حرب قبرص كادت بدايتها ونهايتها تتطابقان. ويمكن القول، بمعنى ما، إنّها كانت تمريناً أوّليّاً على إقفال الحروب الأهليّة القديمة في أوروبا. وفعلاً، وفي نهاية المطاف، تغلّبت بلدانها المتنازعة، في إرلندا وإسبانيا، على نزاعاتها الأهليّة. حرب لبنان كانت تمريناً أوّليّاً على حروب ما لبثت أن اندلعت في المنطقة العربيّة. فعلى خلفيّة زوال الحرب الباردة، ثمّ تصدّع الأنظمة الاستبداديّة القامعة لمجتمعاتها، راح يتبدّى أنّ اللبننة سمة جامعة. ما كان يقوله اللبنانيّون عن أحوالهم الطائفيّة بثرثرة أتاحتها لهم الحرّيّة، هو ما كان يكبته سائر العرب الممنوعين من الحرّيّة والمكتفين بثرثرة أخرى عن الوحدة والأخوّة. قبلاً، كان من السهل اتّهام اللبنانيّ الذي يتحدّث عن الطوائف بأنّه يعمّم حالة لبنان ويطبّقها على بلدان خالية من هذه «الأمراض». هذا الاتّهام تبيّن أنّه هراء محض، وأنّ في مستقبل كلّ واحد من البلدان العربيّة لبنان صغيراً. أبعد من هذا، وأسوأ، تبيّن أنّ العلاجات الكبرى لا تعالج تماماً. فالعراق عرف حرباً تبقى مجيدة وعظمى على رغم كلّ شيء، لإطاحتها استبداداً مقيماً منذ 1968 لم يتمكّن العراقيّون من زحزحته. لكنْ تبيّن أنّ الطائفيّة ووعدها بالحرب الأهليّة يقيمان عميقاً في العراق والعراقيّين. وسوريّة عرفت ثورة شعبيّة مجيدة وعظمى، وكسر السوريّون أرقاماً قياسيّة في الشجاعة والتضحية وهم يقاومون استبداداً مقيماً منذ 1963. لكنْ تبيّن، هنا أيضاً، أنّ الطائفيّة ووعدها بالحرب الأهليّة يقيمان عميقاً في سوريّة والسوريّين. حتّى القضيّة التي وُصفت طويلاً بأنّها «قضيّة العرب الأولى»، لم تردع الفلسطينيّين عن حرب أهليّة حلّت فيها المناطق والجهات، بعدما سعّرتها المصالح والإيديولوجيّات، محلّ الطوائف. أمّا «تقليد الدولة المركزيّة» في مصر فتصدّعه، أفقيّاً وعموديّاً، «الفتنة» الطائفيّة المتمادية بين المسلمين والأقباط. وهذا ما لا يمتّ بصلة إلى «لبننة العالم»، بالمعنى الخرافيّ والورديّ الذي كان يبشّر به الشاعر اللبنانيّ سعيد عقل. إلاّ أنّه إعلان مؤلم عن أنّ اللبنانيّة صنو الواقعيّة السوداء التي تنشر أعلامها بين «المحيط والخليج»، تماماً بقدر ما هي نذير الحروب التي لا تنتهي وتأسيس لها. لقراءة المقال كاملا اضغط هنا