بعد قبول الطعن على وضعه ب«قوائم الإرهاب».. هل يحق ل أبوتريكة العودة إلى القاهرة؟    وزير التعليم: حريصون على بذل الجهود لدعم التمكين الحقيقي للأشخاص ذوي القدرات الخاصة    وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    الحصاد الأسبوعي لوزارة التعاون الدولي.. مشاركات وفعاليات مكثفة (إنفوجراف)    اليوم ختام رايز أب 2024 بحضور رئيس الوزراء    «مستقبل وطن»: إدانة مصر للممارسات الإسرائيلية أمام المحكمة الدولية خطوة لحل القضية    حزب الله: استهدفنا تجمعا لجنود الاحتلال الإسرائيلي في ثكنة راميم بمسيرة هجومية    إجلاء آلاف الأشخاص من خاركيف وسط مخاوف من تطويق الجيش الروسي لها    إعلام عبري: تفكيك كابينت الحرب أقرب من أي وقت مضى    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    عودة صابر وغياب الشناوي.. قائمة بيراميدز لمباراة الإسماعيلي في الدوري    «شكرا ماركو».. جماهير بوروسيا دورتموند تودع رويس في مباراته الأخيرة (فيديو)    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    بوروسيا دورتموند يتفوق على دارمشتات بثنائية في الشوط الأول    قرار مهم من محافظ المنوفية بعد تداول أسئلة مادة العربي للشهادة الإعدادية    هام لطلاب الثانوية العامة.. أجهزة إلكترونية ممنوع دخول لجان الامتحان بها    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    «القومي للمرأة» يشارك في افتتاح مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    صابرين تؤكد ل«الوطن»: تزوجت المنتج اللبناني عامر الصباح منذ 6 شهور    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    وزير الصحة: «الذكاء الاصطناعي» لا يمكن أن تقوم بدور الممرضة    جامعة طنطا تقدم الرعاية الطبية ل6 آلاف و616 حالة في 7 قوافل ل«حياة كريمة»    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    بعد الانخفاضات الأخيرة.. أسعار السيارات 2024 في مصر    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    وزير الرياضة يترأس لجنة مناقشة رسالة دكتوراه ب"آداب المنصورة"    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    أستاذ الطب الوقائي: الإسهال يقتل 1.5 مليون شخص بالعالم سنويا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وزير الري يلتقي سفير دولة بيرو لبحث تعزيز التعاون بين البلدين في مجال المياه    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة الكبرى.. روسيا والروس منذ رفع الستار الحديدي
نشر في التغيير يوم 21 - 04 - 2005

كانت الحدود السوفييتية قد بقيت مغلقة طيلة عقود عديدة، لكنها بدأت بالانفتاح خلال عقد السبعينات، ثم عادت للانغلاق من جديد في بداية عقد الثمانينات وعندما وصل غورباتشوف إلى السلطة عام 1985 كان الاتحاد السوفييتي في حالة انطواء على الذات وكانت الاتصالات مع العالم الخارجي خاضعة لرقابة شديدة ومقتصرة على أقلية موثوق بها سياسياً بل كان يتم النظر إلى المرشحين للهجرة على أنهم خونة للوطن، وبالتالي كانت المغادرات نادرة.
\r\n
\r\n
\r\n
وبعد مصاعب كبيرة، إذا لم تكن السلطات نفسها هي التي تريد التخلص من غير المرغوب بهم ان المنعطف لم يجر عند وصول سيد الكرملين الجديد إلى السلطة عام 1985 وإنما بالأحرى عام 1987.
\r\n
\r\n
\r\n
في تلك السنة تضاعفت أذونات السماح بالهجرة حيث تدل الإحصائيات على أن 2000 شخص فقط حصلوا على الموافقة للهجرة ما بين 1985 و1986 ووصل هذا العدد عام 1987 وحده إلى قرابة 40000 شخص، وتضاعف هذا العدد بالنسبة لعام 1988 ليصل عام 1989 إلى 234994 مهاجراً من الاتحاد السوفييتي ثم 452262 عام 1990 و230000 خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 1991.
