أبناء سيناء: الإرهاب أوقف الحياة وشهدائنا مع الشرطة والجيش طهروها بدمائهم    4 أيام متواصلة.. موعد إجازة شم النسيم وعيد العمال للقطاعين العام والخاص والبنوك    بعد ارتفاعها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وغرامات التأخير    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 3 مايو 2024 في البنوك بعد تثبيت سعر الفائدة الأمريكي    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    إسرائيل تؤكد مقتل أحد الرهائن المحتجزين في غزة    فلسطين.. وصول إصابات إلى مستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال منزل بحي تل السلطان    إبراهيم سعيد يهاجم عبد الله السعيد: نسي الكورة ووجوده زي عدمه في الزمالك    أحمد شوبير منفعلا: «اللي بيحصل مع الأهلي شيء عجيب ومريب»    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    فريق علمي يعيد إحياء وجه ورأس امرأة ماتت منذ 75 ألف سنة (صور)    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    جمال علام يكشف حقيقة الخلافات مع علاء نبيل    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    فوز مثير لفيورنتينا على كلوب بروج في نصف نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أستاذ بجامعة الأزهر يطالب بتحديد علاقة الإعلام بالسلطة
واصفا المشهد التليفزيوني بأنه مثير للارتباك
نشر في التغيير يوم 29 - 12 - 2012

قدم الدكتور أحمد سمير الأستاذ بكلية الإعلام جامعة الأزهر، دراسة تناولت أهم المتغيرات الفاعلة في المشهد التليفزيوني المصري المثير للارتباك، محدداً أهم العناصر الواجب توافرها في تطوير الخدمات التليفزيونية المصرية والتي جاء على رأسها تبني نظام إعلامي ديمقراطي حر ، تتحدد علاقته بالسلطة على نحو واضح، ويقوم بدوره الاجتماعي على نحو رشيد، وذلك في ظل تشجيع للاستثمارات الإعلامية الخاصة في قطاع التليفزيون، وتقليص امتيازات الإعلام الحكومي، ووضع إطار عام للتطوير، إضافة إلى تصور مقترح لآليات عمل المجلس الوطني للإعلام، والذي من الضروري أن يتبنى ويرعى أصول الممارسة المهنية ويحمي صناعة الإعلام التلفزيوني.
جاء ذلك في إطار المحاضرة التي ألقاها سمير ضمن فعاليات "المؤتمر الأول لمستقبل الإعلام في مصر" اليوم السبت، وتنشر "التغيير" النص الكامل للمحاضرة:
في ظل غياب واضح لنظام إعلامي قائم ومستقر في جمهورية مصر العربية طيلة العقدين الماضيين، والذي يتراوح بين النظام الاستقطابي ، والانتقالي، والمتنوع، والتعددي الحر ، وفي ظل غياب منظومة لضبط الأداء المهني للإعلام المرئي والمسموع، وفي إطار الانتقاص المستمر من دور التليفزيون المصري كمرفق خدمي عام يقوم على رعاية وتطبيق المسئولية الاجتماعية كضابط ذاتي يمكن معه تحقيق الدور المنوط بالإعلام في المجتمع؛ فإن الإشكاليات التي تفرزها التفاعلات البينية بين جميع هذه المؤثرات تؤكد على حتمية السعي نحو ضبط الأداء بدءاً من تحديد الدور المنوط بالإعلام التليفزيوني القيام به، مروراً بالاتفاق على نظام إعلامي واضح ومستقر المعالم يمكن على أساسه وضع معايير منضبطة للأداء المهني في ظل إطار عام من المسئولية الاجتماعية، وانتهاء بوضع القواعد والقوانين المنظمة لعمل التليفزيون المصري الحكومي والخاص في منظومة منضبطة تراعي الحرية الواجبة الرعاية، والمسئولية الواجبة التطبيق.
ويمكن تحديد أهم ملامح إشكاليات المناخ التليفزيوني العام في مصر في عدة نقاط أهمها:
1.غياب دور التليفزيون الحكومي كمرفق خدمي عام واستخدامه من قبل السلطة كوسيلة دعائية.
2.ضعف التليفزيون الحكومي المتنامي والذي تحكمه عوامل ضعف داخلية تتمثل في الديون والترهل وغياب القدرة على المنافسة ، وعوامل خارجية تتعلق بالخضوع للحكومة والأحزاب الحاكمة، مما يضعف من مصداقيته لدى الجمهور.
3.تصاعد التليفزيون التجاري لتصدر المشهد التليفزيوني المصري وخضوعه لعوامل تغيب عنها المهنية وتركز على فرص كسب العوائد الإعلانية الضخمة عبر جذب المشاهدين دون اعتبار لصدقية المحتوى وكفاءته.
4.خضوع التليفزيون الخاص لحالة من الاستقطاب السياسي التي تؤثر بدورها على الموضوعية والمهنية الواجبة.
5.غياب التنظيم النقابي والمهني، وعدم ضبط السوق الإعلامي من حيث الإنتاج والاستهلاك للمواد الإعلامية التليفزيونية.
6.تلاشي القدرة على المحاسبة والجزاء لدى أي جهاز حكومي أو وطني أو حتى جماعات أو أفراد ضد ما يقدمه التليفزيون من مواد تتعلق بتشويه السمعة أو نشر الشائعات.
وعليه فإن إعادة الهيكلة تمثل ضرورة واجبة وأساسية لتصحيح المسار في ظل مناخ الحرية المتنامي بعد الثورة المصرية، وفي ظل وضع دستور جديد للبلاد. كما أن تطبيق الرؤى والطروحات العلمية المتأنية واجبة كذلك حتى لا يفرض على الإعلام التليفزيوني المصري قيود تقلص حظوظه في المنافسة وتدفع الاستثمارات التليفزيونية للهجرة خارج الأراضي المصرية الأمر الذي يثير الارتباك أكثر فأكثر.
