نائب رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات بكليتي الحاسبات والذكاء    تحت رعاية رئيس الجمهورية.. الداخلية تنظم الملتقى الخامس لشباب وطلائع المدن الجديدة بالسويس ( فيديو)    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    افتتاح مقر فرع توثيق الشهر العقاري بمجمع الألومنيوم بنجع حمادي | صور    البنك الدولي: مصر قطعت خطوات جيدة في تطبيق الحياد التنافسي    البورصة تخسر 45 مليار جنيه بختام تعاملات أولى جلسات الأسبوع    جانسن مصر تشارك في المعرض والمؤتمر الطبي الأفريقي الثالث 2024    تخفيف الأحمال.. مصدر ب"الكهرباء" يكشف حقيقة استثناء أسوان من الخطة    ماذا تقدم بي إم دبليو M3 موديل 2025 لتباع ب4.8 مليون جنيه؟    القاهرة الإخبارية: استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة العشرات بقصف إسرائيلي فى النصيرات ودير البلح    اجتماع بالجامعة العربية لتقييم منتديات التعاون مع الدول والتجمعات الإقليمية    الحوثيون: استهدفنا مدمرة بريطانية وسفينتين في البحر الأحمر بصواريخ باليستية    قصف أمريكي بريطاني يستهدف منطقة الجبانة في الحديدة غرب اليمن    الزمالك يجهز مستحقات جوميز لصرفها خلال أيام    نجم كولومبيا يعلق على سحق أمريكا    محافظ الشرقية يهنئ لاعبي ولاعبات الهوكي لفوزهم بكأس مصر    الدنمارك تسعى لاستعادة ذكريات 1992 و2021 في اليورو    أسماء ضحايا حادث سيارة العمالة الزراعية في قرية دمشلي بالبحيرة | صور    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    عمرو دياب ظالم أم مظلوم؟.. القصة الكاملة ل«صفع» الهضبة لمعجب    وزيرة الثقافة: كثير من المبدعين والمصممين يشتكون تعرض إبداعاتهم للسطو    ما حكم الأضحية عن الميت؟    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    تصفيات كأس العالم.. منتخب مصر يواجه غينيا بيساو بالزي البديل    كرواتيا تحقق فوزا تاريخيا على البرتغال    ريان عربي جديد.. إنقاذ طفل سوري وقع داخل بئر بإدلب    الكويت تدين الهجوم الهمجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي على مخيم النصيرات    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    استقالة الحكومة لن تلغى المشروع الجديد خطة تصحيح مسار الثانوية العامة    مايا مرسي: إنشاء متحف المرأة المصرية داخل متحف الحضارة    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    «صورة أرشيفية».. متحف كفر الشيخ يعلن عن قطعة شهر يونيو المميزة    منورة يا حكومة    بروتوكول بين «التأمين الاجتماعي» وبنك مصر لتفعيل آليات التحصيل الإلكتروني    رمضان عبد الرازق يوضح فضل العشر الأوائل من ذي الحجة    موعد يوم التروية 1445.. «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة للحاج في هذا التوقيت    «التنمية المحلية» تتابع مواجهة الزيادة السكانية في 3 محافظات    طريشة تلدغ مسنا بواحة الفرافرة في الوادي الجديد    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    سر تصدر شيرين رضا للتريند.. تفاصيل    إدريس : أتوقع أن نحقق من 7 إلى 11 ميدالية في أولمبياد باريس    عاجل.. إعلامي شهير يعلن أولى صفقات الأهلي الصيفية    العمل: زيارات ميدانية لتفقد مواقع الإنتاج بأسيوط    عمرو محمود يس وياسمين عبدالعزيز في رمضان 2025 من جديد.. ماذا قدما سويا؟    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد ونقل تبعية 3 جمعيات بالقاهرة والغربية    الصحة: الانتهاء من قوائم الانتظار لعمليات قسطرة القلب بمستشفى السويس العام    أستاذ صحة عامة يوجه نصائح مهمة للحماية من التعرض لضربات الشمس    «الإفتاء» توضح أعمال يوم النحر للحاج وغير الحاج.. «حتى تكتمل الشعائر»    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    «الداخلية»: ضبط 552 مخالفة عدم ارتداء الخوذة وسحب 1334 رخصة خلال 24 ساعة    الملامح النهائية للتشكيل الحكومي الجديد 2024    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    هذه الأبراج يُوصف رجالها بأنهم الأكثر نكدية: ابتعدي عنهم قدر الإمكان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد فهمي: الاحتفال بثورة 52 مناسبة لدفن «دولة يوليو»
ضرورة تحالف القوى العلمانية والإسلامية ضد العسكري
نشر في التغيير يوم 27 - 04 - 2012

المؤكد أن دراسة التاريخ تكسب صاحبها قدراً كبيراً من الهدوء وهو يتابع الأحداث الكبرى، لا يتملكه الهلع مثل الآخرين، هكذا بدا لي خالد فهمي صاحب «كل رجال الباشا» العمل الذي ساهم كثيراً في تغيير النظرة إلى التاريخ فلم يعد ضرورياً أن «يكتبه المنتصرون».
