تباين البورصات الخليجية في ختام التداولات وسط ارتفاع أسعار النفط    يعتقلون طلابهم ويحاضرون عن حرية التعبير!    وزير الخارجية الفرنسي: نرفض الحرب في لبنان لأنها السيناريو الأسوأ    «جورجييفا»: العالم لم ينجح في تشارك منافع النمو مع المناطق الأكثر احتياجاً    بوريل: الأوروبيون لن يذهبوا للموت من أجل دونباس لكن عليهم دعم كييف    سامسون يضيف الهدف الثاني للزمالك أمام دريمز الغاني    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    القبض على 12 تاجر مخدرات في حملة بأسيوط    بدء حفل الإعلان عن جائزة البوكر للرواية العربية    وزارة العمل تعلن الأحد والإثنين المقبلين عطلة رسمية بمناسبة شم النسيم وعيد العمال    طلاب جامعة حلوان يشاركون في ورشة عمل بأكاديمية الشرطة    رئيس وزراء الأردن يحذر: أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية ستؤدي إلى تفاقم معاناة غزة    لترشيد استهلاك المياه.. مياه الفيوم تنظم ندوة بمسجد عزبة سرور بأبشواي (صور)    أرخص 40 جنيها عن السوق.. صرف الرنجة على بطاقة التموين بسعر مخفض    الدوري المصري.. المقاولون 0-0 سموحة.. فرصة خطيرة    التشكيل الرسمي ل مباراة نابولي ضد روما في الدوري الإيطالي    جامعة الفيوم تستقبل وفدًا من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد    «بحوث القوات المسلحة» توقع بروتوكولًا مع «المراكز والمعاهد والهيئات البحثية بالتعليم العالي»    أغلى 5 فساتين ارتدتها فنانات على الشاشة.. إطلالة ياسمين عبد العزيز تخطت 125 ألف جنيه    بحضور محافظ مطروح.. قصور الثقافة تختتم ملتقى "أهل مصر" للفتيات    «أبو الهول» شاهد على زواج أثرياء العالم.. 4 حفلات أسطورية في حضن الأهرامات    «أسترازينيكا» للأدوية تضخ 50 مليون دولار استثمارات خلال 4 سنوات    «الرعاية الصحية» تستعرض أهمية الشراكة مع القطاع الخاص وخارطة طريق الفترة المقبلة    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    تحرير 78 محضرا في حملة للمرافق لضبط شوارع مدينة الأقصر    إنجاز جديد.. الجودو المصري يفرض سيطرته على أفريقيا    استعداد وتجهيزات معهد الوفد للدراسات للمحاضرة التثقيفية.. صور    عاجل| البيت الأبيض: إسرائيل طمأنت واشنطن بأنها لن تدخل رفح الفلسطينية حتى يتسنى لنا طرح رؤانا ومخاوفنا    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    أفضل أوقات الصلاة على النبي وصيغتها لتفريج الكرب.. 10 مواطن لا تغفل عنها    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    مطران دشنا يترأس قداس أحد الشعانين (صور)    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى انتصار 1973 مهندس حرب أكتوبر.. الجنرال النحيف الذي أخاف الكيان الصهيوني على الجبهة وداخل الخيمة !!
"الجمسي" للطلاب: هذا الجيل سوف نسلمه الراية مرفوعة ليتحمل مرحلة أخرى من الصراع
نشر في الشعب يوم 07 - 10 - 2016

- كيف استطاع المشير "الجمسي" ردع "وايزمان" و"جولدا مائير" ؟!.
- سر بكاء المشير "الجمسي" أمام وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "كيسنجر" ؟!.

- ما الدور الذي لعبته "مني الجمسي" في حرب أكتوبر ؟!.
- لماذا حَمَل السادات كل هذا البغض للجنرال؟!