إن مشروع المجلس الوطني للإعلام المزمع إنشاؤه بقانون عرضت فكرته في الدورة البرلمانية المنقضية لمجلس الشعب لم يحظ بالوقت المناسب للنقاش المجتمعي أو الأكاديمي أو البحثي، وعليه تأتي هذه الدراسة لتعمل على ما يلي:
1.تحديد أبعاد إشكالية المناخ الإعلامي التليفزيوني والعوامل المؤثرة في تناميها.
2.تحديد النظم الإعلامية السائدة في العالم خاصة في المراحل الانتقالية وبيان أنسبها للتطبيق في مصر.
3.تحديد الأبعاد المتعلقة بالممارسة المهنية التليفزيونية في مصر.
4.وضع إطار عام لتنظيم المرفق التليفزيوني المصري.
5.وضع تصور علمي واضح لأداء واختصاصات المجلس الوطني للإعلام مع الوضع في الاعتبار عوامل المنافسة والجدارة التجارية، ووضع قواعد شفافة للمحاسبة تضع في حسبانها معايير جودة المنتج الإعلامي وبناء أدوات حقيقية للقياس والمعايرة.
وفي هذا الإطار لا ينبغي أن يتم التغاضي عن حقيقة مؤكدة مؤداها أن الإعلام صناعة ذات طابع عالمي لا ترتبط بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية في مجتمع بذاته فحسب، ولكنها تتبادل التأثير والتأثر بمتغيرات دولية، ولها قواعد عالمية معروفة في إدارتها وصياغة أسلوب عملها.
كما لا يمكن على الإطلاق التغافل عن حقيقة أساسية في هذا الإطار أن الإعلام يكتسب خصوصيته من طبيعة الرسائل التي ينقلها، ومساحة عمله التي ترتبط على نحو مباشر بالثقافة والاتجاه والرأي العام، لكنه في الوقت ذاته لا يخرج عن كونه شكلاً من أشكال الأعمال التجارية ذات الطابع الخدمي.
وعلى هذا الأساس فإن المزج بين هاتين الرؤيتين دونما تغليب لإحداها على الأخرى هو السبيل الرئيس لتشخيص المشكلات والتخطيط السليم لوضع الحلول لها، بمعنى ضرورة أن يتم الوضع في الحسبان معايير الجدارة التجارية والفعالية السوقية للإعلام كشأن تجاري خدمي، بما يشمله من تكاليف وعوائد، وبما يخضع له من بيئة سوقية ومنافسة، وبما يعكسه من نظم ملكية أو احتكارات، وذلك مع التضمين المؤكد لتأثيره الفعال والمتبادل مع عوامل سياسية وثقافية واجتماعية ودينية تحكم مجال تأثيره الذي يكتسب على أساسها قيمته السوقية وجدارته التجارية.
حيث أن الإعلام يسعى إلى الوصول إلى درجة من الجدارة والفعالية التي تقاس عبر مصداقية الوسيلة لدى الجمهور ودرجة تأثيرها في اتجاهاتهم ومعارفهم وسلوكياتهم ومشاعرهم، والمؤسسة الإعلامية في هذا الإطار لا تقوم بهذا العمل في الفراغ بل إنها تسعى إلى تعزيز هذه المصداقية عبر تعزيز كفاءتها؛ الأمر الذي يعني توظيف إمكاناتها التأثيرية من أجل تحقيق أرباح تجارية وعوائد إعلانية تمكنها من الاستمرار والتطوير واستقطاب الكفاءات وجني الأرباح، وهو ما ينعكس على زيادة تأثيرها باطراد في تشكيل الوعي الجمعي الذي يؤثر في البيئة المجتمعية، وتكتمل الدائرة حين ندرك أن البيئة المجتمعية في حد ذاتها هي التي تحدد المسموح والممنوع، وهي التي تضع التشريعات والقوانين المنظمة للعمل الإعلامي، كما أنها تتداخل بمؤسساتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للنفاذ إلى المؤسسات الإعلامية سعياً وراء إحداث التأثير في الجماهير، هذا التأثير ضروري وأساسي للحفاظ على تماسك البنية الاجتماعية من جهة، وعلى الوضع القائم للمجتمع (أياً كان) من جهة أخرى.
وسواء كان سعي هذه المؤسسات المجتمعية نابعاً من أهداف وطنية خالصة كتحقيق التنمية المستدامة، وتدعيم التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، وتثبيت دعائم الثقافة المجتمعية الراسخة، أو كان نابعاً من سعيها وراء انجاز مكتسبات معينة لطوائف وأحزاب وجماعات بعينها بغرض بسط تأثيرها وسيطرتها على الوعي الجمعي، فإن هذا لا يغير في واقع العملية ذاتها بل يغير في أهدافها فحسب.
هدف الدراسة :
سعياً وراء ما تقدم تأتي هذه الدراسة لتسعى لرسم صورة هيكلية جديدة للخدمات الإعلامية التليفزيونية باعتبارها أهم وأكثر أشكال الإعلام تأثيراً وشيوعاً، وذلك في ظل تأسيس مجلس وطني للإعلام المسموع والمرئي لا تزال الجدالات تدور حول اختصاصاته وسلطاته وطبيعة تشكيله وعمله، وهو ما تقوم به هذه الدراسة وصولاً لرسم رؤية مقترحة يمكن الاسترشاد بها في ظل المتغيرات المتلاحقة والمتشابكة التي تشهدها الساحة السياسية والاقتصادية والإعلامية في مصر بعد الثورة.
تحديد أبعاد إشكالية المناخ الإعلامي التليفزيوني والعوامل المؤثرة في تناميها.
