أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم السبت 4 مايو    ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا حال وصوله للسلطة    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    بعد إيقاف تونس.. ما مصير مباراة الأهلي والترجي في دوري الأبطال؟    مانشستر سيتي يسعى للثأر من وولفرهامبتون في البريميرليج    تحذير من الأرصاد| اضطراب الملاحة وارتفاع الأمواج في البحر المتوسط.. ممنوع السباحة    اليوم، تطبيق أسعار سيارات ميتسوبيشي الجديدة في مصر    إسكان النواب: إخلاء سبيل المحبوس على ذمة مخالفة البناء حال تقديم طلب التصالح    تفاصيل التحقيقات مع 5 متهمين بواقعة قتل «طفل شبرا الخيمة»    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الشورى والديمقراطية وبين الشورى والاستشارة
نشر في الشعب يوم 09 - 04 - 2013


من ترك الشورى من الحكام فعزله واجب دون خلاف
الشورى فريضة إسلامية واجبة على الحكام وعلى المحكومين والبديل هو الرأى الواحد أو الاستبداد
الشورى لا تتعارض مع حقوق المواطنين كافة فالشريعة توفر الحماية للجميع
ابن القيم: أى مسألة خرجت من العدل إلى الجور أو من المصلحة إلى المفسدة، أو من الحكمة إلى العبث، أو من الرحمة إلى ضدها.. فليست من الشريعة فى شىء
دعوات التسفيه والتقليل من قيمة الشعب بما يسمى ب«ديمقراطية» الجرعات هى دعوات باطلة تهدف إلى تكريس الاستبداد
آفة الثورة وحجر عثرتها فى المحاصصة الحزبية فى اقتسام الغنائم والمناصب
آفة الثورة الثانية هى غياب الشفافية وعدم المصارحة والتستر على قتلة الثوار والمحرضين والمفسدين
تناولنا فى مقال الأول من يناير 2013 قضية «الإسلام والتعددية»، وأشرنا فيه إلى أن قضية التعددية فى الإسلام ترتبط ارتباطا وثيقا بقضية الشورى، وأن التعددية سنة من سنن الله لأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا. وأشرنا إلى أن الشرط الذى يضعه الإسلام هو ألا يكون هناك نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة حتى تجوز التعددية فى تلك المسألة وألا تتعارض هذه الرؤى مع الثوابت الإسلامية، أو ما اصطلح عليه فقهاء الإسلام بما هو معلوم من الدين بالضرورة.
التعددية فى الإسلام تعنى وجود اجتهادات متعددة أو اختلافات فقهية فى مسألة واحدة، والاختلاف الفقهى قد ينشأ عند تنزيل الأحكام الإسلامية على الواقع المعاش، ومن ثم فإن الاجتهاد يتعدد باختلاف عناصر ثلاثة متغيرة (اختلاف الزمان - اختلاف المكان - اختلاف الحال وهو ما أسميته ب«الخصوصية الحضارية للمجتمعات»).
والمساحة قطعية الثبوت والدلالة فى القرآن والسنة لها الأولوية الأولى فى الأحكام الفقهية والتى لا تحتمل اللبس (الفرض – الواجب – الحلال – الحرام – المنهى عنه) بينما المساحة الظنية فيها (المستحب – المتشابه – المكروه).
والمساحة القطعية هى المساحة الأصغر، بينما المساحة الظنية هى المساحة الأكبر، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده؛ فيتفق الفقهاء فى المساحة الصغيرة قطعية الثبوت والدلالة، بينما يرِدُ الخلاف فى المساحة الكبيرة الظنية، فمن رحمة الله وجود هذه المساحة الظنية الكبيرة والتى تحتمل الاجتهاد والخارجة عن المساحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة.
