قائل هذه الكلمات هو البروفيسور ديفيد برايس، استاذ الانثروبولوجيا أو علم الإنسان بجامعة سانت مارتنز في ولاية واشنطن. والدكتور برايس هو مؤلف "تهديد الانثروبولوجيا: المكارثية ومراقبة "إف. بي. آي" للناشطين من علماء الإنسان"، وهو خبير بالحصول على الوثائق الحكومية السرية من خلال استخدام قانون حرية المعلومات. ويعمل الدكتور برايس الآن لحساب الرسالة الاخبارية "كاونتربانش" (التي أشارك في تحريرها) وقد حصل على أجزاء من ملف "إف. بي. آي" الخاص بأشهر وأبرز فلسطيني في أمريكا وهو الراحل البروفيسور إدوارد سعيد. وتتضمن النسخة الأخيرة من رسالة "كاونتربانش" الاخبارية تقييم الدكتور برايس لملف "إف. بي. آي" السري. \r\n وقد افرج مكتب "إف. بي. آي" عن 147 صفحة من صفحات ملف "إف. بي. آي" الخاص بالبروفيسور سعيد وهو الملف الذي يحتوي على 238 صفحة. وهناك بعض الثغرات غير العادية في السجلات التي تم الافراج عنها ومن الجائز أن يكون "إف. بي. آي" محتفظاً حتى الآن بملفات كثيرة أخرى عن البروفيسور سعيد تزيد عما يعترف به مسؤولو المكتب. \r\n ويخبرنا الدكتور برايس ان الجزء الأكبر من ملف إدوارد سعيد يوثق مراقبة "إف. بي. آي" لعمله القانوني والعام مع المنظمات السياسية الفلسطينية أو الموالية للعرب الموجودة في أمريكا في حين توثق أجزاء أخرى من الملف تحقيقات "إف. بي. آي" المستمرة حول سعيد خلال مراقبة اتصالاته مع الأمريكيين الآخرين الذين ينحدرون من أصل فلسطيني، ويقول الدكتور برايس: "ان مراقبة "إف. بي. آي" النشاطات السياسية القانونية والأعمال الفكرية لرجل كإدوارد سعيد لا يوضح فقط دور "إف. بي. آي" في منع حلول ديمقراطية للمشاكل "الإسرائيلية" الفلسطينية بل يثبت أيضاً استمرار جهود "إف. بي. آي" التاريخية لمراقبة ومضايقة ناشطي السلام الأمريكيين". \r\n وتقول أرملة إدوارد سعيد مريم سعيد انها لم تندهش بمعرفة ان "إف. بي. آي" كان يراقب زوجها، وقالت: "كنا نعرف دائماً أن أي نشاط سياسي يتعلق بالقضية الفلسطينية يخضع للمراقبة، وعندما نتحدث في الهاتف كنا نقول (دعوا الذين يتجسسون على الهاتف يسمعون هذا). وكنا واثقين من أن هواتفنا تخضع للمراقبة لفترة طويلة ولكن ذلك لم يزعجنا لأننا كنا نعلم أننا لا نخفي شيئاً". \r\n وتظهر أول سجلات "إف. بي. آي" الخاصة بإدوارد سعيد في تحقيق أمني داخلي أجري في فبراير/شباط 1971 بشأن فرد (غير محدد) آخر. وجمع "إف. بي. آي" صوراً فوتوغرافية لسعيد من قسم جوازات السفر في وزارة الخارجية وعدد من وكالات الأنباء، وتم إنشاء ملف سعيد "الأمني الدولي" عندما قدم مخبر لمكتب "إف. بي. آي" برنامجاً عن مؤتمر بوسطن في اكتوبر/تشرين الأول 1971 عن خريجي الجامعة من الأمريكيين من أصل عربي حيث ترأس سعيد لجنة حول "الثقافة والروح النقدية". وكانت غالبية سجلات "إف. بي. آي" عن سعيد مصنفة على أنها سرية تحت العنوان الإداري "مكافحة التجسس الأجنبي"، الفئة ،105 وتم تحديد غالبية السجلات على أنها تتعلق ب "إس الشرق الأوسط" وهي اشارة المكتب التي يُقصد بها "إسرائيل". \r\n ولا تزال اجزاء كبيرة من ملف سعيد محجوبة، وتوجد اختام تشير إلى انها تبقى مصنفة على أنها سرية حتى عام ،2030 أي بعد 25 عاماً من معالجتها مبدئياً وفقاً لقانون حرية المعلومات. \r\n