للراغبين في الشراء.. سعر الذهب اليوم الأحد    السعودية تلغي تصاريح بعض حجاج الداخل بسبب اللقاحات وتوجه رسالة للوافدين    توقعات بفوز اليمين، 21 دولة يختتمون اليوم انتخابات البرلمان الأوروبي    البحرية البريطانية: حريق شب في سفينة نتيجة قذيفة أطلقت من اليمن    مصرع وإصابة 19 شخصا في انهيار شرفة ملهى ليلي بالمكسيك (فيديو)    انخفاض طفيف ومؤقت، درجات الحرارة اليوم الأحد 09 - 06 - 2024 في مصر    اليوم.. مغادرة آخر أفواج حج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    تامر عبد المنعم عن صفعة عمرو دياب: كل واحد يلزم حدوده ومليون دولار لن تكفي لرد الكرامة    وصفات طبيعية لعلاج قشرة الرأس، أبرزها الزبادي وزيت شجرة الشاي    طلاب «إعلام المنوفية» يطلقون حملة «إعلامنا» للتعريف بالكلية ومميزات الدراسة بها    أخبار غزة.. مسيرات تدد بمجزة النصيرات والاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدات جديدة    عاجل: حدث ليلا.. الغضب يشتعل ضد نتنياهو واحتجاجات عنيفة أمام البيت الأبيض    حزب الله يعلن قصف مقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هلل الإسرائيلية براجمة من صواريخ فلق 2    عاجل.. اتحاد الكرة يحسم مصير إمام عاشور من المشاركة أمام غينيا بيساو    «مين هيقدر يديره؟».. القيعي يكشف سبب رفضه لتعاقد الأهلي مع ميدو    أمم أوروبا 2024.. المنتخب الإنجليزي الأعلى قيمة سوقية ب 1.78 مليار يورو    «البترول»: خططنا لتلبية احتياجات الكهرباء من الغاز أو المازوت    ارتفاع أسعار الدواجن والبيض اليوم في الأسواق    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 ونيو 2024    جدول مواعيد امتحانات الثانوية العامة 2024.. تنطلق غدا    «التعليم»: اتخذنا إجراءات غير مسبوقة لمنع تداول امتحانات الثانوية    البنك المركزي يعلن معدلات التضخم في مصر بنهاية مايو.. الاثنين    طرح البرومو الدعائي لفيلم عصابة الماكس: في كل خطوة كمين (فيديو)    مناخ «الزراعة»: الموجات الحارة تؤثر على الفواكه والخضروات    فضل الدعاء في هذه الأيام المباركة.. لا يرده الله    للحجاج والمعتمرين.. محظورات لا يجب فعلها أثناء الحج    «زي النهارده».. 9 يونيو 1967 تنحي الرئيس عبدالناصر بعد نكسة 67    وزير الصحة يتفقد مستشفيي رأس الحكمة والضبعة المركزي بمطروح (صور)    ما سبب الشعور بالصداع عند الاستيقاظ من النوم؟.. «السر في التنفس»    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. «هيئة الدواء» تسحب أدوية جديدة من الصيدليات.. انفراد..النيابة العامة تحيل «سفاح التجمع» لمحاكمة عاجلة أمام «الجنايات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأحد: 48 ساعة قبل عودة الغليان (تفاصيل)    حبس 8 مسجلين خطر بينهم سيدة ضبط بحوزتهم 13 كيلو مخدرات بالقاهرة    بايدن مخاطبًا ماكرون: شراكة الولايات المتحدة وفرنسا «لا تتزعزع»    تحرك عاجل من السعودية بشأن الحج بدون تصريح    10 سنوات إنجازات | طرق وكباري و3 محاور رئيسية لإحداث طفرة تنموية في قنا    أسامة كمال: الحكومة المستقيلة لهم الاحترام.. وشكل الوزارة الجديدة "تكهنات"    ليلى عبد اللطيف تكشف حقيقة توقعها بعيد أضحى حزين في مصر    كوميديا وإثارة وظهور مُفاجئ ل السقا وحمو بيكا..