وفى مقال 26 من فبراير 2013 تعرضنا للشبهات التى يثيرها العلمانيون أحيانا والإسلاميون أحيانا أخرى بعنوان (شبهات حول الإسلام والتعددية)، وتطرقنا إلى (شبهة الإسلام لا يحتمل التعددية - شبهة أن الإسلام لا يمكنه التعايش مع الآخر - شبهة أن الإسلام ضد الحزبية - شبهة أن المناداة بالتعددية نوع من مجاراة الواقع). وأوضحنا خطورة رفض التعددية وإخراج المخالفين من الملة، وأننا قبل أن نتحدث عن قبول الآخر علينا أن نعذر مخالفينا داخل الصف المسلم حتى يجمعنا الله وإياهم على صحيح إسلامه.
وخلصنا فى المقالين إلى أن البديل للتعددية هو الرأى الواحد, والرأى الواحد يفضى إلى الاستبداد، وهو ما يُرفض إسلاميا. والدليل على هذا قول إمامنا الفقيه الشافعى إن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأى الآخرين خطأ يحتمل الصواب. إذن فالتعددية فى الفقه والفكر الإسلامى أمر مشتهر، ولم يحدث أن أحدا من الفقهاء أقر أن رأيه هو الرأى الوحيد الصواب.
بين الشورى والديمقراطية
إذا انتقلنا إلى قضية (الشورى) نجد أن الآية الكريمة «وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» [الشورى: 38]، أى أن دليل الاستجابة لله تعالى (إقامة الصلاة وإعمال مبدأ الشورى والإنفاق فى سبيل الله) أى أنه سبحانه ساوى بين الصلاة والإنفاق والشورى، وهذا يؤكد أن الشورى أصل إسلامى عظيم وصحيح. ثم إن الأمر القرآنى فى سورة الشورى للرسول صلى الله عليه وسلم - الذى يوحى إليه - أمر واضح لا يحتمل أى تأويل ولا يحتمل أن يكون ظنى الدلالة «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» [آل عمران: 159].
يقول الشهيد عبد القادر عودة فى كتابه المرجع «الإسلام وأوضاعنا القانونية»: «إن نظام الحكم الوحيد الذى يعرفه الإسلام هو الحكم القائم على دعامتين: إحداهما طاعة الله واجتناب نواهيه، والأخرى: الشورى، أى أن يكون أمر الناس شورى بينهم.. فإذا قام الحكم على هاتين الدعامتين فهو حكم إسلامى خالص، وليُسمَّ بعد ذلك: الخلافة والإمامة، فكل هذه تسميات لا غبار عليها. أما إذا قام على غير هاتين الدعامتين فهو حكم لا ينسب للإسلام». ورتب العلماء على ذلك أن من ترك الشورى من الحكام فعزْلُه واجب دون خلاف - تفسير القرطبى – ج 4/ ومفاتيح الغيب، للرازى.
ويضيف الشهيد عبد القادر عودة فى كتابه السابق: «الشورى بالنص القرآنى فريضة إسلامية واجبة وهى فريضة على الحكام وعلى المحكومين فى آن واحد، على الحاكم أن يستشير المحكومين فى كافة أمور الحكم والإدارة والسياسة والتشريع وما يتعلق بمصلحة الأفراد أو المصلحة العامة (مصلحة الأمة), وعلى المحكومين أن يشيروا على الحاكم بما يرونه فى هذه المسائل كلها, سواء استشارهم الحاكم أو لم يستشرهم»، أى على المحكومين أن يؤدوا هذا الدور، وإلا أثمت الأمة.
مفاهيم أساسية
1- الشورى سابقة على التشريع: فى ندوة للدكتور توفيق الشاوى حول كتابه (فقه الشورى والاستشارة) قال: «مكث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فى مكة ثلاثة عشر عاما وفى المدينة عشرة أعوام، وأغلب الآيات المكية كانت فى العقيدة، فما الذى كان يحكم المجتمع المسلم فى مكة المكرمة؟ إنها الشورى؛ لأن آيات التشريع فى مكة كانت محدودة وقليلة لحكمة قدرها سبحانه وتعالى فى التدرج فى التشريع؛ فلقد كانت المهمة الأولى فى المجتمع المسلم تثبيت العقيدة. كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستشير أصحابه أو يقر بالعرف الذى لا يتعارض مع الإسلام، أى أن الشورى كانت سابقة على التشريع».