لم يعرف المشير محمد عبد الغني الجمسي - طوال فترة حياته - غير لغة الجد والكفاح ، وخاصة في تلك الفترة التى كان فيها ضمن القيادة العامة للجيش المصري ، فبعد انتهاء إحدي جلسات مفاوضات فض الاشتباك الأول في "الكيلو 101" التي أعقبت عبور القوات المصرية قناة السويس في حرب أكتوبر 1973، خرج "الجمسي" وكان رئيس وفد المفاوضات المصري، بجانب أنه رئيسًا لأركان الجيش ، من خيمة التفاوض دون أن يسلم علي أي من أعضاء الوفد الصهيوني، أو تصدر عنه كلمة واحدة، وكانت هذه عادته طوال زمن المفاوضات ، فأسرع وراءه قائد الوفد الصهيوني الجنرال "عزرا ويزمان" الذي أصبح رئيسًا للكيان فيما بعد، وقال له: "سيادة الجنرال، لقد بحثنا عن صورة لك وأنت تضحك فلم نجد، ألا تضحك أبدا؟!" ، فنظر إليه القائد المصري، ثم تركه ومضي.
بعدها كتب "وايزمان" في مذكراته عن المشير الجمسي: "لقد هزني كرجل حكيم للغاية إنه يمثل صورة تختلف عن تلك التي توجد في ملفاتنا، ولقد أخبرته بذلك ، إنه رجل مثقف، وموهوب، وهو مصري يعتز بمصريته كثيراً".
ولقد نال "الجمسي" شهادات من أعدائه مثلما نال تقدير كل من عملوا معه ، أو مثلما قالت "جولدا مائير" رئيس وزراء الكيان الصهيوني إبان حرب أكتوبر "إنه الجنرال النحيف المخيف" ، وآخر وزير للحربية، والذي صنف بأنه أحد أبرع (50) قائداً عسكرياً في القرن العشرين، وصاحب الفضل الكبير في انتصار حرب أكتوبر.
فتاريخ الجمسي في العمل العسكري طويل ومسيرته حافلة، فقد تلقي عددًا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، قبل أن يعمل ضابطًا بالمخابرات الحربية، فمدرسًا بمدرسة المخابرات، حيث تخصص في تدريس التاريخ العسكري لإسرائيل، فكان الصراع العربي الإسرائيلي هو المجال الذي برع فيه الجمسي، وقضي فيه عمره كله وارتبطت كل مرحلة فيه بجولة من جولات هذا الصراع منذ حرب 1948 حتي انتصار 1973، وحتي بعد اعتزاله للحياة العسكرية.
لذا ، وفى الذكرى ال43 لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة ، نرصد لكم فى هذا التقرير ، أهم المراحل فى تاريخ المشير محمد عبد الغني الجمسي الحافل بالمواقف المشرفة.
محمد عبد الغني الجمسي
ولد المشير محمد عبد الغني الجمسي في 9 سبتمبر عام 1921 بقرية "البتانون" التابعة لمحافظة "المنوفية" ، في أسرة ريفية تتكون من سبعة أشقاء وكانت ميسورة الحال يعمل عائلها في الأراضي الزراعية بمحافظة المنوفية.
تعلم "الجمسي" تعليماً نظامياً قبل أن تعرف مصر مجانية التعليم بمدرسة الأقباط الإعدادية بالبتانون، أتم التعليم النظامى في مدرسة المساعي المشكورة بشبين الكوم بالمنوفية، وأكمل تعليمه الثانوي بالصدفة، حينما سعت حكومة مصطفى النحاس باشا الوفدية لاحتواء مشاعر الوطنية المتأججة، التي اجتاحت الشعب المصري في هذه الفترة؛ ففتحت لجميع الفئات والمستويات الالتحاق بالكلية الحربية
وحيث التحق بالكلية الحربية، وهو ابن (17) عامًا مع عدد من أبناء الجيل الذي سبقه والذين اختارهم القدر لتغيير تاريخ مصر، حيث كان منهم "جمال عبد الناصر"، و"عبد الحكيم عامر"، و"صلاح وجمال سالم"، و"خالد محيي الدين"، وتخرج منها عام 1939 في سلاح المدرعات.