وخلال الشهور التي شهدت العملية الفدائية خلال دورة ميونيخ الأولمبية عام 1972 بعد أحداث أيلول الأسود كان هناك اهتمام جارف من جانب "إف. بي. آي" بإدوارد سعيد وفلسطينيين أمريكيين آخرين. وفي مطلع اكتوبر/تشرين الاول 1972 فحص مكتب "إف. بي. آي" في نيويورك خلفية سعيد ومعلومات عن تجنسه وتصويته في الانتخابات وسجلاته المصرفية الائتمانية، وأعطى الموظفون في جامعتي برنستون وكولومبيا عملاء "إف. بي. آي" معلومات بشأن سيرة سعيد الذاتية والتعليمية، وزود مكتب خريجي جامعة هارفارد "إف. بي. آي" بمعلومات تفصيلية. \r\n ويقول ستيف نيفا، الملم بشؤون الشرق الأوسط: "بالنظر إلى الوراء، نجد أن فترة ما بعد ميونيخ هذه ربما شكّلت نقطة تحول تاريخية حتى أصبحت التصريحات المؤيدة للقضية الفلسطينية رديفة للتعاطف مع الإرهاب". \r\n ويورد الدكتور برايس بالتفصيل تقريراً لمكتب "إف. بي. آي" تضمن أحداثاً جرت خلال المؤتمر السنوي الخامس لجمعية خريجي الجامعات من الأمريكيين العرب الذي انعقد في بيركلي بولاية كاليفورنيا خلال نوفمبر/تشرين الثاني 1972. وكان إدوارد سعيد يقيم في ذلك الوقت في لبنان ولم يحضر المؤتمر. ولكن، ونظراً إلى أنه كان عضواً في مجلس إدارة جمعية خريجي الجامعات من الأمريكيين العرب ضمّ "إف. بي. آي" تقرير المؤتمر إلى ملف سعيد لدى مكتب "إف. بي. آي" وكان حضور "إف. بي. آي" طاغياً خلال المؤتمر، وأفرج المكتب عن سجلات تتضمن برنامج المؤتمر، وتشير إلى أوراق قدمتها نخبة من المثقفين الأمريكيين العرب كعالمتي الانثروبولوجيا لورا نادر وبربارا أسود. \r\n ويتضح حجم مراقبة "إف. بي. آي" للمؤتمر من قائمة "إف. بي. آي" (التي قدمها مخبر "موثوق" به تابع للمكتب) ضمت الحاضرين للمؤتمر المقيمين في فندق كليرمونت. ولا يعرف أحد الأسباب التي جعلت "إف. بي. آي" يجمع معلومات عن أماكن اقامة الأشخاص الذين حضروا المؤتمر. فهل كان السبب وراء ذلك ان يقتحم عملاء "إف. بي. آي" غرف المشاركين ويزرعوا أجهزة تنصت أم ليبحثوا عن مستندات أم لكي يراقبوا الحضور؟ ولا يعطي هذا التقرير المنقح تفسيراً، ولكن الدكتور برايس يشير إلى ان اعتماد "إف. بي. آي" الموثق بدرجة جيدة على "مهام الحقائب السوداء" هذه خلال تلك الفترة يطرح هذا الاحتمال، واحتفظت سياسات المكتب لهذه العمليات غير القانونية بأنظمة ملفات منفصلة لمثل تلك العمليات. ويحتوي تقرير "إف. بي. آي" على ملخصات عدة أحاديث، من بينها تقرير تفصيلي حول حديث اندرياس باباندريو الرئيس الذي انتقد خلاله "القوات الامبريالية التابعة للولايات المتحدة ضد شعوب الشرق الأوسط من اليونانيين والعرب على حد سواء". \r\n وتناقش مذكرات "إف. بي. آي" الخاصة بتلك الفترة انشاء مذكرة الورق الرسمي (أي مذكرة معرّفة على أنها قادمة من "إف. بي. آي") التي "يجب أن تكون ملائمة للتوزيع على وكالات الاستخبارات الخارجية". ولم يتم تحديد الوكالة أو البلد الذي سيتلقى تقرير "مذكرة الورق الرسمي" ولكن الدكتور برايس يقول ان جهاز الموساد "الإسرائيلي" هو الجهاز الذي يرجح ان يكون تلقى التقرير. \r\n وفي 1974 تلقى "إف. بي. آي" معلومات تفيد ان إدوارد سعيد سيتحدث في مؤتمر اتحاد العرب الكنديين في وندوسور بمقاطعة اونتاريو. ومجدداً تابع "إف. بي. آي" تحركات