«تفكر البلدان المجاورة ملياً فيما إذا كان العراق سيحقق نجاحاً ديمقراطياً أو سينحاز نحو الفوضى والتمزق، وهم يريدون أن يتحقق شيئ يكون بين بين،» يقول فالح جبار، عالم اجتماع عراقي في الولاياتالمتحدة، ويعمل في مؤسسة السلام. «إنهم لا يريدون للعراق أن يصبح نموذجاً يعزز الوجود الأميركي في المنطقة، لكنهم لا يريدون له الفشل أيضاً، بسبب المشاكل الأمنية التي قد يثيرها.» اتهمت جارات العراق، من سوريا إلى السعودية وإيران، من انتهاك حدوده خلال عام الاحتلال الأميركي ، وبأنها تسمح للمتطرفين الإسلاميين بالتسلل عبر الحدود للمشاركة في القتال، وبأنها تؤوي متمردين مطلوبين وتتورط في بسط نفوذ سياسي بين أحزاب البلد وفصائله الدينية. لكن بينما يتحول العراق من الاحتلال نحو الحكومة الانتقالية قبل اقتراب موعد الانتخابات، يطلب من الجيران لعب دور أقوى لمساعدته في التحرك قدماً. يحاول مبعوث الأممالمتحدة في العراق الأخضر الإبراهيمي أن يشكل حكومة بحلول نهاية هذا الشهر، وهو يدفع باتجاه عقد مؤتمر يضم العراق وجاراته لوضع العلاقات على قاعدة إيجابية. تركيا واحدة من الجارات التي لا يطالها التهديد من هذا المشهد العام، والذي تراه الآن وقد تضاءل نتيجة نجاح أمريكا في العراق كما يقول بعض المحللين. «تركيا نفسها قد ترقت منزلة بحيث أصبحت الدولة العلمانية الوحيدة التي تتنامى فيها الديمقراطية، لذا لن يقلقها أن يسلك العراق هذا المسار،» يقول بولانت أليريزا، الذي يترأس المشروع التركي في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن. ما يهم تركيا كثيراً هو بقاء العراق موحداً، يقول أليريزا، دون أن يمنح الأكراد فيه حكم ذاتي يؤدي إلى تشجيع مطامع أكراد تركيا وأن يعود العراق ليصبح الجار التجاري المستقر. تلك هي المخاوف الرئيسية للأردن أيضاً الذي بحث ملكه عبد الله الثاني بواعث القلق بشأن وحدة أراضي العراق ، وذلك في البيت الأبيض الأسبوع الماضي. لكن ثلاث جارات متنفذات أخرى، هي إيران، والسعودية وسوريا يرى بعض الخبراء أنها تتدخل في الشؤون العراقية. والثلاثة هي الأكثر تصميماً على زيادة نفوذها السياسي، كما يقول الخبراء، وباحتفاظها بحذر شديد من ديمقراطية عراقية ناجحة مؤيدة للولايات المتحدة. «سوريا وإيران هما الأشرار في المنطقة،» يقول أماتيزيا بارام، مؤرخ شرق أوسطي في جامعة حيفا. «على السعودية بذل جهد أكبر كي تكون أكثر فائدة بخصوص العراق، وأعتقد أن هذا ممكن .. لكن أمر الدولتين الأخريين أكثر تعقيداً.» السعودية، مملكة سنيّة، قلقة من احتمال سيطرة الأكثرية الشيعية العراقية على السلطة التي كانت في أيدي حكام سنّة مدة طويلة، لكنها تواجه اتهاماً بسماحها للراديكاليين السنة بالتسلل عبر حدود غير محكمة للمساعدة في مقاومة التقدم الأميركي والشيعي. «يحتاج السعوديون تقليدياً إلى فتح الصمام للتخفيف من ضغط الإسلاميين الراديكاليين على شؤونهم الداخلية، وقد كان العراق مؤخراً هو ذلك الصمام المفتوح،» يقول