ويمكن أن نستنتج من هذا أن الدساتير والقوانين ليست قرآنا يتلى، وإن سكتت عن بعض القضايا أو المسائل فإن الشورى كفيلة بأن تصل إلى الرأى الصواب فى هذه القضايا.
2- الاستشارة: الاستشارة غير الشورى, فمن المعروف أن دساتير الدول تعطى رؤساء الدول صلاحيات محددة، وهكذا كان الحال فى عهد الخلافة والتى كان لها صلاحيات محددة؛ فإذا جاء ولى الأمر واستشار بعض مستشاريه أو غيرهم فى أمور تدخل فى نطاق صلاحياته فإن هذه استشارة، وهى معلمة للحاكم غير ملزمة، على عكس الشورى التى يشاور فيها ولى الأمر الأمة وهى ملزمة له فيما هو خارج نطاق صلاحياته التى يقرها الدستور أو تقرها البيعة.
وفى هذا الصدد فإن الدستور أعطى رئيس الجمهورية صلاحيات فى حدود معينة، ويمكن للرئيس أن يبت فى بعض القضايا فى حدود صلاحياته التى كفلها له الدستور والقانون، ولكنه إذا أراد أن يستأنس برأى بعض المستشارين من ذوى الاختصاص فهذا من حقه، ومن حقه أيضا -مادام هذا فى حدود صلاحياته- أن يأخذ برأى هؤلاء المستشارين أو لا يأخذ، فالاستشارة معلمة له غير ملزمة، على عكس الشورى التى تقع خارج نطاق صلاحياته والتى تكون ملزمة له.
3- نطاق الشورى: المساحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة - والمحددة بالنصوص القطعية والمقاصد الكلية للشريعة والقواعد الشرعية أو الفقهية الحاكمة - لا تحتمل الاجتهاد، ومن ثم لا توجد شورى فى هذه الدائرة, لكنها قد تحتمل الاجتهاد فى التنفيذ, بمعنى أنه من الممكن أن نجتهد فى آلية تنفيذ قطعى الثبوت قطعى الدلالة؛ فالشورى مثلا من الأمور قطعية الثبوت قطعية الدلالة التى لا تحتمل الاجتهاد لكن آلية تنفيذها تحتمل الاجتهاد. آلية إعمال الشورى التى كانت على عهد رسولنا الكريم والخلفاء الراشدين ربما لا تناسبنا الآن، نظرا إلى زيادة أعداد المسلمين واتساع المجتمع المسلم وتغير الشكل السياسى للدولة المسلمة.
والفروق الجوهرية بين الشورى والديمقراطية:
أ- الشورى نظرية وآلية والديمقراطية كذلك،
الشورى والديمقراطية لكل منهما نظرية حاكمة وآلية فى التطبيق - إذا جاز أن نستخدم المصطلحات العلمية الحديثة - فالشورى لها بعدها النظرى ولها آلية للتطبيق وأيضا الديمقراطية نظرية ولها آلية للتطبيق.
الديمقراطية كونها نظرية مُخالِفة لنظرية الشورى، كما سنوضح فيما يلى، لكن الديمقراطية كونها آلية (كصندوق انتخابات أو غيره) فهى آلية لا تتعارض مع الشورى ربما تكون مطلوبة لإعمال مبدأ الشورى.
البعض يعتبر أن صندوق الانتخابات هو الشكل الوحيد لإعمال الديمقراطية, ولكنه حتى وإن لم يكن الشكل الوحيد فإنه آلية مهمة لإعمال مبدأ الشورى إلى أن يبدع العقل المسلم أشكالا وآليات أخرى قد تكون متوازية مع صندوق الانتخابات، وقد تكون متكاملة معه وقد تكون هى البديل.. كل هذا فى مساحة الاجتهاد الذى يسمح به الإسلام.
