\r\n \r\n دو في الأفق حلول جيدة لمعضلة الملف النووي لكوريا الشمالية، خاصة بعد امتلاك الأخيرة للسلاح النووي بالفعل. كل ما تحاول الولاياتالمتحدة أن تقوم به اليوم هو إعادة جميع الأطراف إلى طاولة المحادثات السداسية. على الجانب الآخر، يقف خصوم الرئيس بوش الذين طالما انتقدوه لإصراره على المضي وحيداً لغزو العراق قبل ثلاثة أعوام طالبين تحركاً منفرداً ضد كوريا الشمالية. \r\n لكن المشكلة الحقيقية في الأزمة الكورية الشمالية هي في زعيمها كيم يونغ إيل الذي لا يبدو لي، ولا أدري كيف أصيغ هذه العبارة، لا يبدو لي مفكراً استراتيجياً! لا أدري كيف يمكن التفاوض مع زعيم بلد يصل به جنوح التفكير إلى اختطاف نجوم السينما في البلدان المجاورة لمجرد الترفيه عن نفسه، بل لا أرى في شخص كهذا مفاوضاً يمكن الاعتماد عليه، أياً كان الطرف الآخر في المفاوضات. \r\n لعل هذا السبب بالذات هو ما يجعل الصين، التي تدعي رغبتها في بسط سيطرتها على منطقة جنوب شرقي آسيا غير راغبة في لعب أي دور لمحاولة تجريد كوريا الشمالية من قدراتها التسلحية. ألا تعتمد كوريا الشمالية اعتماداً كلياً على المعونات الهائلة التي تأتيها من الجار الصيني في الوقوف في وجه العقوبات الدولية المفروضة ضدها؟ \r\n نجحت الصين بصورة أو بأخرى في السيطرة على الحاكم السابق في بيونغ يانغ، كيم إيل سونغ والد الزعيم الحالي، لكن الفارق بين الرجلين لا يخفى على أحد. يقول كثيرون أن كيم يونغ إيل يمكن أن يعض اليد التي تمتد إليه بالعون. لذا يبدو لي أن الصين مرتاحة لهذا الوضع طالما بقي كيم مشكلة للأميركيين. \r\n طرف آخر في المشكلة هو حليفتنا كوريا الجنوبية، ذلك البلد الآسيوي الصغير الذي نجح في تجاوز محنته الاقتصادية وتحقيق معجزة حقيقية. لقد نجح الكوريون الجنوبيون بالفعل في إقامة ديمقراطية حقيقية في بلدهم الصغير. \r\n تحظى كوريا الجنوبية بسمعة جيدة بين الأميركيين، لكن هل يرى ساكنو الشطر الجنوبي من الجزيرة الكورية الولاياتالمتحدة بالشكل نفسه، لا يبدو لي ذلك. أظهر أحدث استطلاع للرأي أن أكثر من خمسين بالمائة من الكوريين الجنوبيين (من بينهم واحد وسبعون بالمائة ممن تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين لديهم صورة غير إيجابية عن الولاياتالمتحدة). \r\n لابد هنا من التوضيح أن هذه النسبة العالية من الكره للولايات المتحدة لا يبررها الكوريون الجنوبيون بعدم رضاهم عن الرئيس الأميركي جورج بوش، بل إن اثنين وسبعين بالمائة منهم قالوا إنهم يشعرون بالعداء تجاه الولاياتالمتحدة بصورة عامة، وليس فقط بسبب رئيسها. نفس الاستطلاع كشف أن أكثر من نصف الكوريين الجنوبيين شعروا بالإحباط لأن الجيش العراقي لم يبد القدر الكافي من المقاومة لدى بدء الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. استطلاع آخر أجري في العام 2002 كشف أن أكثر من ثلاثة أرباع الكوريين الجنوبيين يعارضون الحرب التي بدأتها الولاياتالمتحدة آنذاك على ما يسمى بالإرهاب. \r\n لكن هذا الشعور السلبي نحو الولاياتالمتحدة لا يبدو وليد اليوم أو السنوات القليلة الماضية، فلكوريا الجنوبية تاريخ طويل من العداء لأميركا. في العام 1982 على سبيل المثال، أطلق طلاب كوريون جنوبيون النار على المركز الثقافي الأميركي في مدينة بوسان جنوبي البلاد. وخلال دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها العاصمة سيئول بلغ العداء للأميركيين مستوى غير مسبوق دفع رئيس البلاد حينها روه تاي ووه إلى عقد اجتماع طارئ لحكومته للسعي للتوصل إلى سبيل لتهدئة الرأي العام. أحد الطلاب المعروفين بكرههم للولايات المتحدة تحدث في العام 1989 إلى وكالة الأسوشيتدبرس قائلاً: الولاياتالمتحدة والأنظمة الموالية لها مسؤولة بالدرجة الأولى عن كافة المشكلات والانقسامات التي تعيشها بلادنا