عبدالغفار يتفقد مستشفى العلمين ويشيد باستحداث أول عيادة لتجميل الوجه بمستشفيات الصحة    وزير التموين: زيادة ضخ اللحوم الطازجة بالمجمعات الاستهلاكية إلى 150 طن يومياً    جيش الاحتلال يبث فيديو لتحرير الأسرى الأربعة من قطاع غزة    وزير الرياضة يوجه رسالة لمنتخب مصر قبل مواجهة غينيا بيساو بتصفيات المونديال    محافظ قنا يتابع الاستعدادات النهائية لامتحانات الثانوية العامة    الأولى على الشهادة الإعدادية الأزهرية بجنوب سيناء: القرآن الكريم سر صلاح حياتي وتفوقي    مصر تواصل جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    وزير الزراعة يوجه الفريق البحثي لنبات الكسافا بإجراء مزيد من التجارب التطبيقية وتحليل صفات الجودة    بنك saib يفتتح فرعا جديدا فى التجمع الخامس    الفتيات يحصدن معظم المراكز الأولى بامتحانات الشهادة الاعدادية بمنطقة الإسماعيلية الأزهرية    العثور على 5 جثث في منطقة جبلية بأسوان    وزير الصحة يحيل المتغيبين بمستشفى مارينا للتحقيق بناء على تقرير المرور المركزي الأسبوعين الماضيين    صحة المنيا: فحص 1237 حالة خلال قافلة طبية مجانية بدير السنقورية    ولاء التمامي تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    السر في "النينيو".. خبير مناخ يوضح سبب ارتفاع درجات الحرارة هذا العام (فيديو)    مجلس الشيوخ يناقش ملف تأثير الذكاء الاصطناعي على الشباب.. غدًا    قضايا الدولة: 12 مليون جنيه غرامة إتلاف الشعاب المرجانية بالغردقة    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    فتاة بدلا من التورتة.. تفاصيل احتفال سفاح التجمع بعيد ميلاده الأخير    الفنانة شيرين رضا تعلن أعتزالها الفن    مطرب شهير يهاجم عمرو دياب بعد واقعة الصفع: والله عيب    لطفية الدليمى: لم أتخيل في أشد كوابيسي أن أغادر العراق    انطلاق مهرجان نجوم الجامعات    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    العشرة الأوائل من ذي الحجة .. هل هي الليال العشر ؟    زيدان: مبابي سيصنع التاريخ وسيتخطى جميع لاعبي ريال مدريد    اتحاد جدة يستقر على رحيل جاياردو قبل معسكر أوروبا    عند المعاناة من متلازمة القولون العصبي.. ماذا تأكل وماذا تتجنب؟    ب«750 ألف يورو».. الأهلي يحصل على توقيع زين الدين بلعيد لمدة 4 سنوات    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    هيئة الدواء في شهر: ضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ومضبوطات بأكثر من 30 مليون جنيه    لماذا الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم؟.. مركز الأزهر العالمي يُجيب    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    ناقد فني: نجيب الريحاني كان باكيًا في الحياة ومر بأزمات عصيبة    عاجل| 6 طلبات فورية من صندوق النقد للحكومة... لا يمكن الخروج عنهم    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    الفوج الثاني من حجاج «المهندسين» يغادر إلى الأراضي المقدسة    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    التوقعات الفلكية لبرج الحمل في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (التفاصيل)    صور.. بيان عاجل من التعليم بشأن نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد فصل    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنبر : حضور وشخصية
نشر في التغيير يوم 25 - 09 - 2013

أجرت مؤسسة كارينجي للتكنولوجيا مرة، تجارب ذكاء على مئة من رجال الأعمال البارزين، وكانت التجارب مماثلة لتلك التي استخدمت في الجيش خلال الحرب، وقد أدت النتائج إلى إعلان المؤسسة أن الشخصية تساهم في نجاح العمل أكثر مما يساهم الذكاء الخارق. إن هذا رأي مهم جداً مهم جداً لرجال الأعمال المثقفين والإخصائيين وللخطباء. فالشخصية – باستثناء التحضير – هي ربما العامل الأكثر أهمية في الخطاب وقد قال البرت هابرد: «إن ما يفوز في الخطاب الجيد هو الأسلوب وليست الكلمات» وبالأحرى إنه الأسلوب بالإضافة إلى الافكار ، لكن الشخصية هي شيء غامض معقد تتحدى التحليل كشذى الزهور وهي مجموعة ميزات الإنسان الجسدية والروحية والفكرية ورغباته وميوله ومزاجه وتجربته وتدريبه وكل حياته وهي معقدة كنظرية النسبية عند اينشتاين ومن الصعب فهمها.