ورحل الفارس النبيل ، والجنرال النحيف المخيف ، وسيد الإستراتيجية ، في صمت بعد معاناة مع المرض، وصعدت روحه إلى ربه في 7 يونيو 2003 عن عمر يناهز 82 عاما، عاش خلالها حياة حافلة ، ولم يترك سوى نياشين ثلاثين تشهد على تاريخ حافل بالعطاء ومسكن متواضع عبارة عن شقة صغيرة من ثلاث حجرات فى عمارات التوفيق بمدينة نصر ظل يدفع أقساط ثمنها سنوياً من معاشه الشهرى الذى حددته قوانين الدولة ، وسيارة مرسيدس قديمة موديل 74 وخمس ألاف جنية فى حسابه فى بنك مصر فرع النزهة هى كل ما بقى له من ثمن بيع أرضه الزراعية فى المنوفية والتى ورثها عن أبيه والتى اضطرته الظروف لبيعها ليزوج أولاده ، فلم يكن معاشة يكفى.
النكسة
تقدم بإستقالته من القوات المسلحة عقب هزيمة يونيو 1967 ليفسح للجيل الجديد الفرصة لإسترداد الأرض المحتلة ورفض "جمال عبد الناصر" الإستقالة وأسند له مهام الإشراف على تدريب الجيش المصري مع عدد من القيادات المشهود لها بالإستقامة والخبرة العسكرية استعدادا للثأر من الهزيمة النكراء، وكان من أكثر قيادات الجيش دراية بالعدو، فساعده ذلك على الصعود بقوة، فتولى رئاسة هيئة تدريب القوات المسلحة، ثم رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة، وهو الموقع الذي شغله عام 1972، ولم يتركه إلا أثناء الحرب لشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة.
واذرفت عين العميد محمد عبد الغنى الجمسى رئيس عمليات القوات البرية على ارض سيناء ، مع ارتفاع شمس ضحى يوم 5 يونيو 1967 ، رغم أن دوره فى الهزيمة كان هامشياً ولم يكن مؤثراً ، فهو يعرف أن القيادة العسكرية لحرب يونيو 67 أرسلت الوحدات المقاتلة إلى سيناء ومعها أسلحتها الثقيلة ، ولكن بدون ذخائر ، لأن المهمة كانت فى رأس القيادة العليا لم تكن سوى مسرحية سياسية " لتهويش " أمريكا وإسرائيل معاً ، وهو يعرف أن القيادة السياسية أسدلت الستائر السوداء على أسباب الهزيمة وطمس أثارها المدمرة .
فقد كانت نتيجة الحرب وبالاً فقد استشهد تسعة ألاف رجل وثمانمائة رجل بين شهيد ومفقود وخسرنا الجزء الأكبر من عتاد الجيش.
العاشر من رمضان
اختار الجمسي توقيت الحرب بعناية بالغة، في الساعة الثانية ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973، الموافق العاشر من رمضان 1393، وهو أنسب توقيت ممكن للحرب ، نظراً لانشغال اليهود بأعيادهم، وقبل ساعات من إفطارنا في شهر رمضان المليء بالانتصارات.

وقف الجمسي بغرفة عمليات القوات المسلحة يوم السادس من أكتوبر 1973، وهو يصارع الزمن حتى يمر، إلى أن جاءت الساعة الثانية مساء موعد العبور فصاح مرددًا اسم الخطة العسكرية التي بها استعادة مصر أرضها " بدر.. بدر.. بدر بدر بدر"، وحققت مصر خلالها هزيمة الاحتلال الصهيوني واستعادة سيناء.

خلال الحرب حدث خلاف بين السادات والفريق سعدالدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة، بسبب ثغرة الدفرسوار، عين السادات الجمسي خلالها رئيسًا لأركان القوات المسلحة خلفا للشاذلي وعلى الفور وضع الجمسي خطة لتصفية الثغرة عرفت باسم "شامل"، إلا أنها لم تنفذ بسبب قرار وقف إطلاق النار.
وإلى جانب تخطيط تفاصيل العمليات للحرب، قامت هيئة عمليات القوات المسلحة برئاسته بإعداد دراسة عن أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية، حتى توضع أمام الرئيس أنور السادات والرئيس حافظ الأسد لإختيار التوقيت المناسب للطرفين، وتقوم الدراسة على دراسة الموقف العسكري للعدو وللقوات المصرية والسورية، وسميت تلك الدراسة "بكشكول الجمسي".
