اجتاحت حالة من الغضب العارم الجنوب التونسي بعد مقتل شاب وإصابة العشرات بجروح في احتجاجات تفجّرت في منطقة "الذهيبة" التي تشكو من الفقر والتهميش. ثم سرعان ما اتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل مدينة "بن قردان" الواقعة بمحافظة مدنين وذلك لتحقيق نفس المطالب والتضامن مع ما يحصل بمنطقة الذهيبة الواقعة بمحافظة تطاوين. وخرج أهالي بن قردان اليوم في مظاهرات عارمة للاحتجاج على الحكومة الجديدة بسبب إفراطها في استعمال القوة ضد متظاهري "الذهيبة"، رافعين شعارات تطالب بتحسين أوضاعهم. و"الذهيبة" و"بن قردان" هما منطقتا عبور بين الترابين التونسي والليبي. وينشط جزء من أهالي المنطقتين بالأساس في التجارة الموازية أو السوق السوداء وتهريب البنزين من ليبيا وصرف العملة. وتشكو هاتان المنطقان من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة نظر الغياب مشاريع التنمية والاستثمار. كما ترتفع فيهما نسبة الانقطاع عن التعليم المبكر عن الدراسة ونسبة العمل غير القانوني. كما تشكوان من تدهور البنية الأساسية كالطرقات والجسور والمستشفيات والمدارس وغيرها من المنشآت العمومية، وهو ما يجعل منهما مثالا بارزا للمناطق المهمشة في الجنوب التونسي. وتدهور الوضع الأمني للأسبوع الثاني على التوالي بشكل متزامن في هاتين المنطقتين عقب دخول إجراء حكومي بفرض ضريبة عبور على المسافرين من تونس إلى ليبيا حيز التنفيذ. وتبلغ ضريبة العبور المفروضة على التونسيين قيمة 30 دينار، غير أن السلطات الليبية فرضت من جهتها نفس قيمة هذه الضريبة وهو ما زاد من سخط أهالي الذهيبة ودفعهم للاحتجاج. وحاليا يتسم الوضع في منطقة الذهيبة بتوتر محموم بعد مقتل أحد الشبان في الاحتجاجات المطالبة بإلغاء ضريبة العبور ودفع عجلة التنمية وخلق المشاريع. وخرج أهالي الذهيبة اليوم في مظاهرة غاضبة احتجاجًا على استعمال قوات الأمن الرصاص الحي لقمع مسيرات تطالب بالتنمية والتشغيل في منطقة تعتبر من أكثر المناطق تهميشا. وأحرق متظاهرون اليوم عجلات مطاطية وأغلقوا بعض المنافذ المؤدية لمدينة الذهيبة بالحجارة، قبيل مراسم دفن شاب قتل أمس برصاص قوات الأمن خلال اشتباكات مع المتظاهرين. كما دخلت نفس المنطقة اليوم في إضراب عام مفتوح حيث أغلقت المدارس والمحلات التجارية أبوابها احتجاجا على الاستعمال المفرط للقوة تجاه مسيرات شعبية سلمية. إلى ذلك قرر الاتحاد الجهوي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري الدخول في إضراب عام غدا الثلاثاء بكامل محافظة تطاوين. ومن المترقب أن يشمل هذا الإضراب العام كافة المؤسسات البترولية العالمية التي تنشط في تلك المحافظة وهو ما قد يتسبب لها في خسائر مادية باهظة التكاليف. وقد حذر الاتحاد الحكومة الجديدة من لجوؤها إلى المعالجة الأمنية مهما كانت مبرراتها "لإسكات" صوت المحتجين، مؤكدا أن المطلوب هو التعجيل ببرمجة وتفعيل المشاريع التنموية. إلى ذلك عبرت أحزاب عن استيائها من قمع المظاهرات في مدينة "الذهيبة". ومن بين تلك الأحزاب التي دعت إلى إصدار بياناتها للتعاطي السلمي مع المظاهرات حركة النهضة التيار الشعبي وحركة الشعب وحزب المؤتمر. ورغم أن وزارة الداخلية بررت لجوؤها لاستعمال الرصاص الحي للتصدي لمتظاهرين قالت إنهم "سعوا لاقتحام مركز حدودي في الذهيبة" فإن منظمات المجتمع المدني استهجنت سلوكها. غير أن الناطق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي أكد بأن المؤسسة الأمنية تدرجت في استعمال العنف حسب القانون ولم تستعمل الرصاص الحي إلا بعد مهاجمة مركز حدودي مع ليبيا. ونفى أن تكون المؤسسة الأمنية تعاملت مع المطالب الاجتماعية بمنطق السلاح، موضحا أنّ قوات الأمن أجبرت على استخدام القوة بعد حرق مقر للحرس الوطني ومنازل لأمنيين ومركز حدودي. ويقول "المحتجون حاولوا اقتحام مقر الفرقة الحدودية بالذهيبة المكلف بحماية حدود البلاد مع ليبيا من كافة محاولات تسلل الإرهابيين والمهربين إضافة إلى حرق مركز للحرس الوطني ومنازل ثلاث أعوان حرس وطني يعملون في تلك المنطقة". وفي محاولة لامتصاص غضب أهالي منطقة الذهيبة أمر رئيس الحكومة الجديد الحبيب الصيد بفتح تحقيق حول ملابسات حادثة مقتل الشاب في الاحتجاجات، إلى جانب اتخاذ جملة من التدابير الأخرى مثل تسهيل حركة التنقل لفائدة أهالي الذهيبة باتجاه تونس وليبيا والنظر في إمكانية إلغاء الضريبة المفروضة على عبور التونسيين إلى ليبيا. ويقول محمد علي العرويإن اجتماعًا انتظم اليوم الاثنين بمقر محافظة تطاوين جمع ممثلين عن وزارة الداخلية وبعض الوزارات المتدخلة في الملف التنموي بالجهة لبحث حلول عاجلة توقف الاحتجاجات بتلك المنطقة. هذا ومن المقرر أن يتناول أول اجتماع وزاري عقب تشكيل الحكومة الجديدة مساء اليوم الأوضاع الأمنية الطارئة في الجنوب وكيفية حلها.