أحد أعضائها يقول: «هنولع مجلس الشعب وخلوا بتوع الانتخابات يشوفوا مكان تانى يقعدوا فيه»! أثار إصرار بعض النشطاء على تكرار الاعتصامات والمصادمات مع قوات الشرطة والجيش والهتافات المهينة لقادة المجلس العسكرى، بجانب تصاعد دعوات إلى كسر الجيش وتحطيمه وتدمير وهدم مؤسسات الدولة، خصوصا من أعضاء حركات اشتراكية ويسارية؛ تساؤلات حول الهدف من هذا التصعيد المستمر والحديث عن هدم مؤسسات الدولة وتفتيت الجيش الذى يحمى مصر. وتزامن هذا مع انتشار رايات غريبة فى الميدان وملصقات وضعت على العديد من المبانى فى الميادين المختلفة، وضعها منتسبون إلى التيار اليسارى والاشتراكى، عُرف فيما بعد بأنه تيارات مذهب سياسى يسمى (الأناركية) يدعو إلى عدم المؤسسية ورفض مؤسسات الدولة واستمرار الحالة الثورية إلى ما لا نهاية؛ ما أفضى إلى الربط بين الفريقين.
ما هى الأناركية؟ «الأناركية» كلمة يونانية تتكون من مقطعين: «أنا»، و«آركى». وكلمة «أنا» تعنى «دون»، وكلمة «آركى» معناها «رئيس» أو «سلطة»؛ لهذا فهى فكرة تدعو إلى مجتمع «دون رؤساء» أو «دون سلطة». وهم يؤمنون بأن المجتمع يجب أن يدير نفسه بنفسه عبر المنظمات التطوعية، بلا حكومة ولا رئيس؛ أى حالة اللا دولة؛ لذلك كان البعض يطلق على هذا المذهب السياسى الاجتماعى الفلسفى قديما اسم «الفوضوية Anarchism»!. ومن مبادئ الأناركية أنها لا تعترف بالجيوش والقوات المسلحة وتعمل على إلغائها؛ إذ تعتبرها أيضا نوعا من التسلط؛ لذلك ظهر الهجوم المتزايد على القوات المسلحة بعد الثورة ومحاولات إسقاط تلك المؤسسة. وتعريف الأناركية -وفقا لصفحة «الأناركية المصرية» على الإنترنت- هو أنها «تنظيم اجتماعى يقوم على أساس التعاون الاختيارى الحر بين أفراد المجتمع لتلبية احتياجاتهم المشتركة؛ بشرط أن تتعاظم فيه الحرية الإنسانية، وتختفى فيه السلطة القمعية.. دولة إطارها الجمعيات والأحزاب السياسية التى تهدف إلى إزالة سلطة الدولة المركزية، لتعتمد فى تنظيم أمورها على خدمات المتطوعين من كافة أعضاء المجتمعات». وقد ارتبطت كثيرا بالفكر اليسارى والاشتراكى. واعتُبرت هذه الأناركية مصطلحا يعبر عن تيار عريض من تيارات الحركة الاشتراكية الحديثة بعدما نشأ من رحم الثورة الفرنسية الكبرى (1789 – 1815). وهناك مفكرون يرون أن معظم بيانات تاريخ الأناركية أنها كانت مماثلة جوهريا للماركسية؛ إذ برزت «الأناركية» باعتبارها بنات أفكار لعدد معين من مفكرى القرن التاسع عشر اليساريين الفوضويين «برودون»، و«باكونين«، و«كروبتكين»، واستمرت من أوروبا الشرقية حتى الأرجنتين، ومن سياتل حتى مومباى. وغالبا، لا يطلق أولئك المدافعون عن هذه الأفكار على أنفسهم اسم «الأناركيين»، لكنهم يسمون أنفسهم أسماء أخرى، مثل أنصار «التسيير الذاتى autonomism»، و«مناهضة السلطوية anti-authoritarianism»، و«العمل الأفقى horizontality»، و«الزاباتاوية Zapatismo»، و«الديمقراطية المباشرة direct democracy»، إلا أن هذه الفرق جميعها تأخذ جوهر المبادئ الأناركية نفسها، وهى رفض السلطة وتحطيم القوى العسكرية القائمة والاستيلاء على الحكم بغرض تأسيس نظام جديد غير مركزى؛ لذلك فإن فكرة «الأناركية» تصر على غياب الحكام والرؤساء.