\r\n
\r\n
\r\n
كانت موجات الهجرة هذه هي الأكثر أهمية منذ الحرب العالمية الثانية، إذ فاقت جداً ما عرفته سنوات السبعينات حيث بلغ عدد المهاجرين من الاتحاد السوفييتي ما بين عامي 1971 و1980 حوالي 350000 شخص. وفاق عدد المهاجرين عام 1990 وحده عدد الذين هاجروا من الاتحاد السوفييتي ما بين عامي 1948 و1986. إن التسارع الكبير في حركة الهجرة بعد وصول غورباتشوف إلى السلطة كان موشراً واضحاً على أن حدثاً مهماً يجري، وأن تاريخ العلاقات بين المواطنين السوفييت والعالم الخارجي قد دخل في مرحلة جديدة.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت الاتصالات مع العالم الخارجي قد تعززت في ميادين مختلفة. ففي 1989 شارك 2653 باحثاً من أكاديمية العلوم السوفييتية في ندوات خارجية. كذلك تعددت الاتصالات على المستوى الإقليمي، ففي 1980 اجتاز الحدود السوفييتية البولندية 720000 شخص، بينما وصل عددهم عام 1988 إلى 7,1 مليون شخص ثم 9,2 مليون عام 1989، و2,4 ملايين عام 1990.
\r\n
\r\n
\r\n
لم يكن الهدف هو السياحة وحدها، وإنما كان الكثيرون يذهبون إلى البلدان المجاورة من أجل التجارة، وغالباً تجارة الأشياء الصغيرة، التي تدرّ بعض الأرباح، مثل تجارة الملابس والكافيار والكحول... إلخ.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي مايو 1991 تبنى مجلس السوفييت الاعلى قانوناً يعترف للمرة الاولى بحق المواطن السوفييتي بمغادرة البلاد والعودة اليها، أي ان هذا المواطن لم يعد سجينا، بل أصبح يمتلك جواز سفر صالحاً لمدة خمس سنوات ويؤهله الذهاب الى الخارج.
\r\n
\r\n
\r\n
كان ذلك التحول تاريخيا، اذ كان يعني تغيراً في موقف السلطة السوفييتية حيال الخارج وكذلك تغير طبيعة علاقات المواطنين السوفييت مع العالم، بل ان مفهوم الخروج نفسه قد تغير، اذ أصبح يمكن العودة وكان المغادرون سابقا لا يملكون حق العودة ذلك انهم بحسبانهم «خونة» يفقدون جنسيتهم السوفييتية.
\r\n
\r\n
\r\n
بهذا المعنى غير «حق العودة» الوضع بشكل كامل. وكانت الخطوة الاولى في هذا الاتجاه قد بدأت بتبني مشروع بقراءته الاولى حول الخروج من البلاد، كان ذلك بتاريخ 13 نوفمبر 1989، أي بعد ايام فقط من انهيار جدار برلين، وكان لابد من انتظار شهر ديسمبر 1990 من أجل الموافقة على مشروع القانون بقراءته الثانية ثم تم الاقتراع عليه في شهر مايو 1991 ليدخل حيز التطبيق اعتباراً من مطلع يناير 1993.
\r\n
\r\n
\r\n
أثارت سياسة غورباتشوف موجة هجرة كبيرة من جميع جمهوريات الاتحاد السوفييتي (السابق) بدرجات متفاوتة وكانت الجمهوريات الرئيسية الثلاث عددياً، أي روسيا واوكرانيا وكازاخستان هي التي شهدت اكبر عدد من المهاجرين، أي ان ثلثي هؤلاء كانوا من هذه الجمهوريات لكن كانت اغلبية الذين حصلوا على حق الهجرة لهم صلات قربى او نقاط ارتكاز خارج الحدود السوفييتية، مثل اليهود وذوي الاصول الالمانية والارمن واليونانيين.
\r\n
\r\n
\r\n
هكذا مثلا فإنه من أصل ال 800000 مهاجر الذين غادروا الاتحاد السوفييتي بين عامي 1986 و1990 هناك 300000 يهودي.
