مع تدهور الأوضاع في العراق فإن طوني بلير، شريك بوش في تصوراته حول الشرق الأوسط، يبذل جهوداً كبيرة لجلب السلام إلى إسرائيل/ فلسطين. هل استراتيجيته تقوم على أنه إذا كان باستطاعة الأعداء في الأرض المقدسة صنع السلام مع بعضهم البعض فإن بإمكان الأعداء في العراق عمل ذلك؟ \r\n \r\n الحقيقة أن رؤية بوش وبلير هي العكس تماماً. الاستراتيجية الجديدة تقوم على فصل الشرق الأدنى عن الشرق الأوسط، ومن المحتمل أن بلير يعتقد أنه بوجود العراق في حالة ثورة فإن التحالف الغربي لن يستطيع كسب الحرب، إلا أنه يستطيع أن يكسبها في حال تمكن من جر دول الشرق الأدنى إلى صفه. \r\n \r\n الدليل على استراتيجية بوش-بلير تجلى في مؤتمر الدول التسع حول تدعيم الديمقراطية في العالم العربي، والذي عقد في العاصمة المغربية الرباط. وقد انضم إلى المؤتمر سوريا، والسودان الغني بالنفط، بينما غاب عنه العراق. كولن باول حضر هذا المؤتمر ممثلاً لمصالح أمريكا العليا، كما حضر المؤتمر أيضاً مصر ومراكش من دول شمالي أفريقيا، واللتين تعتبران جزءاً من الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت جزءاً من الشرق الأدنى. \r\n \r\n المصطلحان، الشرق الأوسط والشرق الأدنى، هما مصطلحان جيو-سياسيين، إلا أن مصطلح الشرق الأوسط كان قد صيغ خلال الحرب العالمية الثانية، في حين أن مصطلح الشرق الأدنى يعود تاريخه إلى العصر النابوليوني، فقد نشر نابليون في المنطقة الثقافة واللغة الفرنسية حاملاً إليها رائحة الثورة. وإلى أن برز إلى الوجود مصطلح الشرق الأوسط، فإن المصطلح السياسي الوحيد الذي استخدمه الأوربيون للمنطقة كان كلمة فرنسية:levant (المشرق) وتعني الشرق الأدنى. أما في المصطلحات المعاصرة فهي تشمل: إسرائيل /فلسطين، سوريا، لبنان ، الأردن، تركيا، ومصر. \r\n \r\n الشرق الأوسط هو مصطلح أنكلو-أمريكي عسكري، ومن الناحية السياسية هو يشير إلى اامنطقة التي تقع بين المسرح الأوربي للعمليات وبين شرقي آسيا، ويمتد بالأصل من اليونان إلى الهند غير المقسمة. أما معنى كلمة الشرق الأدنى فهو يمثل الدول التي تعتبر من الناحية السياسية والثقافية أقرب إلى أوربا من دول الشرق الأقصى. \r\n \r\n طوني بلير يدرك تمام الإدراك أن الغرب لن يفوز في العراق، لكنه يرى أيضاً أن معاداة الإسلام، مثل سياسة الفرنسي جان ماري لوبان، أصبحت منتشرة في كل أنحاء اوربا. لكن في حال تقبلت منطقة الشرق الأدنى بحرية الإرث النابوليوني في الحرية والعدالة والإخاء كما تقبلتها قارة أوربا، عندئذ يمكن لتركيا الانخراط في الاتحاد الأوربي. ومن المهم أن بلير حصل في الآونة الأخيرة على تنازلات شفهية من تركيا والاتحاد الأوربي، مما يمكن أن يمهد السبيل أمام دخولها في الاتحاد. \r\n \r\n تعادل مساحة القسم الأوربي من تركيا حوالي 20% من مساحتها الإجمالية، لذلك تعتبر تركيا نفسها أوربية وجزءاً من الشرق الأدنى في الوقت نفسه. وقد أظهر بطلها الحديث كمال أتاتورك ميله إلى أوربا عن طريق إصدار طابع بريدي عليه صورته وهو في لباس سهرة ويمسك بكأس فيه شراب مارتيني. \r\n \r\n إلا أن تركيا لا تستطيع أيضاً نبش الماضي الدموي، وهي تنفي التهمة الموجهة لها بارتكابها \"هولوكوست\" ضد الأرمن. ولكنها لا تستطيع إنكار حقيقة أنها، ولعقود مضت، شنت حرباً ضد الأكراد الذين كانوا يقومون بعصيانات مسلحة واحداً تلو الآخر. \r\n \r\n العصيان هو ثورة غضب ضد المستبدين، والعصيان إذا استمر لفترة طويلة يتحول إلى ثورة، وإلى تحولات قسرية في السلطة السياسية والثقافية للشعب، وقد يحدث على شكل صاعقة خاطفة وقد يستمر ببطء إلى أن يصبح التحول كاملاً. \r\n \r\n في الشرق الأوسط يوجد نوعان رئيسيان من العصيان يقوم بهما الفلسطينيون والعراقيون. الانتفاضة الفلسطينية الأولى استمرت بين عامي 1987-1993، والانتفاضة الثانية بدأت في مطلع عام 2000. يأمل طوني بلير وجورج بوش بضخ الطافة السياسية للانتفاضة لإحداث ثورة نابوليونية من أجل الحرية والعدالة والإخاء، إلا أن شعوب الشرق الأدنى يمكن أن تحولها بدلاً من ذلك إلى ثورة إسلامية. \r\n \r\n أما العراق فيعاني الآن من ثورتين متباينتين، الأولى تتبع العقيدة الوهابية السنية لأسامة بن لادن، والثانية هي شيعة آية الله روح الله الخميني. وقد أظرت حمامات الدم التي جرت في الآونة الأخيرة في المدن الشيعية المقدسة النجف وكربلاء مدى الخلاف والتضارب بين هاتين العقيدتين. \r\n \r\n حالياً أقام بعض الأكراد السنة مع العرب السنة في الشمال قضية مشتركة: ففي مطلع هذه السنة قام عرب وأكراد سنة في الشمال بقتل حوالي 100 شخص كانوا يحتفلون بعيد الأضحى. كما أن كلا الفريقين يفخرون بالمحرر العظيم صلاح الدين الأيوبي (1137-1193) الذي هزم آخر الصليبيين في الشرق الأدنى. \r\n \r\n وهكذا فإن القوات الأمريكية تواجه في العراق عصياناً وثورة في الوقت نفسه، وهو وضع أسوأ من الذي وجد نابليون نفسه فيه أولاً في إسبانيا التي كانت تجتاحها حرب العصابات، وثانياً في شتاء روسيا القارس. \r\n \r\n هناك إحساس بالثورة ينتشر في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وربما كانت هذه الثورة هي الأخيرة في سلسلة من الثورات بدأت مع الثورة الأمريكية والفرنسية. بوش وبلير يأملان أن جر الشرق الأدنى إلى صفهما قد يمكنها من كسر هذه السلسلة. \r\n \r\n \r\n \r\n باسيفيك نيوز سيرفس- فرانز تشورمان* \r\n \r\n *تشورمان: أستاذ شرف في التاريخ وعلم الاجتماع في جامعة بيركلي ومؤلف الكثير من الكتب \r\n