الأناركية والاشتراكيون الثوريون لعب الاشتراكيون الثوريون، بجانب حركات عديدة، دورا كبيرا فى الحشد للتظاهر يوم 25 يناير 2011، الذى أصبح لاحقا بداية الشرارة للثورة المصرية، لكن بعد تنحى الرئيس مبارك استمر الاشتراكيون الثوريون فى الدعوة إلى الثورة الدائمة؛ ما أفضى إلى ظهور خلافات بينهم وبين قوى أخرى تطالب بالهدوء ووقف التظاهرات والاعتصامات. ومع الوقت، بدأ عدد من ناشطى «الاشتراكيين الثوريين» يدعون إلى التخلص من سلطة المجلس العسكرى (قبل إنهاء الحكم العسكرى)، ويشاركون فى المواجهات مع الجيش، ويعترف بعضهم بأنه شارك فى إلقاء الملوتوف علنا ويطالب بكسر الجيش وهدم مؤسسات الدولة، وهو ما يدعو إليه أنصار «الأناركية» أو من يطلقون على أنفسهم اسم «الأناركية المصرية»، وجزء كبير منهم هم من تيار «الاشتراكيون الثوريون». وبدأنا نرى شعارات الأناركيين باللونين الأسود والأحمر فى الاعتصامات بصورة كبيرة وملصقاتهم فى ميدان التحرير تنتشر، وتصور كثيرون أنها شعارات مشجعى الكرة «ألتراس» فى حين أنها شعارات الأناركية المنتشرة كمذهب فوضوى، فى العديد من بلدان العالم فى أمريكا اللاتينية وأسيا.
الأناركيون والفوضى الخلاقة كلمة «أناركى Anarchy» استخدمت كثيرا فى الثقافة الغربية بمعنى المخربين والفوضويين، وبعض المراجع تصفها بأنها «أى فعل يستخدم وسائل عنيفة لتخريب تنظيم المجتمعات»؛ فمعتنقو هذه «الأناركية» ينشدون مجتمعا بلا مؤسسات تقيدهم، ويؤمنون بتعاظم الحرية الفردية ويكفرون بكل مؤسسات الدولة؛ لذلك يرون أنهم فى حالة ثورة مستمرة. وبعض هذه الحركات التى تعتنق فكر الأناركية تعتبر نفسها معادية لكل الحركات السياسية القائمة على أساس قومى أو دينى أو عنصرى. ومشكلة هؤلاء المؤمنون بالأناركية -وفقا لنشأة الفكرة- أنهم يؤمنون بأن الكون خلق من فوضى تبعا للنظريات العلمانية والإلحادية، ويتصورون أن أشياء رائعة سوف تنتج من هذه الفوضى التى يريدون صناعتها فى العالم. لهذا يربط كثيرون بين هذه الأناركية وحالة الفوضى وحرق المؤسسات والمجمع العلمى والفوضى التى تشهدها الشوارع المصرية ومحاولات خلق وقيعة بين الجيش والشعب عبر ما يسمى «الحركة الأناركية المصرية» التى ظهرت شعاراتها فى كل الميادين المصرية وعلى أعمدة الإضاءة فى ميدان التحرير، وسميت أحيانا «الاشتراكية التحررية» أو «الاشتراكية الثورية». ومع توالى الهجوم عليهم، أصدرت «الحركة الأناركية الاشتراكية» بيانا على صفحتها على فيس بوك، نفت فيه ما قاله أعضاؤها من نية هدم مؤسسات الدولة، وقالت إنهم لا يؤمنون بالفوضى ولا يتبنون العنف، مع أن المبدأ الأناركى الذى لا ينفون انتماءهم إليه، عنوانه الفوضى والعنف. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة