6 يونيو 2024.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    أسعار الأسمنت اليوم الخميس 6-6-2024 في محافظة قنا    ضبط 9 مركبات توكتوك مخالفة بمدينة دسوق في كفر الشيخ    تعديل المخططات التفصيلية ل5 قرى بمحافظة البحيرة    عيار 24 الآن.. أسعار الذهب اليوم الخميس 6-6-2024 في محافظة قنا    البيئة ونقابة الصحفيين يوقعان بروتوكولا لرفع الوعي البيئي بالقضايا البيئية المختلفة    مستشفى شهداء الأقصى: استقبلنا 141 شهيدا و380 مصابا خلال يوم واحد    إسبانيا تعلن انضمامها إلى دعوى جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية ضد إسرائيل    إسبانيا تعلن انضمامها إلى جنوب أفريقيا فى قضية الإبادة المرفوعة ضد إسرائيل    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    مركز صلاح.. حيرة مستمرة من برادلي إلى حسام مع منتخب مصر    تصل إلى 46 درجة في الصعيد.. مصر على موعد مع ذروة الموجة الحارة اليوم وغدًا    رفضت العودة له.. تفاصيل التحقيق مع المتهم بإلقاء مادة ك أو ية على طليقته    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    جانتس يطالب بالاستعداد لقتال يمكن أن يصل للحرب مع حزب الله    وزير التعليم العالي يشهد اجتماع المجلس المصري- الأمريكي المُشترك للعلوم والتكنولوجيا    تفاصيل لقاء رئيس مجلس الشيوخ ومفتي كازاخستان    خريطة دخول الجماهير لحضور مباراة مصر وبوركينا فاسو وموعد فتح بوابات استاد القاهرة    تعليق مثير من شوبير عن محمد أبو تريكة وشيكابالا.. ماذا قال؟    قبل التغيير الوزاري، سويلم يقدم كشف حساب لوزارة الري على هامش المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    عميد تجارة عين شمس: التعاون الثقافي والعلمي مع الجامعات الفرنسية مهم للجانبين    تحرير 1265 مخالفة عدم تركيب الملصق الإلكتروني ورفع 40 سيارة ودراجة نارية متروكة    السعودية تتحرى هلال ذي الحجة اليوم وتعلن موعد عيد الأضحى    ليلة بكت فيها سميحة أيوب.. الأوبرا تكرم سيدة المسرح العربي (بالصور)    خبير فلسطينى: كل ما يتم بالغرف المغلقة يتملص منه نتنياهو ويضع العراقيل أمامه    الصحة العالمية تعلن أول وفاة مرتبطة بسلالة إنفلونزا الطيور (إتش5 إن2) بالمكسيك    منتخب السعودية يفقد تمبكتي أمام باكستان فى تصفيات كأس العالم 2026    عاجل:- إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي بمحافظة القليوبية للترم الثاني 2024    اليوم ختام امتحانات الدبلومات الفنية فى شمال سيناء    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وسيارة ملاكي بشبرا بنها الحر    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شوارع القاهرة والجيزة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ مشروعات الطرق والمحاور بالقاهرة الجديدة    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة والفترة الماضية شهدت انخفاضا فى الأسعار    خالد النبوي يبدأ تصوير مسلسل حالة إنكار.. تعرف على تفاصيله كاملة    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    اليونيسف: 9 من بين كل 10 أطفال بغزة يفتقرون للغذاء اللازم للنمو السليم    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    جامعة الأقصر تنفذ قافلة طبية مجانية في الساحة الرضوانية بقرية البغدادي    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    531 ألف جنيه، إجمالي إيرادات فيلم تاني تاني    نجم الإسماعيلي: تلقيت عروضًا من الأهلي والزمالك.. وهذا قراري    رجل الأعمال باسل سماقية يحتفل بخطبة ابنته (صور)    لماذا اخفى الله قبور الأنبياء إلا قبر سيدنا محمد؟ أمين الفتوى يجيب    واجبات الحج الأربعة.. معلومات وأحكام شرعية مهمة يوضحها علي جمعة    الأزهر للفتوى: الاجتهاد في السعي على طلب الرزق في الحر الشديد له ثواب عظيم    رئيس جامعة سوهاج يتسلم جائزة مؤسسة الأمير محمد بن فهد لأفضل إنتاج علمي    بوسي تستعرض جمالها في أحدث ظهور لها والجمهور يعلق (صور)    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    إبراهيم عيسى: تكرار الأخطاء جريمة بحق التاريخ.. لم نتعلم من الأحداث    مصادر: خطة لرفع أسعار الأدوية بنسبة 30%    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «شماريخ» تحت شعار «تحيا المقاومة لتحيا فلسطين» (تفاصيل)    هشام نصر يكشف مفاجأة: الزمالك لم يتم التعاقد مع محترف فريق الطائرة حتى الآن    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    تنسيق الثانوية العامة محافظة الشرقية 2024-2025 بعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية (التوقعات)    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها عند الذبح    البابا تواضروس: أخبرت نائب محمد مرسي عن أهمية ثقة المواطن في المسئول فصمت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعم اسرائيل لبعض الجماعات الافريقية
نشر في الشعب يوم 10 - 10 - 2014

نظرا للدور المتعاظم لاسرائيل فى القارة الافريقية والذى تخطى الهواجس والظنون وبعض الاختراقات الى ادوار اكثر تأثيرا وتهديدا للامن القومى العربى والمصرى بشكل خاص نظرا للعمق الافريقى لمصر وكذلك التماس مع نهر النيل احد اهم قضايا الامن القومى الكبرى, فانه يجب القاء الضوء مرارا وتكرارا على هذا التوغل الاسرائيلى الخطير.
