توافد كبير على كنائس الغردقة للاحتفال بأحد الشعانين    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    انتظام توريد القمح بالبحيرة    رئيس الشورى البحريني يشيد بالتجربة البرلمانية المصرية    خسائر حريق السجل المدني بشبرا الخيمة.. "ماس كهربائي" المتهم الأول    ضبط مواد غذائية وأسماك فاسدة ومخابز مخالفة بالبحيرة    الطقس في الإسكندرية اليوم.. انخفاض درجات الحرارة واعتدال حركة الرياح    بنك QNB الأهلي وصناع الخير للتنمية يقدمان منح دراسية للطلاب المتفوقين في الجامعات التكنولوجية    رئيس هيئة الدواء يجتمع مع مسؤولي السياسات التجارية في السفارة البريطانية بالقاهرة    بتداولات تتجاوز 1.3 مليار جنيه.. البورصة تهبط 3.3% منتصف تداولات اليوم    29 جامعة مصرية تشارك في مهرجان الأنشطة الطلابية في ذكرى عيد تحرير سيناء    صندوق النقد: ندعم مصر فيما تتخذه من إجراءات تستهدف الإصلاح الهيكلي للاقتصاد    الدفاعات الأوكرانية تسقط خمس طائرات بدون طيار خلال الساعات الماضية    الرئيس الفلسطيني: اجتياح الاحتلال لرفح سيؤدي لأكبر كارثة في تاريخ الفلسطينيين    سفير روسيا بالقاهرة: موسكو تقف بجوار الفلسطينيين على مدار التاريخ    المصري الديمقراطي الاجتماعي يشارك في منتدى العالم العربي بعمان    الليلة.. الأهلى أمام الزمالك فى نهائي كأس مصر للكرة الطائرة رجال    نجم الأهلي: أكرم توفيق انقذ كولر لهذا السبب    أبرزهم ديربي إنجليزي.. مواعيد مباريات اليوم الأحد    تشكيل إنتر ميلان الرسمي ضد تورينو    إدارة الأهلي تتعجل الحصول على تكاليف إصابة محمد الشناوي وإمام عاشور من «فيفا»    جدول امتحانات التيرم الثاني 2024 لصفوف النقل والشهادة الإعدادية (القاهرة)    4 برامج ب«آداب القاهرة» تحصل على الاعتماد البرامجي من هيئة الجودة والاعتماد    ضعف المياه لمدة 8 ساعات عن سكان هذه المناطق.. تفاصيل    مراجعة مادة علم النفس والاجتماع ثانوية عامة 2024.. لطلاب الصف الثالث الثانوي من "هنا"    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    غدا.. "ضد الجمال.. في نقد أساطير الجمال الشخصية" على مائدة مكتبة مصر الجديدة    البنية الأساسية والاهتمام بالتكنولوجيا.. أبرز رسائل الرئيس السيسي اليوم    فيلم ينجح في تحقيق 57.4 مليون جنيه في 18 يومًا.. تعَرّف على أبطاله وقصته    أحمد مراد: الخيال يحتاج إلى إمكانيات جبارة لتحويله إلى عمل سينمائي    أول تعليق من مها الصغير على أنباء طلاقها من أحمد السقا    "مع كل راجل ليلتين".. ميار الببلاوي ترد على اتهامات داعية شهير وتتعرض للإغماء على الهواء    "اتصال" و"رجال الأعمال المصريين" يطلقان شراكة جديدة مع مؤسسات هندية لتعزيز التعاون في تكنولوجيا المعلومات    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من مليون مواطن لمن تخطوا سن ال65 عاما    وزير الصحة: «العاصمة الإدارية» أول مستشفى يشهد تطبيق الخدمات الصحية من الجيل الرابع    ضبط وإعدام 1.25 طن من الأغذية غير المطابقة للمواصفات    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    الرئيس السيسى: مراكز البيانات والحوسبة السحابية تكلف مليارات الدولارات    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    بسبب وراثة غير طبيعية.. سيدة تلد طفلا ب 12 إصبعا    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    الرئيس الفلسطيني يحذر: إسرائيل دمرت ثلاثة أرباع قطاع غزة ولن نقبل التهجير    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    أقباط الأقصر يحتفلون بأحد الشعانين في كاتدرائية الأنبا متاؤس الفاخوري.. صور    إصابة جندي إسرائيلي في هجوم صاروخي على منطقة ميرون    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب على مقال الدكتور ميلاد منصور
نشر في الشعب يوم 19 - 01 - 2008

لقد كتب الدكتور ميلاد منصور، أستاذ تاريخ العصور الوسطى ، تعليقا على مقالى "هيستريا تنصير العالم" (المنشور أول ديسمبر الماضى فى جريدة القدس العربى)، ونشره فى نفس جريدة القدس العربى بتاريخ 27/12/2007 ، وقمت بالرد عليه وأرسلت ردى إلى الجريدة الموقرة ، إلا أن المسؤلين عنها قد رفضوا نشر تعقيبى ، متغاضين بذلك عن العرف المتبع عالميا و أنه من حق الإنسان الرد على أى مقال يتناول عمله فى نفس الجريدة وفى نفس المكان ، ونظرا لأهمية الموضوع لذلك أرجو التكرم بنشر ردى فى موقعكم الموقر إحتراما للعرف والتقاليد الحضارية بين البشر .. ومرفق معه مقال "هيستريا تنصير" العالم و مقال "وثيقة فى زماننا " هذا لإرتباطهما بالموضوع ، لكى لا تتعب نفسك فى البحث عنهما.

مع شكرى وتقديرى
زينب عبد الهزيز





قبل أن أبدأ بالتعقيب على المقال ، ليأذن لى الزميل الدكتور ميلاد منصور ، أستاذ تاريخ العصور الوسطى ، أن أوضح عدة نقاط أساسية ، وهى :
أننا لسنا أعداء ولا خصوم ، وإنما أخوة فى الوطن يتم التلاعب بنا لحساب أطراف أخرى ، وأخوة متجاورون عند وقوع المصيبة التى يعدّون لها ، لتحل علينا جميعا ، فالقنبلة (سواء فعلية أو مجازية) حين تسقط لا تفرق بين الأديان والملل ، وإنما تحصد كل ما يقع فى نطاقها ؛ وأن كل منا ليس مسؤلا سواء عما تم فى النصوص المسيحية من تحريف أو عما يقوم به بعض المسلمين من سوء إستخدام للدين ؛ وأننى لا أتخذ الدين مطية لتحقيق الأطماع السياسية ، فأنا مستبعدة ولله الحمد من كافة المحافل ، السياسية والإسلامية ، للصراحة والوضوح الذى اتحدث بهما ؛ وبى من الأمراض ما يجعلنى أتلو الشهادة قبل النوم ، وأندهش فعلا لإشراقة كل فجر جديد .. فأنا فى الثانية والسبعين من عمرى ولا أطماع لى فى هذه الدنيا إلا الدفاع عن الإسلام الذى يُقتلع بشراسة وإصرار لم يعد من الممكن تغافلهما ؛ ولست معادية للمسيحية والمسيحيين ، لكننى – واقولها بكل وضوح وتحديد : أنا ضد قرار تنصير العالم لفرض كاثوليكية روما، وضد إقتلاع الإسلام. لذلك أركز جهدى العلمى فى جزئية "موقف الغرب المسيحى المتعصب من الإسلام" ، وأحدد "المسيحى المتعصب" فيقينا إن نفس هذا الغرب ملىء بالأمناء وبالذين يجاهدون من أجل الصالح العام ، وبالذين هم غير راضون عن تلك الفئة القليلة الضالة التى تقود العالم إلى الهاوية . وكلها مسائل باتت مكشوفة لكل من لا يتعمد فقدان البصر والبصيرة ..
ومن هذا المنطلق فعبارات من قبيل الإستعلاء ، والإعتقاد المطلق بصواب رأيى ، والإفتقار إلى الحيدة ، وإتخاذ موقف مسبق ، وأنه يعوزنى التجرد والأمانة العلمية ، وما إلى ذلك من العبارات الصريحة أوالمضغمة ، لا تنطبق علىّ ، وإنما وبكل أسف قمتَ أنت يا دكتور ميلاد بتطبيقها فعلا فى ردك ، وتلفعت بمسوح العلم وعباراته لتهميش صُلب الموضوع الذى تناولته فى المقال ، وتجنبت أنت الرد عليه ، بل واسترسلت فى تفاصيل جانبية لا شأن لها بالموضوع . وهنا لابد من أن أوضح : أن التمويه فى الرد لا يلغى الواقع والحقائق المعاشة ، كما أن تكرار الأكاذيب لا يحولها إلى حقائق بالأقدمية أو لمجرد تكرارها !
