بعد هبوب رياح التغيير في العالم العربي كثر اللغط في الأوساط الصهيونية حول "أمن إسرائيل" الذي بات مهددًا بعد زوال حلفاء الكيان الصهيوني مثل الكنز الاستراتيجي للصهاينة المعروف باسم حسني مبارك، بن علي، والقذافي، ..... والبقية تأتي. وفي هذا التوقيت الحرج يصدر كتاب في تل أبيب يشكك في بقاء تلك الدولة اللقيطة بل ويسوق الأدلة والبراهين على قرب فنائها، وعنوان الكتاب يصرخ بهذه الحقيقة الحتمية: الشكوك المحيطة بمستقبل "إسرائيل" لمؤلفيه: أوليفيا بوركوفيتش، ريشار لاوف. ومع ذلك، فإن مؤلفي الكتاب يعتقدان أن نشره في هذه المرحلة بالذات، يكتسب أهميته في ظلّ أن المسؤولين الإسرائيليين باتوا يتحدثون عن أمن إسرائيل، وضرورة تأمين سبل تحقيقه في مفهومه المطلق، ومن المفارقات العجيبة أن يتحدث صناع القرار الصهاينة عن إيجاد حلول لضمان "أمن إسرائيل" في الوقت الذي تمتلك فيه دولتهم جميع عناصر القوة العسكرية بأبعادها التقليدية وفوق التقليدية، واحتكار نووي مطلق، وسيطرتها على أراضٍ فلسطينية وسورية وأخرى لبنانية، ومع ذلك فإن المؤلفين ركزا حديثهما في صفحات الكتاب حول طرح السؤال الذي بات يهدد صناع القرار في تل أبيب وهو: كيف سيتسنى لإسرائيل البقاء؟ مما يعني أن هذا الأمر المتعلق بمستقبل الكيان الصهيوني أصبح لأول مرة موضع تساؤل داخلها وخارجها في الدوائر الحاكمة والداعمة لها على حدٍّ سواء، فكيف يتسنى ذلك، وما هي الأسباب التي جعلت هذا الأمر موضع مخاوف وقلق من قبل مسؤولي إسرائيل ومفكريها؟. وجاء في ثنايا الكتاب: الكثير من اليهود يعتقدون أن مستقبل إسرائيل ومكانها في الشرق الأوسط بات مهدداً الآن كما لم يكن لعدة أجيال، فهل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأي هوية؟ وهل يمكنها أبداً أن تعرف السلام؟ ويلمس القارئ بين سطور الكتاب نبرة اليأس والإحباط التي ألمت بالمؤلفين؛ خشية أن يكون الوقت قد فات وليس ثمة أمل في تدارك الأمر، لا سيما وأن الثقة بإمكانية بقاء الدولة باتت سرابا بقيعة يحسبه الظمآن ماءًا. وتكاد فصول الكتاب الذي بين أيدينا تتطابق مع العلامات العشر التي حددها المفكر الراحل د. عبد الوهاب المسيري التي تؤشر على زوال ما يسمى بإسرائيل، والتى لخصها المسيري في: تآكل المنظومة المجتمعية للدولة العبرية، والفشل في تغيير السياسات الحاكمة، وزيادة عدد النازحين للخارج، وانهيار نظرية الإجماع الوطني، وفشل تحديد ماهية الدولة اليهودية، إضافة إلى عدم اليقين من المستقبل، والعزوف عن الحياة العسكرية، وعدم القضاء على السكان الأصليين، وتحول إسرائيل إلى عبء على الإستراتجية الأمريكية، واستمرار المقاومة. أسئلة بلا إجابات وأكثر ما يجد القارئ هو أسئلة بلا إجابات شافية واضحة صريحة، ويحاول الكتاب الإجابة عن حلّ للمعضلة القائمة على التناقض بين قوة الآلة العسكرية وبطشها من جهة، والمخاوف على مستقبل الكيان من جهة أخرى، فيقول: في حين أن الآلة العسكرية نفسها أقوى من أي وقت مضى، فإن بين الإسرائيليين نفسيات أكثر عرضة للسقوط من أي وقت مضى منذ الخمسينيات، وباتت قدرة إسرائيل النووية عديمة الفائدة ضدّ الدول المجاورة لها. ويطرح المؤلفان جملة من التساؤلات المتعلقة بالدرجة الأولى بعنوان الكتاب، وهو مستقبل إسرائيل، ومنها: إلى متى ستبقى إسرائيل قادرة على استيعاب المخاطر الكامنة أمامها، والتي تشكل تهديداً وجودياً على بقائها في الشرق الأوسط؟ وهل سيصمد الإسرائيليون على العيش في هذه المنطقة دون الحاجة لتوقيع اتفاق سلام قابل للبقاء والاستمرارية، مع جميع جيرانها العرب؟ وهما بذلك يحملان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مسؤولية انتشار مظاهر الكراهية والعداء والإخفاقات الدبلوماسية مع عدد من دول المنطقة، العربية والإسلامية، مما يجعل من الوصول إلى اتفاق سلام يضمن لإسرائيل بقاءها أمراً متأخراً جداً، إن لم يكن قد ذهب إلى غير رجعة!. كابوس التآكل: يحفل الكتاب بما يسميها سيناريوهات تنتظر مستقبل إسرائيل، تستند في معظمها إلى ما وصلت إليه مراكز الأبحاث الصهيونية وأخرى غربية موالية للكيان، مكلفة من حكوماتها وإداراتها السياسية، معتبراً أن العقدين القادمين يحملان لإسرائيل ما أطلقا عليه "كابوساً"، حافلاً بالأخطار المحدقة، كونه مركب من مجموعة عناصر، كالجاليات اليهودية والقوة الاقتصادية والسياسية، ومكانة إسرائيل، وقوة جيشها، وهو ما يجعلها تتعرض لأخطار مختلفة ومحددة. ويحاول المؤلفان أن الفصل في بعض مظاهر مستقبل الكيان الصهيوني الغامض في المنطقة العربية، من خلال تعرض الكتل السكانية اليهودية في أنحاء العالم لهجمات "كارثية" متواصلة، مما سيقلص الكتلة الديموجرافية اليهودية في العالم، وتدهور حاد فيما يتعلق بمسألة الهوية اليهودية، وانخفاض أعداد الأطفال الحاصلين على تعليم ديني يهودي، وتعاظم التعاون المتوقع بين الدول الإسلامية المعادية التي تمتلك قدرات تكنولوجية، مما سيؤدي لامتلاك ثلاث دول منها على الأقل لقنبلة نووية، بشكل يزيد من خطر القضاء تماماً على كتل سكانية يهودية بكاملها، فضلاً عن تراجع تأثير الطوائف اليهودية على مستوى العالم، لا سيما في الولاياتالمتحدة. ولا يتسع المجال باستعراض كافة الظواهر التي تشكل قلقاً لمؤلفي الكتاب، وتعتبر بنظرهما شواهد كافية للخوف على مستقبل الكيان، لكن تحولها إلى دولة "خاوية" نتيجة تزايد معدلات الهجرة العكسية، وهروب العقول البشرية الجيدة منها، سيؤدي إلى تراجع مستواها العلمي والتكنولوجي، إلى جانب تزايد قضايا الفساد، وقلة الخبرة في القيادات اليهودية الحاكمة، بعد أزمة يعاني منها النظام السياسي الصهيوني منذ سنوات تعرف ب"غياب جيل التأسيس". فرضية الزوال: ومع ذلك، يستدرك المؤلفان بالقول: في ضوء الطبيعة الدينية للدولة العبرية، تبرز هناك عدم إمكانية للتنبؤ بمستقبلها السياسي من خلال أدوات التحليل العلمي المستقبلي وأساليبه، التي تسمح بتقديم صورة حقيقية لحدود وآفاق المستقبل المتوقّع، الأمر الذي يجعل وضع تقدير موقف حول مكانة الكيان الصهيوني في المنطقة، مسألة