أصابت المصالحة الفلسطينية المفاجئة بالقاهرة الصهاينة بالذهول وانعكس ذلك تحليلا مستفيضا لأبعاد الخطوة في صحفهم كافة, ولعلاقتها بالإعلان المرتقب للدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل, وما بات يترتب على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قوله بعد المصالحة أمام الكونجرس الأمريكي نهاية الشهر المقبل. صحيفة "يديعوت أحرونوت" تناولت بخبرها الرئيسي رد فعل نتنياهو لجهة تخييره رئيس السلطة محمود عباس بين السلام مع دولة الصهاينة أو مع حماس، مشددة على وجوب نقل "رسائله الحازمة" لزعماء فرنسا وبريطانيا خلال لقاءاته المرتقبة بهم نظرا لوجود ما وصفتها الصحيفة ب"أصوات دولية متزايدة تدعو إسرائيل إلى الاعتراف بشرعية حماس أو على الأقل فتح قناة اتصالات سياسية سرية" معها.
وتناول تحليل إخباري في ذات الصحيفة لإيتمار ريختر فشل الاستخبارات الصهيونية في توقع المصالحة فيقول إنها "ركزت أساسا على الاستعدادات في السلطة الفلسطينية للبحث في الجمعية العمومية في سبتمبر وعلى محاولات حماس السيطرة على (المنظمات المتطرفة) في القطاع".
تقديرات الاستخبارات وأضاف "رغم أن إسرائيل تابعت في الأشهر الأخيرة اتصالات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، قدرت محافل الاستخبارات أن حماس لن توافق على منح السلطة الفلسطينية موطئ قدم في غزة، وبالتالي فإن احتمالات المصالحة طفيفة".
وفي مقال في "يديعوت" أيضا تطرق الكاتب شمعون شيفر إلى الإنذار الذي وجهه نتنياهو لعباس قائلا "إنه قد يرن بنغمة طيبة في أذن وعين التلفزيون، ولكن عليه أن يتذكر بأن الواقع في المنطقة وفي الدوائر الأبعد حول إسرائيل هو أكثر تعقيدا من شعار صاغه مع مستشاريه لإصابة الهدف".
وأضاف "وإذا كنا لا نزال في عالم الشعارات، فإن أبو مازن يمكنه أيضا هو الآخر أن يقول: من لم يرغب على مدى سنتين في إدارة مفاوضات سيحصل الآن على الرئيس الفلسطيني وإلى جانبه زعماء حماس".
ومضي الكاتب قائلا "إذا نجح اتفاق المصالحة الفلسطيني، لا يمكن لإسرائيل أن تعول على تأييد الأسرة الدولية لها. فالدول الأوروبية على أي حال باتت ناضجة للحوار مع حماس، الأمر الوحيد الذي منعها عن الاتصال المباشر والعلني مع المنظمة كان التخوف من رد فعل الولاياتالمتحدة".
ويقول الكاتب كذلك "بسبب انعدام الثقة العميق بين أوباما ونتنياهو فإنه هو وإدارته شجعا في الأشهر الأخيرة الأوروبيين على اتخاذ خطوات لتعزيز أبو مازن والوصول إلى الاعتراف بدولة فلسطينية. لنيل الدعم من الإدارة الحالية يتعين على نتنياهو أن يعرض في خطابه أمام الكونجرس في الشهر القادم صيغة عملية للتسوية مع الفلسطينيين تقوم على أساس انسحاب شبه كامل من المناطق" المحتلة.
اتفاق مؤقت وفى مقال في صحيفة "معاريف" توقع الكاتب عميت كوهين أن يدوم مفعول اتفاق المصالحة بين فتح وحماس إلى سبتمبر المقبل، موعد طرح الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليعود الصراع بين الطرفين إلى سابق عهده.
وأضاف "يهودا والسامرة (الضفة الغربية)تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، بتنسيق أمني كامل مع إسرائيل. ربط القوتين يبدو متعذرا. إدخال رجال حماس إلى أجهزة الأمن في الضفة سيدمر العلاقات مع إسرائيل. إبقاء شرطة حماس في أجهزة أمن غزة سيمنع فتح المعابر، كما يأمل الفلسطينيون. كما أن مسألة الانتخابات التي يفترض أن تجرى بعد سنة، ستثير المشاكل".
أما الكاتب ألوف بن فاعتبر في مقال نشرته هآرتس تحت عنوان "عجل إنقاذ نتنياهو" أن المصالحة تسوغ للأخير عدم الانسحاب وتقديم تنازلات للفلسطينيين في الداخل والخارج.
