د.مازن النجار \n\n كان الاهتمام باستخدام فيتامين (سي) كعلاج ممكن للأورام السرطانية الخبيثة قد بلغ ذروته قبل حوالي ثلاثة عقود، عندما أظهرت المعطيات العلاجية لعدد من الحالات المرضية فوائد علاجية ممكنة باتجاه مقاومة الأورام أو الحد من نموها. ولكن في عامي 1979 و1985، أفاد باحثون آخرون أنهم لم يتوصلوا لأي فوائد، بالنسبة لعلاج مرضى السرطان بجرعات عالية من فيتامين (سي)، خلال تجربتين إكلينيكيتين، للمقارنة بين نتائج فيتامين (سي) والعلاج بالإيهام (بلاسيبو). \nلكن كانت هناك عدة معطيات وملاحظات قادت الباحثين بمعاهد الصحة القومية الأميركية إلى إعادة النظر في إمكانات فيتامين (سي) أو الأسكوربات العلاجية ضد السرطان. فالدراسات الإكلينيكية وحركيات العقاقير التي أجريت في العقد الماضي قد أظهرت أن مستويات الأسكوربات (المأخوذ بطريق الفم) في البلازما والأنسجة تخضع لسيطرة مشددة.\n\n وفي عدد من الحالات العلاجية، كان الأسكوربات يعطى بطريق الفم ووريدياً كذلك؛ ولكن في المحاولات التجريبية، كان يتم إعطاؤه بطريق الفم. لكن في ذلك الحين لم يكن هناك إدراك بأن الحقن بالأسكوربات فقط هو الذي يحقق مستويات التركيز الضرورية للوصول إلى تأثير مضاد للأورام.\nمؤخراً، وجدت دراسة طبية أميركية جديدة أن حقن فئران المختبر المصابة بأورام سرطانات الدماغ والمبيض والبنكرياس، بجرعات عالية من فيتامين (سي) والذي يعرف أيضاً بالأسكوربات أو حمض الأسكوربيك، قد خفّض وزن الأورام الخبيثة ومعدلات نموها بحوالي 50 بالمائة، كما ورد في بيان معاهد الصحة القومية.\n\n جرعات عالية بالأوردة والتجاويف\nأجرى الدراسة فريق بحث من علماء معهد البول السكري وأمراض الهضم والكلى ومعهد السرطان التابعان لمعاهد الصحة القومية، بقيادة الدكتور مارك لفين، ونشرت حصيلتها هذا الشهر بدورية \"وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم\". تتبع الباحثون تأثير الأسكوربات المضاد للسرطان، ووجدوه في تكوين بيروكسيد الهيدروجين في سوائل خارج الخلايا المحيطة بالأورام، بينما لم تتأثرالخلايا العادية به.\nتقوم الضوابط الفسيولوجية الطبيعية بتقنين كمية الأسكوربات التي يمتصها الجسم، عندما تؤخذ بطريق الفم. ولدى تناول أطعمة محتوية على أكثر من 200 مليغرام من فيتامين (سي) يومياً، مثلاً برتقالتين وكمية من القرنبيط الأخضر، يحول الجسم دون تجاوز مستويات الأسكوربات بالدم لنطاقها المحدود.\nولأجل تجاوز هذه الضوابط الطبيعية، قام العلماء بحقن الأسكوربات في الأوردة أو التجاويف الباطنية لهذه القوارض المصابة بأورام خبيثة في الأدمغة والمبايض. وبذلك، استطاعوا توصيل جرعات عالية من الأسكوربات، بمعدل 4 غرامات يومياً لكل كيلوغرام من الوزن.\nيقول الدكتور لفين أنه لدى حقن الفئران بهذه الجرعات العالية من فيتامين (سي)، كان الباحثون يأملون في الحصول على استجابة علاجية كتلك الناجمة عن العلاج بالعقاقير، وبحيث تفيد بعلاج السرطان.\n\n جذور حرة وبيروكسيد هيدروجين\nيلعب فيتامين (سي) دوراً حاسماً في الحالة الصحية، ويتسبب نقصه لفترة طويلة بمرض الأسقربوط الذي كان يصيب البحارة في الماضي لعدم توافر مصادره بغذائهم، ثم يؤدي للوفاة بنهاية المطاف. يتطلب قيام البروتينات المعروفة بالإنزيمات ذات الوظائف الكيميائية الحيوية الهامة، بعملها وجود فيتامين (سي)، ويعمل أيضاً مضاداً للأكسدة، فيحمي الخلايا من عطب جذور الأكسجين الحرة.