انتقدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تغلغل وانتشار الفساد في مصر، وسيطرته على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكدةً أنه العامل الرئيسي وراء تصاعد حدة موجة الغضب الشعبي في الشهور الأخيرة، متمثلاً في الإضرابات والاعتصامات. وأشارت في تقرير صدر أمس بعنوان: "الإضراب في مصر.. بين المشروعية والعقاب" إلى أن سوء الأحوال المعيشية وارتفاع مستوى الأسعار، مقابل تدني مستويات الأجور وارتفاع معدلات البطالة والفقر؛ شكَّلت جميعها أسباب الغضب الشعبي ودوافعه، مضافًا إليها النتائج العكسية المترتبة على عمليات الخصخصة.
وأضاف التقرير أن هناك عواملَ أخرى أسهمت في ذلك؛ مثل غياب الديمقراطية، واحتكار السلطة، وتراجع مشروع الإصلاح السياسي، وتقييد حركة الأحزاب والقوى السياسية المختلفة وحريتها، وقمع الحريات العامة، ودفع الشعب إلى التخلِّي عن المشاركة السياسية، وتزوير الانتخابات التشريعية، وهيمنة السلطة التنفيذية على بقية السلطات، واختفاء دولة القانون والمؤسسات لتحلَّ محلَّها السلطة المطلقة للأفراد، فضلاً عن استمرار فرض حالة الطوارئ؛ لدرجة أن قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958م قد أضحى بمثابة الدستور الحقيقي للبلاد.
ورصد التقرير 21 حالة إضراب و44 حالة اعتصام منذ يناير عام 2009م حتى يوليو من نفس العام، شملت كافة الشرائح؛ من أساتذة جامعات وعمال مصانع وقطاعات عامة وخاصة، ودوائر حكومية على مستوى الجمهورية، موضحًا أن معظم هذه الإضرابات دارت حول تحسين الأجور، وغلاء الأسعار، وليس الإصلاح السياسي، وخاصةً بعد تدني الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتدنِّي مستوى الخدمات، وانتشار الفقر والبطالة والفساد.
وطالب التقرير الحكومةَ باتخاذ خطواتٍ جادَّة في اتجاه الإصلاح السياسي والاقتصادي؛ عن طريق رفع حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات العامة، ووضع حدٍّ نهائيٍّ لممارسات التعذيب، وسوء المعاملة في أقسام ومراكز الشرطة، وإلغاء المحاكم العسكرية والاستثنائية، وتوفير الضمانات الكافية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ودعا أيضًا إلى اتخاذ حزمة من القرارات الاقتصادية لتحسين الأحوال المعيشية للسواد الأعظم من الناس؛ مثل رفع الحد الأدنى للأجور والمرتبات وربطها بالأسعار، والحدّ من الفوارق بين الطبقات في توزيع الدخل والثروات، ومحاربة البطالة، وخلق فرص عمل جديدة للخرِّيجين في القطاعين العام والخاص، وحماية أموال التأمينات الاجتماعية، وامتدادها لتشمل كافة العاملين في القطاعات المختلفة.
كما طالب التقرير بإدخال تعديلات على قانون العمل الموحّد رقم 12 لسنة 2003م بما يحقق التوازن بين مصالح العمال وأصحاب الأعمال، مع مراعاة مستويات الدخل ومعيشة المواطنين، وإطلاق حرية تشكيل المنظمات العمالية النقابية والروابط والمنظمات الأهلية التي تنظِّم وتدافع وترعى مصالح الفئة العاملة.
وشدَّد على دعوة الحكومة المصرية إلى الانضمام والتصديق على الاتفاقيات الخاصة بحماية العاملين والعاملات، وكذلك ضرورة تفعيل دور وزارة القوى العاملة فيما يتعلَّق بالتحقيق في شكاوى العاملين المنتهكة حقوقهم من قِبل أصحاب العمل، وإيجاد وسيلة فاعلة لتنفيذ الأحكام الصادرة لصالح العمال، والعمل على تثبيت العمالة المؤقتة في القطاعين الرسمي وغير الرسمي.
وفي إطار المشكلات المتعلقة بسياسة الحكومة السكانية؛ طالب التقرير بتمكين محدودي الدخل والفقراء من التمتع بالحق في سكن ملائم، تتوافر فيه الخصوصية والأمان ومعايير المسكن الصحي، وتقديم تعويضات مادية وعينية لضحايا الإخلاء القسري وهدم المنازل، وإيجاد بدائل مناسبة للأهالي القاطنين بتلك المنازل، ووضع خطة شاملة لإزالة المناطق العشوائية التي لا يمكن تطويرها، وإمداد المدن الجديدة بالمرافق والخدمات الأساسية، والاتجاه إلى إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة تفي بحاجات الشباب، على أن يتوافر في هذه الوحدات خدمات ملائمة؛ من نقل ومواصلات وخدمات أساسية للمواطن، وأن يتناسب ثمنها بشكل كبير مع محدودي الدخل والطبقات الدنيا.