وفي أنقرة، صوت البرلمان التركي يوم الأربعاء الماضي لتفويض الحكومة بإرسال القوات إلى شمال العراق لسحق المتمردين الأكراد الذين يختبئون هناك. وتعارض إدارة الرئيس بوش هذه العملية بقوة. بيد أنني شعرت بالدهشة والمفاجأة عندما اكتشفت خلال زيارة أخيرة إلى أسطنبول بأن المخاطر الحقيقية القائمة في تركيا ترتبط بشكل أكبر بالسياسات المحلية بدلاً من اضطرابات السياسة الخارجية. \r\n وعلى مدار الشهور الثلاثة الماضية، نجح حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في تأمين أغلبية برلمانية قوية، وتم انتخاب أحد أقطاب الحزب وهو عبد الله جول في منصب الرئاسة التركية، وطور الحزب علاقة عمل جيدة مع واحد من أحزاب المقاومة الكبرى على الأقل. ويتمتع الحزب الحاكم في الوقت الحالي بهدنة مع الجيش التركي، الذي لا يزال لاعباً أساسياً في الحياة السياسية التركية. \r\n وقد تعاملت الأسواق التركية مع انتصار أردوغان الساحق الذي تحقق في شهر يوليو الماضي بفرح بالغ. وارتفعت أسعار الأسهم التركية الكبرى. وقد وصلت قيمة صرف العملة التركية إلى أعلى مستوى لها أمام الدولار الأميركي خلال أكثر من عامين. \r\n ومنذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة للمرة الأولى في عام 2002، نجح أردوغان في تحقيق نمو سنوي نسبته 7.4%، وذلك فضلاً عن نجاحه في الحد من التضخم وتمكنه من تحقيق مستويات غير مسبوقة للاستثمارات الأجنبية. وقد أبقت سلسلة الإصلاحات التي نفذتها حكومة أردوغان على تقدم طلب تركيا للإنضمام إلى عضوية الإتحاد الأوروبي. ومنحت أغلبية الحزب الجديدة الذي يحتل 341 مقعداً من أصل 550 مقعدا في البرلمان التركي أردوغان الحرية في متابعة أجندته بدون الحاجة إلى الدخول في تسويات مع خصومه السياسيين. \r\n ويمثل هذا الأمر خطراً حقيقياً. ويبدو أردوغان مصمماً على المبالغة في إحكام قبضته على الأمور والتحكم في القضايا الهامة بطرق أحبطت التوازن السياسي الهش في تركيا. \r\n وقد حل التعايش غير السهل مع مجموعة كبيرة من النقاد المحليين الذين يخشون من تجاوز حزب أردوغان الإسلامي المعتدل للتقاليد العلمانية للدولة التركية، وتهديد قوته الجديدة لمصالحهم السياسية والاقتصادية. وإذا واصل أردوغان تقدمه بنفس هذه القوة والسرعة، فسوف تقابله العديد من المشاكل على طول الطريق. \r\n وفي البداية، قال أردوغان أنه يخطط لإعادة صياغة الدستور التركي. ويتحدث حجم الانتصار الإنتخابي لحزب العدالة والتنمية الذي يترأسه رئيس الوزراء التركي عن نفسه، ولكن الجهود الرامية لاستخدام الدستور من أجل تعزيز الحريات الدينية بشكل أكبر، من خلال إلغاء الحظر على ارتداء الحجاب الإسلامي في الجامعات على سبيل المثال، يمثل خطراً بالعودة إلى الوراء في رأي الأشخاص الذين يرون بأن هذه الخطوة تمثل خرقاً لقيم ومعايير العلمانية التركية. \r\n وقد زادت بعض السقطات السياسية التي ارتكبها أردوغان في الآونة الأخيرة الطين بلة. وفي مؤتمر صحفي عقده خلال شهر سبتمبر الماضي، دعا أردوغان نقاده في الجامعات إلى مناظرة لمناقشتهم في المآخذ التي يأخذونها عليه. وقد يأتي الخطر الأكبر من كبار ضباط الجيش التركي الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم حماة وحراس التقاليد العلمانية التركية. وكان الدستور الحالي، الذي يرغب أردوغان في إعادة صياغته، قد تمت صياغته بواسطة قادة الجيش التركي في عام 1982. ومن المتوقع أن يقلص الدستور الجديد من سلطة الجيش. \r\n ولكن إذا كانت هناك طريقة أفضل لإثارة الوطنيين داخل أروقة الجيش التركي، فسوف تتم هذه الخطوة باستخدام التغييرات الدستورية لكسب أصدقاء جدد بين الأقلية الكردية. وتأتي إحدى المظاهر الانتخابية الكبرى التي يفتخر بها حزب العدالة من زيادة تأييد الأتراك للحزب في اقليم الأناضول الواقع جنوب شرق تركيا، والذي يأوي معظم أفراد الأقلية الكردية في تركيا. وقد حصل الحزب على 53% من أصوات الناخبين في هذه المنطقة خلال انتخابات الصيف الماضي بارتفاع ضخم من نسبة 27.7% التي تحققت في عام 2002. \r\n وتشمل نسخة أولية من تغييرات أردوغان الدستورية المقترحة التي تسربت إلى وسائل الإعلام مقترحاً يقضي بتعديل الفقرة التي تحدد اللغة التركية كلغة رسمية وحيدة لتركيا، وهي الخطوة التي يقول النقاد الوطنيون بأنها سوف تشجع الأصوات التي تطالب باستخدام اللغة الكردية وبعض لغات الأقليات الأخرى في التعليم. \r\n وبالنظر إلى التوترات الجديدة بشأن الانفصاليين الأكراد في شمال العراق، فإن هذه التغيرات المقترحة أصبحت مسألة سياسية كبرى. وتمثل هذه التغييرات مشاكل إضافية لعملية الإصلاح في تركيا: ذلك أنها تمثل إلهاء واستنزاف للوقت ورأس المال السياسي الذي يمكن أن ينفق بشكل أفضل على القضايا الأخرى. \r\n وقد أخبرني مسئول بحزب العدالة والتنمية تحدثت معه فقال إن عملية الإصلاح الدستوري سوف تسغرق حوالي 18 شهراً. وهذا الأمر قد يجبر أردوغان على تأجيل الإصلاحات الأخرى، والتي تحتل معظمها أهمية كبيرة في سعي تركيا للانضمام إلى عضوية الإتحاد الأوروبي. وفي الوقت الذي يدور فيه جدل حاد داخل تركيا في هذه الأمور والخلافات المثيرة للجدل، ظهرت إشارات مبكرة على تراجع الاقتصاد التركي. \r\n وقد يتم تأجيل القرار الذي يمكن أن يصدره الكونجرس الأميركي ضد أنقرة، ومن الوارد أن يحد الجيش التركي من هجماته في شمال العراق. ولكن المشاكل السياسية الداخلية في تركيا لن تنتهي. وفي الحقيقة، فإن هذه الفرص الجديدة لصقل أوراق الاعتماد الوطنية قد تقنع أردوغان بالاستمرار في الضغط من أجل تحقيق مصالحه السياسية داخل تركيا. وهذا هو السبب الذي يبرر القول بأن المخاطر الحقيقية التي تهدد التوازن السياسي التركي الهش لا تأتي من واشنطن أو العراق، ولكن تأتي من داخل تركيا. \r\n إيان بريمر \r\n رئيس مجموعة أوراسيا، وهي مجموعة استشارية لتحديد المخاطر السياسية. \r\n خدمة إنترناشيونال هيرالد تريبيون خاص ب(الوطن)