تتحدد الشخصية بالوراثة والبيئة ومن الصعب جداً تغييرها ومع ذلك نستطيع من خلال التفكير أن نقويها إلى حد ما ونجعلها أكثر صلابة وأكثر جاذبية وفي أي حال يمكننا أن نسعى لنحصل على أقصى ما نستطيعه من خلال هذا الشيء الغريب الذي منحته لنا الطبيعة فالموضوع في غاية الاهمية بالنسبة لكل واحد منا وإمكانيات التطوير رقم أنها محدودة ما تزال عظيمة كفاية لتسمح بالنقاش والتدقيق. إذا كنت ترغب في الإفادة القصوى من شخصيتك اذهب مرتاحاً لمقابلة جمهورك فالخطيب المتعب ليس جذاباً لا تقترف الخطأ الشائع بترك التحضير والتخطيط لآخر دقيقة وبعد ذلك العمل بسرعة جنونية محاولاً إن كان عليك إلقاء خطاب في اجتماع لجنة .. تناول غداء خفيفاً إذا أمكنك ذلك وتناول المرطبات .. أخلد للراحة فهذا ما تحتاجه جسدياً وذهنياً وعصبياً.
اعتادت جير الدين فرار أن تصدم أصدقاءها الجدد بإلقاء تحية المساء والنوم باكراً تاركه إياهم يتحدثون إلى زوجها في بقية الأمسية إذ كانت تعرف متطلبات فنها.
وقال مدام نورديكا كونها المغنية الأولى في الأوبرا يعني التخلي عن كل ما يحبه الإنسان: الشئون الاجتماعية والأصدقاء والولائم الفخمة. وقالت مدام ميليا : «عندما أغني في المساء لا أتناول طعام الغداء بل أتناول وجبة خفيفة جداً في الساعة الخامسة تتألف من سمك أو دجاج مع الخبز وكوب الماء ودائماً أجد نفسي جائعة جداً لدى تناول العشاء عندما أعود إلى البيت بعد الأوبرا أو الحفل الموسيقي». كم كانت ميلبا وبيتشر عاقلتين في تصرفهما فإنا لم أدرك ذلك إلا عندما أصبحت خطيباً محترفاً فحاولت أن ألقى خطاباً يستغرق ساعتين كل مساء بعد أن استهلك وجبة دسمة لقد علمتني التجربة أن ليس باستطاعتي الاستمتاع بلحم الغنم والعجل والبطاطا .. لقد كان باديرويسكي لا تفعل شيئاً يستهلك طاقتك لأن الحيوية والنشاط والحماس من بين أهم الميزات التي اسعى إليها لدى الخطباء ومعلمي فن الخطابة.
فالناس تتجمهر حول الخطيب المفعم بالطاقة حول مولد الطاقة البشري مثلما تتجمهر الأوزات حول حقل القمح الخريفي. شاهدت ذلك مراراً يحدث للخطباء في هايدي بارك بلندن وهي بقعة قرب مدخل ماربك آرك حيث يلتقي بعد ظهر يوم الاحد إلى تحليل كاثوليكي عن عدم امكانية التخلي عن البابا، وإلى اشتراكي يشيد بنظرية كارل ماركس الاقتصادية وإلى هندي يشرح لماذا يحق للمسلم أن يتزوج أكثر من امرأة......... إلخ. يتجمع مئات حول خطيب ما بينما جاره ليس حوله سوى مجموعة منهم لماذا ؟ هل الموضوع هو الذي يفرق بين مختلف الخطباء ؟ كلا ففي معظم الأحيان نجد أن السبب يكمن في الخطيب نفسه فهو أكثر تحمساً وأكثر إثارة للحماس.