طرح الباحث في بداية الدراسة مجموعة من أهم الظواهر التي تشكل أبعاد إشكالية المناخ التليفزيوني المصري، ويمكن الوصول إلى تحديد أعمق عبر ذكر الإشكاليات المباشرة التي تشكل في عمومها الإشكالية العامة وذلك فيما يلي:
أولاً: إشكالية التقنين والتنظيم:
يقوم التشريع المصري المنظم للخدمات التليفزيونية على قانونين رئيسين وقانونين مكملين هم:
قانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون رقم (13) لسنة 1979 وتعديلاته بالقانون رقم 223 لسنة 1989 .. والذي يمنح الحق الاحتكاري للبث التليفزيوني داخل جمهورية مصر العربية للاتحاد( ).
قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم (8) لسنة 1997 والمتلو بقرار رئيس الوزراء رقم (411) لسنة 2000 بشأن إنشاء منطقة حرة عامة بمدينة الإنتاج الإعلامي بمدينة السادس من أكتوبر( ).
قانون الاتصالات المصري رقم (10) لسنة 2003 ( )
قانون حماية الملكية الفكرية رقم (82) لسنة 2002 ( )
طبيعة الإشكالية:
1.قصر النشاطات التليفزيونية داخل جمهورية مصر العربية على اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري دون غيره، بما يمثل احتكاراً حكومياً لكافة النشاطات التليفزيونية في مصر، ووأداً لمفهوم حرية الإعلام. الأمر الذي تم الالتفاف عليه باعتبار أن الإشارات الواردة من داخل جمهورية مصر العربية يحتكرها الاتحاد بينما الواردة من الفضاء الخارجي عبر الأقمار الصناعية لا تدخل ضمن الحيز الاحتكاري، وعليه يمكن إقامة منطقة حرة استثمارية تجمع القنوات الفضائية بغض النظر عن جنسيتها.
2.تسليع الخدمة التليفزيونية : وهو إخضاع الخدمات التليفزيونية الصادرة من المنطقة الحرة بمدينة الإنتاج الإعلامي إلى منطق الاستثمار السلعي المباشر، ومنحها تسهيلات ضريبية وجمركية وعقارية عالية للغاية، وعدم خضوعها للقوانين المصرية على نحو مباشر إلا فيما يخص ما يتم تصديره إلى مصر وهو ما لا يمكن ضبطه فعلياً، الأمر الذي يجعل أغلب قواعد الرقابة والضبط غير قابلة للتنفيذ، في حين يجعل المؤسسات التليفزيونية متمتعة بكافة التسهيلات، وصار المخرج القانوني الوحيد للرقابة والضبط هو الإخلال بقواعد التعاقد الاستثماري، والذي يمكن الطعن عليه أمام التحكيم الدولي.
3.منع قانون الاتصالات المصري أي جهة من الحصول على أي حيز ترددي للخدمات التليفزيونية أو امتلاك أجهزة للبث أو الاستقبال أو الهندسة الإذاعية عدا اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري في تكريس لعملية الاحتكار.
4.وضع قانون حماية الملكية الفكرية الحق لهيئات الإذاعة في الحصول على المعلومات وإذاعتها مع وضع ذلك تحت إشراف الوزير المختص وهو وزير الإعلام بما يمثل تأكيداً على سيطرة الحكومة على منح المعلومات .
وبناء على ما سبق يمكن القول أن حقيقة الأمر أن المشهد التليفزيوني المصري مثير للارباك على نحو جلي، فالخدمات التليفزيونية تخضع لاحتكار حكومي بامتياز، والقنوات الفضائية لا تخضع بأي حال لأي قانون مصري إلا ما يخص شروط تعاقدها مع وزارة الاستثمار، فهي خدمات مستوردة حتى وإن كانت تتم برأسمال مصري، وأطقم مصرية، وتغطية لأحداث مصرية ...الخ وبالتالي فإن الخدمة التليفزيونية تقع بين حالتين هما الاحتكار الحكومي في مقابل الانفلات التجاري غير المقيد.
ولا يمكن بالتالي الحديث عن تطوير الخدمة التليفزيونية في وقت تخرج فيه أغلب القنوات الفاعلة في هذا المجال عن حدود سيطرة القانون المصري الطبيعي، وفي ظل سعي حثيث من القوانين العاملة بالدولة لتكريس احتكار اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري ووزارة الإعلام للخدمات التليفزيونية والتراخيص وشارات البث واستيراد أجهزة الإنتاج والبث ومعدات الهندسة الإذاعية، الأمر الذي يستدعي ضرورة إعادة الهيكلة بمفهومها الشامل كضرورة علمية وإجرائية.
ثانياً: إشكالية الضبط المهني:
بما أن الإشكالية السابقة تعفي العاملين في المجال التليفزيوني الفضائي من الخضوع المباشر لسلطة الدولة المصرية وقوانينها الطبيعية فمن البديهي عدم وجود كيان نقابي أو مهني يقوم على إلزام هؤلاء العاملين بالخضوع لإشرافه أو رقابته المهنية، إلا أن المسألة الأكثر تاثيراً تتمثل في عدم وجود كيان نقابي للعاملين في حقل الإذاعة والتليفزيون يقوم على منح تراخيص مزاولة المهنة وذلك على اعتبار أنها مهنة قاصرة على العاملين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري والتي يعد العاملين فيها من البعد القانوني المحض عاملين مدنيين بالدولة يخضعون لأحكام الموظف العام، وتضمهم نقابة خدمية هي نقابة العاملين باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري التي لا تميز بين عضوية إعلامية تقوم على إنتاج المضمون التليفزيوني أو الإداريين العاملين بالاتحاد.