غير أن الهدوء الذي يتمتع به رئيس قسم التاريخ في الجامعة الأميركية بالقاهرة لا يمنعه من الفخر بمشاركته في الثورة المصرية منذ يومها الأول، هو عاد من أميركا تاركاً فرصاً عديدة ومستقبلاً مضموناً مسترشداً بإحساسه أن أيام مبارك في السلطة قد أوشكت على الانتهاء، وبعدما تحقق إحساسه، يرقب الآن ما يحدث بلا قلق، فالأهم كما يرى قد تم انجازه، واسترد المصريون وطنهم... لكن هناك خطوة يراها فهمي ضرورية وهي اقصاء الجيش.
حول هذه النقطة وشكل العلاقة بين التيارات السياسية المختلفة، وخوف المثقف من الإسلامي، حاورنا الرجل الذي من ضمن مهامه التوثيق للثورة المصرية من خلال اللجنة التي يرأسها والمكلفة بذلك.
÷ جمعة الأسبوع الماضي وما قبله أعادت تيارات الإسلام السياسي إلى الميدان بجانب القوى الثورية للاصطفاف ضد العسكر.. هل ترى أن هذا كافٍ لتصحيح أخطاء السلف والإخوان؟
} أخطاؤهم في أنهم لم ينزلوا في البداية؟
÷ الانحياز إلى جانب العسكر، مهاجمة بقية التيارات السياسية واستعداء الشارع عليها، أخطاؤهم في تأسيس الجمعية التأسيسية للدستور.
} كل الفصائل ترتكب الأخطاء، كلنا كنا مقموعين، لم يكن لدينا سياسة، صحيح أن الأيام الأولى للثورة لم يكن للإسلاميين وجود فيها، وكانت تخرج فتاوى ضد النزول إلى الشارع بالذات من السلف، لكن، والمسألة ليست بحثاً عن أعذار، إنما الآن هناك بلورة لعمل سياسي في ظل ظروف صعبة، فالمسألة لم تكن أنه كان لدينا مجال سياسي محدد المعالم ومعروفة قواعده ومن اللاعبين فيه، والمشكلة أن هناك أناساً متأرجحة بين هذا وذاك، لا، لم يكن لدينا مجال سياسي من الأصل. السلفيون كانوا يرفضون العمل السياسي فكون أنهم ينخرطون فيه فهذا في رأيي شيء إيجابي. الإخوان كانت علاقتهم بالسياسة شائكة جداً حتى سيكولوجياً علاقتهم بمؤسسات الدولة، وعلاقتهم بأطراف المجتمع الأخرى شائكة لهذا السبب، في رأيي لأنهم كانوا يشعرون أن مؤسسات الدولة التي قمعتهم تلك السنوات الطويلة كانت نتيجة استئثار العلمانيين بالدولة.. هذه رؤية. ونحن لا نكلم بعضنا البعض، نظام مبارك نجح لمدة طويلة في تخويف التيارات من بعضها ومنع الحوار، وبالتالي هناك التخوين طوال الوقت. المجال السياسي الآن انفتح بعدم انضباط بالطبع لأننا في ثورة وقواعد اللعبة لم تستقر، فأنا لا أريد القول إنهم أخطأوا لأننا أيضاً أخطأنا. ما أنا قلق منه ليس أن الموضوع لم يحسم لفئة ضد أخرى إنما أن قواعد اللعبة لم تحدد بعد، وما يضايقني أكثر أن الجيش، المجلس العسكري، مازال هو من يحدد قواعد اللعبة، من أول يوم للثورة أرى أن الخطر الأكبر عليها هو الجيش ومن ثم الفلول، وأنه لا بد من تحالف بين القوى العلمانية والإسلامية ضد الجيش، يكون هذا هو الهدف الأول.