يتحدث بحيوية نشاط وشفافية وحيوية وألفة مما يجذب الاهتمام.
ماهو تأثير الملابس على الخطيب والمستمع ؟
أرسل سؤال إلى مجموعة كبرى من الناس من قبل عالم نفسي ورئيس جامعة، يتساءل عن التأثير الذي تتركه الملابس في أنفسهم فأجمع كل الأفراد أنهم عندما يكونون بمظهر لائق وأنيق، يشعرون بتأثير ذلك ومن الصعب شرح ذلك الشعور، لأنه غير محدد رغم كونه حقيقياً فقد منحهم الثقة بالنفس ورفع من تقديرهم الذاتي هذا هو تأثير الملابس على من يرتديها. ماهو تأثيرها على المستمع ؟ لاحظت مراراً أن الخطيب إذا كان رجلاً ذا سروال فضفاض ومعطف تعوزه الإناقة وحذاء مهترىء وتظهر في جيبه أقلام الحبر والرصاص ويمسك بيده غليونا وعلبة تبغ تملأ جيب معطفه أو إذا كانت امرأة دميمة تمسك بحقيبة منتفخة وملابسها الداخلية ظاهرة للعيان لاحظت أن الجمهور يكن احتراماً ضئيلاً لذا الإنسان مثلما يفعل الخطيب أو الخطيبة لمظهره أليس من المحتمل الافتراض أن الذهن متأرجح كالشعر المشعث والحذاء المتسخ والحقيبة المنتفخة ؟
عندما وصل الجنرال إلى ساحة أبو ماتوكس لتسليم جيشه كان يرتدي ملابس فاخرة أنيقة ويتدلى من جانبه سيف ضخم ثمين إلا أن غرانت لم يكن يرتدي معطفاً ولا يحمل سيفاً بل كان يرتدي قميصاً وسروالاً عادياً فكتب في مذكراته يقول :
لابد أنني كنت معاكساً تماماً أمام رجل أنيق في تلك المناسبة التاريخية جعلني أندم أكثر مما ندمت على أي شيء في حياته. إن لدى دائرة الزراعة في واشنطن مئات من قفران النحل موزعة في مزارع التجارب، وقد ركز على كل قفير زجاج مكبر بالإضافة إلى تزويده بالضوء الكهربائي حيث يتمكن المرء من أن يراقب النحل عن كثب في أية لحظة والخطيب يشبه ذلك القفير فهو تحت زجاج مكبر والأضواء مسلطة عليه وكل خطأ يبدو في مظهره الخارجي يبرز بوضوح مثلما تبرز قمة بايك من السهول.
ما هو دور الابتسامة المشرقة ؟
أكتب منذ عدة سنوات قصة حياة مصرفي من نيويورك لمجلة أمريكان فسألت أحد أصدقائه أن يشرح سبب نجاحه فقال لي : إن السبب الرئيس يعود إلى ابتسامة الرجل الساحرة في بادىء الأمر، يبدو ذلك مغالياً به لكنني أظن أن الأمر صحيح للغاية ربما يكون لدى مئات الرجال تجارب وقدرة مالية أفضل بكثير مما لديه لكنه يمتلك موجودات إضافية لم يمتلكوها كأن يمتلك الشخصية فهي تكسب الثقة في الحال.. وتضمن حسن نية المرء بسرعة .. جميعنا نود أن نرى مثل هذا الرجل ناجحاً ويسرنا أيضاً أن نمنحه تقديرنا.