شاهد برومو «عصابة الماكس» (فيديو)    مقتل 45 شخصا على الأقل جراء صراع عشائري في الصومال    ياسر إدريس: لا ينقصنا لاستضافة الأولمبياد سوى إدارة الملف    طارق سليمان: كنت مع مشاركة شوبير في نهائي إفريقيا على حساب الشناوي    جامعة العريش تطلق مبادرة شاملة لتأهيل الخريجين لسوق العمل    مع بدء رحلات الحج.. خريطة حدود الإنفاق الدولي عبر بطاقات الائتمان في 10 بنوك    «القومى للمسرح المصري» يحتفي بدورة «سميحة أيوب»    «هيكسروا الدنيا».. سيف زاهر يكشف ثنائي جديد في الزمالك    خبير مائي: سد النهضة على وشك الانتهاء من الناحية الخرسانية وسيولد كهرباء خلال سنتين    طارق قنديل يتحدث عن.. سر نجاح الأهلي ..البطولة الأغلى له.. وأسعد صفقة بالنسبة له    إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارة وتروسيكل بالإسماعيلية    ما أهم الأدعية عند الكعبة للحاج؟ عالم أزهري يجيب    مصرع طفل عقب تعرضه للدغ عقرب فى جرجا بسوهاج    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    ليلى عبداللطيف تتسبب في صدمة ل أحمد العوضي حول ياسمين عبدالعزيز (فيديو)    "نيويورك تايمز": قنبلة أمريكية صغيرة تقتل عشرات الفلسطينيين في غزة    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بعيادة الجلدية ووحدة طوسون الصحية    حظك اليوم برج الحوت الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل.. انفراجة جديدة في مفاوضات بن شرقي وحقيقة عرضين الخليج ل "الأخطبوط"    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    عقوبة تصل ل مليون جنيه.. احذر من إتلاف منشآت نقل وتوزيع الكهرباء    انتصار ومحمد محمود يرقصان بحفل قومي حقوق الإنسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر الإلقاء الجيد
نشر في التغيير يوم 24 - 09 - 2013

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، التقيت بشقيقين في لندن هما السير روس والسير كيت سميث، كانا أول من استقل طائرة من لندن إلى أستراليا، وفازا بخمسين ألف دولار ، قدمتها لهما الحكومة الأسترالية، أثارا الحماس في المملكة البريطانية، كما منح الملك كل منهما رتبة فارس. وقام الكابتن هرلي، المصور المشهور، بمشاركتهما جزءاً من رحلتهما، حيث التقط صوراً حية، ساعدتهما على تجهيز خطاب ممتع عن رحلتهما، ودربتهما على إلقائه، مرتين في اليوم، وعلى مدار أربعة أشهر، في قاعة الموسيقى في لندن، كان أحدهم يخطب بعد الظهر، والآخر يخطب في الليل.
لقد قاما بتجربة واحدة، وجلسا جنباً إلى جنب في طيارتهما التي طافت بهما حول نصف العالم، والقيا الخطاب ذاته تقريباً، ومع ذلك لم يظهر أن خطابيهما متشابهين أبداً. هناك شيء ما إلى جانب الكلمات المجردة في الخطاب، إنه النكهة التي من خلالها يتم الإلقاء ولا يعتمد الأمر كثيراً على ما تقوله مثلما يعتمد على طريقة إلقائه.
جلست مرة إلى جانب امرأة شابة في حفل موسيقي، كانت تقرأ النوتات الموسيقية لمعزوفة "مازوكا" لشوبان، التي كان باديروسكي يعزفها لم تستطع أن تفهمها فقد كانت أنامله تلامس النوتات نفسها التي لامستها أناملها حين عزفت تلك المقطوعة، ومع ذلك، كان أداؤها عاماً، بينما كان أداؤه يتميز بالإيحاء والسحر والجمال مما أدهش المستمعين، لم يقتصر أداؤه على النوتات المجردة التي يلامسها، بل الطريقة التي يعزف بها، إن مشاعره وفنه وشخصيته التي وصفها ملامسته هي التي كونت الفرق بين الإنسان العادي والعبقري.