إن الخطاب المفتوح الذى وجهته للبابا بنديكت السادس عشر بعنوان "هيستريا تنصير العالم" بالفرنسية ، وترجمته إلى العربية ونشر فى جريدة القدس العربى وفى مواقع أخرى ، كان يركز على أن الفاتيكان ، فى قراره تنصير العالم الذى إتخذه فى مجمع الفاتيكان الثانى (1965) ، يستند إلى نصوص متناقضة ، وأن المسيح عليه الصلاة والسلام كان يبشر بالملكوت وقرب وقوعه ، بل وفى حياته ، وليس بتنصير العالم . وأنه قد أسند بنفس هذه المهمة إلى الحواريين ، وأنه حتى بعد صَلبه وبعثه – وفقا لأعمال الرسل ، ظل أربعين يوما يحدثهم عن الملكوت. كما ضربت مثلا على التلاعب بالنصوص ، إذ نطالع فى رسالة بطرس (آية 11) أن "ملكوت الله " الذى كان يبشر به يسوع ، قد تحول إلى "ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدى" .. وهو ما يثبت قطعا أن أعمال الرسل، أو هذه الجزئية منها ، تمت كتابتها بعد تأليه السيد المسيح ، اى فى أواخر القرن الرابع بعد إختلاق بدعة الثالوث ، وليس فى أواخر النصف الثانى من القرن الأول . ويمكنك مراجعة ذلك من الأناجيل ومقارنتها ومناقشة عدم فهمى لنصوص الأناجيل ، علما بأن ما لدى منها طبعات كنسية وليست "إنتقائية" !.
وخرجت من هذه الأقوال بتحديد أن رسالة يسوع ، وفقا للأناجيل ولأقوال يسوع بها ، تنحصر فقط فى "إعادة خراف بيت إسرائيل الضالة إلى رسالة التوحيد ، والتبشير بالملكوت الذى إقترب " ، وأنه من غير المنطقى أن نراه بعد ذلك يُملى على الحواريين ، بعد "بعثه"، ويأمرهم بتنصير العالم بإسم الثالوث ! فالثالوث قد تم اختلاقه فى مجمع القسطنطينية عام 381، بعد أن تم تأليه يسوع ، عليه السلام ، فى مجمع نيقية عام 325 !. وهذه المعلومات باتت من الأبجديات المفروغ منها فى الثقافة والحضارة الغربية بعامة والفرنسية تحديدا .
كما تساءلت فى نفس المقال عن مصير اليهود من عملية تنصير العالم هذه ، والذى منحهم الفاتيكان أرضا ليست من حقهم بكل المقاييس ، ويتم بسبب هذا الموقف إقتلاع الشعب الفلسطينى من أرضه وتُفرض عليه عملية قتل عرقى مدبّرة بإصرار رهيب ، على مرأى ومسمع من العالم أجمع ، وكان السؤال : هل سيتم تنصيرهم أيضا أم لهم خلاص آخر ؟. أم إن الفاتيكان هو الذى سيتهوّد ؟!..
وكنت أتخيل ، بحكم علمك وتخصصك الدقيق و عقيدتك ، أن تناقش أوتفنّد ما طرحته من حقائق وتساؤلات ، يمكنك التأكد منها من الأناجيل نفسها أو من إصدارات الفاتيكان ، وتثبت لى أنها غير واردة فى الأناجيل ، أو أننى أسأت فهمها أو أى شىء من هذا القبيل إلا إن كنت لم تقرأها فهذا موضوع آخر ..
وللعلم : إن قرار تنصير المسلمين "أولا وأساسا" وارد فى قرارات مجمع الفاتيكان الثانى ، فى وثائق الدورة الخامسة ، المادة 16 ، إذ يقول النص : " إن هدف الخلاص يتضمن أيضا الذين يعترفون بالخالق ، ومن بينهم ، أولا وأساسا المسلمون ، الذين بممارستهم إيمان أبراهام (سيدنا إبراهيم) يعبدون معنا الإله الواحد ، الرحيم ، الذى سيحاكم الناس آخر يوم " !. (المجامع المسكونية ، الجزء الثانى صفحة 1751، صادر عن دار نشر لوسير الفرنسية التى تتولى طباعة إصدارات الفاتيكان ، إلى جانب مطبعة الفاتيكان ذاتها، صادر عام 1994 فى ثلاثة أجزاء ) ، ولا أعتقد إن هاتين المطبعتين من المطابع "الإنتقائية" أو المعادية للمسيحية !!.
وقد تم الإعتماد على هذا القرار لإصدار وثيقة " فى زماننا هذا " ، التى إستبعدت المسلمين من نسل سيدنا إبراهيم ووضعت الإسلام ضمن الديانات الأسيوية ! (مجمع الفاتيكان الثانى ، علاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية ، دار نشر لوسير ، صفحات 201- 236 ، طبعة 1966) ، وهى نفس الوثيقة التى تم فيها تبرأة اليهود من دم المسيح ، وقد تناولت الجزئية المتعلقة بالإسلام فى مقال على حدة بعنوان "وثيقة فى زماننا هذا "..

كما أندهش لكل ما كلته من هجوم وسخرية على كتاب : "المساومة الكبرى ، من مخطوطات قمران إلى مجمع الفاتيكان الثانى" ، بنفس الأسلوب المتلفع بمسوح العلم لتوهم القارىء بجدية وحياد النقد وأمانة التسفيه الذى كلته !. فالناقد الأمين يتناول الموضوع سواء بالتأييد أو بالإعتراض ، مع توضيح الأسباب بالأدلة والبراهين ، وهذا من أبجديات أصول البحث العلمى التى لا أتخيل أنك تجهلها ..
ومن المؤسف أنك لم تدرك أنه أول بحث يقوم بالكشف عن سبب تلك العجرفة الصهيونية التى لا تغفلها عين ، وهى عجرفة أو عربدة تُلقى بكافة القرارات الدولية وتضرب بها عرض الحائط !. وذلك لأنهم يمتلكون من النصوص ، من مخطوطات قمران ، ما يسمح لهم بهدم الكيان الكنسى برمته .. وهذه هى المساومة الكبرى التى يضغط بها الصهاينة على الفاتيكان وعلى قادة الغرب المسيحى المتعصب ، ولذلك ينحنون لكافة الضغوط التى تمارس عليهم ، بمعنى : الرضوخ أم الفضيحة ، حتى وإن كان هذا الرضوح يتم على حساب شعب يباد بكل جبروت وإصرار !.
وما كان يجب أن يلفت نظرك ، سواء كأستاذ جامعى أو حتى كمجرد إنسان مسيحى ، هو: كيف لهذه المؤسسة الفاتيكانية العاتية ، التى فرضت مسيحيتها طوال مشوارها الدامى، وتحمل على كاهلها عصر الظلمات بكل ما به من إبادة ملايين القتلى والضحايا بمحاكم التفتيش والحروب الصليبية ضد المسلمين والحروب الدينية ضد المسيحيين وحرق الناس أحياء ، وكل ما قامت به من هدم وإقتلاع للتراث والبشر، كيف يمكن لمثل هذه المؤسسة أن تقبل المساس بعقائدها والإطاحة بمضمون أكثر من مائة آية من أناجيلها، وهى آيات تتهم اليهود بقتل المسيح عليه الصلاة والسلام ، إلا لو كان هناك ما هو أقوى منها ومن جبروتها الممتد ؟.. فلم يعد بخافى على أحد أن التنازلات الدينية والعقائدية ، من جانب الفاتيكان ، لصالح الصهاينة ، لا تتوقف إلا إن كنت لا تقرأ أو لا تتابع مجريات الأحداث ، بل ولا تربط بينها ، وهو ما لا يمكننى تصوره فى أستاذ جامعى ومسيحى يتم التلاعب بنصوص عقيدته بمثل ما يحدث حاليا !. وما يقلقنى هنا هو إصرار الفاتيكان ومحاولة فرضه على المسلمين ان يقوموا بمثل هذا التلاعب فى القرآن الكريم وأستبعاد آيات بعينها.