\r\n
\r\n
\r\n
إلى أين؟
\r\n
\r\n
\r\n
إسرائيل وألمانيا والولايات المتحدة هي الدول الثلاث الرئيسية التي تشكل وجهة المهاجرين من الاتحاد السوفييتي (السابق). وإذا كان المهاجرون من ذوي الأصول الألمانية قد تابعوا التوجه نحو ألمانيا للإقامة فيها، وتابع الأرمن توجههم نحو الولايات المتحدة، فإن المهاجرين اليهود قد عرفوا بعض التبدل في وجهتهم، إذ بعد عام 1975 تزايدت نسبة من اتجهوا منهم إلى الولايات المتحدة، هكذا نجد أن نسبة 5,33% منهم اختاروا الذهاب إلى أميركا ما بين عامي 1971 و1980.
\r\n
\r\n
\r\n
ونسبة 2,46% بين عام 1981 وعام 1986 ثم نسبة 6,80% بين عام 1987 والنصف الأول من عام 1989، وبالتوازي كانت نسبة اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل هي 6,30% عام 1985 و5,22% عام 1986 و1,11% عام 1988.
\r\n
\r\n
\r\n
في عام 1989 قرر الأميركيون تغيير سياستهم لاستقبال المهاجرين، أي في البلدين الرئيسيين اللذين كانت هجرة السوفييت تمر عبرهما. لهذا السبب لم يجد المهاجرون السوفييت اليهود أمامهم أي حل آخر سوى التوجه إلى إسرائيل. وفي 1989 كانت نسبة 7,44% من تأشيرات الخروج المغادرة الصادرة في الاتحاد السوفييتي هي لإسرائيل و8,41% لألمانيا الغربية و6% للولايات المتحدة و6,4% لليونان، ثم وصلت هذه النسبة إلى 59% لإسرائيل في عام 1990 مقابل 9,2% فقط إلى الولايات المتحدة.
\r\n
\r\n
\r\n
كان انفتاح الحدود منذ عام 1987 مرافقاً لسياسة إعادة البناء والاصلاح البرسترويكا التي تبناها ميخائيل غورباتشوف على قاعدة إدراكه أن إعادة الحيوية لبلاده تمر عبر الشروع ببعض الانفتاح على العالم الخارجي، هكذا أراد ان يستخدم الهجرات لحاجات تتعلق بسياسته الخارجية، لكن من دون ان يقوم باحداث قطيعة جذرية مع سياسات سابقة.
\r\n
\r\n
\r\n
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الربط بين الهجرات والعلاقات الدولية. ولقد تناظرت تقريباً المراحل الكبرى للهجرة السوفييتية منذ الحرب العالمية الثانية مع حالة العلاقات بين الاتحاد السوفييتي والعالم الخارجي. بين عامي 1984 و1970، أي خلال فترة الحرب الباردة كانت الهجرة محدودة جداً وبمعدل 2700 مهاجر سنوياً وإزداد تدفق الهجرة إلى الخارج مع حلول فترة الوفاق خلال سنوات السبعينات.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت هناك آثار إيجابية على صعيد الهجرة لعمليات توقيع الاتفاقيات الخاصة بالمانيا 1970 1971 وللشروع بالحوار السوفييتي الأميركي وتوقيع الاتفاقيات الدولية حول الحد من الأسلحة «سالت 1» و«سالت 2» ونجاح المفاوضات حول الأمن والتعاون في أوروبا عبر التوصل إلى توقيع الميثاق النهائي في هلسنكي عام 1975.
\r\n
\r\n
\r\n
ثم تدهورت العلاقات من جديد بين الشرق والغرب بعد التدخل السوفييتي في افغانستان في ديسمبر 1979 وانتهاج سياسة زيادة التسلح من قبل السوفييت طيلة عقد السبعينات وأزمة الصواريخ الأوروبية مثل هذا التدهور في العلاقات تناظر مع تراجع كبير في تدفق الهجرة ووصل إلى معدل 7000 مهاجر سنوياً ما بين عام 1981 وعام 1986 بينما كان هذا المعدل هو 35000 مهاجر سنوياً ما بين عام 1970 وعام 1980.