بعد الحرب مباشرة رُقي الفريق الجمسي إلى رتبة الفريق أول مع توليه منصب وزير الحربية عام 1974 وقائد عام للجبهات العربية الثلاث عام 1975، وواصل أثناء توليه للوزارة استكمال تدريبات الجيش المصري ، استعدادا للمعركة التي ظل طوال حياته يؤمن بها، وكان قرار السادات بألا يخرج كبار قادة حرب أكتوبر من الخدمة العسكرية طيلة حياتهم تكريما لهم، إلا أن السياسة أفسدت هذا التكريم ، فقد تزايدت مساحة الخلاف بين الجمسي والسادات بعد مبادرة الأخير بالذهاب إلى الكيان الصهيوني عام 1977 وهو الأمر الذي لم يرضاه الجمسي.
كشكول منى "الجمسي"
لم يتخيل أحد أن خطة الهجوم في حرب أكتوبر كتبها المشير الجمسي في كشكول ابنته التلميذة في المرحلة الابتدائية "منى" ، والتي أصبحت تدرس في العديد الأكاديميات العسكرية في مختلف أنحاء العالم باسم خطة ''كشكول الجمسي''.
كان الجمسي رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة والتي قامت في بداية عام 1973 بإعداد دراسة عن أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية، حتى توضع أمام السادات لاختيار التوقيت المناسب للطرفين، وكانت هذه الدراسة أعدها ''الجمسي'' في كشكول ابنته بخط يده وقد سلمها للمشير أحمد إسماعيل بيده ضماناً للسرية.
كانت الخطة تتضمن دراسة المواصفات الفنية لقناة السويس، المد والجزر وسرعة التيار واتجاهاته، ساعات الإظلام وساعات ضوء القمر، حالة البحرين الأبيض والأحمر، أفضل توقيت يناسب الجبهة المصرية والسورية في نفس الوقت للهجوم بحيث يتحقق أفضل استخدام للقوات المصرية والسورية بالعملية الهجومية بنجاح ويحقق أسوأ الظروف لإسرائيل.
وتحديد مواعيد الأعياد والعطلات الرسمية في إسرائيل وتأثيرها على إجراءات التعبئة في إسرائيل حيث القاعدة العريضة من الجيش الإسرائيلي هي القوات الاحتياطية، ودراسة الموقف الداخلي لإسرائيل.

ولعله القدر هو الذي جعل الجمسي يمسك بقلمه ويضع أهم وأخطر خطة حربية في تاريخ مصر وربما العالم، في "كشكول" ابنته منى، فدون به كيف يتم الهجوم من الجبهتين المصرية والسورية على الكيان الصهيوني، وظل عاكفًا، يدرس جميع الظروف والأحوال بما في ذلك الظروف الجوية وحالة الطقس، والمد والجزر للبحر الأحمر، اجتهد قدر الإمكان حتى لا يجعل للظروف مكانًا في خطته.
"الجمسي".. تاريخ حافل بالوطنية والبطولة
وقف محمد عبد الغني الجمسي فى فندق " كتاركت " أسوان عندما لوى السادات القرار العسكرى لحساب المفاوضات السياسية التى بدأت عندما قرر السادات تعيين اللواء محمد الجمسي "رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة" ممثلا لمصر فى المباحثات التي تتم مع إسرائيل تحت إشراف قوة الطوارئ الدولية عند الكيلو 101علي طريق السويس لإجراء مباحثات لتثبيت وقف إطلاق النيران بين الطرفين تنفيذاً لقرار الأمم المتحدة رقم 338 ، غاضبًا ، حيث أنه لا يرغب فى تنفيذ هذه المهمة ، فلقد أمضى حياته العسكرية كلها فى حرب ضد إسرائيل، إلا أن كان رأي السادات أن الجمسي بحكم عمله رئيسا لهيئة العمليات يلم بأوضاع القوات المصرية وقوات العدو فى الجبهة وأنه أنسب من يمثل مصر فى هذه المباحثات.