وقد نجم عن هذا الموقف الفاتيكانى بتبرأة اليهود ، والتلاعب بالنصوص من أجل الأغراض السياسية ، أن تضاعف الإلحاد فى الغرب ، فى هذه الفترة تحديدا ، أى منذ مجمع الفاتيكان الثانى عام1965 حتى اليوم ، إذ أن الأتباع قد عاصروا بالفعل واحدة من تلك الوقائع التى عادة كان يتم التعتيم عليها فى عصور الظلمات بالترويع الذى تعرفه يقينا أكثر منى !. وهو ما أدى أيضا إلى حدوث حركة إنشقاقية داخل الكنيسة وإنسحاب الأسقف لوفيفر من كاثوليكية روما ، وقام بتأسيس كنيسة أخرى- ولا يسع المجال هنا لتناول كل هذه التفاصيل للأسف ، إلا أنها موضوعات باتت تطرح على صفحات الجرائد اليومية فى الغرب وخاصة فى فرنسا .. أى أنها بمثابة المعلومات العامة فى الحياة اليومية ، فالمكابرة ومحاولة التعتيم عليها لم تعد مجدية ، وإنما كان التكاتف لصد هجماتها أهم وأصدق ممن فى مثل مركزك !.
كل تلك الأمور المصيرية هى ما كنت أتصور أن تتناولها فى ردك ، بل وأن تتكاتف الجهود لتفادى ما يحيكونه من كارثة ، فالترتيبات تتم بإقاع محموم لإقتلاع الإسلام ولتوحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما قبل حلول عام 2010 ، وهى المهلة التى حددها مجلس الكنائس العالمى فى يناير عام 2001 ، حينما لم يتم تنصير العالم عشية الألف الثالثة ، وفقا لقرارات المجمع الفاتيكانى الثانى ، فقام بإسناد هذه المهمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، التى قامت بإختلاق مسرحية الحادى عشر من سبتمبر لتتلفع بشرعية دولية لإقتلاع الإسلام والعمل على تنفيذ قرار توحيد الكنائس .. ولا أعتقد أنك بغافل عن هذه الأحداث أيضا وكان الله فى عون تلاميذك !
كما لا أتصور أنك بغافل عن خطب البابا بنديكت السادس عشر وما يعلن عنه يوميا تقريبا من قرارات من قبيل جعل اللغة اللاتينية هى الأساس فى نصوص كافة الكنائس، و إحياء اللغة اللاتينية وجعلها لغة تواصل عالمية رغم مواتها ، وخاصة تلك المذكرة المسماه "مذكرة عقائدية حول التبشير" الصادرة يوم 14/12/2007 ، لتنصير العالم ، وهى وثيقة صدرت أساسا للرد على إحتجاج الكنيسة الأورثوذكية فى روسيا من عمليات التبشير التى يقودها الفاتيكن هناك ، وغيرها جد كثير ..
لذلك اندهش لموقفك الهجومى الساذج أو السطحى ، الذى لا أرى ما يبرره ، إلا إن كنت كاثوليكيا ، فهذا هو السبب الوحيد الذى قد يجعل لموقفك شىء من التبرير أو المنطق رغم كل ما به من مآخذ آثرت ألا أضيع وقت القارىء فى متابعة تفنيدها ! ولا أتخيل أن مقالتى تستدعى كل هذا العداء ، أو محاولة التعتيم على الحقائق المعاشة، فكلنا عابرى سبيل ، والكفن لا جيوب له ، ولا يبقى إلا صالح الأعمال ..
وكلمة أخيرة أتوجه بها لجريدة "القدس العربى" التى رفضت نشر هذا التعقيب وضربت بجميع الأعراف عرض الحائط ، فأبجدية التعامل الحضارى تقتضى بأن يتم نشر التعقيب على أى مقال يُنشر ، فى نفس الجريدة وفى نفس المكان ، وأن المجاملة للغير أو الرضوخ لضغوطه لا يجب أن يكون على حساب الحق ، ولا على حساب الأمانة والعدل ، ولا على حساب الدين : فكلها أسباب تمس بمصداقية الجريدة التى نعتز بمواقفها المشرفة و بجهودها لنشر الحقائق !!
هيستريا تنصير العالم !
خطاب مفتوح إلى البابا بنديكت السادس عشر

بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذ الحضارة الفرنسية

بمناسبة إنتهاء شهر أكتوبر، شهر التنصير فى العُرف الكنسى ، ويوم التبشير العالمى ، الذى يتم الإحتفال به يوم 21 أكتوبر، وإنتهاء مؤتمر التبشير المنعقد فى مدينة نابولى من 21 إلى23 أكتوبر ، وكل ذلك فى إطار قرار "تنصير العالم " الذى فرضه مجمع الفاتيكان الثانى عام 1965 ، إسمح لى أيها الأب المبجل أن أتناول موضوع ، شديد الحساسية ، لم يعد أحد يجهل عواقبه التى تتخذ أبعادا هيستيرية إستحواذية ..
فسواء أكانت مؤتمرات أو ندوات أو موائد مستديرة أو أيام عالمية للشباب أو تحت أية مسميات أخرى كلألعاب الأولمبية وبعثات التبشير الموجهة إلى أركان الدنيا الأربعة أومحشورة فى العتاد الحربى لجيوش الإحتلال ، فلم يعد أحد لا يلحظ المبشرين وأعمالهم . إن هوس الإصرار على تنصير العالم قد تعد أى منطق ، خاصة وأنكم لا تكفون عن ترديده فى كل خطبكم تقريبا ، أن الكنيسة أولا تبشيرية . تبشيرية إستجابة للآية رقم 19 ، فى آخر إصحاح إنجيل متّى القائل : "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس".
ولقد قام مجمع الفاتيكان الثانى بتجنيد كل المسيحيين فى وثيقة " إلى الأمم " لكى يساهموا فى عمليات تنصير العالم. لقد تم تجنيد ترسانة بأكملها من المؤسسات والمنظمات الرسمية وغير الحكومية وجماعات تبشيرية من الشباب ، بل ومن الأطفال ومن الخلايا الكنسية التبشيرية ، وكل الوسائل فى كافة المجالات فى المجتمع قد تم وضعها كسلاح للتبشير. وإن كان ذلك قد مر فى البداية بصورة غير ملحوظة ، فقد أعلنها البابا يوحنا بولس الثانى صراحة عام 1982 فى مدينة شانت يقب. ومنذ ذلك الوقت لم يحدث أن كان الهوس أكثر عُجالة وأكثر هيستيرية لشيطنة الإسلام والمسلمين فى العالم !
وهنا إسمح لى ، أيها الأب المبجل ، أن أوضح لك أن نصوص العهد الجديد تناقض تلك الآية التى تعتمدون علي نصها ، ومن هانا ، فهى تدين كل ما يترتب عليها وهو : السبب الحقيقى للإرهاب الذى يثيره هذا التبشير !
ووفقا لنصوص العهد الجديد ، فإن رسالة يسوع ، كما يقولها شخصيا : "لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متّى 15 : 24) ! وهو نفس ما كان قد قاله فى الإصحاح العاشر من نفس إنجيل متّى : "هؤلاء الإثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا : إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل إذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " (آية 5 و 6 ).
وهو ما نطالع معناه أيضا فى أعمال الرسل إذ تقول: " إليكم أولا إذ أقام الله فتاه يسوع أرسله يبارككم بِرَد كل واحد منكم عن شروره " ( 3 : 26 ). وذلك يعنى أن يسوع لم يُبعث ، وفقا للنص ، إلا من أجل اليهود الغارقين فى الشرور لكى يبتعدوا عنها .
وليست هذه الآيات وحدها التى يحتوى عليها العهد الجديد (طبعة 1966 العربية) .فما أكثر الآيات التى تكشف عن أن يسوع كان يبشر بملكوت الله وليس بتبشير الأمم ! فما أكثر المرات التى كان يؤكد فيها إقتراب موعد ذلك الملكوت ومنها : ما نطالعه فى إنجيل متّى : "وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين أنه اقتربملكوت السموات " (10 : 7) ؛ أو "فإنى الحق اقول لكم لا تكملون مدن إسرائيلحتى يأتى ابن الإنسان"(10 : 23) . بل إن إنجيل متّى به أكثر من ثلاثين آية تشير إلى تبشير يسوع بملكوت الله بخلاف مافى الإصحاح الثالث عشر وحده ، من الآية 1 إلى الآية 52 ، فكلها تتحدث عن ملكوت الله واقترابه الوشيك !