وإذا كانت الديمقراطية هى صندوق الانتخاب أو تمثيل الشعب فى البرلمان, ففى عهد الرسالة والخلافة كان من الممكن أن يستفتى المسلمون فى المساجد أو أن يستشار أهل الحل والعقد، كانت هذه آليات هذا الزمان, وآليات (صندوق الانتخابات أو غيره) هى آليات زماننا هذا، وكل هذا وسائل اجتهادية لتحقيق مقصد شرعى صحيح وهو الشورى.
ب- الشورى ليست مطلقة على عكس الديمقراطية؛ لأن الشورى مقيدة بنطاق الشورى والذى تحدده نصوص التشريع الإسلامى فى المساحة القطعية كما يحدده المقاصد الكلية للشريعة والقواعد الشرعية أو الفقهية الحاكمة. وهذه المساحة لا شورى ولا استشارة فيها لأنك لن تستشير فيما فيه نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة، كما أنه لا يجوز الشورى فيما يخالف المقاصد الكلية للشريعة؛ لأن هذا يخرج عن نطاق البشر فليس فيه مجال للشورى، أى أن الشورى ليست مطلقة، بل هى فى المساحة الظنية ولا تتعداها.
على العكس من هذا الديمقراطية: الديمقراطية مطلقة، وتستفتى الناس فى كل شىء، وهناك «العرف» ربما هو الاستثناء، أو القواعد الدستورية التى يقولون إنه ليس معها استفتاء, أى أن العرف والقواعد الدستورية يشكلان نطاق الديمقراطية، وإن كان نطاقا محدودا جدا ويمكن أن يتغير تبعا لتوازنات القوى فى الدولة. فرق كبير بين النطاقين - إذا جاز وجود نطاق للديمقراطية - فيمكن أن يكون هناك ممارسة ديمقراطية حول حق الشذوذ أو حق اللواط أو إباحة الإجهاض أو الربا أو التفريط فى الأرض لدولة أخرى, هذه الأمور كلها لا يمكن أن تدخل فى نطاق الشورى, هل يمكن أن يستفتى الشعب السورى مثلا فى التنازل عن الجولان؟ أو هل يمكن أن تستفتى الأمة الإسلامية فى التنازل عن القدس باعتبار أن الشورى هى الديمقراطية؟ وبأغلبية الأصوات هل يمكن عمل وحدة مع الكيان الصهيونى؟!
يوجد نطاق محدد للشورى على عكس الديمقراطية غير المقيدة بأى نطاق, وهذا هو الفارق الجوهرى الكبير بين الشورى وبين الديمقراطية.
ج- إقرار مبدأ الشورى ليس مرتبطا بحال الجماعة أو مدى رقيها أو مدى تقدمها, الشورى لا تعرف ديمقراطية (الجرعات)؛ فالشورى كانت فى المجتمع المسلم بمكة قبل أن تنزل آيات التشريع، كما أشرنا، برغم بدائية مجتمع مكة المسلم وضعفه وبرغم تنزل الوحى على رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- هل منع هذا إعمال مبدأ الشورى؟ كلا لم يمنع هذا إعمال مبدأ الشورى, العكس هو الصحيح؛ فإعمال مبدأ الشورى هو الذى يرقى بالمجتمعات ويخلق نوعا من المشاركة والانتماء للوطن والدين، أى أن الشورى والديمقراطية هى التى ترقى بالمجتمعات، أى أن هذه الحجة (ديمقراطية الجرعات) مردود عليها.
