منذ أعلن جناح في تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي ينشط في شبه جزيرة سيناء المصرية، البيعة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، تظهر مؤشرات على أن صراعاً في الأفق مرشح للتصاعد مع مجموعة منشقة تتمسك ببيعتها لتنظيم «القاعدة»، على غرار الاقتتال الدائر بين مسلحي التنظيمين في سورية. ووصل الخلاف «القاعدي» - «الداعشي» في سيناء إلى حد الاختلاف داخل الأسرة الواحدة، على غرار ما حدث في أسرة القيادي في جماعة «التوحيد والجهاد» في سيناء حمدين سالمان أبو فيصل، وهو أحد مؤسسي «السلفية الجهادية» هناك واسم مشهور في أوساط الجهاديين. سُجن أبو فيصل في منتصف العقد الماضي لسنوات إثر تفجيرات ضربت منتجعات في سيناء، وأطلق بعد الثورة عام 2011، ليؤسس وآخرون «محاكم شرعية» في سيناء، تولى هو مسؤولية إحداها، وتحديداً في مدينة الشيخ زويد. وألقي القبض عليه مجدداً في أيلول (سبتمبر) 2013 بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي بنحو شهرين، واتهمته السلطات ب «التحريض على العنف والإرهاب». وأبو فيصل واحد من «الجهاديين» الذين زادت حظوتهم بعد تولي مرسي الحكم، وعُرِف ب «قاضي الجهاديين». وكان الرجل واحداً من رجال محمد الظواهري شقيق زعيم «القاعدة»، واستقبله أكثر من مرة في الشيخ زويد، وفق مصادر أمنية. وكان أحد تلك اللقاءات إبان أزمة خطف جنود في الشرطة والجيش في الأشهر الأخيرة من حكم مرسي، قبل إطلاقهم، في واقعة شهيرة أكد مرسي خلالها في بيان رسمي ضرورة «الحفاظ على أرواح الخاطفين والمخطوفين»، ما أثار غضب الجيش. وأكدت المصادر أن أبو فيصل مارس دوراً في تلك الأزمة، لكنها لم تتحدث عن تفاصيله. وأوضحت: «كان للجهاديين نفوذ متنام، وكانت القاعدة اللاعب الرئيس في هذا المضمار بفعل علاقات محمد الظواهري مع شيوخ السلفية الجهادية، ومنهم أبو فيصل… كانوا يجهرون أمام رُسل مرسي بأنهم لن يتركوا السلاح». وأشارت المصادر إلى أن أبو فيصل «مارس دوراً مهماً في توطيد الاتصالات بين الظواهري والمجموعات المسلحة في سيناء، لتكون أذرعاً للتنظيم الإرهابي الدولي، وكان له دور في الاتصالات التي تمت وجهاديين في سيناء ليستتب الأمر لتنظيم أنصار بيت المقدس كذراع للقاعدة بعد عزل مرسي»، مؤكدة أن «هناك أدلة على تلقي التنظيم دعماً مادياً ولوجيستياً من تنظيم القاعدة في الخارج عبر وسطاء، قبل إعلان بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية». وقضت محكمة عسكرية بسجن أبو فيصل بتهمة «التحريض على قوات الجيش في سيناء». ويواجه اتهامات مع محمد الظواهري وآخرين ب «السعي إلى تأسيس خلية إرهابية مرتبطة بالقاعدة». لكنّ ابني الرجل القريب من شقيق زعيم «القاعدة» التحقا بجناح «أنصار بيت المقدس» الموالي ل «داعش». وقتلت قوات الشرطة الشهر الجاري ابنه فيصل في مزرعة في محافظة الشرقية ضمن خلية قالت وزارة الداخلية إنها تابعة ل «أنصار بيت المقدس». ووفق مصادر أمنية، فإن فيصل