÷ لإعادته لثكناته؟
} نعم. المنطق الذي يحكمنا من ستين عاماً، وأكثر، الدولة المصرية منذ محمد علي ومن أوائل القرن التاسع عشر وبأشكال مختلفة يحكمها منطق سلطوي أرسى الجيش قواعده وهذا تكلفته كانت باهظة على المجتمع المصري، وقراءاتي التاريخية تقول لي إن الثورة قامت ضد هذا، يعني ليس ضد مبارك أو الحزب الوطني فقط، لهذا أرى أنه من مصلحة الإسلاميين والقوى الأخرى اليسارية والشبابية واليبرالية أن تتحد ضد الجيش في كل الملفات المفتوحة.
÷ إنما تعقيباً على ما قلته بأن كل الأطراف ارتكبت أخطاءً، وهذا صحيح، لكن هناك أخطاء قاتلة ارتكبها تيار الإسلام السياسي يعني على سبيل المثال عندما يرفع الإخوان شعار «مشاركة لا مغالبة» ثم يتضح أنهم يريدون الاستئثار بكل شيء، هذا تسبب في حالة من عدم الثقة تجاههم، ثم وبفرض أن التيارات توحّدت وأقصت الجيش.. ما الذي يضمن عدم انفراد الإسلاميين بالسلطة خاصة في ظل الضعف النسبي للتيارات الأخرى؟
} الخريطة كما أراها مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، ولا أقصد أنها أجزاء متساوية: الجيش، والقوى الإسلامية، والقوى الثورية، كل فئة من هؤلاء داخلها انقسامات، بما في ذلك الجيش، ربما تكون انقساماته الأقل علانية، لكنها موجودة..
÷ وكيف يبدو شكل تلك الانقسامات؟
} المجلس العسكري مثلاً شيء والجيش شيء آخر، وداخل المجلس كل من احتك بأعضائه يعرف أن طنطاوي شيء والأعضاء الآخرين شيء آخر. طنطاوي أكبر منهم بجيل، وهو عقلية وشخصية وخلفية مختلفة عنهم، هم يدينون له بالولاء لأنه من أتى بهم. وهناك فارق بين أعضاء المجلس وطبقة الضباط، لأن هذه الطبقة هي نتاج سياسات مبارك الذي كان يقصي أولاً بأول وبشكل منظم لواءات إلى التقاعد في عمر الخمسين أو الخامسة والخمسين، فهناك فارق ضخم في العمر بين طنطاوي وهو في أواخر السبعينيات وبين أكبر ضابط في الجيش، وهناك فارق كذلك في الخبرة والتربية، والدخل أيضاً. ثم هناك الإمبراطورية الاقتصادية التي يعترفون بوجودها، وقالوا إنها من عرقنا ولن نسلمها لأي سلطة، هناك بالتأكيد انقسام عليها، كيفية إدارتها وأسلم طريقة للحفاظ عليها؟ أتخيل جداً أنه من الوارد وجود انقسامات على هذا السؤال...
÷ وكيف يمكن الاستفادة من تلك الانقسامات بالنسبة للقوى الأخرى؟
} المجلس يأتي له مليار و300 مليون دولار كل عام مجاناً وهذه حالة شاذة جداً، لا يوجد جيش في العالم تأتي له هذه الأموال، وعملياً عندما تفكر فيها هي مقابل ألا يقوم بالدور الذي أقيمت من أجله هذه المؤسسة، حتى لا يحارب. هذه الأموال لا بد أن يجدوا لها صرفة أخرى، فتنفق في الإمبراطورية الاقتصادية الضخمة تلك، والتقديرات تتراوح بين 15 و40 في المئة من الاقتصاد المصري يسيطر عليه أو يؤثر فيه الجيش بشكل ما، معنى هذا أن لديك جيشاً لم يؤسس شرعية قوية، فحتى الانتصار الوحيد مشكوك فيه، الجيش المصري لم يدخل في 73 تل أبيب، والناس إن لم تكن تدرك هذا تماماً لكنها تشعر به، في النهاية نحن وقعنا على اتفاقية سلام، نتاج مساومات وليس أننا غزونا بلداً وأملينا عليه شروطنا. المحصلة أن الجيش نحت لنفسه مكانة في الساحة السياسية الاقتصادية المصرية دون الاحتياج لعقد مساومات مع قوى سياسية أخرى، وهذا نتيجته أنه أصبح له وضع سياسي خاص وشاذ، وهذا في رأيي كعب أخيل، يعني على عكس ما يبدو فتلك الاستقلالية والهيمنة معرضة لأن تضيع منه، لأنها لا تستند إلى أساس دستوري وليس لها شعبية جارفة، هي كانت نتاج توازنات مبارك حققها بشخصه.