وصحح برولف، الرسام الروسي العظيم، مرة رسماً لتلميذه، فتطلع التلميذ بدهشة إلى الرسم وقال: لم تلامس إلا جزءاً صغيراً، ومع ذلك، أصبح الرسم شيئاً آخر. أجاب برولوف: يبدأ الفن حيث يبدأ الجزء الصغير. وهذا حقيقي في فن الخطابة مثلما هو حقيقي في الرسم وفي عزف باديروسكي. والأمر ذاته صحيح عندما يلامس المرء الكلمات، هناك حكمة قديمة في البرلمان الإنكليزي تقول إن كل شيء يعتمد على الأسلوب الذي يتحدث به الإنسان وليس على الموضوع بحد ذاته.
إن الإلقاء الجيد يجعل المادة الهزيلة تمضي طويلاً، فقد لاحظت في المباريات الجامعية أن الخطيب الذي يتميز بأفضل مادة لا يفوز دائماً، بل الخطيب الذي يستطيع أن يتكلم بشكل جيد للغاية، فتظهر مادته هي الأفضل.
قال اللورد مورلي مرة بمرح: هناك ثلاثة أشياء مهمة في الخطاب، من يلقيه؟ وكيف يلقيه؟ وما الذي يقوله؟ والشيء الأقل أهمية من بين هذه الصفات الثلاثة هي الأخيرة فهل هذه مغالاة؟.
أجل لكن أمسح ظاهرها وستجد الحقيقة تشع من داخلها.
كتب أدموند بورك خطباً ممتازة من ناحية المنطق والحكمة والإنشاء حتى أنها تدرس كنماذج خطابية كلاسيكية في نصف جامعات أمريكا، ومع ذلك كان بورك خطيباً فاشلا إذ لم تكن لديه القدرة على ايصال كنوزة الثمينة واظهارها بطريقة لائقة فأطلق عليه اسم ناقوس عشاء مجلس العموم فعندما ينهض لالقاء خطاب تبدأ سائر الأعضاء بالسعال والتملص والخروج جماعات جماعات.
لذا، انتبه جيداً لطريقة إلقائك.
* ماهو الإلقاء
ماذا يفعل صاحب مخزن الثياب عندما يسلمك السلعة التي اشتريتها ؟
هل يلقي السائق بالرزمة في الحديقة ويتركها هناك؟ وهل الحصول على الشيء من يدي إنسان هو كاستلامه فساعي البريد الذي يحمل رسالة، يسلم الرسالة أو البرقية إلى الشخص المرسلة إليه، ولكن هل يفعل ذلك جميع الخطباء ؟
دعني أقدم مثلاً ينطبق على الطريقة التي يتحدى بها آلاف الناس، حدث مرة أن توقفت في موران المنتجع الصيفي في جبال الألب السويسرية.
كنت اقطن في فندق تتولى إدارته شركة لندنية حيث ترسل عادة خطباء من انكلترا في كل أسبوع للتحدث إلى الضيوف واحدة من هؤلاء كانت كاتبة انكليزية معروفة وكان موضوعها مستقبل الرواية وقد اعترفت أنها لم تختر الموضوع بنفسها وأن ليس لديها ما تقوله بشأنه إلا أنها تهتم بما تقوله لتجعله يستحق التحدث عنه كانت تضع بعض الملاحظات بسرعة وتقف أمام الجمهور، كانت تتجاهل مستمعيها حتى أنها لم تكن تنظر إليهم وفي بعض الأحيان، تحدق فوق رؤوسهم أو في ملاحظاتها وأحياناً تحدق في الأرض كانت تلقي الكلمات بلفظ بدائي وعيناها تنظران إلى البعيد.
إن هذا النوع من الأداء ليس توصيلاً لخطاب أبداً بل إنه استيطان ليس فيه أي صفة من صفات التواصل وتلك هي أولى ميزات الخطاب الجيد ، التواصل يجب أن يشعر المستمع أن هناك رسالة موجهة من ذهن وقلب الخطيب إلى ذهنه وقلبه فالخطاب الذي وضعته الكاتبة يمكن أن يلقى في متاهات صحراء غوبي الرملية وفي الحقيقة بدا وكأنه القي في بقعة مشابهة لها وليس إلى مجموعة من البشر. إن إلقاء الخطاب هذا هو عملية سهلة جداً ومعقدة جداً في الوقت نفسه كما أنه غالباً ما يفهم خطأ ويستخدم بطريقة خاطئة.
