اذا كان هذا التحول يبدو غير متخيلا،فان ذلك يظهر كيف ان الخرائط الذهنية القديمة تستمر في التعتيم على رؤية اميركيين بارزين.لقد هيمن الغرب على تاريخ العالم طيلة القرنين الماضيين لدرجة اننا نسينا انه في الفترة من السنة الاولى الى سنة 1820،كان اكبر اقتصاديين في العالم (كما يبرز ذلك المؤرخ الاقتصادي البريطاني انجوس ماديسون) هما الصين والهند.وتوقعت دراسة اجراها مركز جولدمان ساشس في 2003 بشكل سري انه بحلول 2050 سوف تكون اربع اكبر اقتصادات في العالم هي الصين والولاياتالمتحدة والهند واليابان بهذا الترتيب. واظهرت دراسة احدث لنفس المركز ان ذلك يمكن ان يحدث في وقت اقرب من ذلك الموعد وان الاقتصاد الهندي يمكن ان يتجاوز الاقتصاد الاميركي بحلول عام 2043.وسوف تكون التغيرات مذهلة وتحدث بشكل سريع.وقد عبر الاقتصادي ووزير الخزانة الاميركي السابق لورانس سومرز عن ذلك بقوله انه خلال الثورة الصناعية ارتفع مستوى المعيشة عند معدل 50%تقريبا خلال حياة الفرد.أما معدل النمو الحالي في اسيا فانه يمثل ارتفاعات غير مسبوقة في مستوى المعيشة خلال فترة حياة الفرد(حيث بلغت الزيادة 10 آلاف%). \r\n المفارقة بشأن العجز الاميركي عن الاعتراف بهذا التحول الكبير تكمن في ان الولاياتالمتحدة قد عملت اكثر من اي بلد اخر على اثارة او الحض على هذا النهوض الاسيوي.ففي خلال فترة الهيمنة الاوروبية في القرن ال19،كان يتم استعباد واستعمار اسيا.وفي الوقت الذي باتت فيه الولاياتالمتحدة القوة المهيمنة، تم تحرير اسيا وبدات في التقدم. \r\n الاهم انه قبل الحرب العالمية الثانية،كان الغزو و/او الاستعمار هو السبيل الوحيد للدولة لتوسيع قوتها ونفوذها.لكن مع قيام الاممالمتحدة في 1945 وصياغة قواعد التجارة التي اعقبت الجهود التي طرحتها وعززتها الولاياتالمتحدة فان البلد بات يستطيع ان يطور اقتصاده بدون غزو بلد اخر. \r\n وقد سوى هذا النظام القائم على القواعد ساحة اللعب الدولية وسمح لبلدان مثل اليابان والمانيا باعادة البزوغ اقتصاديا دون الحاق ازعاج او ضرر كبير بالنظام الدولي.في هذا القرن،ربما تكون الصين والهند هما البلدين اللتين تبزغان بشكل سلمي بوصفهما قوى دولية. \r\n وسوف يعد ذلك انجازا تاريخيا.وذلك لان كل التحولات السابقة في القوة العالمية (مع الاستثناء الوحيد للانتقال من الامبراطورية البريطانية الى الامبراطورية الاميركية) قد تم تحقيقها عن طريق الصراع.أما في القرن ال21،فسيكون لدينا فرصة كبيرة في تفادي ذلك-اذا استمرينا ملتزمين بقواعد عام 1945. \r\n احد العناصر الرئيسية في حزمة 1945 هذه هو التحرر التجاري وهي المقاربة التي دعمها العالم منذ التوصل الى الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات(الجات)في 1947.ولسوء الحظ،فان الدعاوي للحمائية تتزايد في الولاياتالمتحدة واوروبا. وخط الدفاع الاول ضد اي هزة او صدمة محتملة للاقتصاد العالمي هي في مقاومة دعاوي الحمائية تلك.ولعل هزيمة جون ادواردز المنادي بالحمائية في ترشيحات الحزب الديمقراطي للرئاسة الاميركية تصب في هذا الاتجاه المناهض لهذه الدعاوي. في نفس الوقت،وفي الوقت الذي تبزغ فيه قوى اسيوية جديدة سيكون على تركيبة النظام الدولي ان يعاد بنائها مجددا.خذ في ذلك مثلا حالة اقوى مؤسستين اقتصاديتين دوليتين في العالم وهما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.فهناك تقليد منذ 60 سنة يقضي بان يكون رئيس الصندوق اوروبيا ورئيس البنك اميركيا وهي الممارسة التي تم تاكيدها مجددا في تعيينات 2007. \r\n ربما يكون ممثلو البلدان الاسيوية التي تشكل غالبية سكان العالم غير مؤهلين. غير ان اسيا الان هي موطن لاسرع الاقتصادات نموا في العالم والتي تبلغ فيها الاحتياطيات الاجنبية اكثر من 3 تريليونات دولار.فمن السخافة استبعاد الاسيويين من قيادة صندوق النقد والبنك الدوليين.يتعين نبذ هذه السياسات التي تنطوي على مفارقات تاريخية اذا كنا نعمل من اجل انتقال سلس الى القرن الاسيوي. \r\n بنفس الشكل فان الاعضاء الدائمين لمجلس الامن الدولي (الذي له الصلاحية في اتخاذ قرارات ملزمة لكل الدول) يجب ان يكونوا انعكاسا للقوى الكبرى في المستقبل وليس للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية.وهناك خطوة بسيطة وواضحة يجب اتخاذها وهي ان يكون للاتحاد الاوروبي مقعد واحد بدلا من مقعدين لبريطانيا وفرنسا وذلك لانه سيكون هناك سياسة خارجية اوروبية واحدة في يناير 2009. سرا،فانه من الناحية الفعلية فان كل المراقبين تقريبا يوافقون على ان ذلك هو الحل المنطقي الوحيد.وفي العلانية فانه لا يجرؤ اي صانع سياسة اميركي على ان يعكر صفو العلاقة عبر الاطلسي. \r\n يعتبر المرشح الديمقراطي للرئاسة الاميركية باراك اوباما محقا بشكل كبير عندما يعلن ان التغير امر حتمي.ففي حياتنا وكما توقع سومرز سوف نرى تغييرا اكبر من اي عصر سابق.ومن ثم فهل ستكون الولاياتالمتحدة في ظل حكم رئيسها الجديد قوة للتغيير وصياغة علاقات جديدة عبر المحيط الهادي؟ام هل ستصبح عقبة كأداء موجهة صوب الاطلنطي؟سوف يحدد الاختيار مسار تاريخ القرن ال21،والذي اذا اختارت الولاياتالمتحدة فيه العمل مع اسيا الصاعدة،فاننا يمكن ان نمضي في عصر اكثر سلاما. \r\n \r\n كيشور محبوباني \r\n عميد كلية السياسة العامة في الجامعة الوطنية بسنغافورة.خدمة لوس انجلوس تايمز-واشنطن بوست خاص ب(الوطن). \r\n