تقول حكمة صينية : «من لا يستطيع الابتسام يجب أن لا يفتح متجراً » أليست الابتسامة المرحبة أمام الناس مثلما هي وراء الآلة الحاسبة في المتجر ؟ أفكر الآن بطالب معين كان يحضر برنامج فن الخطابة الذي تم تدريسه في غرفة بروكلين للتجارة كان دائماً يأتي أمام الناس وهو يشع بجو معبر عن محبته لكونه هناك وانه يجب العمل الذي أمامه. كان دائماً يبتسم ويتصرف وكأنه سعيد لرؤيتنا وفي الحال يشعر المستمعون بحرارة نحوه فيرحبون به. لكنني رأيت خطباء يتقدمون بأسلوب بارد متكلف وكان عليهم القيام بمهمة مزعجة فيحمدون الله لدى انتهائهم ونحن أيضاً نشعر بمثل ذلك أن هذه الأساليب تنقل العدوى. يقول البروفيسور أوفر ستريت في كتابه « التأثير بالسلوك الإنساني»: الشبيه يولد الشبيه.
فإذا وجهنا إنتباهنا للناس يحتمل أن يهتم الناس بنا وذا تجهمنا فإنهم سيتجهمون داخلياً أو ظاهرياً نحونا. وإذا كنا جبناء مرتكبين فإنهم بدورهم سيفقدون الثقة بنا وإذا كنا صفقاء متبجحين فإنهم سيتفاعلون لحماية ذاتهم وحتى قبل الشروع بالكلام غالباً ما يتم استحساننا أو استهجاننا لذلك هناك أكثر من سبب يدفعنا للتأكد من أن أسلوبنا يستدعي الاستجابة الدافئة.
اجمع جمهورك
بما أنني أستاذ في فن الخطابة تحدثت دائماً إلى جمهور صغير منتشر في قاعة ضخمة بعد الظهر وإلى حشد كبير متجمع في القاعة ذاتها ليلاً، وقد ضحك الحشد المسائي من صميم القلب للأشياء التي جلبت الابتسامة فقط إلى وجوه الناس بعد الظهر كما صفق الحشد المسائي بسخاء في الأماكن ذاتها التي كان جمهور فترة بعد الظهر يتجمع فيها من دون أي إنفعال لماذا ؟ هناك سبب واحد أن النساء والأطفال الذين يأتون في فترة بعد الظهر لا يمكن أن يتوقع منهم أن يكونوا متحمسين كجمهور الفترة المسائية لكن ذلك ليس سوى تفسير جزئي شيء يقضي على الحماس كالفراغات الواسعة والكراسي الفارغة بين المستمعين.
قال هنري وارد بيتشر: « غالباً ما يقول الناس» ألا تعتقد أن التحدث إلى جمهور كبير يولد ايحاء أكثر من التحدث إلى جمهور صغير ؟ أقول : كلا يمكنني التحدث إلى اثني عشر شخصاً بإسلوب جيد مثلما استطيع التحدث إلى ألف شرط أن يكون الاثنا عشر متجمعين حولي وبجانب بعضهم البعض ليلامس احدهم الآخر لكن حتى وجود ألف شخص تفصل بين كل اثنين منهم أربعة اقدام من الفراغ فإن ذلك يشبه الغرفة الفارغة اجمع جمهورك فتستطيع إثارته بنصف الجهد». إن الإنسان وسط جمهور ضخم يفقد فرديته .. حيث يصبح فرداً من الجمهور ويحرك بسهولة أكثر مما يكون فرداً واحداً وسيضحك ويصفق للأشياء التي تكاد لا تثيره حين يكون بين مجموعة صغيرة تستمع إليك. من السهل استدراج الناس للعمل كفريق أكثر من العمل كأفراد مثلاً أن الرجال الذين يذهبون إلى المعركة يرغبون في القيام بأخطر الأشياء وأكثرها تهوراً في العالم – وهم يريدون الاجتماع معاً فخلال الحرب العالمية الأخيرة اشتهر الجنود الألمان بالذهاب إلى المعركة في بعض الأحيان وأيديهم متشابكة.
الجماهير ! الجماهير ! أنها ظاهرة غريبة إن جميع الحركات الإصلاحية تتحقق بالمساعدة الفعلية من الجماهير.