\r\n
\r\n
\r\n
إن هذه الاحصاءات تبين بوضوح الرابطة المعنوية بين الهجرة والسياسة الخارجية السوفياتية. لكن هذا لم يمنع بعض الباحثين من إعادة مسألة الهجرة الى اعتبارات داخلية كانت تحكم قرارات الاتحاد السوفييتي، وهذه الاعتبارات كانت ذات طبيعة اقتصادية وديمغرافية وسياسية وسوسيولوجية، مثلاً كالبحث عن الحد من دور اليهود في المجتمع، 1978 ثم تقليص هجرة السوفييت من ذوي الاصول الالمانية بينما، كانت هجرة اليهود عند أعلى مستوياتها.
\r\n
\r\n
\r\n
لاشك بأنه لا يمكن نفي الاعتبارات الداخلية من بين العوامل المؤثرة على السياسة السوفييتية فيما يخص الهجرة. ولا يمكن الربط آلياً بين فتح الحدود وبين حالة العلاقات بين الغرب والشرق، فمثلاً عام 1980 كانت الهجرة مهمة نسبياً، بينما كانت العلاقات بين المعسكرين في غاية الصعوبة، انه الاستثناء الذي يثبت القاعدة ولا ينفيها، وفتح الحدود كان باستمرار مؤشراً على طبيعة العلاقات بين الشرق والغرب.
\r\n
\r\n
\r\n
ملف شائك
\r\n
\r\n
\r\n
عندما وصل ميخائيل غورباتشوف الى السلطة، وانكب على دراسة مشكلة حرية انتقال الاشخاص، وجد ان هذا الملف يشكل احدى نقاط الخلاف بين الكرملين والغرب منذ عدة عقود من الزمن. وكانت حرية التنقل أحد المطالب الغربية الرئيسية خلال سنوات السبعينات.
\r\n
\r\n
\r\n
وقد كانت هذه المسألة في قلب اهتمامات المؤتمر الخاص بالأمن والتعاون في أوروبا، والذي تم التوصل بشأنه الى توقيع الميثاق النهائي لهلسنكي عام 1975، والذي قبل الاتحاد السوفييتي بموجبه، وكذلك الدول الأخرى الموقعة على الميثاق، بحرية انتقال الأفكار والاشخاص، وكانت بعض البلدان مثل المانيا الغربية والولايات المتحدة واسرائيل تعتبر نفسها معنية بتلك المسألة.
\r\n
\r\n
\r\n
ومنذ عام 1955، أي منذ اقامة العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفييتي والمانيا الغربية، اعتبرت هذه الأخيرة نفسها معنية بوضع الأشخاص ذوي الاصول الالمانية، الذين كانوا يعيشون في بلاد السوفييت، هؤلاء الالمان كانوا بأغلبيتهم من سليلي المهاجرين الذين قدموا الى روسيا خلال القرن الثامن عشر.
\r\n
\r\n
\r\n
اما البقية فكانوا يمثلون الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم في الاتحاد السوفييتي منذ الحرب العالمية الثانية بسبب الحرب أو تغيير الحدود، وكانوا قد تعرضوا أثناء تلك الحرب وبعدها الى المعاملة السيئة، مثلما كان الحال في جمهورية الفولجا المستقلة ذاتياً عام 1941، كما تعرضوا أحياناً للتهجير القسري.
\r\n
\r\n
\r\n
وعندما أقامت المانيا والاتحاد السوفييتي علاقات دبلوماسية بدأت أمور المواطنين السوفييت ذوي الاصول الالمانية بالتحسن، بل كان موضوعهم هو في رأس قائمة اهتمامات المستشار الالماني اديناور عند زيارته الى موسكو في سبتمبر 1955، وقد أدى ذلك الى ما عرف باسم «عفو أديناور» الذي أعاد لهم بعض حقوقهم ثم الى «اتفاق الاعادة الى الوطن» في ابريل 1958.