* سر الإلقاء الجيد
كتبت كمية كبرى من الثرثرة والكلام الفارغ حول الإلقاء وصيغ ذلك في قواعد وطقوس جعلت من الإلقاء أمراً غامضاً وغالباً ما وصف فن الخطابة على الطراز القديم بشكل سخيف ومقيت فرجل الأعمال يتوجه إلى المكتبة فيجد مجلدات تافهة عن فن الخطابة ورغم التقدم في النواحي الأخرى ما يزال الطلاب ملزمين بدراسة خطب وبستر وانغرسول – وهي شيء قديم العهد منفصل تماماً عن روح هذا العصر كالقبعات التي كانت تعتمرها السيدة انغرسول والسيدة وبستر.
لقد انبثقت مدرسة جديدة لتدريس فن الخطابة منذ الحرب الأهلية الأمريكية تمشياً مع روح العصر لكن المنجزات الكلامية التي كانت رائجة في وقت من الأوقات لم يعد يحتملها المستمع اليوم. إن الجمهور الحديث سواء كان في اجتماع عمل أو تحت خيمة يريد من الخطيب أن يتحدث بشكل مباشر مثلما يفعل خلال جلسة سمر وفي الأسلوب العام كالذي يستخدمه أثناء محادثة منهم. لدى انتهاء مارك توين من محاضرة ألقاها في مركز التعدين اقترب منه منقب عجوز وسألة نبرتك طبيعية في الإلقاء ولكن بشكل مضخم قليلاً. تحدث إلى أعضاء جمعية الصندوق الاجتماعي تماماً مثلما تتحدث إلى جون هنري سميث فما هي جمعية الصندوق الاجتماعي قبل أي شيء سوى مجموعة من أشخاص يشبهون هنري سميث ؟ ألا تنجح الوسائل ذاتها التي تستخدمها معهم منفردين مثلما تنجح وهم مجتمعون ؟
لقد وصفت لتوي إلقاء الكاتبة وفي القاعة نفسها التي تحدثت فيها، أتيحت لي فرصة الاستماع بعد ليال قليلة إلى السير أو ليفرلودج وكان موضوعه الذرات والعالم وقد كرس له أكثر من نصف قرن من التفكير والدراسة والتجربة والتحقيق وكان لديه شيء نابع من قلبه وذهنه وحياته، شيء يريد أن يقوله بإخلاص وقد نسي – أحمد الله أن نسي – أنه يحاول إلقاء خطاب إذ إن ذلك أقل ما يقلقه كان مهتماً فقط في إخبار المستمعين عن الذرات وإخبارنا ذلك بدقة واخلاص كان يحاول بصدق أن يستملينا لنرى ما يراه هو ولنشعر بما هو يشعر. فما كانت النتيجة ؟ ألقى خطاباً رائعاً فكان جذاباً وقوياً وترك اثراً عميقاً لقد كان خطيباً ذا مقدرة غير عادية ومع ذلك أنا متأكد أنه لم يعتر نفسه كذلك في تلك الليلة وأنا متأكد أن قلة من الناس الذين سمعوه يفكرون كخطيب.
إذا كنت تخطب أمام الناس فانك لن تستحوذ على استحسانهم إلا عندما تخطب بأسلوب طبيعي لدرجة ان مستمعيك لن يحلموا أبداً بأنك تلقيت تدريباً على فن الخطابة فالنافذة الجيدة لا تجذب الاهتمام إليها. إنها فقط تبعث النور والخطيب الجيد يشبهها فهو طبيعي جداً حتى أن مستمعيه لا يلاحظون ابداً أسلوبه في الإلقاء بل هم ينصتون فقط إلى مادته.