ومع غياب المرجعية المهنية المتمثلة في النقابات التي بيدها سلطات منح التراخيص للعمل وتعطيلها المؤقت ومنعها، والتي بيدها التحقيق مع أعضائها فيما يرد إليها من شكاوى تتعلق بممارسة المهنة تغيب القدرة على الضبط المهني والمساءلة النقابية، الأمر الذي يجعل المنفذ الوحيد لممارسة حق الشكوى أمام القضاء في حالات عامة ينص عليها قانون العقوبات وهي الحالات المتعلقة بتهم محددة أهمها السب والقذف العلنيين،أو تكدير الأمن والسلم العام، أو إهانة رئيس الجمهورية ....الخ من تهم لا تراعي طبيعة العمل الإعلامي ولا خصوصيته، وتفتح الباب أمام نقل عوامل ضبط الأداء المهني إلى ساحات المحاكم بديلاً عن مسارها الطبيعي.
ثالثاً: إشكالية الممارسة:
تبدو إشكاليات الممارسة عديدة ومتأصلة، وتم تناول بعضها قبلاً، ولكن العامل المؤثر الرئيس الواجب ذكره ههنا يتمثل في أمرين أحدهما قانوني يرتبط بالممارسة اليومية والآخر تنافسي يرتبط بهما معاً ألا وهو إتاحة المعلومات.
فعلى الرغم من ضمان القانون والدستور المصري لحرية التعبير عن الرأي فإن القانون لا يتيح الحق في الحصول على المعلومات من مصادرها الأصلية، الأمر الذي يمنع وسائل الإعلام عموماً والتليفزيون خصوصاً من الحصول على المعلومة وتدقيقها، ويضع حالة من انعدام الشفافية الواجبة في هذا الصدد، وهو ما يدفع بالمؤسسات الإعلامية التليفزيونية إلى الاجتهاد للسعي وراء المعلومات حتى مع كونها غير مدققة، بينما الأمر الثاني متعلق بفكرة الضغط الذي يمارسه الإعلام الجديد عبر الإنترنت والشبكات الاجتماعية والتي يقوم على أغلبه أفراد وذلك عبر نشرهم مئات وآلاف المعلومات غير المدققة يومياً التي تصل لحد الشائعات الأمر الذي يجبر وسائل الإعلام التليفزيونية على مجاراتها وإعادة نشر محتواها عبر التليفزيون.
مما سبق يتضح أن طبيعة الإشكاليات التي تحيط بالخدمات التليفزيونية المصرية ليست هينة على الإطلاق، وإصلاحها لا يمكن أن يتم على نحو سلس؛ بل يرتبط بإعادة هيكلة شاملة للعمل التليفزيوني على مستوياته القانونية والتشريعية والمهنية والهندسية والتجارية وغير ذلك.
هذه الأطر جميعها تندرج تحت ما يسمى بالنظام الإعلامي، الذي يحدد طبيعة الملكية وحدود المسموح والممنوع على مستويات التقنين والممارسة ومراقبة الأداء المهني، والواقع يشير إلى أن مصر لا تتبنى نظاماً إعلامياً واضحاً، فمصر كانت تنتمي إلى نظام إعلامي سلطوي تعبوي ثم تحولت إلى نظام إعلامي انتقالي لمدة 20 سنة تقريباً حيث يشير Rugh (2004) إلى أن مصر ذات نظام إعلامي مختلط وشبه حر على المستوى الصحافة المطبوعة، في حين أنها ذات نظام إعلامي إذاعي وتليفزيوني سلطوي ، ومع التغيرات التي تدفع بها القنوات المصرية الفضائية ظلت مصر لفترة طويلة في ظل تغيرات حادة تفرز أشكالاً متعددة من الممارسات الإعلامية الأمر الذي يجعلها تنتمي إلى نظام إعلامي انتقالي لمدة تفوق عقد كامل من السنوات حيث لا تزال المعضلة الإعلامية قيد النقاش والبحث والضغط المجتمعي والسياسي. ( )
وهو ما يقود بالضرورة إلى السعي نحو تبني نظام إعلامي واضح ومحدد المعالم، حتى يمكن تحديد الدور الإعلامي في المجتمع وحدود ضبطه.
تحديد النظم الإعلامية السائدة في العالم خاصة في المراحل الانتقالية وبيان أنسبها للتطبيق في مصر:
ارتكزت عشرات الدراسات على المفهوم التقليدي لتقسيم نظم الإعلام فيما عرف بنظريات الصحافة الأربعة: النظرية السلطوية، والنظرية الليبرالية ، والنظرية السوفيتية ، ونظرية المسئولية الاجتماعية والتي أوردها Siebert, Peterson and Schramm (1963) ( ) ومع استبعاد كل من النظريتين السلطوية والسوفيتية يمكن القول بوجود اختلاف نظري بين نظريتي الليبرالية والمسئولية الاجتماعية، حيث أن الإطار القانوني والتشريعي واحد في كليهما وهو قائم على حرية إنشاء وتملك وسائل الإعلام ضمن منظومة السوق الحرة مع اهتمام نظرية المسئولية الاجتماعية بفكرة المسئولية المهنية للمؤسسة الإعلامية تجاه المجتمع والتي يمكن أن تقوم على الضبط الذاتي للقائم بالاتصال أو المؤسسة الإعلامية دون وجود قواعد قانونية قاهرة لضبط العمل التليفزيوني.
ومع تكريس فكرة التعددية والديمقراطية كسبيل وحيد لمستقبل مصر ما بعد الثورة فإن السعي وراء ضبط النظام الإعلامي بحدود قانونية واضحة يعد أمراً أساسياً، وقد قام كل من Hallin, Mancini (2004) بطرح نظم الإعلام في القرن الحادي والعشرين في ظل النظم الديمقراطية التعددية فقط على نحو أكثر دقة وتفصيلاً وهي على النحو التالي:
1.النموذج اليبرالي التعددي: ويتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في أبرز صوره ، ويقوم على الملكية الخاصة الخاضعة لقواعد السوق الحرة ، في ظل نظام تجاري، مع حظر تملك الأحزاب السياسية لوسائل الإعلام بما يمنع على نحو مباشر حالة الاستقطاب السياسي، وهو ما يجعل سيطرة القوى السياسية على وسائل الإعلام ضعيفاً للغاية، مع وجود تقاليد مهنية رصينة تمنع الإعلان عن التوجه السياسي للصحفيين أو الإعلاميين على نحو ثابت أو مستمر.