\r\n
\r\n
\r\n
هكذا فإنه فيما بين عام 1956 وعام 1960 غادر 15000 سوفييتي - الماني الاتحاد السوفييتي نهائياً الى المانيا الفدرالية. ثم كان للسياسة التي انتهجها المستشار الالماني الغربي فيلي برانت أثر ايجابي كبير في تسهيل هجرة ذوي الاصول الالمانية من الاتحاد السوفييتي.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت العلاقات السوفييتية - الاميركية ممهورة هي الأخرى بمسألة الهجرة، ذلك ان اهتمام الاتحاد السوفييتي بإقامة علاقات مميزة مع القوة العظمى الدولية الأخرى وتسهيل المفاوضات حول الحد من الاسلحة وتشجيع التجارة ومنع قيام تحالف أميركي صيني دفعه خلال عقد السبعينات الى اعطاء اهمية لتمسك الولايات المتحدة بمصير اليهود السوفييت وباحترام حقوق الانسان.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت هناك سوابق لذلك، ففي 1911 قررت الحكومة الأميركية، من اجل الاحتجاج على السياسة القيصرية حيال اليهود الروس، نقض الاتفاق التجاري الذي كان يربط بين واشنطن وروسيا منذ عام 1837.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان الموقف السوفييتي من الهجرة موضوع نقاشات حادة في الولايات المتحدة، مما ألقى بظلاله على مفهوم «الوفاق» الذي كان لا يزال غضا. واعتبر الاميركيون ان ما يلقاه المعارضون السوفييت لا يتوافق مع ذهنية الوفاق التي لا يمكن تجزئتها. وعندما وصل ميخائيل غورباتشوف الى السلطة لم تكن هذه المسألة قد وجدت حلا.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان الرئيس الأميركي رونالد ريغان قد اوضح اثناء لقاء له مع غورباتشوف في اكتوبر 1986 ان مسألة السيطرة على التسلح على الرغم من أهميتها الكبيرة ليست كافية لتغيير طبيعة العلاقات بين الغرب والشرق، وان السلام ليس ممكنا اذا لم يتم احترام حقوق الانسان ومن بينها حرية الهجرة.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت اسرائيل تراقب هي الاخرى باهتمام سياسة الكرملين فيما يخص الهجرة. ومنذ اللقاءات الاولى بين السوفييت والاسرائيليين بعد وصول ميخائيل غورباتشوف الى السلطة تم بحث مسألة الهجرة، ثم اصبحت هذه المسألة في صلب جميع المحادثات اللاحقة.
\r\n
\r\n
\r\n
ولقد ذهب الامر بشمعون بيريس في نوفمبر 1985 وكان يومها وزيرا للخارجية الى حد التصريح بأن هجرة اليهود السوفييت هي اكثر اهمية بالنسبة لاسرائيل من اعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين الجانبين منذ عام 1967، ثم اكد بأن قبول السوفييت فتح باب الهجرة سيؤدي الى تغيير موقف بلاده من الاتحاد السوفييتي ومن مشاركة سوفييتية بمؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان الوفد الاسرائيلي اثناء لقاء في هلسنكي في شهر أغسطس من عام 1986، وكان هو اللقاء الأول الرسمي بين اسرائيل والاتحاد السوفييتي منذ عام 1967، قد أصرّ على مسألة هجرة اليهود السوفييت. وفي ابريل 1987 صرح اسحق شامير، وكان يومها رئيساً لوزراء اسرائيل، بأنه اذا كان الاتحاد السوفييتي يرغب في تحسين علاقاته مع اسرائيل فعليه ان يسمح من دون شرط بهجره مئات الألوف من اليهود.
\r\n
\r\n
\r\n
ثلاث نتائج
\r\n
\r\n
\r\n
أدّى الحاح الخارج على مسألة حرية الهجرة إلى اقناع ميخائيل غورباتشوف بان مسألة رفض منح المواطنين السوفييت امكانية الانتقال حيث يشاؤون تشكل إلى جانب قمع المعارضة للنظام، قضية ذات حساسية خاصة لدى الرأي العام الغربي، وقد خرج من ذلك الاقتناع بثلاث نتائج.