وقال إن المصالحة الفلسطينية "تنقذ أيضا سفر نتنياهو القريب إلى واشنطن ليخطب في مؤتمر الإيباك وفي مجلس النواب الأميركي. منذ الآن لا حاجة إلى تعزيز السفر بتنازلات للفلسطينيين لم يؤمن نتنياهو بها. انتهى الضغط ويمكن أن يخطب خطبة دم وعرق ودموع تشرتشلية، كما يحب نتنياهو وأن يظهر بمظهر آخر المدافعين من الغرب للموجة الإسلامية التي تغرق الشرق الأوسط".
فرحة فلسطينية هذا، وقوبل اتفاق المصالحة الذي وقعته بالأحرف الأولى بالقاهرة أمس كل من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح ) بفرحة فلسطينية عبرت عنها مظاهرة عفوية خرجت في غزة والضفة الغربية مقابل غضب ومفاجأة إسرائيليين.
وتجمع المئات في ساحة الجندي المجهول بمدينة غزة، ورددوا شعارات ترحب بإنهاء الانقسام وتدعو لتعزيز الوحدة ورفعوا الأعلام الفلسطينية.
وأطلق سائقون أبواق سياراتهم في مشهد فرح يعكس رغبة الفلسطينيين بإنهاء الانقسام المستفحل من منتصف يونيو 2007.
وقال محمد (48 عاما) وهو فلسطيني من الخليل لوكالة الصحافة الفرنسية إن كل مواطن فلسطيني يدعم الوحدة بين حماس وفتح "فنحن أخوة".
ورحبت الفصائل الفلسطينية المختلفة في بيانات منفصلة باتفاق المصالحة الذي أعلن رسمياً عنه في مؤتمر صحفي بالقاهرة ومن المرتقب توقيعه رسمياً الأربعاء المقبل.
بموازاة ذلك رحب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون أمس الأربعاء بتوقيع الاتفاق ودعا في بيان صحفي إلى البدء الفوري بتنفيذه.
كما دعا أعضاء المجلس المقيمون في عمان بمن فيهم أعضاء اللجنتين السياسية والقانونية فيه إلى الاجتماع اليوم الخميس في مقر رئاسة المجلس في عمان.
دعوة للمساندة وناشد الزعنون أبناء الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والإسلامية داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها إعلان رأيهم المؤيد والمساند لهذه المصالحة "تحقيقا للوحدة الوطنية التي انتظرها الفلسطينيون بفارغ الصبر".
بدوره رحب أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أمس، بتوقيع الاتفاق واعتبر في بيان أنه حدث تاريخي.
وأضاف أن الحدث يؤشر إلى مرحلة جديدة من الوحدة والوفاق، ويؤذن ببداية عهد جديد من العمل الوطني المشترك القائم على التعاون والتكاتف والاحترام المتبادل.
وقال بحر إن التوقيع على اتفاق المصالحة يشكل بداية الطريق في مشوار مواجهة الاحتلال والالتفات إلى القضايا الوطنية الكبرى.
وزراء صهاينة متفاجئون وعبر وزراء أعضاء في المجلس الوزاري الصهيوني المصغر للشئون السياسية والأمنية عن مفاجأتهم من اتفاق المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس.
ونقل موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني عن الوزراء قولهم إن اتفاق المصالحة بين حماس وفتح يأتي بشكل مفاجئ لأن الموضوع لم يكن مطروحا أبدا في الهيئات السياسية والأمنية الصهيونية كما لم يتم طرح احتمال التوصل إلى اتفاق مصالحة.
وفي موازاة ذلك عبر مسئولون سياسيون صهاينة آخرون عن تقديرهم بأن اتفاق المصالحة سيدعم عباس مع اقتراب سبتمبر الذي ستصوت خلاله الجمعية العامة للأمم المتحدة على اعتراف دولي بدولة فلسطينية في حدود العام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية.
بات ممكنا وفي تقييمهم للاتفاق المفاجئ في ظل الانشغال بالانتفاضات العربية قال المحلل هاني المصري إنه بات ممكنا لأن النظام المصري تغير ولأن القيادة المصرية البديلة اتخذت موقفا متوازنا.
ونقلت وكالة "رويترز" عن محللين لم تحدد هوياتهم قولهم إن الانتفاضة في سوريا شكلت عامل ضغط على حماس حيث تتمركز مقار جزء من قيادتها ودفعتها للعمل على إنهاء عزلة قطاع غزة.
ومن المتوقع أن يبدأ تطبيق الاتفاق بعد حفل التوقيع عليه مطلع مايو المقبل.