متهم بالتورط في هجوم على مكمن للجيش في واحة الفرافرة قُتل فيه عشرات الجنود، وهو الاعتداء الذي ضمنته «أنصار بيت المقدس» في شريط «صولة الأنصار» الذي نشرته عقب مبايعتها ل «داعش»، وحوى مشاهد دموية للهجوم على مكمن «كرم القواديس» العسكري في سيناء الذي قتل فيه أكثر من 30 جندياً. وأوضحت مصادر أن طارق حمدين سالمان (في حال فِرار) متهم أيضاً بالانضمام إلى خلية «أنصار بيت المقدس» في محافظة الإسماعيلية، وأنه ضمن المجموعة التي بايعت «داعش»، وغيرت اسمها إلى «ولاية سيناء». وقاد تنظيم «أنصار بيت المقدس» عمليات عنف دامية في سيناء والدلتا وفي الصحراء الغربية، ويعد التنظيم الإرهابي الأبرز الذي تتعقبه السلطات. وتخوض قوات الجيش والشرطة حرباً في سيناء، لتطويق هذا التنظيم الذي أعلن قبل أسابيع البيعة ل «داعش»، بعد «رسائل متبادلة» بين قيادته و «تنظيم الدولة»، ظهرت في أشرطة متلاحقة بثها «داعش» و «أنصار بيت المقدس»، بدأت بثناء الناطق باسم «داعش» أبو محمد العدناني على «المجاهدين في سيناء» وتكليفهم بمواصلة «الذبح»، وهو نهج اختصت به «داعش»، وردّت «أنصار بيت المقدس» بشريط بدت فيه كأنها تنفذ تكليفات العدناني، ثم أصدرت الجماعة بياناً أعلنت فيه البيعة قبل أن تنفيه، وأخيراً أكدت تلك البيعة في شريط مصور وغيرت اسمها إلى «ولاية سيناء». لكنّ جناحاً من «أنصار بيت المقدس» أكد مبايعته لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، ونشرت شبكات جهادية مؤيدة ل «القاعدة» ما قالت إنه «البيان الأول لكتيبة الرباط الجهادية في سيناء»، وذخر بتحذيرات لأنصار «الدولة الإسلامية» ورفض لتسمية «ولاية سيناء»، فأذاعت «ولاية سيناء» شريطاً تحت شعار «جنود دولة الخلافة»، ظهر أنه رد على المنشقين الداعمين ل «القاعدة». وقال منظر «الجماعة الإسلامية» السابق ناجح إبراهيم ل «الحياة» إن «المعلومات تشير إلى تنافس حاد بين القاعدة وداعش في سيناء، سيصل قريباً إلى حد التقاتل»، لافتاً إلى أن «تنظيم القاعدة في أزمة بسبب تكالب أنصاره على الانضمام إلى داعش وقيامهم بأعمال لا تُرضي القاعدة نفسها، وآخر هذه الانشقاقات ما حدث مع تنظيم أنصار بيت المقدس وانضمام جناح فيه إلى داعش… هذا سر الحملة التي تشنها القاعدة ضد داعش واستنكارها تصرفاته». وأوضح أن «جزءاً من أنصار بيت المقدس يضم قيادات في السجون غير راض على الانضمام إلى داعش، ولهم مآخذ شرعية على ذلك التنظيم، ويسعون إلى الإبقاء على بيعة القاعدة». وقال إن «المعركة بين القاعدة وداعش في سيناء ستحدث آجلاً أم عاجلاً… الأمر تحول إلى خصومة. والحرب بين الفصيلين بعضهما بعضاً في رأي المقاتلين مقدمة إلى الحرب مع الدولة». وأضاف أن «أسوأ معارك هي المعارك بين التكفيريين بعضهم بعضاً… في عرفهم حسم التمرد الداخلي مقدم على الحرب مع الدولة… وأتوقع حدوث انشقاق كبير جداً سيشهد معارك ضارية بين الفصيلين. من الممكن أن ينتهي هذا الصراع خلال عامين، وسيأتي غيرهم أكثر تشدداً».