إذا كنا سنتحدث إلى مجموعة صغيرة يجب أن نختار غرفة صغيرة وذا كان المستمعون متفرقين اطلب منهم التجمع في المقاعد الأمامية قربك .. أصر على ذلك قبل أن تبدأ الكلام. لا تقف أمام المنبر الا عندما يكون الجمهور ضخماً وهناك سبب يدعوك لذلك ابق في مستوى مواز لهم .. قف بالقرب منهم حطم كل الرسميات وأقم روابط حميمة واجعل خطابك كالحديث. ابق الجو منعشاً .. ففي عملية الخطابة من المعروف أن الاوكسجين هو لهم مثل الحنجرة والقصبة الهوائية والرئتين وكل فصاحة شيشرون والجمال الانثوي في قاعة روكيتيس الموسيقية قلما تستطيع أن تبقي الجمهور يقظاً في غرفة مسممة بالجو الخانق لذلك بما أنني واحد من الخطباء قبل أن ابدأ أطلب من الجمهور ان ينهض ويرتاح مدة دقيقتين بينما أترك النوافذ مفتوحة. طاف المايجور جايمس بوند طيلة أربع عشرة سنة في الولايات المتحدة وكندا عندما كان مديرا لهنري بيتشر واعظ بروكلين وقبل أن يتجمع الجمهور كان بوند يزور القاعة أو الكنيسة أو المسرح حيث سيبدو بيتشر ليفحص الضوء والمقاعد والحرارة والتهوية كان بوند قائداً عسكرياً متقدماً في السن وحيث أنه يمارس سلطته فإذا كان المكان دافئاً جداً أو الجو خانقاً ولم يستطع أن يفتح النوافذ يحدق فيها ويسحق الزجاج لقد كان يؤمن مع سبرجون أن أفضل شيء للواعظ بعد نعمة الله هو الأوكسجين.
دع الضوء يغمر وجهك
املأ الغرفة بالأنوار وأقرا مقالات دايفيد بيلاسكو حول الإنتاج المسرحي، لتكتشف إن الخطيب العادي ليست لديه أدنى فكرة عن الأهمية البالغة للإضاءة المناسبة. دع الضوء يغمر وجهك، فالناس يريدون رؤيتك، لأن التغييرات التي تطرأ على تعابيرك هي جزء، وجزء حقيقي من عملية التعبير عن الذات وهي تعني في بعض الأحيان أكثر مما تعنيه كلماتك إذا وقفت تحت الضوء مباشرة، ربما يكسو الظل وجهك، وإذا وقفت أمام الضوء مباشرة، من المؤكد أن لا يبدو واضحاً، أليس من الحكمة إذن أن تختار قبل أن تنهض للخطاب، البقعة التي تمنحك أفضل إنارة؟ لا تختبئ وراء الطاولة، يريد الناس أن ينظروا إلى الرجل بكامله حتى إنهم ينحنون إلى جانب الممرات ليتمكنوا من رؤيته. من المؤكد أن شخصاً حسن النية سيقدم لك طاولة مع ابريق ماء وكوب لكن إذا جف حلقك، فإن القليل من الملح أو نكهة الليمون سيثير لعابك أفضل مما تفعله شلالات نياغارا، أنت لست بحاجة إلى الماء ولا إلى الإبريق كما لا تريد المعوقات غير المفيدة التي تملأ المنصة. إن غرف العرض لدى مختلف صانعي السيارات في برودواي هي جميلة، مرتبة، تسر النظر، ومكاتب باريس لمصانع العطور والمجوهرات مجهزة بشكل فني رائع، لماذا؟ هذا هو العمل الجيد المنظم، والإنسان يكن المزيد من الاحترام والثقة والتقدير للأشياء الأنيقة كهذه. لكن ما الذي يوجد دائماً خلفه؟ خرائط وإشارات وجداول وربما الكثير من الكراسي المغبرة المتراكمة فوق بعضها البعض، وما هي النتيجة؟. جو مربك رخيص وقذر، لذلك تخلص من جميع الأشياء. قال هنري وارد بيتشر: «أهم شيء في فن الخطابة هو الإنسان» لذلك ليقف الخطيب مثل قمم جانغفرو الثلجية التي تناطح سماء سويسرا الزرقاء.