الآن كل هذا الوضع أصبح هشاً، بمعنى آخر عندما تقارن بين وضع الجيش في مصر وبين جيوش أميركا اللاتينية مثلاً أو الجيش التركي تجد أن تلك لها حليف سياسي وهو ما ليس موجوداً لدى الجيش المصري.
÷ لديه الإسلام السياسي..
} وهذا ما أقوله، إن وضعه لا يمكنه من فرض هيمنة سياسية وحده، لا بد أن يتعاون مع أحد، السؤال هو من سيتعاون معه؟ على الساحة الآن لدينا تلك القوى، الإسلام السياسي والجيش، والقوى التي قامت بالثورة وهي لم تستطع ترجمة منجزاتها إلى حقائق سياسية ودستورية، الشيء نفسه بالنسبة للإسلام السياسي هو ممكن يعمل حشداً إنما رأينا فشله في اللجنة التأسيسية للدستور، والجيش كذلك، لدينا إذاً ثلاث قوى كل واحدة منها لا تستطيع فرض سلطتها على القوتين الأخريين، والسؤال طوال كل تلك الفترة في رأيي هو: من الاثنان اللذان سيتحالفان ضد الثالث، في تقديري أنه لا بد أن يحدث تحالف بين القوى السياسية الإسلامية والقوى الثورية ضد الجيش، نعم هناك تعارض لكن ما يجمعهما ضد الجيش أكبر وأعمق وأهم مما يفصلهما عن بعضهما،. تيارات الإسلام السياسي فيها أيضاً انقسامات عميقة وأنا لا أقصد إن نلعب على الاختلافات بقذارة، إنما هم كلما انخرطوا في السياسة كان أفضل.
÷ لكي «ينكشفوا» بتعبير المثقفين؟
} لا، إنما لكي يطوروا آلياتهم، هذه تيارات مهمة تعبر عن غالبية الشعب المصري، ليس هناك أي وسيلة لإنكار هذا، ومن ينكره فكأنما يضع رأسه في الرمل، السؤال هو كيف تكون مشاركتهم في المجال السياسي، ووفق أي قواعد يلعبون؟ هذا ما نتكلم عنه، الدستور ماذا سيكون شكله، المرجعية الإسلامية تلك كيف ستتم ترجمتها؟ وهم كيف سيتطورون؟ في حالة الإخوان هل سيكونون جمعية دعوية أم حزب سياسي؟ علاقة الجماعة بالحزب؟ وهناك كثيرون من الإخوان أنفسهم اشتغلوا على هذا. وهناك بدائل مختلفة: ندمج الاثنين معاً أم نلغي واحدة؟ أم مثلما هو الحال الآن يكون هناك حزب يعبر عن الجماعة؟ طيب وماذا سيكون مصير الجماعة؟ كلها أسئلة هم في ظني يعانون منها..
÷ وهل ترى أنهم قابلون للتطور... يعني هناك من يرى أن الفهم القاصر للدين، والنظرة الجامدة إلى المقدس صنعت بدورها عقليات جامدة؟!
} هذا عائق، مثلما أن هناك اتجاهات فاشية في القوى الثورية، ومثلما أن هناك قصوراً في التجربة السياسية. نحن جميعاً ليس لدينا خبرة لا في انتخابات أو كتابة دستور.
÷ إنما لديك على عكسهم الانفتاح الذي يسمح لك بتقبل كل التجارب وفهمها.
} نعم صحيح، لكن أنا أراهن على أن الإسلام السياسي سيتطور بتلك الطريقة. أراهن على أن مصر بتاريخها الحديث ومؤسساتها ستجبر تلك التيارات على أن تطوّر آلياتها، ذلك لأنهم يريدون الاستحواذ على الدولة، وهذه الدولة لها مؤسسات وممارسات وتراث وإغفالها أو هدمها بالنسبة لهم مكلف، لأنهم في النهاية في حاجة لأن يعملوا من خلالها مثل ما رأينا في اللجنة التأسيسية للدستور. هناك آليات للعمل لا يمكن إغفالها، دعك مما يقوله، هو يتعلّم على أرضيتي، أرضية التقبل والكلام والمساومة، ليس أرضية سلاح ولا إقصاء. هذه مكتسبات، وأنا ألعب على الانقسامات داخلهم بمعنى محاولة تطوير الاتجاهات التي تريد الإبقاء على الدولة وعلى مؤسساتها، والتي في قرارة نفسها تقبل وجودي وإن على مضض، تعرف أن مصر لن تكون في أي من الأيام إسلامية بنسبة مئة في المئة. النقاء الكامل لن يتحقق، وهذه عقلية لم يُجبروا أبداً على اكتشافها، لم تكن أمامهم فرصة للنمو والتطور، كانت هناك الملاحقات والمعتقلات، لهذا أنا ضد سياسة التخوين، ضدها استراتيجياً وتكتيكياً.
