تسعى السعودية، أحد أبرز داعمي المعارضة السورية، إلى جمع تيارات هذه المعارضة السياسية والعسكرية المختلفة ، في لقاءات تعقد في منتصف يونيو، بهدف التحضير ل"مرحلة ما بعد الاسد"، بحسب معارضين. ويأتي هذا المسعى ليعطي دفعة جديدة للدور السعودي في سوريا، وسط تساؤلات عما اذا كانت الرياض قد تلقت ضمانات من القوى الدولية، وخاصة من واشنطن لدعم جهودها للقيام بأي عمل حقيقي يعجل برحيل النظام السوري، إذا استطاعت الرياض أن تستجيب لخفض حدة الهاجس الأمني لدى الغرب عبر توحيد القوى السورية المعارضة، وأيضا عبر تحييد التنظيمات الإرهابية وعزلها وتقليص حظوظها في أي دور لها في مستقبل سوريا ما بعد بشار. وقال المعارض البارز هيثم مناع في اتصال هاتفي "يسعى المسؤولون السعوديون الى جمع الغالبية العظمى من المعارضين السياسيين والعسكريين في منتصف يونيو، قبل شهر رمضان مباشرة، من اجل التحضير لمرحلة ما بعد (الرئيس بشار) الاسد". واوضح مناع، أحد اعضاء "لقاء القاهرة" الذي يضم شخصيات معارضة عدة من الداخل السوري ومن الخارج ايضا، ان الاجتماع "لن يشمل جبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية". وقال مناع ان المسؤولين السعوديين حاولوا تنظيم الاجتماع في الثالث من مايو، لكنهم أرجأوه بسبب صعوبات متعلقة بالانقسامات بين مجموعات المعارضة. واكد مناع ان التقارب الحاصل بين السعودية وقطر وتركيا التي كانت تتجاذب النفوذ على مجموعات المعارضة السورية، سمح لمقاتلي المعارضة بإحراز سلسلة نجاحات على الارض خلال الفترة الاخيرة في مواجهة قوات النظام. وكانت عدة تنظيمات إرهابية قد دخلت على خط الصراع السوري لتحوّل اتجاهه من مطالبة بالتحرر من سيطرة نظام شمولي مستبد، إلى حرب جهادية ضد جميع السوريين بما في ذلك القوى المعارضة لبشار والتي تقف سدا منيعا أمام تحول سوريا الى دولة "خلافة اسلامية" كما يروج لذالك الجهاديون القادمون من دول عربية عديدة ومن اصقاع العالم. وأصبحت التنظيمات الإرهابية عامل ارباك لجميع المتدخلين في الشأن السوري معارضة ودول إقليمية داعمة لها. وصبت هذه التطورات في سلة النظام السوري، الذي لعب على اثارة المخاوف من ان أي بديل له في حكم سوريا سيكون الجماعات الإرهابية، ويبدو انه نجح الى حد ما في ذلك خاصة وان التراجع الغربي والأميركي تحديدا في آخر لحظة عن دعواته لرحيل الاسد والذي لم يعلن سببه بشكل واضح الى حد الآن، لا يمكن تفسيره الا بكون هذه القوى اقتنعت صراحة وفي مرحلة ما بأن البديل لنظام الاسد هو الجماعات الإرهابية لا سيما مع ظهور تنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر على مساحة واسعة من اراضي العراقوسوريا. ويقول محللون إن التحاق الموقفين التركي والقطري بالموقف السعودي ربما يحد من خطورة التنظيمات الجهادية في سوريا بشكل كبير لاسيما وان الدولتين متهمتان على نطاق واسع بأنهما طورتا علاقة وثيقة بالتنظيمات الجهادية في سوريا، ودعمتاها بالمال والسلاح لتصبح لاحقا رقما صعبا في الصراع السوري. ويقول مراقبون إنه من الواضح أن الدور السعودي في قيادة التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن قد أحيا من جديد رغبة سعودية في استعادة الزخم لدورها في سوريا، لاسيما مع تبين عدم استعداد ايران لخوض حرب بالوكالة عن أي من حلفائها في المنطقة، إضافة إلى النكسات الكبيرة التي اعترف نظام بشار بنفسه بانه تعرض لها في المرحلة الأخيرة. ومنذ بداية النزاع السوري تصدرت السعودية الدول الداعية الى ضرورة إزاحة الاسد عن السلطة في سوريا. واستمرت على مدى اشهر في حشد الدعم لتدخل عسكري غربي يطيح بالنظام الذي امعن في تقتيل السوريين بدعم ايراني واضح على حد تعبير معارضيه في المنطقة وفي العالم، لكن الموقف الاميركي عاند رغبة الرياض في هذا الخيار. ويرجح هؤلاء أن السعودية التي اصيبت بخيبة أمل كبير في الموقف الغربي المتخاذل في الملف السوري طيلة المرحلة الماضية، ربما تلقت اشارات من جهات غربية باستعدادها لدعم جميع خطواتها في الملف السوري اذا كانت متناسقة مع رغبتها في ان تنتقل السلطة في سوريا الى جهات سياسية تحافظ على مدنية الدولة وتكفل الحرية للجميع. وقالت مصادر بالولاياتالمتحدة والشرق الأوسط الخميس إن الجيش الأميركي بدأ تدريب مقاتلين سوريين لقتال مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية. وأضافت المصادر التي طلبت عدم كشف هوياتها أن البرنامج بدأ في الأردن وسينفذ قريبا في تركيا أيضا. وتمثل خطة الولاياتالمتحدة لتدريب وتسليح قوة من المتوقع أن يزيد عددها في نهاية المطاف عن 15 ألف جندي اختبارا لاستراتيجية الرئيس باراك أوبما في سوريا، والتي يقول منتقدوه إنها ضعيفة إلى الحد الذي لا تستطيع معه أن تغير مسار الأحداث. ويقول مراقبون إن الأسد استطاع الصمود طيلة اكثر من اربع سنوات بفضل الدعم الإيراني والمليشيات الشيعية الحليفة لها، مقابل تراجع أميركي واضح عن دعم قرار تغيير النظام السوري الذي بدا في مرحلة ما من الصراع السوري الدامي قاب قوسين أو ادنى من الحصول لولا التدخل الروسي لإنقاذ بشار مقابل التنازل عن اسلحته الكيميائية. ويقول محللون إن الرياض ربما اصبحت على يقين من ان نظام بشار الاسد اصبح في متناول معارضو سورية مسلحة بشكل جيد وموحدة بعيدا عن جميع اشكال الصراعات التي اضعفتها ومنعتها من تحقيق انتصار حاسم على الاسد. وأكد مسؤول في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية رفض الكشف عن اسمه ان هناك تحضيرات لعقد الاجتماع، مشيرا الى ان "موعده لم يقر نهائيا". وقال "ستشارك فيه كل اطياف المعارضة السياسية والعسكرية، من الداخل والخارج". واوضح ان "الهدف التوصل الى نقاط مشتركة بين التيارات المختلفة والاتفاق على خارطة طريق للمرحلة الانتقالية بعد انتهاء نظام بشار الاسد".