2. النموذج الديمقراطي التشاركي: ويتمثل في دول شمال أوربا، ويقوم على الملكية الخاصة مع وجود بعض المؤسسات الوطنية المستقلة عن الحكومة في بعض الدول، وهو نظام في جوهره تجاري، يحظر تملك وسائل الإعلام للأحزاب السياسية ويسمح بها للهيئات العامة في إطار عناية خاصة بالشأن الاجتماعي والثقافي وتعزيز التماسك الوطني.
3.النموذج التعددي الاستقطابي: ويتمثل في دول جنوب أوربا، ويقوم على الملكية الخاصة التي تسمح بالعمل لصالح حزب أو جماعة سياسية أو تكتلات اقتصادية واضحة ومحددة، وهو نظام في جوهره سياسي يقوم باستخدام وسائل الإعلام كوسيلة من وسائل التنافس السياسي.
ويحدد الباحثان عدة عوامل تتعلق بتحديد النظام الإعلامي الأمثل في أي بلد وهي:
1.مستوى التعليم والثقافة والتطور التاريخي.
2.أسواق الإعلام ومستويات المنافسة.
3.التوازن بين القوى السياسية.
4.حدود دور الدولة.
5.المهنية الإعلامية. ( )
ومما لا شك فيه أن هذه الرؤية أكثر تطوراً في تحديد طبيعة النظام الإعلامي، فهي تدور بين ثلاث أفكار رئيسة هي الاستقلالية عن القوى السياسية أو الخضوع لها من جهة، والدور الاجتماعي للتليفزيون من جهة أخرى. والمؤكد أن مصر في هذه المرحلة الراهنة لا تزال في حاجة أساسية لدور اجتماعي واضح ومؤكد لوسائل الإعلام عموماً، وهو ما يفتح الباب أمام فكرة تحويل التليفزيون الحكومي المصري إلى هيئة وطنية جامعة تقوم على تحقيق التماسك الاجتماعي والثقافي والحفاظ على الشخصية الوطنية للمجتمع المصري. بينما على الجانب الآخر يمكن النظر في اعتماد أحد الأسلوبين الآخرين سواء كان الحرية والاستقلالية، أو الاستقطابية السياسية وفق معطيات المرحلة الراهنة، مع التفضيل النظري لحالة الحرية والاستقلالية.
الدور الاجتماعي للتليفزيون :
شغل الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام المساحة الأبرز في النظريات الاتصالية ، وأثار دور وسائل الإعلام في تدعيم الشعور الوطني، وتفعيل مظاهر التماسك الاجتماعي العديد من الجدالات العلمية القائمة حتى اليوم ، والواقع يؤكد أنه على الرغم من وجود عشرات النظريات والمداخل البحثية في هذا الإطار ، إلا أن الخصوصية الثقافية والحضارية لكل مجتمع هي التي تحدد الدور والمساحة التي يمكن أن تمارس فيها وسائل الإعلام الدور المنوط بها في تحقيق الوحدة الوطنية سعياً وراء التماسك الاجتماعي.
فعلى المستوى النظري يحدد McQuail (2010) سبع وظائف اجتماعية رئيسة لوسائل الإعلام وهي :
1.ربط أجزاء المجتمع ببعضها البعض.
2.تعزيز مكانة القيادة لدى الجماهير.
3.المساعدة في تأسيس المجال الاجتماعي العام Public Sphere .
4.تقديم المعلومات وتفعيل تبادلها بين القادة والجماهير.
5.إرضاء حاجة الجماهير للمعرفة.
6.تمكين المجتمع من أن يرى صورته الحقيقية.
7.القيام بدور الضمير الجمعي للمجتمع. ( )
بينما على مستوى الممارسة يحدد Jakubowicz (2007) ثلاثة ممارسات رئيسة للحفاظ على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي وهي :
1.وسائل الإعلام كأداة للتحكم : وتقوم عبرها وسائل الإعلام بتدعيم الثقافة السائدة وإبراز جوهرها وضرورة التوحد حولها ، وتنبذ في المقابل أية دعوات لتدعيم ثقافات بديلة وتعتبرها تهديداً للتماسك الاجتماعي.
2.وسائل الإعلام كمجال عام Public Sphere: وتقوم عبرها وسائل الإعلام بتفعيل حرية الرأي والتعبير وإبراز التنوع والاختلاف كأساس لتدعيم الشعور بالانتماء للوطن.
3.وسائل الإعلام كبطل شعبي : وتقوم عبرها وسائل الإعلام بالسعي وراء الجماعات العامة تجاه النخبة للتدليل على انتماءها للشعب. ( )
وكما هو واضح من هذه الأدبيات السابقة فإن النظر إليها بعمق يؤكد على أنها على مستوياتها النظرية وعلى مستوى الممارسة هي نتاج لثقافة مجتمعية مختلفة، وبالتالي حكمت هذه الثقافة على الممارسات الإعلامية بما يلائم هذه المجتمعات، ولا يعني بالضرورة اتباع هذه النظريات أو الممارسات .
إن تحديد ملامح النظام الإعلامي لابد أن تنبع من معرفة واقعية بالذات، وأولها تحديد مساحات المعرفة الذاتية، وتحديد المساحات الغامضة التي ينبغي أن نقوم بدراستها وتمحيصها وصولاً إلى نتائج حقيقية تسهم تحديد النظام الإعلامي الواجب تبنيه، وهو ما يستلزم بالضرورة التقاطع مع المساحة الأخرى المرتبطة بعلاقة وسائل الإعلام وعلى رأسها التليفزيون بالقوى السياسية.
