\r\n لم يأخذوا بالحسبان انهم قد وضعوا بتصرف عامة الناس كذلك ادلة مادية تخص ما يقارب 1000 مواطن فلسطيني من عرب اسرائيل, الذين كانوا قد جندوا حينئذ للعمل كمخبرين لدى اجهزة المخابرات, وكانت غالبيتهم مخبرين من العيار التافه, لكن كان من بينهم كذلك عدد من الجواسيس المحترفين الذين استطاعوا التعايش مع الدولة الجديدة التي اقيمت عام 1948 . \r\n \r\n ومن تلك الرقاع الورقية القديمة المصفرة, المليئة بالاسماء والمعطيات ذات الصلة, استطاع كوهين اخراج كتاب بعنوان \"العرب الاسوة\", الذي اصبح من روائع القصص, لم يسبق في تاريخ اسرائيل ان حظي كتاب مدون باللغة العبرية, باجتذاب هذا العدد الكبير من القراء العرب من الجليل الاسفل, والاعلى, حتى صحراء النقب, حيث جاء حرص الفلسطينيين على اقتناء نسخة من الكتاب, الذي تم طبعه اكثر من مرة. تحدث بشأن ذلك الكاتب سعيد قشوع بسخرية ظاهرة ليقول:\"الصفحات المقروءة اكثر هي في حقيقة الامر تلك التي تحتوي على قائمة بالاسماء. فكثيرون يخافون على شرف العائلة\". \r\n \r\n لكن ليس هناك الكثير مما يثير الضحك والسخرية, كون السنوات اللاحقة على اقامة اسرائيل كانت من بين تلك الاكثر مرارة وايلاما بالنسبة ل 150-200 الف فلسطيني, الذين لم يهاجروا او يطردوا من ديارهم, كما حدث مع 700-750 الفا آخرين, انتهى بهم المطاف الى سورية, لبنان, الاردن, ودول عربية اخرى, الذين لم يسمح لهم ابدا بالعودة الى وطنهم الاصلي, بالرغم من ان التأكيد على هذا الحق قد جاء من خلال قرار محدد صادر عن الاممالمتحدة, ما جعلهم مشتتين من غير قيادات سياسية, معزولين, يتم التعامل معهم بمعايير الخيانة من قبل العرب نتيجة بقائهم تحت سلطة اسرائيل, ويتعرضون في الوقت نفسه للملاحقة المستمرة من قبل اجهزة مخابرات الدولة اليهودية حديثة الولادة, وببقائهم يعيشون في ظل الحكم العسكري حتى عام ,1966 كان يتوجب على الفلسطينيين اجتياز كم من الصعوبات الهائلة. كانوا مواطنين يتمتعون بحق التصويت, لكن مختلف نواحي حياتهم في تلك الفترة الواقعة ما بين عامي 1948-,1966 كانت مقيدة بالحصول على تصاريح وتفويضات, ولاجل الحصول على الكثير منها لم يكن امامهم سوى خيار واحد تمثل في العمل مع جهاز المخابرات الداخلي (الشاباك), وفق ما اورده البروفيسور يوهاف دي كبوه, الدارس للتاريخ الاسرائيلي في تلك الحقبة. ويحدثنا بشأن ذلك ابو ماهر من قرية المكر, البلدة القريبة من عكا فيقول:\"كان الكثير من جيلي متعاونين, فكانوا يتجسسون على بعضهم البعض, لدرجة انهم كانوا يقدمون لذلك الجهاز معلومات غير مهمة, وكل ما في الامر انه كان من الاهمية بمكان عدم اظهار العداء للدولة الجديدة, ومن يبدي اية معارضة, كان عرضة للعقاب بطرق مختلفة\". \r\n \r\n عندما يتم الحديث عن الفترة بين عامي ,1948 ,1967 فان الامر يعني بالنسبة للغالبية العظمى من الاسرائيليين وغيرهم, الاشارة الى دولة اسرائيلية موحدة, غير مركبة, منشغلة بالمطلق بتأمين استمراريتها في الحياة, نمط من جمهورية متفوقة على الاخرين, متناغمة اخلاقيا, من المفترض ان تنتهي, كما