أقيم أول اجتماع فى الساعة 1.30 صباحا يوم 28أكتوبر1973 وتم النشر عن هذا الاجتماع فى الجرائد وكان هذا أول ظهور أسم الجمسي إعلاميا فى الجرائد ، كان الوصول إلى مكان الاجتماع ملئ بالمخاطر، كان الجنود المصريون في الخطوط الأمامية يعترضون الوفد المصري ويشهرون أسلحتهم ويسألون عن أسباب المرور فى اتجاه العدو, وكان الجمسي يصرح لكل حارس فى كل موقع "كلمة سر الليل" للوحدة وكان يحدد له أسم وحدته وأسم قائده، عند وصول الوفد المصري لمكان الاجتماع أصطف الضباط الصهاينة برئاسة الجنرال "أهارون ياريف" وقاموا بتأدية التحية العسكرية وقام الوفد المصري برد التحية للجانب الإسرائيلي, وكانت تعليمات الجمسي لأعضاء الوفد المصري ألا يبدأوا التحية للجانب الإسرائيلي لأنهم في الجانب المنتصر فى الحرب.
وبدا الرجل مفاوضًا صلبًا مثلما كان عسكريًا صلبًا، بعد سبعة اجتماعات مع الجانب الإسرائيلي طلب الجمسي وقف الاجتماعات لأنها لم تعد مجدية ووصلت إلي طريق مسدود ولم تحقق نتائج إيجابية عن فك الاشتباك والفصل بين القوات للخلاف الجوهري بين وجهة النظر المصرية والإسرائيلية ، وتوقفت هذه المباحثات.
بكي المشير في يناير 1974 عند استكمال المباحثات فى أسوان عندما جلس أمامه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ليخبره بموافقة السادات على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس وتخفيض القوات المصرية فى سيناء إلي 7000 رجل و 30 دبابة!! فرفض الجمسي ذلك بشدة، وسارع بالاتصال بالسادات الذي ما كان منه إلا أن أكد موافقته؛ ليعود الرجل إلى مائدة التفاوض يقاوم الدموع، ثم لم يتمالك نفسه فأدار وجهه ليداري دمعة انطلقت منه حارقة ، حزنا على نصر عسكري وأرواح آلاف الرجال تضيعها السياسة على موائد المفاوضات.
وكانت مفاجأة لهنري كيسنجر أن يرى دموع الجنرال الذي كثيرا ما أسر له القادة الإسرائيليون بأنهم يخشونه أكثر مما يخشون غيره من القادة العسكريين العرب ، حتى هاتف السادات وأعلن رفضه عن هذه القرارات.
ولاحقاً بعد تقاعده أبدى المشير الجمسي ندمه على "اشتراكه في التفاوض مع اليهود" ، وبعد اعتزاله للحياة العسكرية ظل مراقبا ومحللا للوضع المشتعل مؤمنا بأن أكتوبر ليست نهاية الحروب وأن حربا أخرى قادمة لا محالة لأنها مواجهة مصيرية لا بد أن تقع وأن الانتفاضة الفلسطينية هي السلاح الأفضل والأنجح حاليا لضرب العدو الصهيوني ولا بد من تدعيمها بكل ما نملك.
الجمسي يرفض تصدى الجيش للمواطنين
عندما اندلعت انتفاضة 18 و19 يناير 1977 قبل الجمسى نزول الجيش إلى الشارع بعد إصدار بيان يفيد تراجع الحكومة عما اتخذته من قرارات لكنه أكد على الضباط بعدم الإساءة إلى أية مواطن أو توجيه طلقة واحدة من سلاح الجيش ضده قائلاً : " إننا مع رجل الشارع ونبضه ، وليس معنى إدانتنا لفئة من المخربين الذين حاولوا تدمير مرافق البلد أننا نتخلى عن تأييدنا للمواطن وحقوقه المشروعة ".
