أن تُختصم هيئة قضائية أمام القضاء؟ هل يجوز أن ترفع دعوي؟ أليس هذا اعتراف بأنها لجنة إدارية؟ لإمكانية الإحالة للمحكمة الدستورية العليا، هناك شرط آخر متعلق بوجود نزاع ودعوي (المادة 29 من قانون المحكمة). من حقنا أن نسأل أين الدعوي وأين النزاع وأطرافه في مسألة تظلم السيد أحمد شفيق من قرار استبعاده؟ ولو اعتبرنا أن تظلم السيد شفيق دعوي فلماذا اتخذت اللجنة العليا قرارا باعتماده كمرشح مع أن قانون المحكمة (المادة 29) ينص علي وجوب وقف الدعوي وتأجيلها وليس إصدار قرار لا يمكن إصداره إلا لو فصلت المحكمة الدستورية العليا في الطعن المحال إليها؟! باعتماد شفيق مرشحا تكون اللجنة قد استبقت حكم المحكمة الدستورية العليا وهو أمر لا تملكه أي محكمة فما بالكم بلجنة إدارية؟ إن بعض الخبثاء قد يري في مسلك اللجنة العليا من ناحية رغبة قوية في إعطاء شفيق فرصة النجاح في الانتخابات ومن ناحية أخري تبقي علي سيف مسلط (الدعوي الدستورية) علي رقبة الانتخابات إذا ما جاءت بنتيجة غير مرضية. ومع رفضي التام لهذا الخوض في النوايا وافتراض سوء النية فإني أعجز عن الرد علي مثل هذه الادعاءات لأني لا أري في القانون ما يبرر قرار لجنة الانتخابات. أسئلة كثيرة أخري يمكن طرحها عن اللجنة وقراراتها ولكن خلاصة القول، لجنة الانتخابات الرئاسية لجنة إدارية ولم يكن هناك نزاع أو دعوي. لذا نري أنه يتعين علي المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم قبول الدعوي الدستورية لرفعها من غير ذي صفة.