بل لقد كانت سرعة إقتراب حدوث ذلك الملكوت وشيكة إلى درجة أنه عندما ذهب الإثنى عشر حواريا فى أولى جولاتهم قال لهم يسوع بوضوح : "ومتى طردوكم فى هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى ، فإنى الحق أقول لكم لاتكملون مُدن إسرائيل حتى يأتى إبن الإنسان " ( متّى 10 : 23 ) . وحتى أثناء مثول يسوع أمام الكاهن الأكبر أثناء المحاكمة نراه يقول لهم : " وأيضا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء " (متّى 26 : 64 ) ..
أما إنجيل مرقس فيورد فى الإصحاح الأول كيف أن يسوع يواصل الرسالة التى بدأها يوحنا المعمدان والتبشير بنفس المضمون ، إذ تقول الآية : "وبعد ما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " ( 14 و15 ) وفى الإصحاح التاسع نطالع: "وقال لهم الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوما لا يذوقوا الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة " . وتتكرر المقولة : "الحق أقول لكم لا يمضى هذا الجيل حتى يكون هذا كله. السماء والأرض تزولان لكن كلامى لا يزول " (مرقس 13 : 30و31) .
ونطالع فى إنجيل لوقا أن يسوع " لما صار النهار خرج وذهب إلى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه فجاءوا إليه وأمسكوه لئلا يذهب عنهم. فقال لهم إنه ينبغى لى أن أبشر المدن الأخر أيضا بملكوت الله لأنى لهذا قد اُرسلت "( 4 : 42 و 43) .. وهو ما يثبت إن رسالة يسوع كما تتضح من كل هذه الآيات تنحصر كما يقول هو ، فى إعادة خراف بيت إسرائيل الضالة إلى رسالة التوحيد بالله الواحد وليس بالثالوث ، و فى التبشير باقتراب ملكوت الله الذى هو العدل والسلام والفرحة .
ونطالع فى نفس إنجيل لوقا ، فى بداية الإصحاح التاسع ، أن يسوع قد "دعا تلاميذه الإثنى عشر وأعطاهم قوة وسلطانا على جميع الشياطين وشفاء أمراض وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ويشفوا المرضى " ( آية 1 و 2 ) . وهو ما يكشف عن أنه أسند إليهم كل السلطات التى كان هو يمارسها .. وفى الإصحاح العاشر يواصل نفس الوصية قائلا : " واشفوا المرضى الذين فيها وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله . وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا حتى الغبار الذى لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم ولكن اعلموا هذا إنه قد اقترب منكم ملكوت الله " ( 9 11 ) .
وهو ما يثبت أنه لم يكن يسوع وحده الذى كان ينادى بإقتراب ملكوت الله وإنما قد أسند بهذه المهمة إلى الحواريين أيضا. وهو ما يوضح أهمية هذا الملكوت الذى يمثل أساس رسالته ، ملكوت العدل والسلام والفرحة ، وليس تنصير العالم.
ويبدأ الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا بواقعة نيقوديموس الفاريسى الذى قال له : ".. لا أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التى أنت تعمل إن لم يكن معه الله . أجاب يسوع وقال الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله " .
وكما رأينا للتو فإن الأناجيل الأربعة تتحدث عن ملكوت الله على أنه الرسالة الأساس ليسوع ، فما من إنجيل إلا وتناولها بنسب متفاوتة من الآيات. وهو ما سوف نتابعه أيضا فى أعمال الرسل والرسائل التى تبدأ فى الإصحاح الأول بالإشارة إلى ما فعله يسوع وعلمه إلى اليوم الذى إرتفع فيه عندما أمضى "أربعين" يوما بعد بعثة كما يقولون ، يتحدث عن الأمور المختصة بملكوت الله "وهو يظهر لهم أربعين يوما ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله " ( 13 ).
ونغض الطرف هنا عن الإختلاف أو تناقض مدة بقاء يسوع على الأرض بعد بعثه عن الأناجيل المعتمدة ، التى تمتد من يوم واحد إلى أربعين يوما ، وهى واحدة من الآف المنتناقضات التى يزخر بها الكتاب المقدس ، لكنا نكتفى بتوضيح نقطة جوهرية : أنه حتى بعد بعثه ، وفقا لأعمال الرسل ، وليس أثناء حياته فقط ، ظل أربعين يوما يحدث حوارييه فقط عن الأمور المختصة بملكوت الله !..
بل والأدهى من ذلك تنتهى أعمال الرسل بالآيتين التاليتين : " وأقام بولس سنتين كاملتين فى بيت استأجره لنفسه. وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه كارزا بملكوت الله ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع " ( 28 : 30 و 31 ) .
وفى رسالته إلى أهل رومية يوضح بولس قائلا : "لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا. بل هو بِرٌ وسلامٌ وفرحٌ فى الروح القدس " ( 14 : 17 ) .. وفى رسالته إلى أهل كورنثوس يضيف بولس قائلا : " أم ألستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله " (6 : 9).. ويواصل السرد فى رسلاته إلى أهل غلاطية معددا أعمال الجسد الظاهرة محذرا إياهم : "فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضا إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله " ( 5 : 19 ) ..
وفى رسالته إلى أهل أفسوس يقول : " فإنكم تعلمون هذا أن كل زان أو نجس أو طماع الذى هو عابد للأوثان ليس له ميراث فى ملكوت المسيح والله " ( 5 : 5 ) ، ونلاحظ هنا تغييرا واضحا : فبعد أن واصل بولس تصعيده لعملية تأليه يسوع و جعله "ربنا يسوع" فى أقواله السابقة ، ها هو يسند إليه ملكوت الله ويشرك ملكية الملكوت للمسيح ولله معا !..
وهو تغيير يزايد عليه بطرس فى رسالته الثانية إذ يقول فى الإصحاح الأول : " لأنه هكذا يقدم لكم بسعةٍ دخولٌ إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدى" (الآية 11 ) ! فبعد أن كان يسوع يبشر بملكوت الله واصل الحوارييون تصعيد أهمية يسوع ، و جعلوا الملكوت شركة بين الله ويسوع ، ثم تحول إلى "ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدى "!!
وأيا كان صاحب ذلك الملكوت ، فإن هذا لا يغّير شيئا من أن الرسالة التى أتى من أجلها يسوع والتى أرسله الله ليحققها هى بكل وضوح : إعادة خراف بيت إسرائيل الضالة إلى رسالة التوحيد ، والتبشير بملكوت الله الذى اقترب مجيئه . بل والأدهى من ذلك يقول يسوع لمن عصوا كلام الرب : " لذلك أقول لكم إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لإمةٍ تعمل أثماره " (متّى 21 : 43 ).
وقبل أن ننهى هذه الجزئية لا بد لنا من لفت نظركم إلى بعض التناقضات المتعلقة بالنص و تطبيقكم له . فقد رأينا أن يسوع قد حدد قائلا أنه لم يرسل إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة (متّى 15 : 24) ، وكذلك فى نفس الإنجيل حينما حدد قائلا لحوارييه : " إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل إذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيس الضالة " (10 : 5 و 6) ،
ألا يبدو من غير المنطقى ، بعد كل هذه النصوص ، أن نراه يملى لحوارييه بعد "بعثه" ، سواء أكان طيفا أو تجليا ، و أن يأمرهم بالذهاب ليتلمذوا جميع الأمم ويعمدوهم باسم الثالوث وهو القائل :" إلى طريق أمم لا تمضوا" ؟!
ألا يعنى ذلك مخالفة لرغبة يسوع وإرادته و القيام بفرض المسيحية على العالم ، خاصة وإن نص ذلك الكتاب مرتاب فى أمره بين العلماء ؟!
وهناك تناقض آخر بين متّى و مرقس حول نفس هذه المقولة عن التبشير بالثالوث : إذ يقول متّى أن هذا الأمر قد أُعطى للحواريين الأحد عشر فى الجليل "إلى الجبل حيث أمرهم يسوع " (28 : 16). بينما يورد مرقس أن هذا الأمر قد أُعطى للحواريين الأحد عشر فى المنزل، إذ يقول : " أخيرا ظهر للأحد عشر وهم متكئون و وبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام وقال لهم إذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " (16 : 14 و 15). أى أنه ظهر لهم فى المنزل كطيف وأوصاهم بالرسالة !
وبغض الطرف عن مثل هذا التناقض بين متّى و مرقس فى موضوع بمثل هذه الأهمية ، فلا نملك إلا أن نندهش من مضمون الرسالة التى أملاها : " وقال لهم إذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص. ومن لم يؤمن يُدَن " . ونتجاوز هنا عن هذا "التسامح" لنرى علامات الذين يؤمنون وصفاتهم فهم : " يُخرجون الشياطين باسمى ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيّاتٍ وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون " (مرقس 16 : 1518) !