وقد وضع هذا التصريح مرارة فى قلب السادات الذى امتلأ قلبه بالكراهية لجماهير الشعب التى هتفت ضده وزحفت صوب استراحته فى أسوان وهو ما جعل رجال حراسته يقررون ضرورة عودته إلى القاهرة ، واضطروا إلى وضعه فى عربة أتوبيس ، افترش أرضها هو وأسرته ورجال حاشيته ، حتى تبدو السيارة فارغة لا تحمل غير سائقها ، وكان السادات يبكى بمرارة ، وهو جالس القرفصاء على أرض الأتوبيس حتى وصلوا به إلى المطار.
لما حمل "السادات" كل هذا البغض للجنرال ؟!
نشرت الكثير من الصحف عن المشاكل التى دارات بين السادات والجنرال الجمسي ، وهو الأمر الذي يجعل السؤال الأكثر الحاحًا هو: "لما حمل "السادات كل هذا البغض للجنرال ؟!".
المواقف كثيرة وعديدة ، لعل أبرزها هو الذي جري عندما علم الجمسى من تقرير رفعه إليه الفريق محمد على فهمى يفيد أن جيهان السادات تدعو كل أسبوع عدد من زوجات الضباط من الرتب بين العقيد واللواء وتستمع إلى أرائهن فى أزواجهن أثناء تناول الشاى ثم تدعوهن مرة أخرى مع أزواجهن لتناول العشاء وتطلب منهم أن يحدثوها بسلبيات القائد العام ورئيس الأركان وقادة الأسلحة وأن هذه اللقاءات يجرى تسجيلها لنقلها للرئيس .
وجاءت الفرصة للسادات على طبق من ذهب عندما أستمع إلى تسجيل لحوار الجمسى مع طلاب الجامعات فى حزب مصر فى اكتوبر 1977 يقول فيه : "اسرائيل ستنسحب من أرضنا سواء أردت أم لم ترضى " ، ثم يعود ويقول: " هذا الجيل سوف نسلمه الراية مرفوعة ليتحمل مرحلة أخرى من الصراع" ، وغضب السادات وقال : " هل ذهبت أنا وتولى الجمسى رئاسة الجمهورية ؟! ".
وعندما نشر حمدى لطفى فى مجلة "المصور" مقال لخبير عسكرى غربى مترجم عن مجلة عالمية بعنوان : كيف يفكر الجمسى ؟! ؛غضب السادات واتصل بأمينة السعيد رئيس مجلس الإدارة معاتباً والتى بدورها قامت بتأنيب صبرى أبو المجد رئيس التحرير الذى قال للمحرر : لِم الدور شوية ، جبت لنا الكلام !!.
ثعلب الصحراء المصري
حين بدأت الكتابة عن حرب أكتوبر تنتشر في مختلف أنحاء العالم كانت المعلومات تتكشف تدريجيا عن دور الرجل في الحرب وتعددت معها الألقاب التي أطلقت عليه فجرت المقارنة بينه وبين الجنرال الألماني الأشهر روميل فسمي "ثعلب الصحراء المصري" نظرًا لبراعته في قيادة معارك الصحراء ولُقب بأستاذ المدرعات التي احترف القتال في سلاحها منذ تخرجه في الكلية الحربية أما أحب الألقاب إلى قلبه فكان لقب "مهندس حرب أكتوبر" نظرا لاعتزازه بالحدث وفخره به.
إلا أن أغرب الألقاب التي أُطلقت على المشير الجمسي فكان ذلك الذي أطلقته عليه جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل إبان حرب أكتوبرحين وصفته ب"الجنرال النحيف المخيف" رحل المشير الجمسي بعد معاناة مع المرض في 7-6-2003 عن عمر يناهز 82 عاما عاش خلالها حياة حافلة بالانتصارات.
واختارت مجلة الدفاع الأمريكي ، "الجمسي"، ضمن أفضل 50 قائدًا عسكريًا أضافوا للتكتيك العسكري بفضل براعته في التخطيط لحرب أكتوبر، كما ضمت الموسوعة العسكرية الصادرة عن البنتاجون"الجمسي" بين أفضل 50 قائد عسكري في العصر الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.