الإعلام والسلطة والقوى السياسية:
من الضروري عدم خضوع الأنشطة الإعلامية للسلطة الحاكمة التي تتبدل وفق تداول السلطة، فاستخدام الإعلام من قبل السلطة الحاكمة يعني بالضرورة تحويل الإعلام عن دوره الاجتماعي إلى دور دعائي يسوق لأفكار واتجاهات ومشروعات القائمين على الحكم، ومن الناحية الأخرى فإنه عملياً يستحيل فصل تأثير القوى السياسية على الإعلام، إذ أن الإعلام أحد وسائلها للوصول إلى الجماهير واكتساب الشعبية، ومن ثم فإن الفصل المتعسف غير ممكن على المستوى العملي، ولكن ما يمكن بذل الجهد في إطاره هو تحديد سمات هذه العلاقة بحيث لا يقع الجمهور في أفخاخ الخداع والمبالغات واستخدام وسائل الإعلام كأدوات قذرة لبث الشائعات أو النيل من الخصوم، وعليه ينبغي أن يتم اختيار نظام محايد يقف نظرياً ومهنياً على مسافة بعيدة عن التيارات السياسية المختلفة، ويعكس المشهد السياسي في ضوء معايير مهنية واضحة وحاسمة، وحالة ضبط مهني سليمة، أو التغافل عن فكرة المهنية والحياد لصالح إعلان كل مؤسسة إعلامية عن خضوعها لسيطرة جماعة أو حزب سياسي بعينه بحيث يعرف الجمهور الخلفيات التي تنطلق منها كل وسيلة إعلامية، وهو ما يعني بالتبعية إلغاء كل ما يمكن أن يدعى أنه إعلام "مستقل".
وفي هذا الإطار يحدد Curran (2002) عدة أمور تتدخل في تشكيل العلاقة بين وسائل الإعلام والسلطة والقوى السياسية يمكن إجمالها في النقاط التالية:
1.المتغيرات الثقافية: والتي تعني حالة الخصوصية الحضارية والاعتزاز التاريخي بالمجتمع والحفاظ على القوة الناعمة للدولة.
2.متغيرات الأمن القومي: والتي تجعل السيطرة على وسائل الإعلام واجبة في بعض الأحيان.
3.متغيرات الاستقرار الاجتماعي: والتي تجعل من تدخل السلطة أمراً استثنائياً في حالات تهديد السلم الاجتماعي.
4.متغيرات السوق والبيئة الاقتصادية: والتي تجعل المنافسة عنصراً رئيساً يسهم في نشوء ونمو احتكارات تجارية واسعة التأثير.
5.متغيرات العولمة: والتي تفرز أخطاراً على الشخصية القومية والوطنية وتنمط الثقافة.
6.متغيرات إعلانية وتمويلية: والتي قد ترتبط بسهولة بعمليات الفساد والاحتيال.
7.متغيرات تكنولوجية: تتعلق بقدرة وسائل الإعلام على مسايرة التكنولوجيا المتسارعة الخطى والمفرزة دوماً للتهديدات. ( )
وفي إطار هذه المتغيرات يمكن تفسير عشرات الممارسات الإعلامية غير السوية التي تحدث على الدوام وباستمرار في مجتمعنا المصري، لذا فمن الضروري وضع هذه العوامل في الحسبان عند وضع الإطار العام لتنظيم المرفق التليفزيوني المصري.
الإطار العام لتنظيم المرفق التليفزيوني المصري.
يقوم تحديد الإطار العام على ضرورة التحديد الواضح لخريطة العمل التليفزيوني وعناصرها ويحدد مركز الديمقراطية والحوكمة التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في تقريره الصادر عام 1999 حول دور الإعلام في الديمقراطية المعايير الواجب اتباعها لضمان وجود نظام إعلامي ديمقراطي تعددي على النحو التالي:
1.الحماية القانونية والتشريعية للمؤسسات الإعلامية.
2.زيادة العوائد الإعلانية وضمان استمرارها.
3.تشجيع تملك وسائل الإنتاج والتوزيع الإعلامي.
4.زيادة الاستثمارات وتمويل النشاطات الإعلامية الإقليمية.
5.تعميق أواصر التعاون بين أبناء المهنة.
6.توسيع البرامج التعليمية والتدريبية فيما يخص جمع ونشر المعلومات.
7.توسيع التدريب على مهارات الإدارة والتعامل مع التكنولوجيا.
8.زيادة التعاون بين الجهات المحلية والدولية.
9.حماية التراث الإعلامي والملكية الفكرية.
10.تشجيع تدفق الاستثمارات والقروض والتسهيلات الائتمانية اللازمة كآليات للتمويل.
11.زيادة الكفاءة الإدارية.
12.تنمية البينى التحتية اللازمة للتطوير المستمر.
13.التغلب على الهيمنة الحكومية بكافة أشكالها.
14.رعاية المهنية الإعلامية والصحفية وتنميتها.
15.تشجيع التجارة البينية بين الدول فيما يخص العمل الإعلامي .
ويحدد التقرير العناصر الفاعلة في المنظومة الإعلامية بأنهم:
1.المستهلكون.
2.المنتجون والموزعون الأفراد.
3.شركات الإنتاج الإعلامي.
4.الجامعات ومراكز التدريب والبحث.
5.المنظمات المستقلة.
6.المراقبة المدنية لوسائل الإعلام.
7.المنظمات والنقابات المهنية.
8.صناع التكنولوجيا ومحترفوها. ( )
هذه العناصر جميعها يمكن أن تتحدد في ظل إطار عمل يتناسب مع الوضعية المصرية على النحو التالي:
أولاً: البعد المفاهيمي:
ضرورة التفرقة بين ما هو قنوات متخصصة وقنوات عامة أو إخبارية حيث المهنية الإعلامية والمسئولية الاجتماعية بمفاهيمها الحقيقية ترتبط على نحو مباشر بالقنوات العامة والإخبارية دون القنوات الترفيهية التي يأتي تأثير العوامل المهنية عليها أقل بمراحل. وهو ما يتضح أهميته في البعدين القانوني والاقتصادي.
