لم يكن يوم الخامس من يناير عام 1899 يومًا تقليديًا في حياة مصر بشكل عام والاقتصاد المصري بشكل خاص، ففيه كان مولد أول جنيه وطني مصري صادر عن "البنك الأهلي" الذي أنشأ عام 1898 ليكون بنك الحكومة وله امتياز إصدار أوراق النقد المصرى. ولد الجنيه الورقي المصري عملاقًا فتيًا منافسًا لأشهر وأقوى العملات حول العالم، وبعد رحلة عمر طويلة أمتدت ل114 عامًا يواجه الجنيه المصري اليوم صعوبات وعقبات ويقف مترنحًا يحاول أن يستعيد بريقه وقوته. بداية الرحلة في 25 يونيو عام 1898 أصدر الخديوي عباس حلمي الثاني "دكريتو" (مرسوم) بمنح "رفائيل سوارس" حق امتياز إنشاء البنك الأهلى المصرى، ومنحه الحق في إصدار أوراق مالية لمدة خمسين سنة عامًا يتم قبولها لدفع الأموال الأميرية، مع أحقية صرف هذه الأوراق بالذهب عند الطلب. وقد قضى نظام البنك أن يحتفظ ب 50% من الرصيد الذهبى المقابل لقيمة النقود التى يصدرها بمركز البنك بالقاهرة وأن يتم حفظ النصف الآخر فى فرع البنك بلندن، وكان السير الإنجليزى (ألوين بالمر) هو أول محافظ للبنك الأهلى المصرى فى عام 1898. وفي 5 يناير 1899 كان ميلاد الجنيه المصري الأول، وتم تثبيت سعر صرف الجنيه مقابل الذهب بحيث كانت قيمة الجنيه الواحد تساوي 7.4375 جرامًا من الذهب، وظل هذا الربط حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، حيث صدر الأمر العالي من حاكم مصر بوقف صرف هذه النقود بالذهب وبإعتمادها النقد الرسمي القانوني لمصر في الثاني من أغسطس 1914م، وربطها بالجنيه الإسترليني. من القمة إلى القاع ومنذ يومه الأول كانت قيمة الجنيه المصري تفوق قيمة الجنيه الاسترليني عملة الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس وحتى عام 1949 كان الجنيه الاسترليني يساوي 0.975 جنيهًا مصريًا. أما الدولار الأمريكي عملة العالم الأولى الآن فقد كان صبيًا يحبو بجانب الجنيه المصري لعشرات السنين، فمنذ العام 1899 وحتى 1939 كان الجنيه المصري يساوى خمسة دولارات، ثم تراجع الجنيه قليلا ليساوي أربعة دولارات حتى العام 1949. وظل الجنيه المصري يفوق الدولار الأمريكي لفترات طويلة وكان سعر الدولار يساوي 30 قرشَا مصريًا منذ عام 1950 إلى 1967، و40 قرشَا من 1968 إلى 1978، ثم 60 قرشَا بين عامي 1979 و1988، وارتفع إلى 83 قرشَا عام 1989، ليشهد العام 1990 أول تفوق للدولار على الجنيه حيث وصل سعر الدولار إلى جنيه ونصف الجنيه المصري، وواصل الجنيه انخفاضه حتى صار الدولار يساوي أكثر من 3 جنيهات منذ عام 1991 وحتى عام 2001. وفي عام 2003 قامت الحكومة المصرية برئاسة عاطف عبيد بتعويم كامل للجنيه المصري ليتهاوى الجنيه المصري ويصل سعر الدولار إلى 6.28 جنيهًا في عام 2004، ومنذ العام 2005 ظل سعر الدولار أكثر من 5 جنيهات، حتى الأيام السابقة التي وصل فيها سعر صرف الدولار إلى ما يزيد عن 6 جنيهات. جِمال.. معابد.. ملوك.. مساجد على مدار تاريخه حمل الجنيه المصري العديد من التصميمات المختلفة التي كانت تصور جانبًا من الحياة المصرية اليومية أو تراثها