ومن هنا فإن دعوات التسفيه والتقليل من قيمة الشعب هى دعوات باطلة تهدف إلى تكريس الاستبداد، وكان أكثر النماذج فجاجة رئيس حكومة الرئيس المخلوع والذى هبط على الحكومة من شبكة المحمول أو أسلاك التليفونات أو اللوحات المعدنية للسيارات / أحمد نظيف، الذى تعامل مع الشعب المصرى على أنه شعب جاهل، فسبّه من خلال الصحف الأمريكية أو الأوروبية ظنا منه أنه لا يوجد من يمكنه الترجمة لشعبه الأمى! ففى عام 2005 صرح للصحف الأجنبية بأن الشعب المصرى لا يزال غير ناضج لتقبل الديمقراطية. والتعبير المسىء نفسه صرح به نائب الرئيس المخلوع (اللواء عمر سليمان) بعد اندلاع الثورة وقبل تنحى أو خلع مبارك. كان هذا رأى أهل الحكم - على عهد المخلوع - فى شعب مصر، فإذا بهذا الشعب العظيم يلقنهم درسا لم يتعلموه فى كليات الهندسة أو أركان الحرب أو فى دول أوروبا التى درسوا فيها كثيرا.. لقنهم درسا لم يتعلموا مثله وفى أقل مدة زمنية لا تزيد على ثمانية عشر يوما هى كل عمر ثورة 25 يناير المباركة، والتى استطاع فيها الشعب انتزاع حريته وأن يكون هو مصدر السلطات.
وتكرر الموقف نفسه بعد ثورة 25 يناير وإعلان نتائج الاستفتاءات والانتخابات التى جاءت على غير هوى القوى المعارضة للتيار الإسلامى، فلم يمكنهم تفسير نتائج الانتخابات التى لم توافق هواهم إلا باتهام شعب مصر بأنه شعب تتحكم فيه العواطف الدينية، وأمية القراءة والكتابة، إضافة إلى الأمية السياسية؛ لأن بوصلة الشعب السياسية ليست مع بوصلتهم.
د- ارتباط الديمقراطية بمصلحة الأغلبية وإن جار على حق الأقلية: تهدف الديمقراطية إلى تحقيق مصالح الطرف الأقوى على عكس الشورى التى يجب أن تقوم على الإخلاص والتجرد. المصالح الشخصية يمكن أن تكون فى الديمقراطية، والتى لا تتناقض مع الميكيافيلية «الغاية تبرر الوسيلة»، وهو ما ليس موجودا فى الفكر والفقه الإسلامى، بل يؤثّم من يقوم به، كما أن الشورى فى الإسلام يجب ألا تتعارض مع حقوق الأقلية السياسية أو الدينية أو العرقية، فالشريعة توفر الحماية للجميع.
يقول ابن القيم فى (إعلام الموقِّعين) فى فصل سماه فصل وجوب تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والعرف والحال والنيات... إلى آخره. وقال فى مقدمة هذا الفصل: «اعلم أن الشريعة عدل كلها، رحمة كلها، مصلحة كلها، حكمة كلها، وأى مسألة خرجت فيها من العدل إلى الجور أو من المصلحة إلى المفسدة، أو من الحكمة إلى العبث، أو من الرحمة إلى ضدها، فليست من الشريعة فى شىء، وإن أُدخلت فيها بالتأويل.
قواعد حاكمة للشورى
وإذا كنا قد أدركنا الفروق الجوهرية بين الشورى والديمقراطية فإن الشهيد عبد القادر عودة يتعرض فى كتابه (الإسلام وأوضاعنا السياسية) إلى بعض القواعد الحاكمة للشورى:
1- قاعدة الشورى حق مقرر للحكام والمحكومين وليس أحد منهم أحق من الآخر فيها:
على كل من الحاكم والأمة السعى لإعمال مبدأ الشورى, فعلى الحاكم أن يستفتى الأمة فى كل أمر يهم المسلمين وفيه مصلحة الأمة والعكس صحيح؛ فعلى كل فرد من الأمة أن يبدى رأيه فيما يتصور أنه يفيد صالح هذه الأمة؛ لأن هذا أمر واجب على الحاكم «وشاورهم فى الأمر»، فإذا لم يعرض الحاكم الأمر على الأمة فإنه يكون قد أخل بواجباته, وعلى الأمة أن تطلب منه إعمال هذا الحق, وإذا لم يفعل الحاكم هذا الحق يجوز للأمة أن تخرج عليه لأنه لم يلتزم بأمر قرآنى صريح وواضح بإعمال مبدأ الشورى.
