مركزاً للمقاومة السنية السياسية ورفضت قبول سلطة المحتل الاجنبي بقيادة الولاياتالمتحدة او سلطة الحكومة العراقية المؤقتة بزعامة رئيس الوزراء المؤقت الحالي اياد علاوي وللدلالة على سقوط كل النوازع الاخلاقية الناجمة عن غزو واحتلال العراق ضمن مبررات كاذبة ومخادعة ومضللة وخارج نطاق الشرعية الدولية وما واكب ذلك من فضائح وانتهاكات يندى لها الجبين سواء ما يتعلق منها بفضائح سجن ابو غريب, تتكرر نفس صور فضائح وانتهاكات مماثلة ترتكبها قوات الغزو والاحتلال الامريكي في العديد من المدن العراقية بشكل شبه يومي, وآخر هذه الانتهاكات والفضائح ما جرى في احد مساجد الفلوجة وبثته اجهزة الاعلام المرئىة والمقروءة والمسموعة, عندما اقدم جندي امريكي من قوات المارينز وهو يوجه سلاحه الى مقاوم جريح عراقي غير مسلح ويقتله بدم بارد من مسافة قصيرة. وعلى الجانب الآخر وفي الوقت الذي تحولت فيه مدينة الفلوجة الى مدينة موت ودمار واطلال لا تنبعث منها سوى رائحة الموت, هناك صورة اخرى مغايرة لمقاوم عراقي لم يجد من سبيل آخر سوى تلغيم جثث رفاقه الذين سقطوا قتلى في جحيم هذه الحرب, لتتحول بالتالي الى قنابل موقوتة ضد قوات الاحتلال الامريكي وقوات حكومة علاوي التي لم يتوان رئيس هذه الحكومة عن التباهي بالقول بأن تدمير الفلوجة ما هو الا وسيلة لانقاذ هذه المدينة وسكانها. \r\n \r\n فمدينة الفلوجة تخضع الآن لقوى الآلة العسكرية التدميرية الامريكية الهائلة. فالرسالة التي وجهتها القوات الامريكية والحكومة العراقية الى المقاومين في الفلوجة والى المواطنين المحاصرين فيها كانت واضحة وتعبر عن احقاد دفينة. وهذه الرسالة جاءت على النحو التالي: »اما الاستسلام او الموت«. \r\n \r\n واذا كان لا يزال بالامكان القضاء على المقاومة القوية في الفلوجة في مواجهة الهجوم الامريكي الكبير والكاسح, فان مثل هذا السيناريو ربما يكون اكثر تفاؤلاً, لان المقاومين لن يستسلموا الا بالموت, لان بقاءهم على قيد الحياة سيعني بالضرورة نهاية حياتهم ان لم يكن على ايدي القوات الامريكية, فسيكون على الارجح بأيدي حكومة علاوي, كما ان استسلامهم سيشكل خطراً سياسياً عليهم, خاصة اذا قبلوا بالانتصار الذي حققه اياد علاوي عليهم, ولهذا لا بديل امامهم سوى المقاومة حتى آخر قطرة دم ضد قوات الاحتلال. \r\n \r\n ويبدو واضحاً من ضراوة المعارك واحتدام القتال في الفلوجة بأن ما يحدث في هذه المدينة هو جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية ولا يمكن لأحد الدفاع عنها اخلاقياً وانسانياً من اي معيار متحضر او من جانب قوانين وتشريعات محكمة الجنايات الدولية التي لا ولم ولن تلتزم بها الادارة الامريكية او الحكومة العراقية المؤقتة. وبالطبع فان هذا الهجوم الامريكي المدمر على الفلوجة ليس الاول من نوعه ولن ينتهي عند هذا الحد. فمدينة الفلوجة كانت قبل الغزو الامريكي للعراق قبل حوالي 18 شهراً, من المدن العراقية القوية اما الآن وبعد رحيل معظم سكانها بسبب الخوف والتهديد والغارات العسكرية المتتالية, فإن من بقي منها ستكون نهايته معروفة سلفاً