\nوهكذا، قام الباحثون باختبار فرضية أن حقن الأسكوربات بجرعات عالية يحوله لعامل مؤكسد بدلاً من مضاد للأكسدة. تولد المؤكسدات جذور (أكسجين) حرة وتكوّن بيروكسيد الهيدروجين، حيث افترض العلماء أن هذا الأخير قد يقتل خلايا الأورام.\nوبإجراء تجاربهم المخبرية على 43 خطاً من الخلايا السرطانية و5 خطوط خلايا عادية، اكتشف الباحثون أن لمستويات تركيز الأسكوربات العالية تأثيرات مضادة للسرطان في 75 بالمائة من خطوط الخلايا السرطانية التي اختبرت، لكنها لم تؤثر على الخلايا العادية.\nأظهرت الدراسة الجديدة أن هذه المستويات العالية من تركيز الأسكوربات يمكن تحقيقها لدى البشر.\nقام الباحثون باختبار حقن الأسكوربات في فئران ضعيفة مناعياً ومصابة بأورام مبيض وبنكرياس ودماغ، خبيثة وسريعة الانتشار. خفضت حقن الأسكوربات نمو ووزن الأورام بنسبة تتراوح بين 41 و53 بالمائة.\nفي ثلاثين بالمائة من حالات أورام الدماغ (غليوبلاستوما)، كان السرطان منتشراً في أعضاء أخرى، لكن الفئران المعالجة بالأسكوربات لم تظهر أي علامات أو مؤشرات على انتشاره.\n\n وجد الباحثون أن هذه المعطيات المخبرية - قبل الإكلينيكية- تقدم أول أساس متين للنهوض باستخدامات الأسكوربات دوائياً (فارماكولوجياً) في علاج سرطانات البشر.\nفيتامين (سي) ومضادات الأكسدة\nوكانت دراسة سابقة، قد نشرت السنة الماضية بدورية \"الخلية السرطانية\"، وأجريت أيضاً على فئران المختبر وجدت كذلك أن فيتامين (سي) يمكنه أن يحد من تطوّر بعض أنواع الأورام السرطانية؛ رغم عدم حدوث ذلك بالآلية التي ظنها بعض الباحثين.\nتدعم حصيلة الدراسة فكرة عامة مؤداها أن فيتامين (سي) ومضادة أكسدة أخرى يمكن أن تبطئ نمو الأورام الخبيثة، لكنها تخلص إلى آلية عمل مختلفة عن الآلية التي ظنها عدد من العلماء. فقد حقق الباحثون نتائج مشجعة عندما أعطوا جرعات فيتامين (سي) إلى فئران زرعت بها خلايا سرطانية بشرية، من سرطان الدم الليمفاوي أو سرطان البروستاتا.\nوقال الباحثون إن مادة أخرى مضادة للأكسدة يطلق عليها \"إن إسيتيولكستين\" قد حدت أيضاً من نمو أورام السرطان لدى الفئران. والمعروف أن مضادات الأكسدة هي عناصر غذائية تمنع بعض الأضرار الناجمة من ترسب جزيئات (أكسجين) غير مستقرة يطلق عليها الجذور أو الشوارد الحرة، وهي تنشأ لدى تحويل الجسم الطعام إلى طاقة. وبين مضادات الأكسدة المشهورة فيتامين (سي)، وفيتامين (إي)، والمادة الصبغية بيتا كاروتين.\nوكانت بحوث سابقة قد ذهبت إلى أن فيتامين (سي) قد يكبت نمو الأورام بمنع جزيئات \"الجذور الحرة\" من الإضرار بالحمض النووي، لكن فريق بحث بقيادة البروفسور تشي دَنْغ أستاذ الطب الأورام بجامعة جونز هوبكنز بمدينة بلتيمور وجد أن مضادات الأكسدة تعمل بآلية أخرى تقوض قدرة الأورام على النمو في أحوال بعينها.\nويرى الباحثون أن اكتشاف الآلية التي تكبح بها مضادات الأكسدة نمو الأورام سوف يساعد العلماء في صياغة أساليب واستراتيجيات علاجية لاستخدامها لمكافحة السرطان. وعلاوة على أنواع السرطان التي غطتها هذه الدراسة، هناك أنواع أخرى مرشحّة للتأثر بفيتامين (سي)، ومن بينها سرطان القولون وسرطان العنق.\nوتبقى هناك حاجة لإجراء مزيد من البحوث وحذر من تناول جرعات عالية من فيتامين (سي) للبناء على حصيلة هذه الدراسة وغيرها.