وتتمة لهذا فإن الأمة يجب أن تُعمِل مبدأ الشورى إذا لم يقم الحاكم بذلك, ويجب أن توجد الجماعة التى تدعوا إلى هذا وإلا تأثم الأمة كلها, فإذا كان إعمال الشورى فرض كفاية على الأمة كلها فإنه فرض عين على الجماعة الصغيرة المؤهلة للقيام بمثل هذا الدور، وإذا لم تقم به فهى آثمة، لأن ذلك فرض عين عليها وعلى كل فرد عنده إمكانية القيام بهذا الدور.
2- قاعدة وجوب قيام الشورى على الإخلاص لله دون النظر إلى المصالح الشخصية:
أى أن الشورى يجب أن تتسم بالتجرد؛ لأن هذا إعمال لمبدأ قرآنى وإعمال لأمر الله سبحانه وتعالى, والالتزام بالأمر الإلهى يستوجب الإخلاص والتجرد بما يتنافى مع تحقيق أية منافع شخصية, وإن لم يقم الحاكم بها مخلصا ومتجردا فسيأثم وسيسأله الله سبحانه وتعالى.
إن مرضاة الله سبحانه وانتشال الوطن من الهوة السحيقة التى أسقطنا فيها النظام البائد هى الغاية العليا التى نسمو إليها، أما أحزابنا وتنظيماتنا وأشخاصنا فهى وسائل لتحقيق هذه الغاية. ومن هنا فإن من أهم أسباب تعثر الثورة هو التسابق على الغنائم، تماما كما حدث من تسابق الرماة على الغنائم فى غزوة أحد. ومن هنا فإن آفة الثورة وحجر عثرتها هو فى المحاصصة الحزبية فى اقتسام الغنائم والمناصب، سواء من بعض القوى والأحزاب الإسلامية أو من بعض القوى المناوئة لها. (الصراع على: نسب التمثيل فى مؤسسة الرئاسة ومستشارى الرئيس - تشكيل الحكومة - المحافظين ومستشاريهم... إلخ).
3- قاعدة أن الشورى لا يمكن أن تقوم على كذب أو غش أو خداع:
وإذا قامت على ذلك فهى باطلة, فإذا أعملت الشورى واستندت إلى غش أو خداع أو كذب تصبح باطلة؛ فمثلا إسقاط حزب النظام البائد لمخالفات وغرامات المبانى فى مواسم الانتخابات بهدف شراء الأصوات نوع من الرشوة, أيضا تزوير الانتخابات من أقصى مراتب الغش والخداع, ولا يصح أن يكون هذا فى الشورى لأن هذه الأشياء محرمة لذاتها فى الإسلام؛ فالغش والتزوير والكذب حرام فى ذاته، فما بالنا إذا اقترن بالشورى فإن ذلك نوع من الخيانة للأمانة. فإضافة إلى أن من يقوم بذلك كاذب وغشاش ومخادع فهو خائن أيضا لأنها خيانة للأمانة التى على المسلم أن يؤديها.
ومن هنا فإن آفة الثورة الثانية هى غياب الشفافية وعدم المصارحة والتستر على قتلة الثوار والمحرضين والمفسدين بما جعل الشعب مغيبا عن هوية هؤلاء من أعداء الثورة.
هنا قد يردد البعض أن الديمقراطية فى الغرب لا تعرف الغش والتزوير والخداع.. نذكّر هؤلاء بفضيحة (ووترجيت) على عهد «نيكسون»، وفضيحة تزوير الانتخابات ل«بوش الابن» فى مواجهة «آلجور», فحديث تزوير الانتخابات فى الغرب أمر مشتهر ولا يخفف منه سوى التزوير الفاضح للحكام المستبدين فى عالمنا العربى والإسلامى قبل ثورات الربيع العربى.
وعكس الكذب والغش والخداع أن يستفتى الناس على بيّنة ووضوح, فإذا كان للمسألة جانب تخصصى فمن الواجب استشارة المتخصصين وتقليب الأمر على وجوهه المختلفة وعرض كل ذلك على الأمة, وبعد ذلك تستشار الأمة ويعمل مبدأ الشورى وما تجمع عليه الأغلبية يؤخذ به.