وهي الموت والاختفاء من الوجود بسبب سيطرة القوة العسكرية الامريكية الهائلة عليها وعلى كل العراق بشكل عام. \r\n \r\n وما حصل ويحصل في الفلوجة يشبه الى حد كبير ما جرى في العاصمة الشيشانية غروزني في عام 1999 عندما غزت القوات الروسية جمهورية الشيشان وقامت بتدمير عاصمتها غروزني التي كان عدد سكانها يماثل عدد سكان الفلوجة العراقية, لكن المقاومين الشيشانيين لا يزالون يدافعون عن بلدهم ومدينتهم ويلحقون بالقوات الروسية الغازية هزائم متتالية. \r\n \r\n ان استمرار الهجوم الامريكي على الفلوجة يخرق بوضوح قوانين الحرب ومعاهدة جنيف, اما اهداف هذا الهجوم فانها تتجاوز كل الحدود والغايات. فالهدف العسكري او السياسي لا يمكن ان يبرر سقوط هذا العدد الكبير من القتلى سواء في الجانب العراقي او الجانب الامريكي هذا بالاضافة الى تدمير المدينة بشكل كامل وتحويل سكانها الى نازحين ولاجئين. لكن هناك من يتساءل عن نوع التهديد الذي تمثله مدينة الفلوجة بالنسبة لامريكا او بالنسبة لحكومة علاوي وبخاصة في هذه المرحلة التي تسبق اجراء الانتخابات العامة العراقية بحلول العام المقبل. وطبقاً للاجابة التي وردت على لسان علاوي, فانه يرى ويعتقد بأن الانتخابات القادمة لا يمكن ان تكون البديل الا اذا تم فرض السيطرة الكاملة على الفلوجة. وهذه الاجابة تبدو غير منطقية بأي حال من الاحوال. فالحقيقة ان هذه المدينة التي اصبحت رمزاً للمقاومة السياسية السنية العراقية ضد الاحتلال الاجنبي, ستكون بمثابة عامل ردع وتخويف للمدن العراقية الاخرى التي تشهد تمردات مماثلة. فالرسالة التي يوجهها حصار الفلوجة بسيطة ويمكن استيعابها. وهذه الرسالة تقول: نحن قادمون من اجل تدميركم, وهذه الرسالة ايضا تشبه الى حد كبير تلك الرسالة التي وجهها الجيش الروسي الى المقاومين الشيشان في العاصمة غروزني في عام .1999 \r\n \r\n ولا يختلف المحللون فيما بينهم لكون الهجوم العسكري الدموي والتدميري على الفلوجة خرقاً لقوانين الحرب والمعاهدات الدولية, من حيث الآثار غير الشرعية والمأساوية التي يسببها للمدنيين ومنازلهم وبنيتهم التحتية. ولعل هذه المخاوف وتلك الانتهاكات للقوانين الدولية والانسانية هي التي دفعت السكرتير العام للامم المتحدة كوفي انان الى رفض واستهجان هذا الهجوم والى السعي للوصول الى حل سلمي, لكن واشنطن وحكومة علاوي رفضتا مثل هذه النداءات. \r\n \r\n لقد اثبتت الاحداث والتطورات المأساوية المتسارعة بأن ادارة بوش تريد فرض الديمقراطية الامريكية في العراق على طريقتها وبشروطها, وبنفس الشروط التي فرضت بها روسيا حكمها الجائر على الشيشان. لكن السؤال الاخير الذي يفرض نفسه هل ستنجح هذه الادارة في فرض املاءاتها وشروطها على العراقيين ام انها ستتعرض الى مزيد من الهزائم المعنوية والسياسية وتضطر عاجلاً ام آجلاً الى سحب قواتها من المستنقع العراقي, تماماً كما تفكر القيادة الروسية في الانسحاب من المستنقع الشيشاني? كل شيء ممكن ورهن التطورات اللاحقة سواء على الساحة العراقية او الساحة الشيشانية.0 \r\n \r\n »دير شبيغل«الالمانية \r\n \r\n