يؤكد الكثيرون مع احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة, مفسدة قيم مجتمع \"بسيط ساذج\", وكانت مناهج البحوث التاريخية الاسرائيلية الحديثة قد عملت على كنس حجاب النقاء المفروض لمدة عشر سنوات من السنوات العشرين الاولى من عمر البلد, كاشفا من بين اشياء كثيرة, الوضع الذي تعيشه الاقلية الفلسطينية طيلة تلك السنين, وليس هناك من هو افضل من الكاتب, الصحافي اميل حبيبي الذي توفي عام ,1996 الذي عرف كيف يسرد بنوع من التهكم المر عبر الرواية الرائعة \"المتشائل\", الاوضاع التي يعيشها انسان عربي في اسرائيل, كما جاءت قبل عامين مساهمة حاسمة في هذا الاتجاه من قبل شيرا روبينسون من خلال كتابه \"مواطنون محتلون داخل دولة ليبرالية: فلسطينيو اسرائيل\" جامعة ستانفورد. \r\n \r\n ومثل ابو ماهر من المكر هناك اخرون من عرب اسرائيل كبار السن تحدوهم الرغبة في رواية ما حدث بتلك السنوات مع مراعاة الحرص على اخفاء هويتهم الحقيقية, فالخوف ما زال سيد الموقف. ابو علاء من قرية طيرة حيفا (تسمى اليوم طيرة الكرمل الواقعة على مداخل حيفا), كان عمره 17 عاما في عام 1948 .. يتذكر قائلا:\"لقد هربنا وقت ان بدأت العصابات اليهودية باطلاق النار على حيفا, لكن ليس عن طريق البحر, كما فعل الكثيرون, بل باتجاه الاردن وسورية, كنا انا واشقائي قد عدنا في مرات عديدة بنهاية عام ,1948 والشهور الاولى من عام ,1948 مستغلين عدم وجود حواجز حدودية, ثم اكتشفتنا الشرطة.. تمكن اشقائي من الهرب, اما انا, فاعتقلت ووقعت فريسة الرعب\". \r\n \r\n بقي ابو علاء في السجن لمدة ستة اشهر, بتهمة العودة بطريقة غير مشروعة الى الارض التي ولد وترعرع فيها, وعاشت عائلته لاجيال متعاقبة, وتابع كبير السن حديثه قائلا:\"كنت ارقب عن قرب كيف كانت الحياة في مخيمات اللاجئين, الامر الذي دفعني لاتخاذ قرار بالبقاء في حيفا, بالرغم من ان اسرتي كانت في سورية, في الداخل عرض علي احد المتعاونين موضوع منحي تصريح اقامة دائم لا يحتاج الى التجديد, وذلك مقابل قيامي بالعمل في ارضه من دون اجر. هكذا كنت اعمل نهارا بالعزق لدى ذلك الرجل, واغسل الصحون وامسح البلاط ليلا, لدى المهاجرين اليهود القادمين من اوروبا, لقد عانيت الجوع والضجر, كان بيتي ما زال قائما هناك, لكني لم اكن قادرا على العودة اليه\". \r\n \r\n ابو مسيح, فلسطيني كاثوليكي من حيفا, عاش زمنا طويلا داخل خيمة, يحدثنا بصوت منخفض فيقول:\"كنت بسبب الحرب قد هربت بصحبة ابويّ على قرية قريبة, لقد استولت السلطات الاسرائيلية على منزلنا, بحجة انه كان خاليا, بحيث انتقلت ملكيته للدولة, ومع ذلك عدنا من جديد الى حيفا, موضحين اننا ابتعدنا لبضعة اشهر فقط.. فقدنا كل شيء في لحظة ما, ولاجل تدبر قوت يومنا, توجب علينا العمل بكافة المهن من دون تعب او ملل, اردنا البقاء في وطننا, واجبرنا من قبل الشاباك على التعاون, لقد لذت بالصمت لسنوات كثيرة, نتيجة العيب والخجل, لكن من الواجب اليوم العمل على اخبار عائلتي والعالم باسره بالحقيقة, يجب ان يعلموا مدى المعاناة التي قاسينا\".0 \r\n