القديم، فكان الأصدار الأول والأشهر "جنيه الجملين" يحمل صورة لجملين أحدهما قائم والآخر جالس، ولازال هذا الجنيه حتى اليوم هو أسطورة العملات المصرية الورقية الأشهر رغم أنه ليس الأندر الذي يبحث عنه هواة جمع العملات في كل مكان. وحمل الإصدار الثاني للجنيه المصري الذي صدر في 21 سبتمبر 1914 صورة لبوابة معبد الكرنك، والنخيل المجاور له، وهو مشهور باسم "جنيه المعبد"، فيما كان الإصدار الثالث في 1 يونيو 1924 يحمل صورة لجمل واحد في المنتصف، وصور فرعونية على الجانبين. أما الإصدار الرابع والمشهور باسم جنيه "الفلاح" أو جنيه "أدريس" فقد صدر في 1 يوليو 1926 حاملا صورة فلاح مصري نوبي عجوز، وعلى الظهر ولأول مرة تم وضع صورة مسجد المنصور بمنطقة بين القصرين، بدلا من الزخارف التي كانت مميزة للإصدارات السابقة كما كان أول جنيه يحمل علامة مائية. ولهذا الجنيه قصة شهيرة تقول إن هذا الفلاح الذي كان يعمل في حدائق السلطان فؤاد الأول قد رأى في منامه أن فؤاد الأول سيكون ملكًا لمصر فلما أخبره بذلك وعده بمكافأة حال تحقق رؤيته، ولما صار فؤاد ملكًا لمصر أوفى بوعده ووضع صورة الرجل على الجنيه. وفي 23 أبريل 1930 صدر الجنيه الشهير ب"جنيه السند" أو "الجنيه الإنجليزي"، ويحمل على الوجه صورة "توت عنخ آمون"، وعلى الظهر استمرت صورة مسجد المنصور بمنطقة بين القصرين. واستمر "جنيه السند" حتى 1 يوليو 1950، حين صدر جنيه "فاروق" الذي كان الجنيه الوحيد الذي حمل صورة حاكم مصر في فترة حكمه، حيث حمل الوجه صورة الملك فاروق وعلى الظهر صورة معبد ايزيس فى جزيرة فيله، وبعد أقل من عامين وكأن الملك فاروق كان يشعر باقتراب انتهاء حكمه، تم إزالة صورته ووضع بدلا منها صورة الملك "توت عنخ آمون"، وظل تصميم الظهر ثابتًا، وكان هذا الجنيه آخر ما صدر عن البنك الأهلي المصري. وفي عام 1961 تم توحيد البنك المركزي المصري والبنك الأهلي المصري في البنك المركزي المصري وأصبح البنك المسئول عن إصدار النقد الورقي، وفي 29 أبريل 1963 صدر الجنيه الأول عن البنك المركزي، وحمل صورة توت عنخ آمون ولكن بتصميم جديد، وأشكال هندسية ونباتية على الظهر. ومنذ العام 1968 بدأ تصميم الجنيه المصري يحمل على أحد وجهيه مسجدًا، والوجه الآخر معبدًا فرعونيًا، فحمل الجنيه الصادر في 28 ديسمبر 1968 صورة مسجد قايتباى فى الصحراء المصرية ، والظهر جزء من معبد أبو سمبل، ومنذ 15 مايو 1975 وحتى اليوم ظل تصميم الجنيه ثابتًا يحمل صورة مسجد قايتباي على الوجه وجزء من معبد أبو سمبل على الظهر. الجنية المصرى عملة العرب لم يكن الجنيه المصري فقط من أول أوراق النقد العربي إصدارًا وأنما تم تداوله فى بلدان عربية أخرى مثل السودان وليبيا والحجاز والشام، وذكرت بعض الدراسات أن الحكومة المصرية كانت دائنة لبريطانيا بتكاليف الحرب العالمية الأولى فأصدرت قوات الحلفاء قرارا باعتماد الأوراق النقدية المصرية نقدا رسميا في سوريا ولبنان في الفترة ما بين 1918 و1920. ومن يومها صارت النقود في الشام تعرف باسم "المصاري" نسبة للنقد المصري".