÷ إذاً، هل ترى في المقابل أن موقف المثقف الذي يلعب طوال الوقت على التخويف من الإسلام السياسي.. موقف ضعيف؟
} نعم ضعيف، لأنه يمنحه المبرر سيكولوجياً ألا يسأل السؤال الأصعب، وهو سبب إخفاقه، وهو نجح في الكثير، حشد يناير لم يكن إخوانياً ولا سلفياً، إنما لما نزل الانتخابات لم يكسب، قيل لأنه ليس لديه المؤسسات مثل الإخوان، لكن السلف عملوا لمدة شهرين وحصلوا على 25 في المئة! هذا سؤال لا بد من طرحه وأنا لا أملك إجابة عليه، ولا يصح أن يقال فقط إن ذلك حدث بسبب أموال الخليج، طيب لماذا لم تأت أنت بأموال من جهة أخرى؟!
÷ عندما حاول ذلك رُفعت في وجهه قضية التمويل الخارجي، وتم شن الحرب عليه.
} طيب ولماذا لم تُشن الحرب على الآخر؟
÷ لأنه متحالف مع العسكر.
} ليس بالحلف العميق، إنما حلف تكتيكي، ثم لماذا لا تتحالف أنت أيضاً؟! حاول الخروج من لوم الآخر طوال الوقت، وصولاً إلى السؤال الأعمق: ما هو حجم قوتي الحقيقية؟ وما هو حجم وجودي في الشارع؟ وكيف أتواصل معه؟ يعني اليسار المصري ليس له تواجد حقيقي بالرغم من الحركات العمالية الضخمة جداً والانجازات التي حدثت.
÷ هذا العام تحل الذكرى الستون على ثورة يوليو.. كيف تعتقد سيكون شكل هذا الاحتفال؟ بمعنى.. هل نجحت ثورة يناير في وضع نهاية ولو معنوية لوصاية العسكر على المجتمع؟
} ثورة يوليو قامت على منطق وخطاب يقول سنحقق لكم رفاهية وعدالة اجتماعية وتنمية، دعك من أن هذا تحقق أم لا، لكنها كانت ترفع هذا في نظير أن نتنازل لها عن الحقوق السياسية والدستورية، ثورة يناير كانت ضد هذا المنطق، وكانت أيضاً ضد منطق مبارك الذي كان يخير الناس بين ضمان الأمن أو الحقوق، نحن كشعب قلنا إننا نستحق الاثنين. في رأيي إنها ثورة أعمق من مجرد الإطاحة بشخص، لذلك أرجع إلى القرن التاسع عشر ودولة محمد علي لأن تلك الدولة وامتدادتها لم تكن أبداً دولة الشعب، ودساتيرنا فشلت في إخضاعها، لهذا أنا لم أوافق على شعار «الشعب والجيش ايد واحدة»، ولم أردده أبداً، حرف العطف ذلك يسبب لي مشكلة، لا يوجد شيء اسمه الشعب وشيء اسمه الجيش، المفترض أن يكون جيش الشعب، لهذا أرى أن نستخدم الاحتفال بستين عاماً كمناسبة لإعلان نهاية تلك الدولة لأنها فشلت على كل المستويات، نظام يوليو فشل عام 67 وكان المفترض أن ينهار وقتها، وما نراه من يناير هو ارهاصات الموت، وعلينا الآن دفنها.