و وفقا لهذا المعيار يبدو أن هناك قلّة قليلة جدا من المؤمنين بين المسيحيين!
وتأتى أعمال الرسل بتناقض آخر يتعلق بالتعميد ففى آخر الإصحاح العاشر ، عندما ذهب بطرس إلى قيصرية للقاء كورنليوس ، " أمر بأن يعتمدوا باسم يسوع المسيح" (10 : 48) . أى أنه وفقا لأعمال الرسل فإن بطرس الحوارى كان يجهل أنه يتعيّن عليه التعميد " باسم الآب والإبن والروح القدس" !
بل و الأدهى من ذلك ، نرى فى الإصحاح الحادى عشر من أعمال الرسل أنه عندما " صعد بطرس إلى أورشليم خاصمه الذين من أهل الختان قائلين إنك دخلت إلى رجال ذوى غُلفة وأكلت معهم " (الآية 3) ( أى أنه دخل وأكل مع غير اليهود) . وبدأ بطرس يحكى لهم القصة كما وردت فى الإصحاح السابق كنوع من التبرير ، ثم أضاف قائلا : "فتذكرت كلام الرب كيف قال أن يوحنا عمّد بماء وأما أنتم فستعمدون بالروح القدس " (آية 16) . والقائل هنا فرضا هو نفس يسوع .
ومما تقدم ، وهو جد قليل من كم الأمثلة الواردة ، نرى أن نهاية كل من إنجيل متّى ومرقس عبارة عن إضافات تمت لاحقا. فأيا كانت وسيلة التعميد ، فذلك يثبت أنه حتى كتابة أعمال الرسل ، وهى سابقة على كتابة الأناجيل الأربعة، لم تكن عبارة " الثالوث " موجودة أو قد تم إختلاقها بعد ، وأن يسوع لم يطلب منهم تنصيركل الأمم ! وذلك لأننا نطالع فى نفس الإصحاح الحادى عشر أنهم تشتتوا " إلى فينيقية وقبرص وإنطاقية وهم لا يكلمون أحدا بالكلمة إلا اليهود فقط " ( 11 : 19 ) ، وهو ما يخالف عبارة يسوع بأن يعمدوا "كل الأمم" ، فكيف للحواريين ألا يتحدثوا مع الوثنيين المفترض تنصيرهم بأمر يسوع ، ولا يتحدثون إلا إلى اليهود أمثالهم؟
ولا يسع المجال هنا لإضافة كل ما تضمه أعمال النقد الحديثة من عدم توافق ، لكنا على الأقل نشير إلى أن أغلبية النقاد ، ومنهم كنسيين ، يقرّون بأن نهاية كل من إنجيل متّى ومرقس عبارة عن إضافات متأخرة ، قام بها القديس جيروم فى آخر القرن الرابع ، لأن نفس الأصل المعروف باسم "كودكس سيناء" و"كودكس الفاتيكات" ، ويرجعان إلى القرن الرابع لا يتضمنا تلك الإضافة !
ونوجز كل ما تقدم بأن يسوع طوال فترة تبشيره ، سواء أكانت بضعة أشهر أو ثلاث سنوات ، وفقا لأى إنجيل نعتد ، وسواء بعد صلبه و بعثه كما يقولون ، وظهوره يوما أو اربعين يوما ، فهو لم يكف عن الإعلان بوضوح : أنه لم يرسل إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة، ومن أجل التبشير بملكوت الله.. ترى ، أمن ضرورة لنضيف هنا أن عقيدة التثليث هذه ، والتى قامت بمساواة الله بيسوع بالروح القدس ، قد تم اختلاقها وفرضها فى مجمع القسطنطينية عام 381 : فكيف نراها موجودة فى نص مكتوب فيما بين أواخر القرن الأول وبداية القرن الثانى ؟!
فبدلا من ذلك الطريق الهيستيرى الضال و الهادف إلى إقتلاع الإسلام والمسلمين ، وبدلا من هذه الهيستريا المضادة للإرهاب زعما والتى تخفى الأخطار الحقيقية السياسية المعاصرة ، وأولها مسألة الفاقة الغذائية فى العالم ، حيث أن هناك 854 مليونا من البشر يعانون من الجوع ، وفقا للمدير العام لمنظة الفاو.. ألا يُعد أول واجب هو العمل على إطعامهم ؟ العمل على إنقاذهم كآدميين لهم كل الحق فى الحياة ، بدلا من أن تلوحون لهم بالطعام بيد وتفرضون عليهم الكتاب المقدس باليد الأخرى ..
فمثل هذا النص "المقدس" المختلف عليه وحوله بهذا الشكل ، والذى فرضه مجمع الفاتيكان الأول عام 1869 على أن " الله هو مؤلفه " ، ثم فى مجمع الفاتيكان الثانى عام 1965 حكمت عليه أغلبية مكونة من 2344 كنسيا ضد 6 ، ورأوا : " أن هذه الكتب وإن كانت تتضمن الناقص والبالى ، فهى رغم ذلك تُعد شهادات لعلم تربوى حقيقى " ! إن مثل هذا النص يتطلب شىء من " التواضع " من جانب من يمثلونه ومن جانب من يتّبعونه ، وليس فرضه على العالم بأى وسيلة وبأى ثمن .
ويبقى سؤال يفرض نفسه فيما يتعلق بعملية التنصير ، وهو " الدور الأساسى للكنيسة " كما لا تكفون عن ترديده : ترى ما هو مصير اليهود الذين منحتوهم أرضا ليست من حقهم يقينا ، بينما يعانى الشعب الفلسطينى من عملية قتل عرقى مكتومة الأصداء ، على مرأى ومسمع من العالم أجمه : ترى هل ستقومون بتنصير اليهود أيضا ، أم أنهم معفون من الخلاص ؟!
مع التعبير عن شكرى للقراءة ، أرجو أن تتقبل ، أيها الأب المبجل ، تحياتى وأمنياتى بأن تتمكن من إقامة العدل الحقيقى والسلام الحقيقى والفرحة الحقيقية بعدالة تليق بمقام يسوع ، النبى والرسول ، وتليق بالمكانة التى تحتلونها.


وثيقة فى " زماننا هذا"
وعلاقات الكنيسة بالإسلام



بقلم دكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


عقب المحاضرة الشهيرة التى القاها البابا بنديكت السادس عشر فى راتسبون، والتى سب فيها الإسلام بوضوح وتعمّد ، تم رفع وثيقة المجمع الفاتيكانى الثانى (1965) المعروفة باسم "فى زماننا هذا" وإشهارها كالراية فى مختلف الصحف ، حتى فى الفاتيكان نفسه ، لتهدأة النفوس وإثبات "الإحترام" الذى يكنه الفاتيكان للمسلمين !

وفى واقع الأمر ، إن القليل من الناس هم الذين يعرفون نص هذه الوثيقة ، خاصة الجزء المتعلق بالإسلام. لذلك رأينا أنه من المفيد وضع هذا النص تحت الضوء ، لنراه عن قرب ونوضح للجميع الموقف المزدوج للمسؤلين عن الكنيسة الكاثوليكية الرسولية الرومية ... ويمتد نص الوثيقة فى حد ذاته على أربع صفحات، والبند الثالث المتعلق بالمسلمين ، يتضمن فقرتين من سبعة عشر سطرا، نصها كما يلى :

الديانة الإسلامية :
3 – " إن الكنيسة تنظر أيضا بعين الإعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد ، الحىّ القيوم ، الرحمن القدير ، خالق السماء و الأرض ،الذى تحدث إلى البشر. إنهم يحاولون الخضوع بكل قواهم لقرارات الله ، حتى وإن كانت مخفية ، مثلما خضع إبراهيم لله والذى يتخذه الإيمان الإسلامى طواعية مثلا له. وعلى الرغم من أنهم لا يعترفون بيسوع كإله ، فهم يبجلونه كنبى؛ ويوقرون أمه العذراء ، مريم ، وأحيانا يتوسلون إليها بتضرع. كما أنهم ينتظرون يوم الحساب، الذى سيجازى فيه الله البشر بعد بعثهم ، وهم يقدرون الأخلاق، ويقدمون عبادة ما لله خاصةً بالصلاة، والزكاة والصوم.
"وإذا ما كانت عبر القرون قد اندلع العديد من الخلافات و العداوات بين المسيحيين والمسلمين ، فإن المجمع يهيب بهم جميعا نسيان الماضى وأن يجتهدوا بإخلاص فى محاولة للفهم المتبادل، وأن يقوموا معا بحماية ونشر العدل الإجتماعى، والقيم الأخلاقية، والسلام و الحرية ، من أجل كافة البشر " (صفحة 29).