* نصيحة هنري فورد
جميع منتجات فورد متشابهة تماماَ هذا ما اعتاد صانعها أن يقوله لكن ما من رجلين متشابهين تماماً فكل حياة جديدة هي شيء جديد تحت الشمس ليس هناك ما يماثلها من قبل ولن يولد مثلها أيضاً ثانية. على الشاب أن يدرك هذه الفكرة عن ذاته ويجب أن يتطلع إلى المدى الذي تستحقه ربما تحاول المدارس والمجتمع تنميتها له لكنها تضعنا جميعاً في قالب واحد لكنني أقول لا تدع هذه الفرصة تضيع فهي سبيلك الحقيقي الوحيد إلى الاهمية. هذا ضعف صحيح بالنسبة لفن الخطابة فليس هناك أي إنسان مثلك في العالم مئات الملايين من الناس تمتلك العيون والآذان لكن ما من أحد يشبهك تماماً وما من أحد لديه ميزاتك وطرقك وتفكيرك فالقليل منهم يتكلمون ويعبرون عن أنفسهم مثلك عندما تتكلم بأسلوب طبيعي وبمعنى آخر، لديك شخصيتك الفردية وكخطيب تمتلك اثمن هبة فتعلق بها وطورها فهي الفرصة التي ستضع القوة والاخلاص في خطابك وهي السبيل الحقيقي الوحيد إلى أهميتك.
تحدث السير اوليفر لودج بشكل مختلف عن الآخرين لأنه كان نفسه مختلفاً فأسلوب الإنسان في الكلام هو بالاساس جزء من شخصيته تماماً مثلما الحال بالنسبة للحيته ورأسه الأصلع فلو حاول أن يقلد لويد جورج لكان مخطئاً وانتهى بالفشل.
إن اشهر المناظرات التي جرت في أمريكا حدثت عام 1858 في مدن البراري في اييليغوا ين السناتور أدوغلاس وابراهام لنكولن كان لنكولن طويل القامة دميماً وكان دوغلاس قصيراً رشيقاً لم يكن الرجلان متشابهين في شخصيتهما وتفكيرهما واخلاقهما مثلما كانا في مظهرهما. كان دوغلاس رجل العالم المثقف.. بينما كان لنكولن ناشر قضبان الاسيجة الخشبية الذي يتجه نحو الباب مرتدياً جورباً قصيراً في قدميه لاستقبال زائريه.
كانت حركات دوغلاس رشيقة. بينما كانت حركات لنكولن ثقيلة. كان يعوز دوغلاس روح المرح. لكن لنكولن كان أعظم الروائيين., نادراً ما استخدم دوغلاس الابتسامة. بينما ناقش لنكولن كان أعظم من خلال المقارنة ومن خلال تقديم الأمثلة. كان دوغلاس متكبراً مغروراً. إلا أن لنكولن كان متواضعاً سموحاً فكر دوغلاس من خلال ومضات سريعة، لكن عمليات التفكير لدى لنكولن كانت أبطأ بكثير تحدث دوغلاس بسرعة واندفاع الزوبعة. إلا أن لنكولن كان أهدأ وأكثر تلقائية. إن كلا الرجلين رغم اختلافهما كانا خطيبين قديرين لأن لديهما الشجاعة والقدرة على أن يكونا أنفسهما ولو حاول تقليد الآخر لفشل فشلاً ذريعاً لكن كلا منهما من خلال استخدام مواهبه الذاتية جعل من نفسه فريداً وقوياً إلا أن لنكولن كان أهدأ وأعمق وأكثر تلقائية. هذا اتجاه سهل منحه ولكن هل من السهل اتباعه ؟ كلا بالتأكيد ومثلما قال المارشال فوش عن فن القتال : إنه سهل في المبدأ لكنه للأسف معقد في التنفيذ.
إن ذلك يحتاج إلى التدريب ليأتي الخطاب طبيعياً أمام الجمهور ، الممثلون يعرفون ذلك عندما كنت صبياً صغيراً تبلغ من العمر، أربع سنوات، ربما كنت تستطيع إذا ما حاولت أن تعتلي خشبة المسرح وتتكلم بشكل طبيعي أمام الجمهور، لكن حين تبلغ الرابعة والعشرين أو الرابعة والأربعين ما الذي يحدث إذا ما اعتليت خشبة المسرح وبدأت في الكلام ؟ هل تستعيد طبيعتك اللاواعية التي كنت تمتلكها في سن الرابعة ؟ ربما تفعل ذلك لكن هناك امكانية بأن تتصلب وتتكلف وتصبح آلياً وتنسحب داخل صدفتك كالسحلفاة.