\r\n
\r\n
\r\n
النتيجة الأولى هي انه لا يمكن للاتحاد السوفييتي ان يزعم انه في طريق التغيير وانه قد تبنى رؤية جديدة للعلاقات الدولية اذا استمر في اغلاق حدوده. والنتيجة الثانية هي انه من غير الحكمة الدعوة للوفاق الدولي وتأمل ان يكون مستمراً اذا لم يتم الشروع بعمل ما على صعيد حرية الهجرة وانتقال الافكار والاشخاص.
\r\n
\r\n
\r\n
أمّا النتيجة الثالثة فهي ان الوضع الذي وجد فيه الكرملين نفسه مرغماً على تغيير موقفه تحت الضغط الخارجي كان وضعاً من الصعب قبوله ولكنه كان يحتوي بالوقت نفسه على جانب ايجابي جداً نظراً لما يمثله في عيون الغرب.
\r\n
\r\n
\r\n
هذه النتائج الثلاث مجتمعه جعلت ميخائيل غورباتشوف يعتقد أنه يمتلك ورقة رابحة يمكن أن ينال بواسطتها، وبأبسط الأثمان شعبية كبيرة لدى الرأي العام الغربي. ففي اللحظة التي أراد فيها أن يطلق الحوار مع واشنطن، ويطبّع العلاقات مع اسرائيل، ويحسن علاقاته مع ألمانيا الغربية استخدم سيد الكرملين الجديد تلك الورقة من أجل أن يدعم العديد من مبادراته.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت النتيجة المباشرة هي تعاظم عدد المهاجرين اليهود السوفييت من 914 عام 1986 إلى 8143 عام 1987 وإلى 20082 عام 1988 ثم 7159 عام 1989 وحتى حوالي 190000 عام 1990. وقد ترافق هذا مع الشروع بالحوار مع واشنطن.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان غورباتشوف يولي أهمية كبيرة لتطوير العلاقات مع الدولة العبرية، لا سيما وأن موقف الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط كان قد تضعضع بعد تحول الحليف المصري عنه وتوقيع الاتفاق المصري الاسرائيلي تحت رعاية الولايات المتحدة، ثم ان قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل عام 1967 ترك المجال حراً للولايات المتحدة كي تتفاوض وحدها مع الطرفين الاسرائيلي والعربي مما أضعف أيضاً النفوذ السوفييتي في المنطقة.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان غورباتشوف على اقتناع بأن محاولة استئناف العمل لاستعادة ذلك النفوذ تمر عبر التقارب مع اسرائيل. هكذا بدأ باستخدام ورقة السماح بالهجرة اعتباراً من عام 1987 مما آثار غضباً شديداً لدى الاصدقاء الفلسطينيين والعرب للاتحاد السوفييتي.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي ابريل 1987 عندما لم تكن هجرة اليهود قد أخذت بعداً كبيراً، أعرب الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أثناء زيارة قام بها لموسكو لغورباتشوف عن قلقة حيال ذلك الموضوع، ثم تتالت اتهامات العرب للإسرائيليين بأنهم يبنون مستعمرات لليهود الآتين من الاتحاد السوفييتي في الأراضي المحتلة.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان رئيس الوزراء السوفييتي الأسبق «كوسيجية» قد برر عام 1971 عدم السماح بهجرة اليهود السوفييت بعدم الرغبة في تقوية القوات المسلحة الإسرائيلية، وإذا كان غورباتشوف لم يعد متمسكاً بمثل هذا المنطق، فإن هذا يعود لإرادته استخدام أفضل الوسائل التي يمتلكها من أجل تغيير الوضع الذي لم يعد يتماشى مع مصالحه.
