\r\n لاقى قرار التقسيم, في حينه, تأييد الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي. وفي عام ,1993 دعت اتفاقات اوسلو الى اقامة دولتين. وفي هذه الايام, تتمسك كوندوليزا رايس بان التوصل الى اتفاق نهائي على الدولتين امر ملح, تأمل ان يعرض في مؤتمر سيعقد في مدينة انابوليس بولاية ماريلاند. \r\n \r\n فكيف كان ردّ الفعل التاريخي من الحركة الصهيونية (ومن دولة اسرائيل) من جهة, ومن الممثلين المتعاقبين للفلسطينيين العرب, من جهة اخرى, على فكرة الدولتين? \r\n \r\n من الناحية العملية, لم ترق الفكرة لاي من الجانبين ابدا. اذ برزت ثلاثة مواقف مختلفة, في الاساس, لم يكن اي منها مؤيدا للتقسيم ما بين الصهاينة/الاسرائيليين. وكان بين هؤلاء من يسمّون »التنقيحيين«, الذين طالبوا في الحال, وبكل صراحة, بدولة يهودية خالصة. \r\n \r\n وعلى الجانب الاخر من هذا الطيف, توافرت مجموعة صغيرة من المثقفين دعت الى اقامة دولة واحدة ثنائية القومية: عربية- يهودية, وهو موقف ما لبث ان اندثر بعد اقامة دولة اسرائيل, في عام .1948 \r\n \r\n وكان هناك صهاينة الاتجاه العام السائد, الذين اصبحوا الزعماء السياسيين للاتجاه العام في اسرائيل. فقد قبلوا فكرة التقسيم كواقع ضروري, بينما راحوا يسعون الى تشجيع التوسع الزاحف في حدود الدولة اليهودية, على امل ان يحتلوا, في يوم ما, معظم البلاد او جميعها. وكان هذا بالاساس موقف شخصيات رئيسية مثل ديفيد بن غوريون, وارئيل شارون فيما بعد. \r\n \r\n اما المجموعات الصهيونية/الاسرائيلية الوحيدة, التي دعت الى اقامة دولتين, كحل دائم ونهائي, فكانت حركات مثل »سلام الآن«, التي ظهرت بعد عام ,1967 واقترحت مبادلة »الارض بالسلام«, ولم تتمكن هذه المجموعات من الفوز ابدا بأغلبية واضحة في الانتخابات الاسرائيلية, ووضعها الان اقلية اصغر منها في اي وقت مضى. \r\n \r\n وعلى الجانب العربي/الفلسطيني, كانت معارضة فكرة التقسيم شديدة دائما. بل لم يكن, في اول الامر, من يدافع عنها ولا بأي شكل من الاشكال. ولهذا, لم يتوافر على الاطلاق من يقف الى جانب الموقف العربي/الفلسطيني, عندما وافقت الاممالمتحدة على التقسيم. \r\n \r\n أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية عام ,1964 مؤسسة معارضة للفكرة على وجه الخصوص. على أن (م.ت.ف) اخذت تغير موقفها ببطء في الثمانينيات, ثم قبلت بفكرة الدولتين كجزء من اتفاقات اوسلو لعام ,1993 قبولا رسميا. \r\n \r\n ومع ذلك, فقد نظر الى هذا التغيّر, لدى العديد من الاسرائيليين, على انه تكتيك, وليس موقفا صادقا اصيلا, ما يعكس شكل القبول البراغماتي عند بن غوريون -شارون من قرار التقسيم كحقيقة واقعة راهنا, بينما كانا يأملان دائما في الانتقال من ذلك الموقف الى حل على اساس الدولة الواحدة لاحقا. \r\n \r\n في هذه الايام, يعتبر الرئيس محمود عباس, رئيس السلطة الفلسطينية, مؤيدا قويا وصريحا للحل على اساس اقامة دولتين. كما تعتبر الدول العربية, وخاصة المملكة العربية السعودية, مستعدة لتبني هذا الموقف وتطبيقه. \r\n \r\n لكن رئيس الحكومة الاسرائيلية, ايهود اولمرت, لا يبدو اليوم, من الناحية الاخرى, متحمسا كثيرا, ولا مؤيدا حقيقيا لاقامة دولة فلسطينية. \r\n \r\n اذا, ما هي آفاق التوصل الى اتفاق? \r\n \r\n الحقيقة ان هذه الآفاق ليست كبيرة, كما اعترفت بذلك ثماني شخصيات امريكية رفيعة المستوى, في بيان لها نشرته مؤسسة نيويورك لمراجعة الكتب, وما يمكن وصفه بالنداء »الدعوة« الاخير للحل على اساس الدولتين. \r\n \r\n لقد عنونوا هذا