4- قاعدة أن الغالب فى رأى الأغلبية أن يكون هو الرأى الصواب والواجب الاتباع:
ليس من الضرورى أن يجمع أهل الرأى على رأى واحد، وإنما الرأى ما اتفقت عليه أكثرية المشيرين بعد تقليب وجوه الرأى ومناقشة المسألة المعروضة من كل وجوهها، وربما صح عقلا أن يأتى رأى الأكثرين خاطئا ورأى الأقلين صوابا، ولكن هذا نادر، والنادر لا حكم له. وخير مثال على ذلك ما حدث فى غزوة «أحد»؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مع موقف الأقلية التى رفضت الخروج من المدينة، ولكنه عندما أعمل مبدأ الشورى كانت الأغلبية مع الخروج, والتزم الرسول -صلى الله عليه وسلم- برأى الأغلبية وخرج المسلمون على الرغم من أن رأى الأغلبية لم يكن هو الرأى الصواب.
وحديث رسولنا الكريم عن ابن عمر -رضى الله عنهما- فى سنن الترمزى: «‏إن الله لا يجمع أمتى، أو قال أمة ‏محمد صلى الله عليه وسلم، ‏على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار»؛ يشير إلى أهمية إعمال رأى الأغلبية، فغالبا ما يكون رأى الأغلبية هو الرأى الصواب مادام أن الأغلبية على الفطرة, ولكن عندما يتم غسيل مخ الأغلبية بأجهزة الإعلام و(الفيديو كليب والكاسيت) الذى ينحط بالذوق العام وأفلام المقاولات - والذى لا يغيب دور الحلف الصهيونى الأمريكى فيه- فأين الفطرة هنا؟ الفطرة تكون قد ضاعت, فعندما تستفتى هؤلاء الناس الذين شُوهت فطرتهم، فلا يشترط هنا أن يكون رأى الأغلبية هو الرأى الصواب، مادام أن الفطرة ليست الفطرة السليمة، وإن كان هذا لا يبرر عدم احترام رأى الأغلبية، فاحترام رأى الأغلبية واجب.
هذه المسألة فيها رواية مشهورة عن الدكتور حسن الترابى وقت أن كان مشاركا فى حكومة الرئيس النميرى والتقى الرئيس الأمريكى كارتر والذى فاوض الشيخ الترابى: ما رأيك فى أن نحل مشكلة جنوب السودان على أن تصرفوا النظر عن قضية تطبيق الشريعة؟ ورغم أن المفاوضة فيما لا يجوز التفاوض فيه؛ إذ إنه من المعلوم من الدين بالضرورة، إلا أن الترابى أجابه بذكاء: أنت رئيس أكبر دولة ديمقراطية فى العالم, ما رأيكم فى أن نستفتى الناس فى مبدأ تطبيق الشريعة؟ فإذا قالوا (نطبق الشريعة) نلتزم برأى الأغلبية، وإذا قالوا (لا نطبقها) ننظر إلى مسألة جنوب السودان ونحن سنحترم رأى الغالبية وإن خالفنا, لأن ذلك يعنى أننا لم نستطع تربية الناس وعلينا أن نعود إلى المساجد مرة أخرى حتى نحسن التربية.
5- قاعدة أن تكون الأقلية التى لم يؤخذ برأيها هى أول من يسارع إلى تنفيذ رأى الأكثرية:
وخير مثال على ذلك كما أشرنا هو ما حدث فى غزوة «أحد», فرغم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مع موقف الأقلية التى رفضت الخروج من المدينة، فإنه التزم برأى الأغلبية على الرغم من أن رأى الأغلبية لم يكن هو الرأى الصواب.
طال المقال أو الدراسة كعادته أو عادتى، ويبقى للحديث بقية حول بعض الشبهات التى يثيرها خصوم الإسلام حول تطبيق الشورى، والحمد لله رب العالمين.
السبت 6 من أبريل 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.