إن مشكلة تعليم أو تدريب الناس على الإلقاء ليست من المميزات الصعبة الإضافية بل إنها مسألة إزالة العوائق وتحريرهم واستدراجهم للتحدث بشكل طبيعي مثلما يفعلون إذا ما صارعهم أحد. أوقفت الخطباء مئات المرات في منتصف خطابهم ورجوتهم أن يتكلموا كبشر. ومئات الليالي عدت إلى المنزل وقد أصبت بإرهاق ذهني وعصبي من جراء محاولتي توجيه وإجبار الناس على التحدث بشكل طبيعي. صدقني إن الأمر ليس سهلاً كما يبدو لك والطريقة الوحيدة لاكتساب هذه الطبيعة هي التدريب وفيما أنت تتدرب إذا وجدت نفسك تتحدث بأسلوب متكلف توقف وقل بحدة لنفسك. ( ما الأمر ؟ انتبه ! كن إنسانياً ثم اختر واحداً من المشاهدين أحد الجالسين في الخلف) وتحدث إليه انس وجود سائر الموجودين تحدث إليه تخيل أنه سألك سؤالاً وأنت تجيب إذا وقف أو تحدث إليك فعليك أن تجيبه ستجعلك هذه العملية تتكلم بأسلوب أكثر محادثة وطبيعية ومباشرة لذلك تخيل أنك هذا الذي يتحدث يمكنك الذهاب إلى أبعد من ذلك لتسأل أسئلة وتجيب عنها فمثلاً في منتصف خطابك تستطيع أن تقول :
تتساءل عن البرهان الذي لدي عن هذا التأكيد ؟ لدي دليل قاطع إليك به ... بعد ذلك ابدأ بالإجابة عن هذا السؤال الخيالي يمكن القيام بهذا الشيء بشكل طبيعي جداً فهو يقطع الرتابة من الإلقاء ويجعله أكثر مباشرة ومرحاً.
إن الإخلاص والحماس والصدق يساعدك أيضاً فعندما يكون الإنسان تحت تأثير مشاعره تبرز ذاته الحقيقة وتزال من أمامها العقبات إذ إن حرارة عواطفه تحرق كل الحواجز فيتصرف تلقائياً ويتحدث بتلقائية فيكون طبيعياً. وهكذا في النهاية يرجع موضوع الإلقاء إلى الشيء الذي شددنا عليه في البداية ضع قلبك في خطابك.
* ملاحظات هامة
سنناقش هنا بعض مظاهر الخطب الطبيعية لكي نجعلها أكثر وضوحاً لقد ترددت في القيام بذلك لأن من المؤكد أن يقول أحد: فهمت يمكنني أن أدفع نفسي للقيام بتلك الأشياء فأصبح على أتم ما يرام كلا لن تكون كذلك إدفع نفسك للقيام بها فتصبح متخشباً وآلياً.
لقد استخدمت معظم هذه المبادىء بالأمس خلال محادثتك استخدمها، من دون جهد عقلي مثلما التهمت عشاءك ليلة البارحة فتلك هي الطريقة لاستخدامها وهي الطريقة الوحيدة، وهي ستأتي فيما يخص فن الخطابة ومثلما قلنا سابقاً من خلال التدريب.
أولاً : شدد على الكلمات المهمة.
اخفض الكلمات غير المهمة خلال المحادثة نشدد على جزء من الكلمة ونذكر بسرعة الأجزاء الأخرى مثلما تمر سيارة الأجرة أمام مجموعة من المتشردين ونفعل كذلك في الجملة نشدد على الكلمات المهمة وهذه ليست عملية غريبة أو غير اعتيادية تستطيع أن تسمع ذلك يقال أمامك طيلة الوقت وأنت نفسك فعلت مئة مرة أو ربما ألف مرة نهار أمس وستفعله مئة مرة غداً من دون شك.