ربما يكون أحد أهم وأكبر أدوار هذا الكيان الاستعمارى هو تقويض دول المنطقة وإعادة صياغة وجه الجغرافيا وتوازنات القوى فيها، خاصة وأنها منطقة استراتيجية مهمّة، تتمتع بموقع جغرافى مركزى بالنسبة للعالم، وتضمّ ممرات مائية حيوية وثروات طبيعية تحرّك اقتصاد العالم وتجارته، لذا فإن إسرائيل كانت – وما زالت – خنجرًا فى خاصرة دول المنطقة ومواردها وسياساتها التنموية والاستراتيجية، ووفق هذه الرؤية فقد أدركت إسرائيل أن إفريقيا – تلك القارة التى تمتد من النهر إلى المحيط، حيث البحر المتوسط شمالًا والمحيط الهندى من الجنوب الشرقى والشرق، والمحيط الأطلسى من الغرب – تشكل إحدى أهم ساحات الصراع العربى الإسرائيلى، فعملت من هذا المنطلق على التغلغل فى إفريقيا، وعلى خلق علاقات حيوية مع دولها فى مختلف المراحل، وذلك لمّا تمثّله إفريقيا من عمق استراتيجى وأمنى وثقافى وحضارى للوطن العربى، وعملت إسرائيل جادة – وعبر التعاون مع دول الاستعمار القديم والحديث – على الإحاطة بالوطن العربى وتطويقه وعزله عن إفريقيا.
وليس بخاف أن هدف إسرائيل الثابت من وجودها في هذه المنطقة هو الرغبة في الحصول على مياه النهر والضغط على صانع القرار المصري نظراً لحساسية وخطورة «ورقة المياه» في الاستراتيجية المصرية. وأطماع إسرائيل في مياه نهر النيل قديمة ومعروفة. وعندما زار السادات القدس لأول مرة عام 1977م أحيا فكرة مد ترعة من النيل إلى النقب، وهو ما نظر إليه البعض على أنه تعبير عن الرغبات الأمريكية الإسرائيلية الحقيقية. وبالفعل تقدمت إسرائيل بعدة مشروعات للحصول على نسبة 1% من مياه النيل. وقد حاولت (إسرائيل) في ظل المفاوضات متعددة الأطراف الخاصة بمشكلة الشرق الأوسط أن تطرح هذه القضية إلا أنها لم تنجح في ذلك.
ومن المعروف أن (إسرائيل) تلعب دوراً غير مباشر في صراع المياه بين دول حوض النيل استفادة من نفوذها الكبير في دول مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا.
ومع تفجر الصراع في منطقة البحيرات العظمى بعد الإطاحة بنظام موبوتو في الكونغو الديموقراطية، حاولت إسرائيل المساهمة في إعادة ترتيب الأوضاع وذلك تحت المظلة الأمريكية التي تقوم بدور نشط في هذه المنطقة مقارنة بالنفوذ الفرنسي التقليدي . وتكمن الرؤية الإسرائيلية في النظر إلى المنطقة بشكل شمولي أي بامتداداتها الجغرافية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر. ولتدعيم نفوذها في المنطقة تعمل إسرائيل على:
- تشجيع جيل من القادة الجدد الذين ينتمون إلى الاقليات في بلدانهم ويرتبطون مع الولايات المتحدة وبالطبع إسرائيل بعلاقات وثيقة، ومن هؤلاء ميلس زناوي في إثيوبيا، وأسياسي أفورقي في أرتيريا، وجون جارانج في جنوب السودان، ويوري موسيفيني في أوغندة، وبول كاجامي في رواندا.
- محاصرة الأمن القومي العربي ولا سيما في امتداده المصري والسوداني وفق استراتيجية «حلف المحيط» أي إقامة تحالفات مع الدول والجماعات الإثنية والدينية المعادية للعرب هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الاستفادة من وجودها في المنطقة للتلويح بورقة المياه في مواجهة السياسة المصرية.
تتركز أهداف السياسة الإسرائيلية فى بناء علاقاتها الإفريقية من خلال عدة عناصر رئيسية تمخضت عن طبيعة نشأتها فى المنطقة والأهداف التى ساهمت فى ظهورها على ساحة السياسة والجغرافيا، ومحاولتها تقويض أسس ودعائم الأمن القومى العربى، وطبيعى أن تتسم هذه الأهداف بقدر من الثبات والتغير النسبيين، وبالتالى فإن ترتيبها فى سلم أولويات صانع القرار الإسرائيلى قد يتغير من مرحلة إلى أخرى.