سعيد على الرغم من أن مخبراً تابعاً ل"إف. بي. آي" أشار إلى "أنه لم يعتبر ادوارد سعيد من النوع الذي يمكن أن يشارك في أي نشاط إرهابي". ولم يُدخل "إف. بي. آي" أي تقرير في ملف إدوارد سعيد خلال سنة ،1978 وهي السنة التي نشر فيها كتابه الشهير "الاستشراق". \r\n وفي يوليو/تموز لخّص تقرير "إف. بي. آي" معلومات عن ستة وثلاثين فرداً (تم محو الأسماء من الوثائق المفرج عنها) تهيأوا لحضور المؤتمر الأمريكي الفلسطيني في أغسطس/آب 1979 في فندق شورهام أميركانا بواشنطن دي سي. ويتضح حجم مراقبة "إف. بي. آي" للمؤتمر في فهرس تقرير سري تم نزع صفة السرية جزئياً عنه أوضح ان سجلات الحاضرين تم التشاور بشأنها من قبل مكاتب "إف. بي. آي" الميدانية في خمس وعشرين مدينة مدرجة حسب الترتيب الهجائي في قائمة تبدأ بمدينة الباني وتنتهي بمدينة واشنطن. ويحتوي هذا التقرير على عبارات موجزة عن المشاركين. وتقول الفقرة الموجزة عن سعيد على سبيل المثال: "إدوارد سعيد: تم تعريفه مسبقاً باعتباه من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، وباعتباره منتسباً بشكل عميق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". وتوضح فقرات أخرى تم الافراج عنها ان "إف. بي. آي" انشغل بتتبع عدد من المتعاطفين مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بين الحضور. \r\n ويقول الدكتور برايس ان المؤتمر الأمريكي الفلسطيني كان على الأرجح أكثر منتدى تم فيه التداول ديمقراطياً وعلنياً بين الفلسطينيين الأمريكيين في محاولة لتناول أهداف الكفاح الفلسطيني، وقد اهتم "إف. بي. آي" كثيراً بتوثيق كيفية تكوين المؤتمر لجنة تحضيرية فوضته لإعداد ورقة عمل بشأن نظام أساسي مقترح لوضع آلية للعمل التعاوني. \r\n وبعد ملاحظات افتتاحية أدلى بها جواد جورج، أكد متحدث آخر وصفه تقرير "إف. بي. آي" باعتباره رجلاً أسود ثورياً يدعى سميث للمؤتمر أن الأمريكيين السود سيقدمون المساعدة للثورة العربية، ومن المتحدثين الآخرين الذين أشار لهم تقرير "إف. بي. آي" عضو من منظمة الطلاب العرب ورئيس بلدية رام الله كريم خليف الذي تحدث عن جهود لإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية. \r\n وناقش تقرير "إف. بي. آي" مشاكل نشأت في ختام المؤتمر "عندما دار نقاش مكثف حول مقدمة النظام الأساسي وكان هناك خلاف حاد حول صياغة عبارة تتعلق بعودة الشعب العربي لوطنه وحق تقرير مصيره الوطني واستقلاله الوطني وسيادته في أراضي فلسطين كافة". \r\n واستمرت الخلافات حول صياغة مقدمة النظام الأساسي و"كادت بعض الخلافات تتطور إلى عراك بالأيدي" بين الفئات المتنافسة. ويحتوي ملف "إف. بي. آي" الخاص بإدوارد سعيد على نسخة من "النظام الأساسي المقترح للمؤتمر الأمريكي الفلسطيني" الذي تم توزيعه على الذين حضروا المؤتمر، ووضع "إف. بي. آي" كلمة "سري" على هذه النسخة، وبالنسبة لهذه المعلومت التي قدمها مخبر من "إف. بي. آي" من هذه الفترة فقد أعيد تصنيفها على أنها سرية بموجب اجراءات القانون الوطني التي تجعل الوثيقة سرية حتى عام 2029. \r\n وفي 3 سبتمبر/أيلول ،1982 وجه مدير "إف. بي. آي" ويبستر، موظفي مكتبة "إف. بي. آي" في كوانتيكو ليستخدموا فهرس "نيويورك تايمز" الالكتروني لديهم لتحديد