الدستور
÷ من ضمن من يعارضون هذه الرؤية القوميون وهم عملوا بشكل كبير على ترسيخ وجود العسكر في الحياة المدنية، كيف ترى رؤية هؤلاء وكيف يمكن التعامل معهم؟
} هناك من يطالب بوجود العسكر من زمن، وهناك من يطالب به الآن نتيجة انهيار الأمن، يرون أن الجيش هو المؤسسة الوحيدة الباقية التي يمكنها أن تحفظ للدولة مكانتها، إنما هناك منذ زمن من لديهم القناعة بضرورة وجود العسكر وهؤلاء فاشيون، وأي مجتمع فيه مثل هذا الاتجاه. الفاشية بالطبع شيء حقير وبغيض، لكن الحمد لله أن الفاشية المصرية فاشلة، لا تستطيع فرض قوتها على المجتمع، لا يمكنها أن تقول للعسكر انزل اقتل عشرين أو ثلاثين ألفاً لأن الشعب لا يمكن قيادته إلا بتلك الطريقة.
÷ مثل سوريا؟
} وكما حدث في أميركا اللاتينية، وألمانيا، بلورة خطاب قمعي يقول إن المجتمع منقسم وأعداء البلد يتربصون به ولدينا مكتسبات لا بد من الحفاظ عليها، عندنا اتجاه لذلك، نعم، إنما لم يصل لمداه. إنما الاتجاه الآخر الذي ينادي بالتمسك بهيبة الدولة وإنجازاتها فأنا أتفهمه، في النهاية الدولة المصرية قوية ولها مؤسسات وتراث وتقاليد والناس تهابها، ونحن لا نريد هدمها، لأن هناك من يتصور أننا عندما نطرح هذه الأسئلة النقدية نريد الهدم، أنا لست أناركياً، أنا أريد هذا الدولة التي أقمناها بعرقنا وكدّنا وتعبنا ودمائنا، لكن أريدها أن تكون دولتي، تخدمني، وما نحن ضده هو الممارسات الخاطئة، ضد كشف الجيش على عذرية المواطنات. هذا ليس من حقه، وليس من حقه محاكمة المدنيين أمام قضاء عسكري.
÷ قلت إنه لا بد من أن ندع ثورتنا تلهمنا كيفية صياغة مبادئنا لا أن نستلهم مبادئ الآخرين، وطالبت بأن يتواجد في لجنة صياغة الدستور حالمون وليس فقط فقهاء دستوريون.. هل تعتقد أن هذا يمكن أن يتحقق وسط سياسة إغراق البلد بالمشاكل سواء من السلطة الحالية أو من قبل الجيران؟
} أنا لست دارساً للفقه الدستوري إنما هناك تجارب ناجحة في هذا المجال سواء أكان الدستور الأميركي أم الفرنسي. الدستور لا بد أن يعبر عن شيئين، عن واقع يقوم بتنظيمه، وفي الوقت نفسه يفتح الأفق للمستقبل، والدستور الذي يكتب في وقت ثورة تحديداً عنده تلك الإمكانية أكثر من الأوقات الأخرى. الإسلاميون يريدون دستوراً يعبر عن ثوابت الأمة، هذا مهم لكنه غير كافٍ، أولاً لأن تلك الثوابت ليست كذلك حقيقة، هي معتقدات، ويمكن أن تتطور إلى الأحسن، بالطبع سؤالك في محله، هل نحن لدينا ترف الحلم في ظل الظروف الصعبة الحالية، اقتصاد وأمن منهاران، وأطراف كثيرة تلعب، مدرك الصعوبة إنما ما أطالب به لكي يتحقق الحلم أشياء إجرائية، أولاً لا يكون السؤال الأساسي هو كم من داخل البرلمان وكم من خارجه، كم إسلامي وكم علماني، ليس لدي مانع أن يكونوا جميعهم إسلاميين طالما أن بينهم حالمين، إبراهيم الهضيبي الذي يفهم الشريعة إنما لديه القدرة أن يستلهم من الشريعة أنظمة لا نعرفها، يحلم بها، هناك ناس من هؤلاء وهم من نريدهم، أعرف أن هناك من سيرد قائلاً إننا لو فتحنا الأبواب من الأول للرابع سيحصل لنا ردة، دعونا نركز في الباب الخامس ويبقى السؤال هو نظام برلماني أم رئاسي؟ لكن الدستور لا يتحدث عن ذلك فقط، الدستور يتناول الأسرة والاقتصاد والصحة والتعليم والصحافة والقضاء، يتكلم عن شكل حياة، والمفروض أن ندخل هذا المعترك، هذه هي اللحظة المناسبة لهذا، حتى لو كان هذا سيؤدي إلى انتكاسات آنية، مشكلة المئتي عام المنقضية أننا طوال الوقت خائفون من أن نناقش بعضنا البعض حول هذه الأسئلة العميقة.
(المصدر: ياسر عبد الحافظ ، السفير، 27. 4. 2012)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.