لا ضيوف في المنبر
كنت مرة في لندن عندما كان سفير كندا يخطب، بعد قليل، دخل الحاجب مزوداً بعمود طويل، وبدأ بتهوية الغرفة منتقلاً من نافذة إلى أخرى، ما الذي حدث؟ تجاهل معظم الناس الحاضرين الخطيب فترة وجيزة وحدقوا في الحاجب وكأنه يقوم بأعجوبة.
لا يستطيع الجمهور أن يقاوم أو أنه لن يقاوم إغراء التطلع إلى الأشياء المتحركة فإذا تذكر الخطيب هذه الحقيقة، يمكنه توفير بعض المتاعب والإزعاج الذي ليس هو بحاجة إليه.
أولاً، يستطيع الابتعاد عن تضييع وقته سدى، وعن العبث بملابسه والقيام بحركات عصبية تحط من قدره. أذكر مرة حين رأيت مستمعاً من نيويورك يحدق بيدي خطيب مشهور مدة نصف ساعة حين كان يخطب ويعبث بغطاء المنبر في الوقت ذاته.
ثانياً، يجب أن يتدبر الخطيب أمر جلوس الجمهور، إذا أمكنه ذلك لكي لا يجذب انتباههم دخول الأشخاص المتأخرين.
ثالثاً، يجب ألا يلتقي الضيوف على المنبر، فمنذ سنوات قليلة، ألقى ريموند روبنز سلسلة من الخطب في بروكلين، ومن بين المدعوين دعيت للجلوس معه في المنبر، تملصت من ذلك الليلة الأولى كم من الضيوف تململوا ووضعوا ساقاً على ساق، ثم قاموا بعكس ذلك، وفي كل مرة، كان أحدهم يتحرك، ينقل الجمهور نظرهم عن الخطيب ليتطلع إلى الضيوف.
لفت انتباه السيد روبنز إلى ذلك في اليوم التالي، وخلال السهرات المتبقية، شغل المنير بمفرده. لم يسمح دايفيد بيلاسكو باستخدام الزهور الحمراء على المسرح لأنها تجذب الكثير من الانتباه فلماذا إذن يسمح الخطيب لإنسان لا يهدأ بالجلوس قبالة الجمهور عندما يخطب؟ يجب عليه ألا يفعل ذلك، وإن كان حكيماً، لا يقدم على فعل ذلك أبداً. أليس من الأفضل للخطيب ألا يجلس قبالة الجمهور قبل أن يبدأ خطابه؟ أليس من الأفضل له أن يصل بمظهر نشيط على أن يبدو مرهقاً؟
لكن إذا توجب علينا الجلوس، لننتبه إلى طريقة جلوسنا، لقد رأيت رجالاً يبحثون عن كرسي بحركات تشبه حركات الثعلب الجاثم بانتظار فريسته، وعندما يجدون الكرسي، يهبطون عليه مثلما يهبط كيس من الرمل، إن الرجل الذي يعرف كيف يجلس، يغرق في الكرسي وهو يسيطر على جسده سيطرة تامة.
كن متزناً
ذكرنا في صفحات قليلة سابقاً أنه لا يجب العبث بملابسك أو مجوهراتك لأنها تلفت الانتباه، وهناك سبب آخر أيضاً، فذلك يمنح انطباعاً عن الضعف وقلة الثقة بالنفس، وكل دقيقة لا تضيف إلى وجودك، تحط قدرك، ليست هناك حركات حيادية، وهكذا قف هادئاً، وسيطر على نفسك جسدياً فذلك يمنحك انطباعاً عن السيطرة الذهنية والاتزان. بعدما تنهض لمخاطبة جمهورك، لا تبدأ بعجلة، فهذه هي السمة المميزة للمبتدىء .. تنشق نفساً عميقاً تطّلع إلى جمهورك للحظة، وإن كانت هناك ضجة، توقف قليلاً حتى تزول.