جميع الإشارات السابقة لإدوارد سعيد. وأدى هذا إلى اعداد تقرير من ثلاث عشرة صفحة يحتوي على مقتطفات من تسع وأربعين مقالة في "نيويورك تايمز" تتحدث عن إدوارد سعيد. وتراوحت تلك المقالات بين افتتاحيات كتبها سعيد ومقالات عنه ومراجعات كتب أدبية بقلم سعيد. وطبقاً للدكتور برايس، فإن خدمة معلومات "نيويورك تايمز" استخدمها "إف. بي. آي" على مدى فترة طويلة قبل ظهور محرك البحث "جوجل" على الانترنت لتجميع ملفات عن أشخاص أو منظمات ذات أهمية خاصة. وفي حالة سعيد، جمّع "إف. بي. آي" تحليلاً لكتابات سعيد وتصريحاته العلنية على نحو موجز ليناسب اهتمامات وحساسيات "إف. بي. آي"، وان الذين جهزوا التحليل هم محررو "نيويورك تايمز". \r\n وينتهي ملف "إف. بي. آي" عن سعيد الذي افرج عنه المكتب بتقارير قليلة منقحة (أعيد تصنيفها الآن على ان تبقى سرية حتى عام 2030) من عام 1983 ومذكرة سرية للغاية من اغسطس/آب 1991 تختتم بمقترحات مفادها ان "إف. بي. آي" "ربما يرغب في الاتصال بقسم الشرق الأوسط لديكم من أجل مزيد من المعلومات عن سعيد". \r\n ولا يحتوي ملف سعيد الذي أفرج عنه "إف. بي. آي" أي معلومات عن الاثني عشر عاماً الأخيرة من حياته. فإما ان "إف. بي. آي" توقف عن مراقبته أو انهم لا يستطيعون تحديد ملفاته هذه أو أنهم لن يفرجوا عن هذه المعلومات أو حتى عن حقيقة وجودها في الملفات. ويبدو الاحتمالان الأخيران أكثر رجحاناً. \r\n وقد كانت مراقبة "إف. بي. آي" لإدوارد سعيد مماثلة لمراقبة المكتب لمفكرين أمريكيين آخرين من أصل فلسطيني، وعلى سبيل المثال، يسجل ملف "إف. بي. آي" الخاص بإبراهيم أبو لغد مراقبة مماثلة، على الرغم من أن ملف "أبو لغد" يجد "إف. بي. آي" يحاول الاستفادة من تهديدات رابطة الدفاع اليهودي بالقتل كوسيلة للتحقيق معه لجمع معلومات ملفه. \r\n ويقول الدكتور برايس: "بعد قراءة المئات من تقارير "إف. بي. آي" التي تلخص خيوطاً "تخريبية" في أعمال أكاديميين آخرين، أشعر بالدهشة حين أجد أن ملف "إف. بي. آي" الخاص بإدوارد سعيد لا يحتوي على أي تحليل لكتابه "الاستشراق". وهذا مدهش على نحو خاص في ضوء المزاعم التي يثيرها مثقفون مثل عالم الانثروبولوجيا في معهد هوفر، ستانلي كيرتز، في شهادته عام 2003 أمام اللجنة الفرعية للتعليم الممتاز في مجلس النواب بأن أعمال سعيد النقدية لما بعد الفترة الاستعمارية تركت مثقفي دراسات الشرق الأوسط الأمريكيين عاجزين عن الاسهام في حرب بوش على الإرهاب. وفي ضوء ما هو معروف عن مراقبة "إف. بي. آي" للتطورات الأكاديمية الراديكالية يبدو من غير المرجح أن عملاً كهذا فات على تدقيقهم، ومن المعقول ان نتكهن بأن تحليلاً أجراه "إف. بي. آي" لكتاب "الاستشراق" ظل محفوظاً ضمن وثائق "إف. بي. آي" التي لم يتم الافراج عنها. \r\n ولكن بعض الأشياء المعروفة مفقودة بالطبع في الملف الذي تم الافراج عنه. وفي مقدمة هذه الأشياء سجلات التهديد بالقتل التي تلقاها سعيد وسجلات حماية الشرطة السرية التي تم توفيرها له خلال بعض المناسبات العامة. ولكن لا توجد أسباب لحجب تلك السجلات، ويعطي غيابها سبباً آخر لعدم تصديق مزاعم "إف. بي. آي" بأن ما افرج عنه يمثل ملف إدوارد سعيد الكامل. \r\n \r\n * رئيس تحرير مشارك \r\n في موقع "كاونتربانش" \r\n