يتوغل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الدول العربية وينتشر بشكل قوي وملحوظ الأمر الذي يثير دهشة واستغراب الكثير . فعلى رغم أن بعض المراقبين يحذرون من خطر اختراق تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الحدود التونسية عقب استيطانه في ليبيا، فإن عددًا من المسؤولين تخوفوا من تكرر السيناريو الذي شهدته بلدان مثل العراقوسوريا وليبيا داخل تونس. وأثارت جريمة ذبح 21 قبطيا مصريا الأحد الماضي على يد تنظيم "داعش" موجة من الاستنكار والاستهجان رافقتها مخاوف أمنية من إمكانية زحف هذا التنظيم إلى بقية دول المغرب العربي وخصوصا تونس المجاورة لليبيا. وتعززت هذه المخاوف في ظلّ الأخبار التي تكشف عنها وزارة الداخلية من حين لآخر عن نجاحها في إحباط مخططات إرهابية، وتفكيك خلايا نائمة، والعثور على مخازن أسلحة وخرائط تقول إنها كانت تستهدف ضرب أهداف أمنية وعسكرية ومدنية. وكان الأمين العام للاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي الصحبي الجويني، أعلن في تصريح صحفي عن معطيات تفيد بوجود خطر حقيقي من قيام تنظيم "داعش" والموالين له من تنظيمات في البلاد بعمل إرهابي نوعي خلال الفترة القادمة. وكشف الجويني عن وجود تفاصيل حول عدة ملفات لها صلة بالعمليات الإرهابية مثل ما يعرف الأمن الموزي والاختراق داخل المؤسسة الأمنية، مشيرًا إلى أن هناك بعض القيادات الأمنية تحوم حولها شكوك بتورطها في التستر عن عمليات إرهابية. وتطرح مثل هذه التصريحات إلى جانب المخاوف من عودة المقاتلين التونسيين من سوريا تساؤلات حارقة حول حجم الخطر الذي يتهدد تونس ومدى قدرتها على إجهاض المخططات الإرهابية التي تحبكها المجموعات الإرهابية على غرار "داعش". وأقرّ مؤخرًا رفيق الشلي كاتب الدولة لدى وزير الداخلية باستمرار عودة مئات الإرهابيين التونسيين إلى البلاد عقب التحاقهم بصفوف التنظيمات الإرهابية في سورياوالعراق، معلنًا منع نحو 10 آلاف تونسي من السفر للقتال في تلك المناطق. وقال في تصريح صحفي إن هناك عددًا من التونسيين العائدين من سوريا ينشطون حاليا داخل خلايا نائمة وجماعات تكفيرية مثل تنظيم أنصار الشريعة المتطرف، مؤكدًا أن البعض منهم تمّ إيقافه خلال عمليات أمنية أخيرة استهدفت المتشددين. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية كشفت مؤخرًا عن تصدر تونس قائمة الدول المصدرة للمقاتلين في سوريا بنحو 3 آلاف مقاتل، تليها السعودية (2500 مقاتل) والمغرب (1500 مقاتل)، وهو مؤشر يدل على المأزق الذي تعاني منه تونس. وأعلنت وزارة الداخلية في الفترة القليلة الماضية عن اعتقال العشرات من الإرهابيين الذين كانوا يستعدون لشن هجمات إرهابية في مناطق حساسة بالبلاد، إضافة إلى اعتقال عناصر متطرفة تنشط ضمن الجناح الإعلامي لتنظيم عقبة بن نافع. وهذا التنظيم تتهمه وزارة الداخلية بالوقوف وراء الأعمال الإرهابية التي جدت بالبلاد عقب الثورة كاغتيال السياسيين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وزرع ألغام أرضية في المرتفعات الغربية للبلاد والتي أودت بحياة العشرات من العسكريين. وحول رأي بعض الخبراء الأمنيين بشأن حجم الخطر الذي يشكله توغل تنظيم داعش على تونس، يقول العميد السابق بالجيش التونسي مختار بن نصر ل"مصر العربية"، إن توغل هذا التنظيم في تونس مثلما حصل في مناطق عربية أخرى "أمر مستبعد". ويقول إن الأجهزة العسكرية والأمنية واعية بوجود خطر حقيقي على حدودها مع ليبيا، خاصة في صورة موجة من الهجرة الجماعية لليبيين، لكنه شدد على أن الحكومة التونسية متخذة جميع الإجراءات الوقائية لحماية حدودها وأمنها القومي. ولفت إلى أنّ التنظيمات الإرهابية المنتشرة بليبيا على غرار تنظيم "داعش" تبحث على غرس جذورها من أجل الهيمنة على ليبيا الغنية بالثروات الطبيعية، مؤكدا أن غايتها ليست التوغل والاستقرار في تونس على عكس ما يقوله البعض من المحللين. من جهته، يقول الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية علية العلاني، إن توغل تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا لا يعني أنه قادر على الزحف تجاه تونس، مشيرا إلى وجود اختلاف في ظروف البلدين لاسيما أن ليبيا تعاني من الاقتتال على السلطة. لكنه في المقابل شدد على ضرورة رفع اليقظة العسكرية والأمنية لحراسة الحدود التونسية الليبية ومنع أي محاولات قد تقع لتسلل إرهابيين أو تزويد الخلايا النائمة في تونس بالسلاح. وتحدث العلاني عن وجود تداعيات محتملة قادرة على أن تؤشر بشكل مباشر على الوضع الأمني في البلاد عقب تردي الأوضاع في ليبيا وهي خطر تدفق الليبيين والعمالة الأجانب بكثافة على تونس وخطر تسرب مقاتلين وبعض الأسلحة إلى البلاد. يذكر أن وزارة الخارجية حذرت رعاياها التونسيين من التحول إلى ليبيا في هذا الظرف المتردي، داعية أفراد جاليتها في ليبيا إلى توخي أقصى حالات الحذر خوفا على سلامتهم، علمًا أنه وقع اختطاف صحفيين تونسيين في ليبيا منذ خمسة أشهر.