ثانياً: البعد القانوني التنظيمي:
ضمان حرية إنشاء وتملك الخدمات التليفزيونية للأشخاص العاديين فيما يخص الخدمات التليفزيونية المتخصصة غير الإخبارية سواء كانت قنوات فردية أو شبكات، وضمان حرية إنشاء وتملك الخدمات التليفزيونية العامة والإخبارية للأشخاص الاعتباريين الممثلين في شركات مساهمة يتم تداول أسهمها في البورصة المصرية، بما ينهي حالة الاحتكار الحكومي للخدمات التليفزيونية، ويتم توفيق أوضاع القنوات المصرية داخل المنطقة الحرة في غضون فترة زمنية محددة، مع إلغائها، مع السماح لشركات الإنتاج والتوزيع التليفزيوني بكافة أشكاله باستثناء العمل الإخباري فقط بالعمل كشركات أفراد.
ثالثاً: البعد القانوني التكميلي:
رفع الحظر عن احتكار اتحاد الإذاعة والتليفزيون في كل ما ورد في قانون تنظيم الاتصالات، وإصدار قانون عاجل لحرية تداول المعلومات وفق درجات السرية المعتبرة في هذا الإطار، مع تشديد العقوبات على أي جهة أو موظف عام يمتنع عن توفير المعلومات لوسائل الإعلام بما يعزز من الشفافية والمصداقية ويقلص من تداول الشائعات.
رابعاً: البعد الاقتصادي:
كل شركة مساهمة تعمل في مجال الإعلام التليفزيوني يتم تداول أوراقها في البورصة المصرية، ولا يحق لأي شخص أو مؤسسة تملك نسبة تزيد عن 30% من أسهمها في الوقت عينه، وذلك لضمان ارتباط الكفاءة المهنية بالقيمة السوقية مما يجعل سوق الإعلام التليفزيوني ديناميكياً وحراً لا يخضع لمقتضيات الفساد الإعلاني، أو الابتزاز السياسي.
خامساً: البعد المهني:
تكون الرقابة المهنية على أعمال مرافق الخدمات التليفزيونية ذاتية عبر مجلس أمناء لا يقوم أعضاؤه بأي عمل تنفيذي أو إداري أو قيادي داخل المؤسسة ويتقاضون أجراً موحداً يحدده المجلس الوطني للإعلام، على أن يتم تغييره نصفياً كل عامين، ويتلقى الشكاوى من الشخصيات العادية والاعتبارية، مع ضرورة تمثيل كل مرفق تليفزيوني في عضوية المجلس الوطني للإعلام الذي يقوم بالتحقيق وتقرير الجزاءات المالية والأدبية، والإحالة للقضاء، وله الحق في الوقف المؤقت للقناة أو الشبكة المخالفة وفق ما يقرره القانون، مع ضمان وجود تنظيم نقابي موحد يمنح تراخيص مزاولة المهنة في قطاع البث التليفزيوني والمسموع.
سادساً البعد الاجتماعي والثقافي:
تكفل الدولة وجود إعلام وطني حر غير خاضع لسلطة الحكومة أو البرلمان، ويخضع لسلطة المجلس الوطني للإعلام، ويتم خصخصة قطاع النيل للقنوات المتخصصة، مع الاحتفاظ بقناة النيل للأخبار، والقناتين الأولى والثانية، والفضائية المصرية، وقطاع القنوات الإقليمية في هيئة التليفزيون المصرية، ويكون على كل قناة تليفزيونية مصرية خاصة أن تنتج من مواردها الذاتية ما يعادل 10 ساعات سنوياً لكل مليون جنيه من رأسمالها السوقي، وفق الاحتياجات الثقافية والعلمية والتعليمية والترفيهية والدينية التي يحددها المجلس الوطني للإعلام كل فيما هو متخصص فيه، وذلك دعماً لمبدأ المسئولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، وتقليصاً لنفقات هيئة التليفزيون المصرية.
تصور لأداء واختصاصات المجلس الوطني للإعلام:
أولاً : اختصاصات المجلس:
1.الإشراف على هيئة التليفزيون المصرية وإدارتها.
2.الإشراف على الأداء المهني للمرفق الإذاعي والتليفزيوني.
3.وضع توصيات لتطوير العمل التليفزيوني.
4.الفصل في الشكاوى المقدمة إليه من الشخصيات العادية والاعتبارية.
5.توقيع الجزاءات على الإعلاميين والبرامج والقنوات المخالفة وفق التراتب المنصوص عليه بعد.
6.توجيه القنوات التليفزيونية بإنتاج مواد إعلامية لصالح هيئة التليفزيون المصرية وفق الخطة السنوية.
7.منح تراخيص العمل للقنوات التليفزيونية الأجنبية.
8.منح تراخيص مزاولة المهنة لغير المصريين.
9.التنسيق مع نقابة الإعلاميين فيما يخص قواعد العضوية وممارسة المهنة.
10.إصدار تقرير سنوي جامع عن حالة الإعلام التليفزيوني ومشكلاته وتطويره.
11.تشجيع الاستثمارات في المجال التليفزيوني.
12.مراقبة العوائد المالية الإعلانية للقنوات الفضائية وحساباتها الختامية بالتنسيق مع الجهات المختصة في الدولة.
13.توفير البرامج التدريبية والتأهيلية للعاملين بالقنوات المختلفة دون تمييز.
14.إبرام اتفاقيات تعاون وشراكات دولية.
15.التنسيق مع الجامعات ومراكز البحوث في رصد وتطوير الخدمات التليفزيونية المصرية.
16.حماية التراث المصري وحقوق الملكية الفكرية للقنوات المصرية وشركات الإنتاج الخاصة، وتولي النزاعات الدولية المتعلقة بهذا الشأن.