ماثير ليفيت، خبير سابق في مقاومة الإرهاب الشرق أوسطي لدى الشرطة الفدرالية، ويعمل حالياً في مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. «نحن بحاجة للسعوديين لبذل المزيد حول السيطرة على حدودهم،» ويضيف «مثلما نحن بحاجة للسوريين لبذل المزيد حول تسليم الأموال التي تمر من سوريا». يوافق السيد جبار، العراقي ويذكر أن مسؤولاً في الاستخبارات السعودية قال له مؤخراً أن وجهة النظر السعودية هي الترويج للوهابيين في العراق وهم طائفة من السنة سائدة في السعودية وأنها الطريقة الوحيدة لمنع سيطرة شيعية كاملة. «قلت لهم رأيي بأن هذه هي أقصر الطرق لإحداث مصيبة، لكن تدفق الأموال وبسط النفوذ مستمران.» بدأت السعودية تتحرك بجدية ضد مصالح المتطرفين، مثل القاعدة في السعودية، وأكدت تعاونها مع الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب مما يدفع أشخاصاً مثل بارام للاستخلاص بأن تحقيق التعاون مع العراق قد يكون ممكناً. لكن إيران، وهي جارة العراق المسلمة الشيعية في الشرق، أكثر تعقيداً. فقد أبدت الولاياتالمتحدة بعض المؤشرات على استعدادها للتعاون مع إيران بعد أن بات نفوذها مع الشيعة العراقية واضحاً، لكن يبدو أن هذه المؤشرات قد تم التراجع عنها نظراً لوضوح النفوذ الإيراني مع الشيعة الراديكاليين في العراق. يقول بارام أن على الولاياتالمتحدة أن تتذكر أن جارة العراق الشرقية، في حقيقة أمرها، «إيرانان»، تلك الإسلامية المتشددة والأخرى الأكثر اعتدالاً والمؤيدة للديمقراطية، وأن الإثنتين مهتمتان بمستقبل العراق ، وإن لم يكن هذا بالضرورة النتيجة ذاتها. يلحظ آخرون أن إيران قدمت المساعدة فعلاً بعد انتهاء الحرب في أفغانستان، ويجب أن لا تستثنى كقوة استقرار فاعلة في العراق. يعتقد جيمس دوبينز، الذي مثل إدارة بوش في أفغانستان، أن بإمكان إيران أن تكون داعمة للاستقرار ، وأن تتخذ موقفاً معادياً للإرهاب الذي حسب قوله اتخذته في أفغانستان. المؤتمر الذي يروج له مبعوث الأممالمتحدة الإبراهيمي ، مثل الذي عقد في أفغانستان والذي شهد فيه دوبنز تعاون إيران يمكنه أن يساهم في قضية العراق كما يقول الخبراء، على الرغم من إصرارهم أنه ليس بالفكرة الجديدة. ويذكر أليريزا أن تركيا أخذت منذ قرابة عام تجمع بهدوء سفراء خارجية الدول المجاورة لعقد مباحثات دورية حول العراق. لكن الخبراء يتفقون أن مؤتمراً إقليمياً لن يكون ناجحاً إذا ما اعتبر أداة لتطبيق المشروع الأميركي في الشرق الأوسط. «فكرة الإبراهيمي هي كتلك التي تلجأ إليها سواء أكانت ستنجح أم لا، لأن بإمكان الدول مجتمعة أن تفعل ما لا تقدر على القيام به منفردة،» يقول ليفيت. «لكنها لن تنجح بكل تأكيد إذا ما نظر إليها أنها تمنح الشرعية لما تقوم به الولاياتالمتحدة.» وبإشارة إلى فضيحة السجناء العراقيين التي أغرقت سمعة أميركا في الوحل أكثر مما كانت عليه، يضيف ليفيت، «الوقت سيء جداً لمثل هذا المفهوم.» \r\n «كريستشيان ساينس مونيتور»