وما من إنسان يجهل أن مجمع الفاتيكان الثانى يمثل أهم الأحداث قاطبة بالنسبة للكنيسة فى القرن العشرين. فعلى العكس من كافة المجامع السابقة ، التى كان يتم عقدها لتدارس المشكلات الحقيقية التى تمثل أخطارا على نفس الكيان الكنسى ، بما أنها بكلها عبارة عن تهديدات لاهوتية ناجمة من داخل الكنيسة أو من خارجها ، فإن المجمع الفاتيكانى الثانى يعد أول مجمع هجومى فى تاريخ الكنيسة، إذ أنه قرر علنا تنصير العالم بقرار لا رجعة فيه. ومن بين الخمسة عشر وثيقة التى أصدرها المجمع بين 1964 و1965 ، فإن وثيقة "فى زماننا هذا" التى تعنينا هنا قد تم التوقيع عليها فى 28 /10/1965 . والنص النهائى للوثيقة وكل محاضر الجلسات والتعليق عليها موجودة فى الكتاب الصادر عن دار نشر دى سير (du Cerf)، سنة 1966 ، تحت عنوان : مجمع الفاتيكان الثانى وعلاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية ، وهو يمثل جزءا من المجموعة الكنسية برقم 61 . والكتاب يتكون من 335 صفحة ، ومقسّم إلى ثلاثة أجزاء بخلاف الملحقات. والجزء المتعلق بالإسلام يحتل الصفحات من 200 إلى 236 . وقد قام بصياغته القس روبير كاسبار، أستاذ "علم اللهوت الإسلامى" بالمعهد البابوى للدراسات العربية فى روما ، ومستشار السكتارية الخاصة بغير المسيحيين. وأثناء انعقاد المؤتمر كان عضوا فى اللجنة الفرعية الخاصى بالإسلام.
وعند قراءة الست وثلاثين صفحة المتعلقة بصياغة النص ، لا يمكن للقارىء الا يشعر بالإشمئزاز والقرف بالنسبة لذلك الموقف المتعنت وغير الأمين لهؤلاء الأباء الأجلاء ، الذين تفننوا فى استبعاد الإسلام كديانة توحيدية ، أتت لتصويب ما تم فى الرسالتين السابقتين من تحريف وإنحراف. و يبدأ الأب كاسبار بتوضيح الجو العام الذى دارت فيه هذه الجلسات ، قائلا: "لا بد لى من الإعتراف أولا بأن الديانات غير المسيحية تحتل مكانة ضئيلة فى اهتمامات هؤلاء الأساقفة والمؤسسات المعنية (...) ، وأساقفة البلدان التى بها الإرساليات يتحدثون كثيرا عن المشكلات التى تصادفهم فى التبشير ، وقليلا ما يذكرون الديانات غير المسيحية كديانات ، ولا شىء تقريبا يقال عن الإسلام . والمرء يدهش من ملاحظة الصمت المطبق للكنائس الشرقية حول هذا الموضوع الذى يواجهونه يوميا " ( صفحات 201 و 202 ). ومن المؤسف رؤية أن التعنت الوحيد لهؤلاء الأباء الأجلاء هو الإهتمام بتدارس كيفية تنصير العالم ، رغم تلك اللافتة المعلنة عاليا والمنادية بحرية العقيدة !
من ناحية أخرى ، لا نرى ضرورة لفتح هامش نوضح فيه الموقف المثير للإشمئزاز لهؤلاء الأباء الأجلاء ، وخاصة موقف الذين يمثلون الكنائس الشرقية ، أى الأقليات المسيحية التى تعيش بين المسلمين ، وعدم أمانتهم تجاه البلدان التى يعيشون فيها ، فالنص شديد الوضوح...
ويبدأ الأب كاسبار بتلخيص مختلف وجهات النظر التى لاحت منذ أولى الحوارات، والتى يلخصها فى نقطتين ، لا بد من أخذهما فى الإعتبار : " أن الإسلام عبارة عن شرّ مطلق لا بد من دحضه ، وخطر بالنسبة للكنيسة لا بد من محاربته. والثانية ، ترى فى الإسلام بصيص من النور لبعض الحقائق والتشابهات مع المسيحية والتى يجب تنميتها "( صفة 202 ) ، ( الخطوط من وضعنا فى النص كله). وأن البطريارك مكسيموس هو الذى أسدى ملاحظة "أنه لا يمكن التحدث عن اليهود دون التحدث عن الديانات الأخرى و خاصة الإسلام" (صفحة 203 ). وهنا تجدر الإشارة إلى أن واحدا من أهم السباب التى دعت إلى إجتماع هذا المجمع هو التنازلات غير المسبوقة التى تمت لليهود أو التى تم فرضها على الكنيسة ، رغم مخالفتها الشديدة للنصوص ، وتدارس كيفية جعل الأتباع يبتلعونها ! وإختصارا ، فإن المحاولات الأولى المتعلقة بالإسلام تم اتخاذها فى دورة 1964 ، لإدخال فقرة حول المسلمين فى نص البيان.
وكان النص المبدئى يتضمن العبارة التالية : " وليسوا غرباء أيضا عنالتنزيل الذى تم على الأباء ، أبناء إسماعيل ، الذين يعترفون بإبراهيم كأب لهم ،ويؤمنون بإله إبراهيم". وكانت هناك ملحوظة توضح أن " أبناء إسماعيل " هم المسلمون... إلا أن التصويت على النص الذى كان يتضمن عبارة " أبناءإسماعيل" قد قوبل باعتراض شديد. ويوضح الأب كاسبار ذلك قائلا : " ما الذى حدث ؟ من بحث تعليقات التصويت تبيّن أن النص المقترح، رغم إعتداله ( ليسواغرباء عن التنزيل الذى تم على الأباء" يمكنه أن يستبق الحكم فى حل مسائل صعبة ومصار جدل شديد، من قبيل الإنتساب التاريخى للعرب لإسماعيل ، وخاصة ربط الإسلام بالتنزيل الإنجيلى " (صفحة 205). وهو ما يؤكد عدم الأمانة المتعمّد.
وبعد مداولات ممتدة ، وإقتراعات وإستبعادات ، يوضح الأب كاسبار أن النص الأصلى المكوّن من بضعة أسطر، والخاص بالمسلمين ، قد تمت زيادته بشكل ملحوظ : " فهو يستخلص الخطوط الرئيسية لعبادة المسلمين ويدعو إلى نسيان خلافات الماضى ، وإلى الحوار والتعاون بين المسيحيين و المسلمين لصالح الإنسانية العام" (صفحة 206). وقد تم التصويت عليه بعدد 1910 موافقون و 189 معترضون.
وفى الجزء الثانى من نصه التفسيرى ، يتحدث الأب كاسبار عن المكانة التى يحتلها الإسلام فى تاريخ الخلاص ، موضحا كيف يقوم البيان بوضع الإسلام بين الديانات الكبرى الأسيوية التى تولدت بعيدا عن المسيحية (...). والبيان لا يقول شيئا حول الوضع الدينى للإسلام بالنسبة للتنزيل اليهودى-المسيحى (...) وقد أوضحنا أن المجمع كان قد استبعد الصياغة الأولى للبيان والتى كانت تشير بشكل طفيف إلى صلة بين " التنزيل الذى تم على الأباء " و الإسلام (صفحة 213 ). وبتفاديه إتخاذ إى موقف حول هذه المسألة ، فإن النص يضع الإسلام فى الصفالأول للديانات التوحيدية غير اليهودية-المسيحية. ويواصل الأب الكريم مضيفا : " من المهم أننرىجيدا ما الذى يود المجمع أن يقوله ، وما الذى لا يريد قوله و الأسباب التى دعته إلى ذلك " ! (نفس الصفحة السابقة).
وفى الجزء الثانى من النص الذى كتبه الأب كاسبار ، يتحدث فيه عن التوحيد الإسلامى ويقوم بنوع من شرح النص الرسمى ، وكيفية إختيار الكلمات للنص النهائى للوثيقة. ومن المحبط و المثير للإستفزاز أن نرى كيف تم اختيار كل كلمة بريبة و بحرص شديدين ، وكيف تم اختيار أسماء الله – فى تلك الوثيقة، بلؤم ومكر، إذ يقول الأب كاسبار : " وهكذا قام المجمع بوصف إله الإسلام باختيار الملامح الأساسية للإيمان الإسلامى والشبيهة لما هو وارد فى المسيحية. فأسماء أخرى كان يمكن أن تؤكد الخلافات بدلا من التشابهات" (صفحة 219).