ابق صدرك عالياً لكن لم الانتظار لفعل ذلك أمام الجمهور؟ لم لا تفعل ذلك يومياً حتى تكون منفرداً بذاتك؟ عندئذ يمكنك أن تفعل ذلك تلقائياً أمام الناس. وماذا يجب أن تفعل بيديك؟ لا تفكر بها، فإذا انسدلتا بشكل طبيعي إلى جانبيك، يكون الأمر مثالياً، وإذا كانتا تبدوان كعنقود من الموز، لا تتخيل أبداً أن أحداً ينتبه لهما أو لديه أدنى اهتمام بهما، لأنهما ستبدوان أفضل وهما مسترخيتان إلى جانبيك، وسيجذبان أدنى اهتمام لهما، حتى أن المولع بالانتقاد لن يتمكن من انتقاد وضعك هذا بالإضافة إلى أنهما ستكونان متحررتين للقيام بحركات تلقائية عندما يستدعي الأمر ذلك.
لكن لنفترض أنك عصبي للغاية، حتى أنك تجد أن وضعهما وراء ظهرك أو ادخالهما في جيبك أو وضعهما على المنصة، يساعدك على التخلص من التوترات ماذا يجب أن تفعل؟ استخدم براعتك، لقد سمعت أن عدداً من خطباء هذا العصر المشهورين، يضعون أيديهم داخل جيوبهم أثناء إلقاء الخطاب، وقد فعل ذلك برايان، وتشونسي م. ديبيو وتيدي روزفلت، حتى أن ديزارائيلي المتأنق والشديد الحساسية كان يخضع إلى هذا الإغراء، لكن السماء لم تهبط ، وطبقاً للتقارير المناخية، إذا ما أسعفتني ذاكرتي، أشرقت الشمس في الوقت المحدد من الصباح التالي، فإذا كان لدى الإنسان ما يستحق البوح به، ويبوح به بإخلاص وإيمان، لا يهم، بالتأكيد، ما الذي يفعله بيديه ورجليه، وإذا كان عقله مليئاً وقلبه مثاراً، لن تبرز هذه التفاصيل الثانوية كثيراً، فقبل أي شيء، أن الشيء الأهم في إلقاء الخطاب هو الجانب النفسي فيه، وليس موضع اليدين والرجلين.
أساليب غريبة واهية تلقى باسم الإيماء
وهذا يأتي بنا طبيعياً إلى مسألة الإيماء التي تستخدم بشكل خاطئ أعطي أول درس لي في فن الخطابة رئيس جامعة في الغرب الأمريكي الأوسط ، كما أتذكر.. يدور الدرس حول الإيماء، ولم يكن بدون فائدة فحسب، بل كان أيضاً مضللاً ومؤذياً، تعلمت أن أترك ذراعيّ تنسدلان على جانبي، وكنت أمدّ ذراعي ضمن منحنى رشيق ثم أؤرجح معصمي بشكل كلاسيكي وأفرد أصابعي تدريجياً، وبعدما تتم الحركة المنشطة والأنيقة، تعود الذراع للاسترخاء بجانب الساق، هذا الأداء جاف عديم الحيوية، لقد تعلمت أن لا أتصرف مثل أي أحد ولا أتّبع طريقة أحد، ليست هناك أية محاولة تستطيع استدراجي إلى وضع شخصيتي في حركاتي، ولا أية محاولة تدفعني للقيام بإيماءات، ولا أي مسعى يدفع دم الحياة في هذه العملية، ليجعلها طبيعية لا إرادية ومحتمة، وما من شيء يحثني على المضي في ذلك وعلى تحطيم صدفة تحفظاتي وتصرفاتي كإنسان، إن الأداء كله هو آلي كالآلة الكاتبة، لا يتمتع بالحياة كعش عصفور قديم. يبدو من غير المعقول أن مثل هذه الإيماءات السخيفة، يمكن أن تعلم في القرن العشرين، ومع ذلك.. ومنذ سنوات قليلة، نشر كتاب عن الإيماء كتاب كامل يحاول أن يجعل من الإنسان إنساناً آلياً، فيخبره أية إيماءة يجب القيام بها عند قوله هذه الجملة، وأية إيماءة يقوم بها لدى قوله تلك، كما رأيت عشرين رجلاً يقفون معاً أمام الصف، يقرأون ويومئون طبقاً لهذا الكتاب، جميعهم يقومون بالحركات ذاتها وينطقون بالكلمات عينها، وجميعاً بدوا سخفاء للغاية، إن ذلك زائف وآلي ومؤذ وقاتل للوقت كما إنه أساء إلى سمعة الكثير من الرجال.
