" أحكام الإعدام تشق صفوف المصريين،" هكذا عنون موقع " المونيتور" الأمريكي تقريرا له ، أطلع عليه موقع مصر العربية، سلط فيه الضوء على عقوبة الإعدام في مصر ومطالبة منظمات حقوقية بإلغائها والتحديات التي تعترض تنفيذ ذلك على الأرض. ويقول الموقع: يطالب النشاط الحقوقيون في مصر بإلغاء عقوبة الإعدام في أعقاب ما وصفوه ب " التوسع في أحكام الإعدام في مصر"- لاسيما بعد أن وجهت دول أجنبية ومنظمات حقوقية مثل " هيومان رايتس واتش" انتقادات لاذعة للقضاء المصري. بدأت تفاصيل القصة عندما أصدرت المحكمة العسكرية في مصر حكماً نهائيا في مارس الماضي بإعدام 6 متهمين بالقتل والإنضمام إلى جماعات إرهابية (أنصار بيت المقدس)، في القضية المعروفة إعلامياً بقضية "خلية عرب شركس". كما أصدرت محكمة جنايات القاهرة في ال 16 من مايو المنصرم قراراً بإحالة أوراق الرئيس محمد مرسي وأكثر من 100 متهم آخرين إلى المفتي لاستشارته فيما يتعلق بإعدامهم في القضية المعروفة إعلامياً بقضية "الهروب من سجن وادي النطرون"، المتهم فيها مرسي وعدد من قيادات وعناصر جماعة الإخوان باقتحام السجون المصرية وتهريب بعض السجناء. وكان من المنتظر أن تصدر المحكمة حكمها النهائي في 2 من يونيو الجاري، إلا أنها قرّرت إرجاء الحكم لإعطاء فترة أطول للتداول بين أعضاء هيئة المحكمة. وأصدرت المحكمة الحكم على مرسي في ال 16 من الشهر الحالي. وعلى خلفية أحكام الإعدام وقرارات الإحالة للمفتي سالفة الذكر ، وإلى جانب أحكام إعدام سابقة- أشهرها الأحكام على 37 شخصا بالإعدام بتهمة القتل وإثارة الشغب في المنيا- طالب كل من عضوي المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج إسحاق وعبد الغفار شكر، في تصريحات صحفية لهما بإيقاف إصدار أحكام الإعدام في مصر لمدة 3 سنوات على الأقل مع تفضيلهم إلغاءها، فيما طالب القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين ورئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، في بيان له في مايو 2015 بإلغاء عقوبة الإعدام من القانون المصري في أسرع وقت ممكن. وانتقد خبراء أمنيون وقانونيون وأسر بعض ضحايا العمليات الإرهابية دعاوى إيقاف عقوبة الإعدام أو إلغائها. وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان بياناً رفض فيه دعاوي عضوية شكر وإسحاق، معلناً أنه لم يناقش إيقاف عقوبة الإعدام في مصر أو إلغاءها، وإنما طالب فقط بقصرها على الجرائم شديدة الخطورة. وفي أعقاب الكثير من أحكام الإعدام مثل أحكام المنيا وعرب شركس، اعتبرت منظمات حقوقية- أشهرها هيومن رايتس ووتش- أحكام الإعدام أداة في يد النظام المصري للتوسع في قمع المعارضين. ومع ذلك، فإن ثمة أسباب أخرى للإبقاء على عقوبة الإعدام يصعب تجاهلها وفي مقدمتها الدستور والشريعة والأسباب الأمنية. الدستور والشريعة الإسلامية وفق للمادة الثانية من الدستور المصري لعام 2014، فإن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع في مصر. وقال أستاذ القانون في جامعة القاهرة محمود كبيش ل"المونيتور" إن إلغاء عقوبة الإعدام يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقت القصاص من مرتكبي جرائم القتل وفقاً للقاعدة الدينية التي تقول "من قتل يقتل". وقال وكيل الأزهر الشريف عباس شومان ل"المونيتور" إن تعديل قانون العقوبات المصري بما يلغي عقوبة الإعدام هو شأن قانوني يخص الدولة، ولن يتدخل الأزهر فيه إلا إذا طلب رأيه الشرعي. وعن الرأي الشرعي ومدى توافق إلغاء عقوبة الإعدام مع مبادئ الشريعة، أوضح شومان أن إلغاء عقوبة الإعدام يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية. يُشار إلى أن قضية إلغاء عقوبة الإعدام كانت قد أثيرت في عام 2010 من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقرير له أرسله إلى الحكومة والبرلمان المصريين، إلا أن العدد الأكبر من علماء الأزهر رفض تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، وكذلك رفضه وزير الدولة للشؤون القانونية مفيد شهاب، ورفضته لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري. صعوبات أمنية وأفاد لواء الشرطة المتقاعد والخبير الأمني خالد عكاشة ل"المونيتور" إن عقوبة الإعدام هي العقوبة الوحيدة الرادعة لمرتكبي جرائم القتل، مضيفا أن استبدالها بعقوبة السجن مدى الحياة كما هو الحال في أوروبا وبعض الولاياتالأمريكية ربما يتسبب في اضطرابات أمنية في مصر. وتابع: "ربما يرتكب المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة جرائم داخل السجن، لأنه يتحول إلى شخص يائس، ولأن السجن مدى الحياة سيكون أقصى عقوبة يمكن أن يواجهها مهما ارتكب من جرائم". وقال أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة القاهرة خالد بدر ل"المونيتور" إن المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة شخص يائس ولا رادع له، وربما يكون ذلك سبباً في ارتكابه المزيد من الجرائم داخل السجن لأنه لا يسعى إلى تحسين سلوكه لاختصار مدة سجنه، كما يفعل باقي السجناء أو على الأقل، لا يسعى حتى إلى عدم ارتكاب جرائم جديدة لأنه يدرك أنه لن يغادر السجن بأي حال من الأحوال". المتضررون من جرائم القتل وقال عيد سلامة والد أحد ضحايا العمليات الإرهابية في مصر ل"المونيتور"، إنه يرفض أن توقع أي عقوبة على قاتل ابنه إلا القتل (الإعدام)، فيما قال حسام عبد العظيم شقيق أحد الضحايا ل"المونيتور" إن جرائم الإرهاب لن تتوقف إلا بأحكام الإعدام، وإنه لا توجد عقوبة يمكن أن تهدئ أسر ضحايا العمليات الإرهابية إلا الإعدام للقتلة. وفي النهاية، فإن إلغاء عقوبة الإعدام صعب ليس لأنها أداة الدولة في ترهيب المعارضة، كما تزعم منظمات حقوقية، ولكن إلغاءها ربما يقابل بالرفض على الصعيدين الدستوري والديني، وعلى مستوى أسر ضحايا القتل والإرهاب.