وفى مواصلة شرحه هذا ، يلفت الأب كاسبار النظر إلى أن الوثيقة : " تضع إلراهيم لا كجد فى سلسلة نسب العرب المسلمين ، وإنما تضعه كنموذج للإيمان الإسلامى لخضوعه لإرادة الله " (صفحة 221).
وإذا ما قام القارىء باسترجاع نص تلك الوثيقة فيما يتعلق بالمسلمين ، ويمكنه الرجوع إلى الصفحة الأولى من هذا المقال ، سيلحظ النقاط التالية :
· أن كلمة " إسلام " غير واردة بهذا النص.
· أن الكنيسة تنظر أيضا بعين الإعتبار إلى المسلمين ، فلا تشير إليهم على أنهم أتباع الرسالة التوحيدية الثالثة ، وإنما تنظر إليهم فحسب بعين الإعتبار !
· أن الإله الذى يعبده المسلمون " قد تحدث إلى البشر" ، أى أنه لم يتحدث تحديدا إلى سيدنا محمد !
· الإصرار المتعمّد لاستبعاد النسب التاريخى للمسلمين إلى سيدنا إسماعيل . وهنا لا يمكننا إلا أن نتساءل : هل إختفى نص العهد القديم من الوجود، لذلك لم يتمكن هؤلاء الأباء المساكين المجتمعينلصياغة ذلك البيان، ولا يعرفون تاريخ المسيحية بالنسبة لقرابتها وعلاقتها فى سلسلة النسب مع الإسلام والمسلمين ؟! ومع ذلك فالتاريخ المعاش ، ثابت بكل وضوح فى الوثائق والنصوص !
· أن الإيمان الإسلامى يتخذ سيدنا إبراهيم كنموذج ، يتخذه مثلا طواعية ولا ينتسب إليه ! ومن العار أن نرى مواصلة ذلك التعنت بلا خجل !
· السعى الحثيث لإستبعاد الإسلام من النص الإنجيلى رغم كل الإشارات التى لا تزال فى الكتاب المقدس بعهديه ، حتى بعد كل ما أصابه من تعديلات وتغييرات متعددة ، لكى لا نقول تحريفات ، وهو ما أثبته بجدارة رجل القانون الأمريكى جوزيف هويلس ، فى كتابه المعنون : التحريف فى المسيحية .
· عملية التزوير فى التاريخ و وضع الإسلام بين الديانات الكبرى الأسيويةالتى تولدتبعيدا عن المسيحية! إن المغالطة من الوضوح بحيث ان أى شخص ملم بجزء ولو ضئيل من المعلومات التاريخية سيدرك التحريف.. وإذا كان هؤلاء الأباء البؤساء لا يعرفون الفرق جغرافيا بين آسيا وبلاد العرب و فلسطين ، فما الذى يمكننا أن نتوقعه من أمثالهم ؟ !
من الجارح والمخيّب للآمال أن نرى كل ذلك التصلّب لهؤلاء الآباء الأجلاء ، وإصرارهم على التزوير و تغيير الحقائق التاريخية ، وخاصة الإعتماد على هذا التزوير لإصدار أحكام ، ووضع توجيهات للتصرف أو فرض قرارات بعينها ! و من المفزع أن نراهم يجمعون على قول " إن المسلمين يقدرون الحياةالأخلاقية " ! ولو كان هؤلاء الأجلاء قد سألوا عن المضمون الحقيقى للقرآن فيما يتعلق بالأخلاق ، لأتاهم كرد مفعم رسالة الدكتوراه المكوّن' من 770 صفحة والتى تمت مناقشتها فى السوربون سنة 1952، والتى تقدم بها الدكتور محمد عبدالله دراز، تحت عنوان " الأخلاق فى القرآن ". وذلك ليروا إلى أى مدى الأخلاق لا تمثل فحسب جزءا لا يتجزأ من القرآن ، وانما هى واحدة من أهم دعائمه التى تنظم حياة المسلم فى كافة المجالات ، حتى فى المجال الحربى : حيث لا يحق للمسلم أن يبدأ بالإعتداء ولكن بالرد فقط وبيقدر الإعتداء نفسه . والنصوص موجودة لكل من يود معرفة الحقائق بلا إلتواءات. فمن السخرية أن نطالع مجرد "أن المسلمين يقدرون الأخلاق" !
أما فيما يتعلق "بالخلافات و العداوات " التى اندلعت بين المسيحيين والمسلمين ، فمن الثابت فى وثائق ونصوص المؤرخين المسيحيين أن الإسلام قد تمت محاربته منذ بداية إنتشاره على أنه "هرطقة" من الهرطقات التى كانت ترفض تأليه يسوع. ومنذ أولى الأيام قام الكتّاب المسيحيون بوصف الإسلام بأقذع وأحط الأوصاف. ففى النصف الأول من القرن الثامن قام يوحنا الدمشقى بتشبيه الإسلام بحركة هرطقية شديدة القرب من الأريوسية – والأسقف أريوس كان من الذين يرفضون تأليه يسوع وشلحته الكنيسة. وفى منتصف القرن التالى نطالع فى حوليات تيوفان قوله : "أنه فى عام 622 توفى نبى مزيف من سلالة إسماعيل" (وارد فى كتاب فيليب سيناك : صورة الآخر صفحة 30 ). ونطالع فى صفحة 97 من نفس الكتاب : " ومنذ ذلك الوقت لن يذكر اسم نبى الإسلام إلا مقرونا بالمسيح الدجال. وفى منتصف القرن الثانى عشر ، قال القديس برنار الذى كان يحث على الحرب الصليبية الثانية أن نهاية المسيح الدجال قد إقتربت وان المسلمين الذين يتهددون القدس ليسوا سوى أولياء الظلمات وقد اجتمعوا من أجل نهايتهم المحتومة " . ومن المحزن ، للأسف ، أن نرى القديسين يسقطون فى هاوية التزوير والتحريف للتاريخ . وعلى أى حال فهذا القديس لم يكن وحده هو الذى انجرف إلى هاوية التحريف والتزوير التى تتواصل حتى يومنا هذا بهوسٍِِ أكثر تسلطا !
وهل لنا أن نضيف ما قاله الأب كاسبار فى صفحة 209 ، بعد أن استعرض العداوات والخلافات التبريرية المسيحية ، من " أنه طوال القرنين الماضيين (والنص مكتوب فى سنة 1965 ) قام الغرب المسيحي بالهجوم والإعتداء على البلدان الإسلامية باستعمارها أو بوضعها تحت الحماية (...) والمسيحيون الذين يعيشون وسط المسلمين ، ولو فى تداخل جزئى ، تبيّن أنهم غير قادرين على ادراك ما يكوّن جوهر وعظمة الإسلام ، وهى : التصعيد المطلق لله الواحد. وكان الوضع فى الغرب المسيحى أسوأ . فلمدة قرون طويلة سيكتفى الغرب بنشر أسوأ وأحط الأحكام على الإسلام ونبيه ، دون حتى أن يكلفوا أنفسهم بتبين حقائق ذلك المذهب". ولا جدوى من إضافة هنا أن حتى البابا بنديكت السادس عشر لم يتمكن من إدراك عظمة التصعيد المطلق لله الواحد الأحد فى الإسلام ، و وجد أنه أمر لا يتفق مع العقل والمنطق !!!
وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل لماذا إيقاد كل ذلك الحقد والكراهية ضد الإسلام والمسلمين والإصرار على المحافظة عليه ؟! لماذا ذلك الوجه المزدوج أو التعامل بوجهين، خاصة حينما نقارنها مع التنازلات التى قدمها الفاتيكان لليهود ؟! بل وما الذى يمكن قوله عن ذلك الإصرار على اقتلاع الإسلام كديانة توحيدية وبكل تلك الضراوة ؟ و مع ذلك فالتاريخ شديد البساطة والوضوح رغم كل عمليات التحريف تلك.