اليوم. \r\n في مقال كتبه لدورية واشنطن الربع سنوية في العام 2002، علق الكاتب الكوري الجنوبي سيونغ هوان كيم على تلك المشاعر العدائية للأميركيين بين الكوريين الجنوبيين قائلاً بأن مثل هذه التوجهات المعادية للأميركيين وإن بدأت خلال الأربعينيات من القرن الماضي بين الطلاب ونشطاء الجناح اليساري، إلا أنها بلغت اليوم مستويات غير مسبوقة بين جميع فئات الشعب الكوري الجنوبي. أحد أسباب هذا الانتشار الواسع للمشاعر العدائية تجاه الولاياتالمتحدة هو التعاطف الذي أبدته حكومة سيئول مع الرأي العام المعادي للأميركيين، الأمر الذي وفر دعماً كبيراً للجماعات والنشطاء الذين يتزعمون هذا التيار. \r\n تخيل على سبيل المثال أنه يجرم حرق علم كوريا الشمالية على الأراضي الكورية الجنوبية، بينما لا يعتبر حرق العلم الأميركي منافياً للقانون. \r\n خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في كوريا الجنوبية عام 2002 شكلت الولاياتالمتحدة إحدى أهم القضايا في السباق الانتخابي التي حسمها الرئيس روه مو هيون المعروف بأنه واحد من أكثر قادة التيار المعادي للولايات المتحدة تشدداً. وخلال سنوات حكمه، لم يكن الرئيس روه الحليف الذي يتمناه الأميركيون بعد أن شجع أبناء بلده على التسامح مع التصرفات الاستفزازية التي يقوم بها نظام بيونغ يانغ. \r\n على العكس، حث الرئيس روه الكوريين الجنوبيين على اعتبار كوريا الشمالية أخا صغيراً يطحنه الفقر ويعيبه البطء، متناسياً تماماً كيف تشكل كوريا الشمالية عبئاً كبيراً على بلاده. وإليك النتائج. \r\n في العام 2004، اعتبر أكثر من تسعة وثلاثين بالمائة من الكوريين الجنوبيينالولاياتالمتحدة التهديد الأكبر لأمنهم القومي، بينما لم ير في كوريا الشمالية تهديداً للأمن القومي أكثر من ثلاثة وثلاثين بالمائة. \r\n يتساءل الأميركيون عن السبب الحقيقي في هذه المشاعر العدائية لهم في كوريا الجنوبية. كيف وقد ضحى ما يقرب من خمسة وخمسين ألفا من جنودناً بأرواحهم لإنقاذ هذا البلد خلال الحرب الكورية في بداية الخمسينيات. \r\n لقد حصلت كوريا الجنوبية بين عامي 1945 و2001 على أكثر من خمسة عشر بليون دولار من الولاياتالمتحدة في صورة معونات اقتصادية وعسكرية، هذا إلى جانب تكلفة جنودنا الثلاثين ألفاً الموجودين هناك والتي تصل إلى ثلاثة بلايين دولار سنوياً. ألا يرى هؤلاء أن هكذا معونة تبدو ثقيلة خاصة إذا علمنا أن بلادهم تحتل المرتبة الحادية عشرة كأقوى اقتصاد في العالم؟ \r\n بعد كل هذا، هل يعقل أن نقول إن كوريا الشمالية هي مشكلتنا الحقيقية في تلك المنطقة. إذا كان الكوريون الجنوبيون يعتقدون أنهم بهذا الجيش الصغير الذي لا يتجاوز عدد جنوده النصف مليون قادرون على التصدي لأكثر من مليون ومائتي ألفاً من القوات الشمالية، فلماذا لا ندعهم وشأنهم يجربون حظهم؟ وإذا كانت الصينيون يسعون للهيمنة على المنطقة، لماذا لا نعطيهم الفرصة ليتعرفوا بأنفسهم على ثمن هذه الهيمنة؟ \r\n أدرك جيداً أن كل هذا ليس سوى أحلام يقظة. فعلى أرض الواقع هناك مسؤوليات على بلادنا تحملها ولا يمكن التملص من القيام بها. هناك على سبيل المثال اليابان، حليفنا الأول في المنطقة والذي سيعاني الكثير إن نحن خرجنا من كوريا. كذلك تايوان ودول أخرى من أستراليا إلى فيتنام. \r\n شئنا أم أبينا، على الولاياتالمتحدة أن تبقى لحماية كوريا الجنوبية بينما تتمتع هي بالرخاء والنمو الاقتصادي السريع وينعم أهلها بلعب البيسبول وممارسة ما يحبون من رياضات. كيف لا وهم يعلمون جيداً أنه مهما حدث، هناك دوماً بلد اسمه الولاياتالمتحدة يقف لحمايتهم. لكن ألا يحق حتى للقوى العظمى أن تحلم ببعض السلام!! \r\n جوناثان لاست* \r\n \r\n * صاحب عمود في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر \r\n * خدمة إم سي تي خاص ب(الوطن)