البيان, وعلى نحو متشائم الى حد ما, »المجازفات الفاشلة والعواقب المدمرة«. واول هذه الشخصيات زبيغنيو بريجنسكي, مستشار الامن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر, وكبير مستشاري باراك اوباما. وهناك ثلاثة اخرون, من كبار الشخصيات في الحزب الديمقراطي, وقعوا على هذا البيان, هم: لي هاميلتون, الرئيس المشارك لمجموعة دراسة الوضع في العراق; وتوماس بيكرينغ, نائب وزير الخارجية في حكومة الرئيس بيل كلينتون; وثيودور سورينسون, المستشار الخاص للرئيس جون كيندي. \r\n \r\n والمؤيدون لهذا النداء, من جانب الحزب الجمهوري, على القدر ذاته من المكانة الرفيعة, وهم: برينت سكوكروفت, مستشار الامن القومي للرئيسين جيرالد فورد وجورج بوش الاب وكارلا هيلز, الممثلة التجارية في ادارة جورج بوش الاول; وعضو مجلس الشيوخ السابقة نانسي كاسينباوم-بيكر; وبول فولكر, الرئيس السابق لمجلس محافظي بنك الاحتياط الفيدرالي »البنك المركزي« الامريكي. \r\n \r\n تجمع هذه الثلة المميزة سمة مشتركة بين اعضائها, هي انها لا علاقة لها من اي نوع مع الادارة الحالية للرئيس جورج بوش. وقد بعثت رسالتهم الى الرئيس بوش والى كوندوليزا رايس. وتعرض هذه الرسالة اقتراحا مفصلا يعرفه الجميع بالحل الوحيد المقبول باقامة دولتين على اساس حدود عام ,1967 والقدس عاصمتين مع ترتيبات خاصة بالنسبة للاماكن المقدسة, و »حل لمشكلة اللاجئين يتلاءم مع الحل بدولتين, يعالج المشاعر التظلمية العميقة للاجئين, كما يوفر لهم التعويض المالي الكافي والمساعدة في اعادة الاستقرار«. كما يطالب هؤلاء في رسالتهم باشراك سورية وحماس في مفاوضات التسوية, وبالتجميد الفوري للمستوطنات الاسرائيلية. \r\n \r\n كان هذا هو الاقتراح نفسه تقريبا الذي تم اقراره في اجتماعات »طابة« في كانون الاول ,2000 اواخر ايام عهد الرئيس كلينتون, لكنه ليس كافيا تماما. وهذا الاقتراح واحد من الاقتراحات المقبولة, ولا شك, لدى الرئيس عباس, وربما لدى حماس ايضا. غير انه اقتراح تستثنيه بشدة حكومة اولمرت منذ وقت طويل. \r\n \r\n فما اسباب النغمة اليائسة? السبب هو ان منشئي الرسالة يعرفون انه من غير المرجح قبول الاقتراح من لدن الحكومة الاسرائيلية او الرئيس بوش. فالبرلمان الاسرائيلي يمط في موافقته على اي اتفاق, ولا تلوح في الافق اشارات تدل على جاهزيته لتغيير هذا الموقف. كما لا تبدو كذلك اية علامة على استعداد ادارة بوش للتفكير في ليّ ذراع الاسرائيليين ليّا فعليا. بل العكس هو الصحيح. \r\n \r\n فلماذا, اذا, يهتم الثمانية الموقعون على الرسالة باطلاق هذا النداء الاخير? السبب هو ذبول الاجماع الدولي في القرن العشرين على الحل باقامة دولتين, والتعاطف مع اسرائيل - الذي كان قويا في وقت ما - آخذ في التقهقر حتى في اوساط كانت متعاطفة تعاطفا شديدا مع الموقف الاسرائيلي. وتترافق مع ذلك كله دعوات متزايدة لاقامة دولة موحدة. \r\n \r\n ومع الاخذ بالاعتبار, الحال المشتركة الراهنة من الخوف والعداوة, فان الاسرائيليين لن يقبلوا ابدا بحل اقامة دولة واحدة, بل لعلهم سيواصلون, على الارجح, دائرة العنف المفتوح - فما يحذر منه بريجنسكي وآخرون ضمنيا, هو ان رفض الاسرائيليين »والحكومة الامريكية ايضا« لهذا الاقتراح الان, ستكون عواقبه مدمرة من حيث التصعيد الكبير للعنف, الذي قد يطول ثلاثين سنة اخرى, وتتمخض عنه نتائج غير مؤكدة بالنسبة لبقاء دولة اسرائيل.0 \r\n \r\n * احد كبار الباحثين في جامعة ييل, ومؤلف كتاب: »انهيار القوة الامريكية - الولاياتالمتحدة في عالم من الفوضى«. \r\n