فإذا ما استبعدنا كافة التفاصيل لنتخطى الزمن لتناول تاريخ رسالة التوحيد فى بضعة كلمات سنجد : أن رسالة التوحيد نزلت على موسى النبى عليه الصلاة والسلام ، ثم عاد اليهود إلى العجل وقتل الأنبياء. فأُنزلت رسالة التوحيد على عيسى النبى عليه الصلاة والسلام موضحا أنه لم يرسل إلا من إجل خراف بيت إسرائيل الضالة (متى 15 : 24). وفى مطلع القرن الرابع ، فى سنة 325 ، قام المتحكمون فى الكنيسة الكاتوليكية بتأليه يسوع ، ثم بعمل عقيدة الثالوث وفرضوها غير عابئين بالنصوص والحقائق التاريخية ، واقعين بذلك فى هاوية الشرك بالله. لذلك تم تبليغ الرسالة لثالث مرة على النبى محمد عليه الصلاة والسلام . وكانت رسالته لا من أجل إرجاع الخراف الضالة فى الرسالتين السابقتين إلى التوحيد فحسب وإنما للعالمين ، ليسيروا على السراط المستقيم الحق وعبادة الله الواحد الأحد. وهو ما نطالعه بوضوح فى نص شهادة الإسلام: " لا إله إلا الله " ، لا أشخاص مؤلهة ولا ثالوث يشرك بالله . وهذا هو ما يؤكد بوضوح التصعيد المطلق لله الواحد الأحد ، الله الذى ليس كمثله شىء.
وعلى عكس ما تقولة وثيقة الفاتيكان الشهيرة حول "أحكام الله المخفية" فى الإسلام ، فإن وضوح الأحكام الإلهية الإسلامية ، التى تم الحفاظ عليها سالمة بدقة وحرص شديدين ، ترجع إلى أنه لا توجد معميات مفروضة بظلمات أيا كانت ، لا يوجد ايمان بألوهية المسيح ، لا يوجد تاريخ تم " توضيبه " وفقا للأهواء بعد تغييره وتحريفه، لا يوجد مسيحا ولا وساطة منسوجة بين الله والبشر ، لا يوجد خلاص على يد أحد وكلها بدع مختلقة ! لا يوجد فى الإسلام أى شىء من هذه الأحاييل الكنسية. لايوجد سوى إختيار واضح بين الخير و الشر ، بين الحلاح والحرام ، بين السراط المستقيم وسراط معوجّ ملتوى. أنه اختيار متواصل على كل إنسان أن يقوم به وهو ما يضعه وحده أمام الله، ولا شىء معه سوى أعماله التى قام بها فى الدنيا والتى اختارها طواعية ليجزيه الله فى يوم الحساب. ذلك هو الإسلام.
إن هذا الوضوح البسيط للأحكام الإلهية فى الإسلام ، وهذه النزعة الإنسانية العميقة والعادلة ، هى التى جعلت أنه على مدى إثنى عشرة سنة انتشر الإسلام فيما بين النهرين وفلسطين وسوريا ومصر ، مخلّصا شعوبها من الإضطهاد المتعصب ، بفضل الإسلام والمسلمين, وهو ما يؤكد و يضفى مصداقية واضحة على ظاهرة إنتشار الإسلام، وهى من الظواهرالأكثر وضوحا والأكثر تأثيرا على العالم ، منذ مطلع القرن السابع وحتى يومنا هذا.
وإذا انتقلنا بإيجاز شديد إلى تاريخ النصوص ، ما الذى سنراه وفقا للأبحاث الحديثة خاصة ؟ أن النصوص العبرية قد احترقت مع المعبد قبل الميلاد بخمسة قرون ، ثم قام عزرا بكتابتها من الذاكرة بعد ذلك بقرنين أو ثلاثة ، ولم تنته صياغتها إلا فى القرن العاشر الميلادى ! ونصوص العهد الجديد قد تمت صياغتها فى اواخر القرن الميلادى الثانى ، بأقلام كتبة مجهولون وليست الأسماء التى هى معروفة بها . ثم قام القديس جيروم بصياغتها من بين أكثر من خمسين إنجيلا . والخطاب/المقدمة الذى يوجهه للبابا داماز ، الذى طلب منه القيام بذلك العمل ، لأكبر دليل على التحريف والتلاعب الذى تم فى نصوص العهد الجديد (راجع طبعة البنديكتين سنة 1693 ) ! وعلى أى حال فلم يكن بلا سبب أن تقوم الموسوعة البريطانية بقول أن هناط 150000 خطأ ترجمة وتناقض وعدم توافق فى الأحداث. وقد قام العلماء حديثا برفع هذا الرقم إلى الضعف بفضل الأبحاث التى اجروها. وفى واقع الأمر ، لا توجد أى وثيقة واحدة أصلية لا بلغة عيسى عليه السلام ولا من عهده : كل هذه النصوص عبارة عن نصوص منقولة عن نصوص منقولة ومعاد نقلها . وهو ما يجب أن نضيف عليه إعادة تغيير هذه النصوص والعقائد عبر المجامع ومن طبعة إلى أخرى على مر العصور. وعلى العكس من ذلك ، فمن الثابت والمعروف لدى الجميع ان النص القرآنى هو النص المنزّل الوحيد الذى تم الحفاظ عليه بلا تحريف أو تغيير ولو حرف واحد من حروف ، منذ انزله الله حتى يومنا هذا وسيظل محفوظا إلى يوم الدين ...
وقبل عصر التنوير بكثير ، وفى زمن لم يكن أحد بعد يعرف بما يدور فى كواليس المؤسسة الكنسية ، قام القرآن الكريم بإنكار صَلب يسوع ، وبإنكار تأليه يسوع، وبدحض الثالوث، كما قام بكشف مختلف أنواع التلاعب الذى تم فى النصوص الإنجيلية. وهو ما تم إثباته قطعا طوال القرن العشرين خاصة ، بل ومن قبله .. بحيث ان هذه المعلومات فى الغرب باتت من المعلومات الدارجة التى نطالعها فى الموسوعات والقواميس ، حتى المدرسية منها من أمثال قاموس لاروس الصغير. وهذه الحقائق هى فى الواقع التى تثير أحقاد المتحكمين فى المؤسسة الكنسية. ونذكر مما أورده القرآن الكريم على سبيل المثال :
· وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شكٍ منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظّن وما قتلوه يقينا ( النساء / 157)
· ياأهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فأمنوا بالله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد ... (النساء/171)
· ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (البقرة 42)
· فبدّل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون (البقرة / 59 )
· أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (البقرة / 75 )
ومن الملاحظ طوال النص القرآنى ان عيسى عليه السلام يطلق عليه : "عيسى بن مريم " لستبعادا لتلك الهرطقة التى تقول أنه "إبن الله" أو "ألله نفسه" !
وهنا لا يمكننا إلا أن نتساءل بكل مرارة : ألم تكف الفا عام من التاريخ المدرج بالدماء والحروب الضارية التى قادتها هذه المؤسسة الفاتيكانية لتفرض نفسها بكل ذلك الطغيان ، لكى تفهم أنها ليست على الطريق المستقيم ؟! وبدلا من مواصلة قلفطة التحريف والتزوير والغش لتبشير الشعوب ، لتنصير الشعوب ، خاصة بعد كل تلك الأبحاث الجديدة الجادة والتى عرضنا منها تلك الشذرات الواردة بهذا المقال ، أليس أكثر إنسانية وأكثر منطقية أن تترك الناس فى حالها وأن تكرس جهودها لاستبعاد كل تلك الآلام التى تغص بها الأرض ، وكل هذه الأوبئة ، والمجاعات ، والأمراض ، وكل هذه الكوارث الطبيعية أو المفتعلة ، التى تتهدد الحياة على الكرة الأرضية بكلها ، دون الإصرار الأعمى على تنصير الشعوب ؟! إن مليارات الدولارات التى تنفق هباء وبعته لتنصير العالم سوف تعاون بلا شك على النخفيف أو تحسين ذلك المصير المأساوى الذى ينتظرنا جميعا ..
وفى النهاية ، لا يسعنا إلا العودة إلى تلك الجملة البذيئة والظالمة ، لكنها جدّ كاشفة ، والتى تصف الإسلام " بأنه عبارة عن خطأ مطلق لا بدمن دحضه ، وخطر بالنسبة للكنيسة لا بد من محاربته " ، لنسأل تلك المؤسسة الفاتيكانية ، بكل صدق وموضوعية ، أى الديانتين يعد خطأ مطلق بالنسبة للدنيا : تلك المسيحية الفاتيكانية المتعنتة ، المتصلبة الرأى ، والتى تم اختلاقها تلفيقا عبر المجامع على مر العصور ، أم الإسلام ، الذى لم يهن عليكم حتى ذكر أو كتابة اسمه فى تلك الوثيقة ، والذى لم تكفّوا عن محاربته بضراوة وعدم أمانة لا مثيل لهما ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.