بقلم د/ أحمد دراج [email protected] بعد دعوة الرئيس مبارك الأخيرة إلى تعديل 34 مادة من الدستور، معظمها مواد ذات مرجعية اشتراكية انقلب عليها النظام الحاكم منذ فترة بعيدة وبقيتها لا يمثل نقلة نوعية ولا يفتح أفاقا جديدة كما تروج فرق الطبل والرقص والزمر الحكومية وميلشياتها المساندة لمهرجانات الجعجعة الفارغة. وفي هذا المقام، هناك سؤال بريء لا أشك أن كل مواطن يعرف جوابه ألا وهو: هل الدستور المصري بجميع نصوصه يفعل أو يحترم في الحياة اليومية حقيقة أم أنه جثة هامدة قرأ عليه الأمن والشرطة الفاتحة وواروه التراب ؟!! ومع كل، فهذه التعديلات ليست إلا مساحيق لتجميل إجراءات القبح مادامت المواد الرئيسية مثل المادة 77 ليست من بينها، وليس من بينها أيضا المادة 93 التي تسلب من القضاء المصري حق الفصل في قضايا تزوير الانتخابات البرلمانية وتمنحه لمجلس سيد قراره ليصبح المتهم هو الحكم في نفس الوقت، وبالتالي تصبح كل هذه التعديلات المنتقاة مجرد ذر للرماد الكثير في عيون الشعب بتعديل إما مواد لا قيمة لها، أو تعديل مواد تكرس الحكم الشمولي للحزب الواحد ولأغراض فردية وانتهازية لا تراعي أن مصر دولة كبرى بتاريخها وشعبها، وهي أكبر من الأشخاص أيا كانوا وأن مصالح شعبها أهم من مصالح فئة أو لوبيات بعينها، وأهم تلك الأغراض التي كشفت عنها التعديلات الدستورية هي : · إن تعديل المادة 76 للمرة الثانية خلال عام واحد، لا تهدف إلى استدراك ما لحقها من عوار دستوري فاضح شهد به جميع خبراء القانون الدستوري، بل يقصد بها تعديل فقرتين خاصتين بالأحزاب لمنح الأحزاب دور كومبارس في انتخابات الرئاسة وبث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد أحزاب ومستقلين، وذلك بإقصاء المستقلين كلية – وهم غالبية الشعب- عن الترشيح للانتخابات الرئاسية القادمة. · إن السماح لبعض أحزاب المعارضة بالترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة دون غيرهم، رغم علم هذه الأحزاب نفسها أن مرشحيها لن يكونوا سوى ديكور لتمرير توريث مقعد الرئاسة مقابل مكاسب مالية- يعد انتهاكا لمبدأي تداول السلطة والمساواة بين جميع أفراد الشعب وفق نص الدستور، كما يعد انقلابا وخيانة للمبادىء التي يقوم على أساسها أي حزب في العالم. · إن الاهتمام بطرح المادة 88 للتعديل رغم مشاهدة التزوير والمخالفات الحكومية الجسيمة في جميع الانتخابات الماضية يهدف إلى إقصاء السلطة القضائية عن أداء دورها المنصوص عليه دستوريا أثناء العملية الانتخابية، وإشراك هيئات قضايا الدولة الحكومية وغيرها في عملية مراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفي يوم واحد فقط لتسهيل وضمان تمرير التزوير بوسائله المتنوعة الذي أفرز نتائج مجلس مطعون في شرعيته بسبب التدخل الأمني الصارخ وقمع المواطنين والقضاة في عمل غير مسبوق في أسوأ وأحط الدكتاتوريات. · يضاف إلى ما سبق أن تغيير الاقتراع من الفردي إلى القائمة النسبية يقصد به تحجيم عدد النواب المستقلين والإخوان المسلمين في المجالس النيابية القادمة بما يضمن هيمنة الحزب الوطني على الحياة السياسية دائما في ظل سيطرة لجنة الحزب الوطني على صكوك الغفران لتأسيس أحزاب جديدة تابعة للحزب الأوحد. · إن تجاهل طرح تعديل المادة 77 يؤكد سوء نية الحزب والنظام حول قضية تداول السلطة، وهو ما يسلب من كل هذه التعديلات أي بارقة أمل، ويشير إلى أننا في مواجهة عملية تدليس مكرر واختطاف قوة القانون بقانون القوة مع سبق الإصرار والترصد. · إن طلب تعديل المادة 136 يعد أخطر تعديل لأنه يجعل من حق رئيس الجمهورية حل مجلس الشعب بلا ضرورة وبدون إجراء استفتاء شعبي، وهو ما يمثل رغبة النظام والسلطة التنفيذية في ابتلاع السلطة التشريعية تماما، ووضع الشعب ونوابه تحت رحمة رئيس الدولة، وهو انتهاك صريح لحق الشعب في اختيار الرئيس. · إن طلب تعديل 34 مادة من الدستور يجب أن يتم على كل مادة على حده وفق نص القاعدة المعمول بها في المادة 107 من الدستور، بأن التصويت على مشروعات القوانين يجرى على مادة بانفراد ولا يجرى عليها جميعا دفعة واحدة. · إن الفساد الذي بلغ في مؤسسات النظام التنفيذية والتشريعية مبلغ التقعيد من رشاوى واحتكار ونهب ومحسوبية وتربح من المال العام يحتم على كل القوي الوطنية في الأحزاب الحقيقية أن تنأى بنفسها عن مشاركة الحزب الوطني في ترسيخ الانتهازية السياسية وتبادل المصالح في هذا الوقت من تاريخ مصر فمصر فوق الجميع. جذور الإشكاليات والمخاوف الشعبية تنطلق الإشكاليات من أن الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية بعد أن جمد النظام الحاكم حزب العمل هي إما أحزاب عائلية كرتونية صنعت في الفناء الخلفي للحزب الوطني أو أحزاب تاريخية فقدت ظهيرها الشعبي لعدة أسباب منها: انعدام مصداقيتها وتخليها عن المبدأ الأخلاقي من ناحية، وخضوعها لتضييق النظام الاستبدادي عليها من ناحية ثانية، وارتماء بعض قياداتها المعروفة في أحضان الحزب الحاكم ونظامه الشمولي من جهة ثالثة، وقد استفادت ثلة من تلك القيادات- وما تزال- من نفحات الحزب الوطني المادية والمعنوية. تري ما الكيفية التي يمكن بها الخروج من هذا المأزق ؟ للإجابة عن هذا السؤال ومن وجهة نظر خالصة لوجه الله وحرصا على مصلحة المواطن، أري أنه ينبغي علينا إلقاء الضوء على بعض النقاط مباشرة وتوضيح بعضها الآخر فيما بين السطور على النحو التالي: 1- إن الحزب المسمى بالوطني والمتسلط على مقدرات الشعب لن يمنح الأحزاب الأخرى فرصة حقيقية لتداول السلطة، ولكنه سيمنحها وعودا لم ولن يتحقق منها شيء سوى فتات من المنح المالية المقتطعة من لحم الشعب ليستمر له السيطرة على الحياة السياسية لما تجلبه عليه من منافع اقتصادية وسلطوية ( وتجربة حوار الطرشان حول تعديل المادة 76 خير دليل على حوار المستقبل القريب ). 2- إن موافقة الأحزاب على إقصاء المستقلين عن الحياة السياسية لن يصب في صالح الأحزاب كما يتصور ضيقو الأفق وغيرهم من المؤيدين لسببين هما: أ- أن إقصاء المستقلين يعني إقصاء الأحزاب لاحقا فهم الثور الأبيض وأنتم الثور التالي له ( لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض). ب- إن المستقلين هم القسم الأكبر من الشعب- وما الإخوان إلا جزء منهم، فلا تقايضوا تهميش الغالبية العظمى من الشعب بمنفعة وهمية زائفة. 3- إن مبدأ المواطنة مبدأ منتهك في هذه التعديلات المقترحة بسبب التفرقة بين المواطنين على أساس تحزبهم، وعلى كل المضارين من النظام التحالف معا فلن يحصل أحد على حقه منفردا، ومن ثم فإن سلب أبسط حقوق المواطنة يفقد هذا التعديل حجيته القانونية لتناقضه مع المادة 40 في باب الحريات، وإن كان هذا النظام صادقا في توجهه لإعادة حصول الأحزاب على حقها لأطلق حرية تكوين الأحزاب كخطوة أولي وبادرة لحسن نية، ولكنهم تركوا كل شيء على حاله ليسهل ضرب الحزب الواحد من داخله وضرب الأحزاب ببعضها. 4- إن هذه التعديلات ليست خاصة بلائحة الحزب الوطني حتى تقتصر على رؤيا الحزب وحده في مجلسي الشعب والشورى، ولكنها تعديلات في نظام الحكم لمستقبل مصر كلها وهو الدستور، ومن ثم لابد من توافق جميع فئات الشعب بلا استثناء حول هذه التعديلات، وإلا صارت تعديلات باطلة لخرقها أساس التوافق العام. 5- أثبتت الشواهد السابقة أن الحزب الوطني حزب أحادي نفعي إقصائي، لا يعير آراء ومقترحات الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى أي اهتمام. إذن ما الحل لمواجهة تعنت الحزب والنظام في إقرار التعديلات بصورة انتقائية ؟ الحل في رأيي أنه إذا لم يؤخذ برأي جميع أفراد الشعب في تعديل المواد كل مادة على حده فالحل في إعلان جميع الأحزاب المصرية ( وخاصة الأحزاب العريقة كالوفد والناصري والتجمع والعمل ) والغد عن حل نفسها من طرف واحد والنزول للشارع، وعدم المشاركة في خداع الشعب والمطالبة بإطلاق حرية إنشاء الأحزاب بضمانيتين فقط هما: 1- عدم إنشاء الأحزاب على أسس عسكري 2- عدم إنشاء الأحزاب على أساس تمييز ديني ويكون فصل الخطاب للقضاء الإداري ودون الرجوع للجنة الحزب الوطني التي تتحكم في إنشاء الأحزاب الأخرى فتقبل من تشاء وترفض من تشاء وتغتال الحياة السياسية في مصر طولا وعرضا. وربما يسأل البعض، ما النتائج التي تترتب على ذلك فأقول : إن حل الأحزاب لنفسها سيؤدي إلى : أ- تعرية فكرة التعددية التي يتمسح بها النظام أمام العالم لإثبات ديمقراطيته وتعدديته. ب- هدم حجية التعديلات الدستورية التي يفصلها الحزب الوطني ونظامه وفق أهوائهم ومصالحهم الخاصة من الأساس. ت- تبصير الشعب بأن الأحزاب الكبرى التي حلت نفسها لا توافق على المشاركة في خداع الشعب وليست شريكة للحزب الوطنى في نهب ثرواته وبيع كل شبر في أرضه من مؤسساته الإنتاجية إلى مستقبله ولقمة عيشه. ث- استعادة ثقة الشعب في هذه الأحزاب وعودتها لقلوب الجماهير بدلا هجرها بسبب تواطئها من النظام. والخلاصة أن التعديلات الدستورية لثلث مواد الدستور جنازة حارة لميت... سبق دفنه مئات المرات في أقسام البوليس والمعتقلات والشوارع والانتخابات، ولا عزاء للعقلاء.