17.الإشراف على إنشاء الأرشيف الوطني للإعلام المسموع والمرئي.
18.وضع قواعد لضبط الجودة الفنية والهندسية والمعايرة والقياس من حيث الشكل والمحتوى، وتصنيف القنوات تبعاً لمدى مطابقتها لمعايير الجودة.
19.وضع حوافز استثمارية للقنوات المتميزة.
20.الإشراف على مهرجان سنوي لتقييم الأعمال التليفزيونية وربطها بحوافز تشجيعية.
ثانياً: تشكيل المجلس:
يشكل المجلس من:
أمانة عامة يرأسها الأمين العام ويكون عضو في مجلس إدارتها، وتختص بالشئون المالية والإدارية.
لجان نوعية متخصصة: تتشكل من أماناتها المعينة بالمركز وعضوية ثلاثة من أعضاء المجلس وأربعة من المتخصصين غير المعينين.
مجلس إدارة ويضم:
ممثل عن مجلس أمناء كل قناة أو شبكة تليفزيونية
ممثل عن الهيئات التالية:
وزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وزارة التنمية المحلية، وزارة الثقافة، وزارة الشئون الاجتماعية، وزارة المالية، الأزهر الشريف، الجهاز المركزي للمحاسبات، المجلس الوطني لمكافحة الفساد، المجلس القومي للمرأة، المجلس القومي لحقوق الإنسان.
3 ممثلين عن التنظيمات النقابية الإعلامية بأنواعها.
6 ممثلين عن أساتذة الإعلام في الجامعات المصرية.
3 ممثلين عن جهات قضائية
3 ممثلين عن جهات مهنية دولية.
يختار مجلس الإدارة رئيسه، ومكتبه التنفيذي وفق الاقتراع العام.
يتم التجديد النصفي للمجلس كل عامين.
ثالثاً: ممارسة الرقابة المهنية والجزاءات:
تلتزم كل قناة تليفزيونية برفع تقرير شهري عما قامت به في التحقيق من أي شكوى مقدمة ضدها وتمت تسويتها، ويراعى التثبت من الجزاءات التي تم توقيعها على العاملين نتيجة الإخلال بالقواعد المهنية ووضعها ضمن سجلاتهم المهنية بالمجلس والنقابة.
في حالة لم يتم تسوية النزاع أو الشكوى، وتم تقديمها للمجلس الوطني يتم تشكيل لجنة تحقيق بها عضو قضائي واحد على الأقل، والبت في الشكوى.
في حالة قبول الشكوى يتم توقيع العقوبات على النحو المتدرج التالي:
oعقوبة تأديبية على المخالف أو المخالفين بالغرامة المالية، وغرامة مضاعفة لقيمتها تقوم بتسديدها القناة للشاكي.
oفي حالة تكرار المخالفة يتم مضاعفة الغرامة المالية على الطرفين، وتؤول القيمة مضاعفة إذا ما تكرر الشاكي، وتؤول نصفها في حالة اختلاف الشاكي، بينما يؤول النصف الآخر لصندوق المجلس.
oفي حالة تكرار المخالفة في ذات البرنامج، يتم وضع شارة زرقاء على البرنامج لمدة زمنية محددة، تشير إلى وقوعه في خطأ مهني جسيم. وتتم مضاعفة الغرامة المالية المقررة.
oفي حالة تكرار الإدانة على البرنامج يتم وضع شارة حمراء على البرنامج، ووضع شارة زرقاء على القناة كلها. ولا يعفي هذا من العقوبة المالية.
oفي حالة إدانة أكثر من برنامج يتم وضع شارة زرقاء على القناة. ولا يعفي هذا من العقوبة المالية.
oفي حالة تكرار إدانة أكثر من برنامج يتم وضع شارة حمراء على القناة كلها. ولا يعفي هذا من العقوبة المالية.
oفي حالات الضرورة القصوى، أو حالات الطوارئ أو الحرب، للمجلس أن يتدخل بوقف البث لفترة زمنية محددة وواضحة ولا يجوز تمديدها إلا بحكم قضائي.
للمجلس الوطني أن يحيل ما يراه من نزاعات لهيئات قضائية إذا ما خرج عن خرق لقواعد المهنة .
للمجلس الوطني أن يحيل توصيات للنقابات المختصة بوقف تراخيص مزاولة المهنة عن أي من أعضائها بسبب خرقه للقواعد المهنية.
رابعاً: التظلم من الجزاءات:
يجوز لكل من أدين تأديبياً من الأشخاص أو القنوات أن يتقدم بتظلم إلى لجنة التظلمات بالمجلس، وتتشكل اللجنة من عضوين أحدهما قاض من الداخل، وعضو من هيئة قانونية معتبرة من الخارج، ويراعى عدم وجود أي من أعضاء لجنة التظلمات في اللجنة التي تولت توقيع الجزاء المتظلم منه.
الخلاصة:
سعت هذه الدراسة إلى استكشاف وتحديد المتغيرات الفاعلة في المشهد التليفزيوني المصري المثير للارتباك من حيث كونه نشاطاً ثقافياً واقتصادياً، محددة أهم العناصر الواجب توافرها في تطوير الخدمات التليفزيونية المصرية والتي جاء على رأسها تبني نظام إعلامي ديمقراطي حر ، تتحدد علاقته بالسلطة على نحو واضح، ويقوم بدوره الاجتماعي على نحو رشيد، وذلك في ظل تشجيع للاستثمارات الإعلامية الخاصة في قطاع التليفزيون، وتقليص امتيازات الإعلام الحكومي، وتبنت وضع إطار عام للتطوير، إضافة إلى تصور مقترح لآليات عمل المجلس الوطني للإعلام، والذي من الضروري أن يتبنى ويرعى أصول الممارسة المهنية ويحمي صناعة الإعلام التليفزيوني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.