تتَّسم بالغموض، وتستعصي على التحليل العلمي، ومن ثم يصعب تشكيلها، أو تخطيطها، أو التحكّم في تطورها. ويسعى المؤلفان جاهدين من خلال الكتاب، الذي أحدث ضجة في الأوساط الأكاديمية والبحثية الإسرائيلية، إلى وضع جملة من المعايير السياسية التي تسمح بالتنبؤ بتحقق الفرضية المرعبة الخاصة بزوال الكيان على المدى البعيد، ووضع تساؤلات حول مستقبلها على المدى القريب، ومنها: قوة الاتجاهات العلمانية داخلها، وعمليات الهجرة المضادة خارجها، واختلال الكمّ السكاني لصالح العرب، والانحلال الاجتماعي، والأوضاع الاقتصادية، وكل ذلك على المستوى الداخلي. أما على المستوى الإقليمي، فقد أشار المؤلفان إلى مجموعة من المتغيرات: كافتقاد الكيان لمساندة بعض الدول كتركيا، وإيران، وتغيّر بعض القيادات العربية، وتنامي مشاعر العداء ضدّ السلوك الصهيوني، والتغيرات في الساحة العربية، والتكتلات السياسية والاقتصادية التي تجسّد الاتجاه نحو التجانس الإقليمي. التوصيات: استبعد الكتاب أي خيار للتسوية بين العرب والصهاينة بل إنه وضع مقدمات من شأنها أن تصب الزيت على النار بين الطرفين، وفي محاولة منهما لوضع توصيات مهمة لصانعي القرار الصهاينة -قبل حلول الكارثة بفناء الدولة- طالب المؤلفان باتخاذ سلسلة من الخطوات الاستباقية، داخلياً وخارجياً، ومنها: -ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط، وتخلي إيران عن برنامجها النووي، والاهتمام بتنامي القوة العسكرية للكيان الصهيوني، وازدهار إمكانياته الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، وفرض الهوية اليهودية على جيل الشباب. العمل على رقي وضع الكيان في مجال التطوير الإنساني والبشري، بتدشين مشروع عالمي لليهود، يتضمن مجموعة من المشاريع التي تحسن من أوضاعهم على مستوى العالم، والاستثمار في مجال تحسين وضع الكيان العالمي، طمعاً في تحويله إلى ما يسمى في العلوم الحديثة اليوم ب"دولة النموذج" على مستوى العالم. والعمل على تهيئة ظروف حياتية أفضل لليهود، وإيجاد صور ومجالات أخرى من التعاون المشترك مع الجاليات اليهودية القائمة على المبادرات المشتركة، بما في ذلك إقامة أكاديمية لتخريج زعامات يهودية مستقبلية. هوية المؤلفين: يكتسب الكتاب أهمية خاصة لكون مؤلفيه معنيان بدراسة الصراع العربي الصهيوني، وعملا خلال السنوات السابقة فيما بات يسمى "الدراسات الاستشرافية" في الجامعات الأوروبية والأمريكية، ويحاضران فيها منذ عقود، فالمؤلف الأول باركوفيتش حاصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة الكاثوليكية في مدينة لوبان البلجيكية، وعمل خلال العشر سنوات الماضية محرراً رئيسياً للدورية السنوية المعروفة باسم Regards، وتركز أبحاثه ودراساته الأخيرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومآلاته المستقبلية. بينما يعتبر المؤلف الثاني لاوف من خريج الجامعات الأمريكية والأوروبية، وعمل فترة طويلة في معهد كارنيجي لأبحاث السلام والصراعات الدولية.