الكم الهائل من الوثائق التي تم تسريبها أمس والتي تكشف تورط رؤساء دول وحكومات وشخصيات بارزة في كافة المجالات في إنشاء شركات "عبر البحار" لإخفاء مليارات الدولارات، سيهز عرش الحوكمة السياسية حول العالم. هكذا رأت شبكة " سي إن بي سي" الإخبارية الأمريكية في تقريرها اليوم الاثنين، وترجمه مصر العربية، الذي رصدت فيه ردود الأفعال المختلفة على التحقيق الصحفي الضخم الذي نشره أمس الأحد "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" على موقعه الإلكتروني والذي كشف فيه تورط 140 زعيما سياسيا عبر العالم، إضافة إلى أسماء بارزة في كرة القدم بينهم الأسطورة ليونيل ميسي، في تهريب أموال من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية. أسماء بارزة وأظهرت الوثائق التي تُعرف ب "وثائق بنما" و التي تم تسريبها بالكامل من شركة المحاماة البنمية "موساك فونسيكا" التي تعمل في مجال الخدمات القانونية منذ 40 عامًا، تورط شخصيات أخرى بارزة في عمليات تهريب الأموال، أمثال علاء مبارك نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس الإمارات شيخ خليفة بن زايد آل نهيان والرئيس الأرجنتيني موريسيو ماكري والرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو ورئيس الوزراء الأيسلندي. وضمت الوثائق أيضا أسماء لأقارب رؤساء دول آخرين ، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج والسوري بشار الأسد ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. غضب عالمي فجرت "وثائق بنما" موجة كاسحة من الغضب العالمي، مع تحذيرات المحللين بأن تلك الأوراق ستكون مصحوبة في الغالب بتداعيات مالية وسياسية في الفترات المقبلة. وصرح جيرارد رايلي، مدير "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" والذي قام بتنسيق التغطية الإعلامية لتسريب الوثائق، ل " سي إن بي سي" بأنه يتعين على قادة العالم التوحد لفرض ضوابط صارمة على "الملاذات الخارجية". وذكر رايلي:" لدينا نظام مكسور بالفعل. إنه نظام يبيع السرية، كمنتج رئيسي... وإذا ما ذهبت إلى العالم الخارجي، تستطيع أن تفعل أشياء لن تقدر على فعلها وأنت حتى في بلدك." وتابع:" نرى بالفعل حملات مختلفة لمكافحة عالم ما وراء البحار عبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال. لكن في كل مرة يستحدثون قواعد جديدة، تطور تلك الملاذات طرقا جديدة للوصول إلى كل أنحاء العالم. ولن نستطيع قهر تلك الملاذات الخفية ما لم نطلق صرخة جماعية عالمية." وتشتمل بعض من أشهر الشبكات الخارجية على سويسرا وبرمودا وجزير كايمان وقبرص، غير أن بروز بنما كمقصد خارجي نشط كان صدمة بالنسبة للكثير من الخبراء. وإلى جانب التهرب الضريبي، يتخوف الخبراء من أن تستخدم بعض الدول شركات ما وراء البحار ك واجهة لممارسة أنشطة غير شرعية، ولاسيما حينما يتعلق الأمر بما يُطلق عليه الدول المارقة أمثال كوريا الشمالية، بحسب رايلي. ويتوقع الخبراء أن تحدث " وثائق بنما" زيادة في تشديد القواعد واللوائح المنظمة، وهذا ما عبره عنه أيان بريمنر رئيس شركة " أوراسيا" للاستشارات بقوله:" التسريبات ستسلط الضوء بشدة على الدول الصغيرة مثل بنما، مما سيضع ضغوطًا عليها وأيضًا على الحكومات المتورطة في تلك الأنشطة." وأضاف بريمنر:" سيزيد هذا الأمر حدة الاضطرابات على نحو أكثر مما شاهدناها مع إدوارد سنودن،" في إشارة منه إلى تسريبات إدوارد سنودن، المتعاقد التقني السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، عن برامج المراقبة العالمية. توترات سياسية ويحذر بريمنر من أنه من الممكن أن تتسبب "وثائق بنما" في اشتعال الصراعات السياسية الخطيرة، موضحا: "هذا شيء يقود إلى العنف، واقتتال الشعوب في مثل تلك البلدان، وهذا يمثل تهديدًا على حكم القادة والأنظمة،" في إشارة منه إلى بعض الدول المارقة الوارد اسمها في التسريبات. وأردف بريمنر أن العالم ينتظر الآن ماذا ستفعل الحكومات لتعزيز مصداقيتها، سواء في الداخل وأيضا على الصعيد العالمي. واستطرد بقوله إن روسيا، على وجه الأخص من الممكن أن تتجاوب مع الأمر بعدوانية شديدة، بالنظر إلى أن "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" يتم تمويله جزئيا من جانب الملياردير اليهودي الأمريكي جورج سوروس، عبر مؤسسته " أوبن سوسايتي فاونديشن"، مردفا أن الكريملين ربما يسعى لمعاقبة الولاياتالمتحدة وسوروس والمخابرات المركزية الأمريكية " سي آى إيه." وتابع:" سيجعل هذا سياسة موسكو تجاه واشنطن أكثر عدائية من ذي قبل." ويعتقد بريمنر أن القيمة المادية لعمليات غسيل الأموال والبالغة 2 مليار دولار من جانب أشخاص مقربين إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ليست سوى " رقما صغيرا جدا" من أموال غسيل الأموال التي يتورط فيها الكريملين. كان "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"، ومقره واشنطن، قد ذكر أن الوثائق (وعددها نحو 11.5 مليون) تحتوي على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة عابرة للبحار offshore في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم. وأضاف الاتحاد أن هذه الوثائق حصلت عليها أولا صحيفة "زود دويتشه تسايتونج" الألمانية قبل أن يتولى هو توزيعها على 370 صحافيًا من أكثر من 70 بلدا من أجل التحقيق فيها في عمل مضن استمر حوالى عام كامل.