ثانياً : غير طبقات صوتك
تتدفق طبقات صوتنا خلال المحادثة نحو الأعلى والاسفل وبالعكس فلا تستقر بل تبقى متموجة كسطح البحر لماذا ؟ لا أحد يعلم ذلك ولا أحد يهتم بذلك لكن النتيجة تبعث على الارتياح ذلك هو شأن الطبيعة. فليس علينا إلا أن نتعلم ذلك بل جاء إلينا حين كنا أطفالاً من دون أن نبحث عنه أو نعيه لكن دعنا نقف ونواجه الناس فهناك مجال لأن تصدر أصواتنا جافة مملة ورتيبة كصحراء نيفادا القلوية عندما تجد نفسك تتحدث بطبقة رتيبة – عادة تكون مرتفعة – توقف قليلاً وقل في نفسك – أنا أتكلم كالهندي الاحمق كن إنسانً كن طبيعياً. هل يساعدك هذا النوع من تعليم ذاتك ؟ ربما قليلاً إن التوقف ذاته سيساعدك وعليك أن تحقق خلاصك بالتدريب. يمكنك أن تؤلف أية جملة أو كلمة تختارها قف كشجرة الغار الخضراء في الردهة الأمامية وتكلم فجأة بطبقة صوتية منخفضة أو مرتفعة لقد فعل ذلك كل خطيب مشهور.
ثالثاً : غير معدل سرعة صوتك
عندما يتكلم الطفل الصغير أو عندما نتحدث خلال محادثة عادية، نغير عادة معدل سرعة كلامنا إن ذلك يبعث على السرور وهو طبيعي ويحدث من دون وعي وهو في الحقيقة من أفضل الوسائل لإيضاح الفكرة. يخبرنا والترب ستيفنز في كتابه تقارير لنكولن الصادر عن جمعية ميسوري التاريخية إن هذه كانت أفضل الوسائل بالنسبة للنكولن من أجل أيصال فكرته. كان يقول عدة كلمات بسرعة عظيمة وعندما يصل إلى الكلمة أو الجملة التي يرغب في التشديد عليها يرفع صوته ببطء ثم يندفع إلى آخر جملته كالبرق فكان يكرس وقتاً لكلمة أو لكلمتين يرغب في التأكيد عليهما أكثر ما يكرسه لست كلمات تكون أقل أهمية منها.
رابعاً : توقف قبل وبعد الأفكار المهمة
غالباً ما كان لنكولن يتوقف أثناء خطابه فعندما يمر بفكره عظيمة يرغب في ترسيخها بأذهان مستمعيه ينحني إلى الأمام ويحدق بعيونهم مباشرة للحظة من دون أن يقول شيئاً هذا الصمت المفاجئ له نتيجة الضجة مثلاً عندما كانت نقاشاته المشهورة مع دوغلاس تشرف على الانتهاء، وعندما تشير الدالائل إلى هزيمته، ينتابه الأسى والحزن الاعتيادي القديم يعود إليه في بعض الأوقات فتأتي كلماته مصبوغة بالرقة ففي نهاية خطبة يتوقف فجأة ويقف صامتاً للحظة ثم ينظر إلى الوجوه التي نصفها عدائي ونصفها حميم بعينيه القلقتين العميقتين اللتين كانتا تبدوان مليئتين بالدموع التي لم تنهمر ثم يفرد ذراعيه وكأنهما متعبتين من جراء قتال مميت ويقول بنبرته الغريبة أيها الأصدقاء هناك فرق بسيط بين انتخابي وانتخاب القاضي دوغلاس إلى مجلس الشيوخ الأمريكي لكن المسألة العظيمة التي قدمناها لكم اليوم هي بعيدة جداً عن المصالح الشخصية أو المصير السياسي لأي رجل ويا أصدقائي هنا يتوقف ثانية فيصغي الجمهور إلى كل كلمة يقولها ، هذه المسألة ستعيش وتتنفس وتحترق عندما يصمت في القبر لسان القاضي دوغلاس ولساني الضعيف المتلعثم هذه الكلمات البسيطة تقول إحدى مذكراته ولامست كل قلب في الصميم.
كان لنكولن يتوقف بعد كل جملة يريد توكيدها فكان يضيف إلى قوتها من خلال الصمت بينما يغوص المعنى ويؤدي رسالته. ودائماً ما كان السير أوليفر لودج يتوقف في خطابه قبل وبعد كل فكرة مهمة يتوقف ثلاث أو أربع مرات في الجملة الواحدة لكنه كان يفعل ذلك بشكل طبيعي ومن دون تكلف. قال كيبلينغ من خلال صمتك تتكلم فالصمت ليس ذهبياً أكثر مما يستخدم عندما تتكلم وهو أداة قوية ومهمة لا ينبغي إغفالها ومع ذلك فهي مهملة دائماً من قبل الخطيب المبتدىء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.