تسعة من عشرة من هذا الحشو المكتوب عن الإيماءات هو إضاعة وأسوأ من إضاعة ورقة بيضاء وحبر أسود، وكل حركة مأخوذة من كتاب من المحتمل جداً أن تبدو مثله، فالمكان الصحيح لتناولها منه هو نفسك وقلبك وذهنك واهتمامك بالموضوع، ومن رغبتك الذاتية في استمالة الآخرين لرؤية ما تراه، والإيماءات التي تستحق القيام بها هي تلك المولودة في لحظتها .. إن أونصة من التلقائية توازي طناً من القواعد. فالإيماء ليس شيئاً يرتدي كبذلة العشاء، بل هو مجرد تعبير خارجي عن حالة داخلية كالقبلات والمغص والضحك ودوار البحر. يجب أن تكون حركات الإنسان،كفرشاة أسنانه،أشياء شخصية له. وبما أن الناس مختلفون،فإن حركاتهم ستكون فردية إذا ما تصرفوا بشكل طبيعي،كما لايجب أن يتعلم شخصان الإيماء بنفس الطريقة، تخيل أن لنكولن، ذا التفكير البطء والمطول يقوم بحركات دوغلاس الذي يتكلم بسرعة واندفاع، إن ذلك سيكون سخيفاً.
وطبقاً لمؤرخه وشريكه القانوني هرندونن لم يومئ لنكولن بيديه مثلما وتأتي في بعض الأحيان سريعة وكأنها تقذف بشرارات كهربائية إلى مواد مشتعلة، لكنه لم يتكلف الحركات ليبدو مؤثراً .. وكلما مضى في خطابه، ازداد حرية واندفاعاً،وازدادت حركات تلقائية حتى أنها كانت تبدو رشيقة.
لقد كان يتمتع بطبيعة تامة وبشخصية فريدة تفرض احترامه، كان يكره التأنق المصطنع والمظاهر المتكلفة.. وكان هناك عالم من المعاني والتوكيد بإصبعه الدقيق الطويل، عندما يحشو الأفكار في أذهان مستمعيه،وفي بعض الأوقات، ومن أجل التعبير عن الفرح والسرور، كان يرفع كلتا يديه وكأنه يود احتضان الروح التي يعشقها، فإذا كانت عاطفته تتجه نحو شجب وانتقاد العبودية مثلاً ترتفع يداه وتتماسك قبضته تلوحان في الهواء، وبذلك يعبر عن عمق حبه وإيمانه، وتلك هي أكثر حركاته تأثيراً، كما أنها تشير إلى عزمه الثابت لإلقاء موضوع كراهيته وتمريغه بالتراب..
تلك هي طريقة لنكولن.. أما تيودور روزفلت فكان أكثر قوة واندفاعاً ونشاطاً، تتدفق المشاعر من وجهه، وتنكمش قبضته ويمتلئ جسمه كله بالتعبير، وغالباً ما كان غلادستون يضرب الطاولة أو راحة يده بقبضته اليمنى ويلقيها على المنصة بقوة خارقة، لكن هناك قوة أولى في أفكار ومعتقدات الخطيب، وهذا مايجعل حركته تلقائية، فالتلقائية والحياة هما الخير الأسمى في العمل.
لايمكنني أن أعطيك أية قواعد للإيماء، لأن كل شيء يعتمد على مزاج الخطيب، وعلى تحضيره وحماسه وشخصيته وموضوعه، وعلى الجمهور والمناسبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.