في ظل تواصل تجميد المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين واسئتناف البناء في المستوطنات اليهودية بالاراضي الفلسطينية، يواصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) تهديداته بالسير إلي مجلس الأمن لانتزاع اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة علي حدود يونيه 1967، أو تقديم استقالته واعتزال الحياة السياسية، ليترك من خلفه فوضي سيكون من الصعب علي الاسرائيليين والامريكيين مواجهتها، أو يجدون انفسهم في مواجهة تامة مع حركة حماس في قطاع غزة، والضفة الغربية أيضا. في المقابل تتحدث التقارير الاسرائيلية عن أصعب وأسوأ أسبوع يمر علي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسبب العزلة التي تعاني منها حكومته علي مستوي العالم بسبب استئناف البناء في المستوطنات وتوقف المفاوضات، فضلا عن تزايد الخلافات مع الادارة الامريكية بسبب ذلك، وخلاف لنتنياهو مع الاحزاب الدينية التي ترفض التصديق علي الميزانية الجديدة ما لم يتوفر بها بند مالي خاص بهم، رافعين شعار: "لا مخصصات.. لا ميزانية". اضف الي ذلك افتتاح الدورة الشتوية للبرلمان الاسرائيلي (الكنيست) بخطبة شديدة اللهجة لرئيس اسرائيل شمعون بيريز، عبر فيها عن خيبة أمله من نتنياهو، التي ازدادت مع رفض العاهل المغربي محمد السادس لقاء بيريز، وهو ما دفع الرئيس الاسرائيلي الي الغاء مشاركته في المنتدي الاقتصادي العالمي الذي عقد في المغرب، نهاية أكتوبر الماضي. وخرج وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك ليوجه انتقادات لاذعة علنا الي نتنياهو، لتمسكه باجبار الفلسطينيين علي الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل قبل الشروع في المفاوضات، قائلا: "لا ينبغي السماح لمثل هذه الأمور ان تمنعنا عن تحقيق المصالح المهمة فعلا". وقال باراك أمام 120 من زعماء وقادة اليهود في مؤتمر عقد بمبادرة "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي": "عمليا يوجد اعتراف دولي باسرائيل كدولة يهودية، هذا هو جوهر الدولة ولا يمكن لاحد أن يلغيه. هذا ما تعترف به ايضا الولاياتالمتحدة التي هي أكثر اهمية بقليل من السلطة الفلسطينية". وطالب باراك بأن يستحضر نتنياهو شخصية زعيم فرنسا شارل ديجول كي يقرر ما اذا كنا سننفصل عن الفلسطينيين ام لا، وليس شخصية زعيم بريطانيا تشرشل، مؤكدا انه من أجل دفع التسوية السلمية مع الفلسطينيين الي الامام يجب توسيع قاعدة الحكومة الإسرائيلية مع جهات تؤيد التقدم علي صعيد السلام. وزاد الطين بلة حين شن رئيس الكنيست راؤوبين ريبلين هجوماً عنيفا علي نتنياهو، واتهم اداء حكومته بالفوضوي، وعندما حاول نتنياهو الدفاع عن نفسه، رد عليه ريبلين قائلا: "عزيزي رئيس الوزراء، زوجتي لا تعين أصدقاءها والمقربين منها في مناصب ووظائف حكومية دون تدخل مني". ووصف ريبلين الاوضاع داخل الائتلاف الحكومي بأنها وصلت الي مستوي متردٍ للغاية". وتأتي أزمة رئيس الوزراء الاسرائيلي مع رئيس الكنيست راؤوبين ريبلين الذي ينتمي الي حزب الليكود، الذي يرأسه نتنياهو نفسه، كحلقة من سلسلة من الخلافات بين الاثنين، حيث اعترض ريبلين علي الموازنة الاسرائيلية العامة لهذا العام، وعلي عدد من مشروعات القوانين التي طرحتها حكومة نتنياهو علي الكنيست للتصديق. لكن المقربين من الاثنين يقولون ان غضب ريبلين يرجع الي ما تردد من انباء حول عزم نتنياهو تعيين وزير الخارجية الاسبق ديفيد ليفي رئيساً لاسرائيل، خلفاً للرئيس الحالي شمعون بيريز، وهو المنصب الذي كان يطمح ريبلين في الفوز به. وكانت وسائل الاعلام الاسرائيلية نشرت العديد من التقارير حول تدخلات سارة، زوجة نتنياهو، في شئون الحكومة، وحصولها علي صلاحيات ونفوذ اتاح لها تعيين اقاربها في مناصب حساسة داخل حكومة الليكود وخارجها. وتحدثت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية عن قدرة سارة نتنياهو، التي كانت تعمل مضيفة طيران، علي تفعيل اي قرار سياسي داخلي أو خارجي، وانها تزرع جواسيس علي زوجها في ديوان الحكومة، حتي انها عينت احدي صديقاتها هناك، لإبلاغها بكل كبيرة وصغيرة تجري بعيداً عن مقر اقامة نتنياهو. وبدا نتنياهو علي المستوي الداخلي رجلا غير قادر علي تسيير اموره، وفضل تسليم ارادته الي زوجته التي وصفها البعض بالحاكم الفعلي لاسرائيل. وعلي المستوي الخارجي بدا نتنياهو ايضا رجلا لا يملك امره، ويفضل تسليم ارادته الي المستوطنين الذين يجبرونه علي تجميد المفاوضات واستئناف الاستيطان! ورغم ذلك ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن نتنياهو ينوي التوجه إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية، مطلع الشهر القادم، بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الامريكي، بهدف بحث استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، الا ان الصحيفة قالت ان عدم تحقيق تقدم نحو إخراج المفاوضات من طريقها المسدود قد يؤدي إلي إلغاء الزيارة. يأتي ذلك في الوقت الذي تسود فيه توقعات بأن الرئيس الأمريكي باراك اوباما سيكون في عام 2011 أضعف بكثير من أوباما عام 2008، في ظل توقعات بتلقيه وحزبه هزيمة قاسية في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، التي تجري بعد أيام، الأمر الذي سيجعل الرئيس الأمريكي يركز في الفترة الاخيرة علي الشئون الداخلية للولايات المتحدةالأمريكية، حتي يحاول النهوض بمكانة حزبه الديمقراطي المتردية في الشارع الامريكي، علي امل تحسين وضعه وتأهيله للفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة بعد عامين من ذلك. في المقابل توقعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني بعد 10 نوفمبر، مع فرض قيود علي البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، دون تجميده. وقالت الصحيفة إن نتنياهو ومستشاريه يواصلون العمل مع الإدارة الأمريكية بهدف التوصل إلي معادلة لتجديد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، في الأسابيع التي تلي انتخابات الكونجرس في مطلع نوفمبر. كانت تقارير صحفية تحدثت عن عرض تقدم به نتنياهو الي الفلسطينيين يقضي بتمديد تجميد الاستيطان بشهرين من جهة، ومواصلة بناء 1600 وحدة سكنية جديدة كان قد شرع في بنائها فور انتهاء فترة التجميد في الشهر الماضي من جهة اخري، وهو ما رفضه الفلسطينيون. ويري بعض المعلقين ان ثمة قلق لدي الجانب الاسرائيلي من ان يترتب علي هزيمة حزب اوباما في انتخابات الكونجرس، ستسعي الادارة الأمريكية، بمساعدة المجتمع الدولي، الي فرض اتفاق دائم علي إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وتتزامن هذه المخاوف مع استقبال نتنياهو رسائل من زعماء يهود امريكيين بارزين، أوصوا فيها بتمديد تجميد البناء في المستوطنات بالاراضي الفلسطينية، والتوصل في أقرب وقت ممكن الي صيغة حول هذا الموضوع مع الادارة الامريكية. وذكرت صحيفة معاريف الاسرائيلية ان معظم الزعماء اليهود الذين التقاهم نتنياهو عبروا عن قلق عميق علي مستقبل علاقات اسرائيل والولاياتالمتحدة علي خلفية رفض رئيس الوزراء الاسرائيليين تمديد التجميد. وحذروا نتنياهو من أنه بعد انتخابات الكونجرس من المتوقع حدوث أزمة شديدة في العلاقات مع واشنطن إذا ما علقت المفاوضات في طريق مسدود حقا. واعتبر البعض مقال الصحفي الأكثر تأثيرا في أمريكا، توماس فريدمان، في صحيفة "نيويورك تايمز"، حيث تضمن نقدا لاذعا غير مسبوق لسياسة حكومة نتنياهو. ويتسق مع ذلك أيضا الأنباء التي ترددت عن ان الإدارة الأمريكية الغت العرض السخي الذي كانت قد اقترحته علي نتنياهو مقابل تمديد فترة تجميد المستوطنات، وذكرت مصادر دبلوماسية ان الامريكيين غاضبون ويشعرون بالإهانة وسحبوا اقتراحهم.