وفي بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، أي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق مباشرة، شنت طهران هجوماً واسعاً على الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي في منطقة آسيا الوسطى، وخصوصاً طاجيكستان، أوزبكستان وتركمانستان، بعد فشل الفكرة الأساسية لسياستها الخارجية الرسمية والتي قامت على تصدير الثورة الإسلامية. \r\n ومع ذلك، تستحق طهران بعض الثقة بسبب قدرتها على تقييم الأوضاع السائدة في منطقة آسيا الوسطي دون تحيز وتخليها عن محاولات تصدير أفكار الثورة الإسلامية لدول المنطقة وأدركت طهران أيضا أن الدول الجديدة في منطقة آسيا الوسطى كانت تهتم في المقام الأول بتنمية تعاونها الاقتصادي مع الدول الإقليمية الرائدة والقوى الآسيوية وخصوصاً فيما يتعلق بمجال جذب الاستثمارات الأجنبية ولكن هذه الدول لم ترغب في الإضرار بعلاقاتها مع الدول الغربية وخصوصاً روسياوالولاياتالمتحدة. \r\n \r\n وتعتمد سياسة إيران تجاه منطقة آسيا الوسطي تحت قيادة الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد على هذه الاعتبارات، وهي حقيقة ثبتت في زيارته الأخيرة لدول منطقة آسيا الوسطى نهاية شهر يوليو الماضي . \r\n \r\n وقصر نجاد جولته الرسمية الأولى في المنطقة على زيارة تركمانستان وطاجيكستان ولم يكن خيار نجاد عرضياً، حيث لا يتفوق على حجم الاستثمارات الإيرانية في الاقتصاد الطاجيكي إلا حجم الاستثمارات في روسيا والصين، ويأتي حجم التبادل التجاري بين ايران وتركمانستان في المرتبة الثانية بعد روسيا. \r\n \r\n ومع ذلك، تمكن نجاد خلال زيارته الأخيرة من تعزيز نجاحات جديدة، حيث تمخضت المحادثات التي أجراها في عشق أباد ودوشانبي عن توقيع اتفاقيات في مجال الصناعة والمشاريع التجارية التي تمتلك قيمة اقتصادية غير قابلة للنقاش لشركاء إيران في المقام الأول، في حين أبدت طهران اهتمامها بالعناصر السياسية لهذه الاتفاقيات. \r\n \r\n وقد وافقت تركمانستان، أكبر منتج للغاز في منطقة آسيا الوسطى، رغم امتلاكها لطاقة تصديرية محدودة، على زيادة إمدادات الغاز لإيران بشروط تخدم مصالح تركمانستان إلى حد كبير وبمقتضى هذه الاتفاقية، من المنتظر أن تزيد إمدادات تركمانستان السنوية من الغاز من 5 إلى 14 مليار متر مكعب بحلول عام 2007، في حين ينتظر أن يزيد سعره بنسبة 50%. \r\n \r\n وفي الوقت الحالي، تبرز إيران كقوة واضحة ورائدة في المشاريع الاقتصادية التركمانية وبغض النظر عن خط الغاز الممتد من تركمانستان إلى إيران، شاركت الشركات الإيرانية في بناء بعض المنشآت والمرافق المهمة في الاقتصاد التركماني. \r\n ولكن ما هي حصيلة الأرباح السياسية لهذه الزيارة؟ \r\n في عشق أباد، حصل أحمدي نجاد على دعم وتأييد الزعيم التركماني سابارمورات نيازوف للبرنامج النووي الإيراني، والأهم من ذلك هو طموح طهران لاستضافة مؤتمر القمة الثاني للدول الواقعة على بحر قزوين وهي (أزربيجان، إيران، كازاخستان، روسيا وتركمانستان) وفي بيان مشترك، صرح الزعيمان التركماني والإيراني أيضاً أنهما لن يسمحا باستخدام أراضي دولتيهما في شن هجوم خارجي على أراضي الدولتين. \r\n وكل هذه الأمور مهمة جداً للنظام الإيراني وسوف يساعد استضافة طهران لمؤتمر قمة الدول الواقعة على بحر قزوين في زيادة النفوذ الدولي للإدارة الإيرانية الحالية وتخفيف القلق الدائر حول برنامجها النووي وفيما يتعلق بالبيان المشترك، من المهم أن نتذكر أن الولاياتالمتحدة كانت قد أظهرت اهتمامها بقاعدة ماري الجوية في تركمانستان والتي تقع على مقربة من إيران . \r\n \r\n وبالمثل، أثمر الوجود الإيراني في طاجيكستان عدة نجاحات، فقد تسبب في توقيع اتفاقية تقضي بإنشاء نفق جبلي في طاجيكستان يربط العاصمة الطاجيكية بالمناطق الواقعة في جنوب شرق طاجيكستان إضافة إلى أفغانستان والصين بتكلفة تتراوح ما بين 50 : 60 مليون دولار وقد تعهدت إيران بإكمال بناء المرحلة الثانية من مفاعل سانغتودينسكايا للطاقة المائية، باستثمار قدره 220 مليون دولار وقد استثمرت طهران بالفعل 31 مليون دولار في بناء نفق أنزوبسكي الذي سيكون جزءاً من الطريق البري الوحيد الذي يربط شمال طاجيكستان بجنوبها وكان الهدف الأساسي من زيارة نجاد إلى العاصمة الطاجيكية هو الاجتماع مع الرئيس الأفغاني والطاجيكي وهناك ناقش زعماء الدول الثلاثة، التي تمتلك تاريخاً وثقافة مشتركة ولغات وعادات متشابهة، خطوات التكامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين دولهم، وهو ما قد يبدو كخطوة طبيعية تتفق مع مصالح شعوب الدول الثلاثة . \r\n وتشعر إيران بثقة مطلقة في النظام الحاكم في كازاخستان وقيرغيزستان وبقت أوزبكستان فقط خارج نطاق التوسع الإقتصادي الإيراني، بسبب نهج الرئيس الأوزبكي المتشكك تجاه الأنظمة الإسلامية، وتوطد العلاقات بين أوزبكستان والولاياتالمتحدة في الآونة الأخيرة وعلى الرغم من ذلك، فقد تراجعت علاقات الصداقة بين أوزبكستان والولاياتالمتحدة مؤخراً، وفيما يتعلق بإمكانية تنامي تهديدات المتطرفين الإسلاميين، أثبتت إيران أنها شريكاً يعتمد عليه في هذه القضية وقد وضع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بلاده بوضوح كقوة إقليمية فاعلة ودولة علمانية في منطقة آسيا الوسطى. \r\n بيتور غونشاروف* \r\n * معلق سياسي بوكالة نوفوستي الروسية للأخبار والمعلومات \r\n خدمة (إم سي تي) خاص ب(الوطن(