\r\n
\r\n
\r\n
الكرملين يتجمل
\r\n
\r\n
\r\n
لم يكن القادة السوفييت يولون اهتماماً كبيراً بصورة الاتحاد السوفييتي في العالم خلال مطلع الثمانينات، لكن ميخائيل غورباشوف كان على عكس ذلك، إذ كان يولي أهمية فائقة لهذه الصورة، التي كان يعتبرها العنصر الذي يمكن بواسطته أن يستعيد الاتحاد السوفييتي المبادرة في العالم، لقد كانت تلك الصورة باهتة جداً، عندما وصل إلى السلطة، بسبب المبادرات الداخلية والخارجية لسابقيه.
\r\n
\r\n
\r\n
وخلال عدة أشهر، استطاع غورباتشوف أن يغير تلك الصورة عبر سياسة الإصلاحات التي تبناها وتقديمه اقتراحات جريئة من أجل الحد من التسلح وتبنيه مواقف جديرة حيال المعارضة وسماحه بهجرة أعداد كبيرة من المواطنين السوفييت.
\r\n
\r\n
\r\n
هكذا بدأ الاتحاد السوفييتي كبلد يعيش حالة من التبدلات باتجاه الانفتاح على العالم الخارجي، حيث إنه لم يعد يتم النظر إليه كمصدر تهديد، وقد دلت مختلف استطلاعات الرأي في الغرب على تحسن ملحوظ في صورة الاتحاد السوفييتي.
\r\n
\r\n
\r\n
إن عملية فتح الحدود، مهما كانت انتقائية، أثارت دهشة الغربيين لا سيما أنها ترافقت مع تبدل حيال المهاجرين أنفسهم.
\r\n
\r\n
\r\n
وبعد أن كانت عملية قطع كل العلاقات مع المهاجرين هي الممارسة المتبعة حيال أولئك «الخونة» فإن الحقبة الغورباتشوفية شهدت على العكس من ذلك الحرص على المحافظة، بل تعزيز العلاقة معهم، في الوقت نفسه ثم نشر أعمال بعض الأدباء الممنوعين سابقاً في الاتحاد السوفييتي من أمثال فلاديمير نابوكوف، مؤلف رواية «لوليتا» وفي نوفمبر 1989 تمت دعوة راقص البالية الشهير رودولف فورييف لتقديم عرض على مسرح كيروف في لينيجراد، وهو الذي كان قد لجأ إلى فرنسا عام 1961 عندما كان مع فرقة البولشوي في جولة أوروبية.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان الوجه الثالث لهجوم الكرملين يكمن في محاولة قلب الأدوار عبر تحدي الغربيين حيال قبول المهاجرين السوفييت، بل إن موسكو ألقت مسؤولية إغلاق الحدود السوفيتية على عاتق العالم الخارجي.
\r\n
\r\n
\r\n
ومنذ عام 1988 أوضح المسؤول عن مكتب منح تأشيرات الخروج على صفحات جريدة «أخبار موسكو» أن المشكلة ليست سوفيتية وإنما أميركية وأن عملية تحديد الهجرة لم تعد بسبب سلطات الاتحاد السوفييتي وإنما بسبب البلدان الغربية أي أراد الكرملين أن يتوقف عن لعب دور الشرير، وكان ذلك سهلاً بالنسبة له باستثناء بعض البلدان كإسرائيل، ذلك أنه ليس هناك سوى بلدان نادرة تريد وصول أفواج كبيرة من المهاجرين إليها، سواء أكانوا سوفييتاً أو غيرهم.
\r\n
\r\n
\r\n
وتابعت الأمم الغربية مطالبتها بالاعتراف بحق المواطنين السوفييت بالهجرة بكل حرية، لكنها رفضت في الوقت نفسه استقبالهم بدون حدود في أراضيها. واعتباراً من اللحظة التي تنبهت فيها الحكومات الغربية حيال تطور الموقف السوفييتي والنتائج التي يمكن لهذا التطور ان يجرها، أو قد يجرها، عليها أصبحت سياسة الكرملين تتمثل في استخدام الهجرة لغايات اقتصادية عبر اللعب على مخاوف البلدان الصناعية.
\r\n
\r\n
\r\n
شائعة مخيفة
\r\n
\r\n
\r\n
لقد أدركت السلطات السوفييتية أنه يمكن لهجرة الملايين أن يكون لها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، آثار اقتصادية ايجابية. فبفضل الإقامة النهائية أو المؤقتة، لمواطنين سوفييت في البلدان الصناعية، يمكن للاتحاد السوفييتي أن يجني مكاسب اقتصادية، مثلما هي الحال بالنسبة لكل هجرة، مثل ايجاد شبكات مفيدة من اجل تطوير العلاقات التجارية وتحويلات العملات الصعبة إلى البلد الأصلي.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان وزير الخارجية السوفييتي نفسه قد صرح في خريف عام 1990 بأن ثلاثة عشر مليون مواطن سوفييتي يمكنهم ان يذهبوا للعمل في الخارج، بعد تطبيق القوانين الجديدة في مجال الخروج من البلاد والعودة اليها. وإن مردود ذلك سيقدر بمليارات الدولارات.
\r\n
\r\n
\r\n
في الوقت نفسه سرت شائعات مخيفة في الغرب عن أن الملايين ما بين 2 مليون و30 مليوناً من السوفييت الجائعين سوف يتدفقون على البلدان القريبة، وكان العديد من الصحف والدوريات قد حذر من الآثار الخطيرة لذلك، والتي قد تؤدي إلى هز استقرار البلدان الغربية.
\r\n
\r\n
\r\n
من هنا بدا انه ينبغي على هذه البلدان من أجل تجنب ذلك تقديم مساعدة اقتصادية كبيرة للكرملين من اجل أن يمتلك وسائل ردع لمواطنيه عن الهجرة.
\r\n
\r\n
\r\n
لقد أصبح الخيار أمام الدول الغربية هو تقديم استثمارات للاتحاد السوفييتي من اجل ان يتمكن من تجاوز المأزق الصعب للإصلاحات الاقتصادية أو ان ترى هذه الدول ملايين المهاجرين الذين سيزحفون إليها. بهذا المعنى استطاعت السلطات السوفييتية ان تحول بذلك نقطة ضعفها إلى نقطة قوة. هكذا لم يعد السؤال المطروح على الغرب هو: هل ينبغي مساعدة الاتحاد السوفييتي؟ وإنما بالأحرى: كيف يمكن مساعدة الاتحاد السوفييتي؟
\r\n
\r\n
\r\n
لكن مقابل هذا بدت عملية قبول خروج كثيف للمهاجرين بمثابة القبول بعملية نزيف هائل للأدمغة، الأمر الذي آثار قلق السلطات السوفييتية، بل ربما إن هذه السلطات كانت قد أحست بان الاتحاد السوفييتي نفسه لن يستطيع مقاومة عملية انفتاح حقيقية.
\r\n
\r\n
\r\n
وعندما انطلق غورباتشوف في مشروعه الاصلاحي في مجال الهجرة واعادة البناء وولوج السبيل الديمقراطي، كان يظن ان هذا كله سيحل مستوى المعيشة في الاتحاد السوفييتي. لكن بدا منذ عام 1987 أنه من الصعب جداً ضبط الوضع الذي بدا شيئاً فشيئاً أنه قد تجاوز أية سيطرة وبدا ان ساعة نهاية الاتحاد السوفييتي قد دقت.
\r\n
\r\n
\r\n
وعندما انتهى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية في ديسمبر 1991 كان الوضع على صعيد الهجرة مختلفاً تماماً عما كان عليه عند وصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة عام 1985. لقد أدى «تفجر» الامبراطورية السوفييتية إلى تغير كبير على صعيد الحدود، إذ اختفت حدود الاتحاد السوفييتي، وحلت مكانها حدود جديدة، تتولى رقابتها خمس عشرة دولة جديدة مستقلة.
\r\n
\r\n
\r\n
وهكذا انفتحت صفحة جديدة في تاريخ الحدود والهجرات.
\r\n
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.