يوجد نشاط مكثف لليهود فى كينيا منذ فترة الحكم الاستعمارى البريطانى، وقد نشأت علاقات وطيدة بين إسرائيل وكينيا بعد الاستقلال الكينى مباشرة، وبدأت السفارة الإسرائيلية عملها فى كينيا منذ عام 1963، وتتولى إسرائيل تدريب الكينيين فى مجالى الزراعة والطب، في برنامج يُسمى “الموشاف”، وكذلك سافر كينيون للتدريب فى إسرائيل، ويعمل آلاف الإسرائيليين فى مراكز اقتصادية كبرى فى كينيا، وخاصة فى مجالات التجارة وأعمال الصرافة وإدارة المزارع ومشروعات الخدمة.
فى نهاية تسعينيات القرن العشرين بدأ طرح فكرة تسعير المياه، وقد أوفدت أوغندا بعثة إلى إسرائيل لدراسة المشروعات المائية التى تقع فى مقاطعات شمال أوغندا – بالقرب من الحدود الأوغندية مع السودان وكينيا – من أجل استخدام المياه المتدفقة من بحيرة فيكتوريا، وهو ما يؤدى بالضرورة إلى نقص المياه فى النيل الأبيض، وبالتالى نقص الحصة الواصلة إلى مصر، كما أن إسرائيل أعلنت أنها مهتمة بإقامة مشروعات للرى فى مقاطعة “كاراموجا” الأوغندية قرب السودان، حيث تهدف لرى 247 ألف هكتار من الأرض الأوغندية عبر استخدم 2.5 مليار متر مكعّب من المياه سنويًّا.
ولا يقتصر الوجود الإسرائيلى فى دول أعالى النيل على الاستعانة بالخبراء وعلى أوجه التعاون والدعم الفنيين فى المشروعات المختلفة، ولكنه يمتد إلى التشاور الاقتصادى والزراعى، والشراكات الواسعة – برأس مال يهودى – لتملّك الأراضى الزراعية هناك وإقامة مشروعات عليها أو إقامة سدود، وفي عام 1996 حضر خبراء إسرائيليون لإجراء أبحاث فى حوض النيل، تحديدًا فى أوغندا، وإقامة مشروعات للرى والزراعة، ونتيجة للتأثيرات الإسرائيلية قامت أوغندا فى عام 1996 بانتقاد مصر والسودان لحصولهما على أكثر من حصتهما من المياه – وفق لزعم أوغندا الذى تغذّيه وجهة النظر الإسرائيلية – مؤكدة حقها فى استغلال موارد المياه وإقامة السدود على مجرى النيل بحرية ودون ضوابط.
وفي مارس من عام 2000 وقعت أوغندا وإسرائيل اتفاقًا فى أثناء زيارة وفد من وزارة الزراعة الإسرائيلية للأراضى الأوغندية، ونص الاتفاق على إقامة مشروعات رىّ فى عشر مقاطعات أوغندية متضررة من الجفاف، وتوجهت البعثة إلى منطقة الحدود الأوغندية المشتركة مع السودان وكينيا، ويُلاحظ أن إسرائيل ما زالت تحاول ربط أوغندا بدائرتها السياسية، وتحاول اختراق دول الحوض بشكل كامل سياسيًّا واقتصاديًّا، فعقب انعقاد اجتماع الإسكندرية لوزراء الموارد المائية الأفارقة فى يوليو 2009، زار مسؤولون من رواندا وأوغندا إسرائيل للتباحث حول إنشاء مشروعات زراعية إسرائيلية على نهر النيل.
تشترك تنزانيا مع كل من كينيا وأوغندا فى بحيرة فيكتوريا، إحدى أهم وأكبر روافد نهر النيل، ونظرًا لموقعها الاستراتيجى على ساحل المحيط الهندى، أصبحت منفذًا للعديد من الدول الإفريقية، مثل أوغندا ورواندا وبوروندى، ومنذ استقلال تنزانيا عام 1964، أعلن الرئيس التنزانى “جوليوس نيريرى” ما عُرف ب “مبدأ نيريرى”، وهو الذى يقضى بتسعير المياه وبيعها، ولهذا سعت إسرائيل منذ البداية إلى التغلغل فى تنزانيا لإثارة الفرقة والعداء ضد مصر والدول العربية الإفريقية.
وكشف تقرير رسمى مصرى صادر فى 22 مايو 2010، عن أن هناك علاقات إسرائيلية مع بعض أعضاء البرلمان التنزانى، وأن علاقات ومصالح شخصية تربطهم بأطراف إسرائيلية، ربما بما يصل إلى التأثير على المصالح المصرية، وأن بعضهم يتزعم اتجاهًا لرفع دعاوى قضائية دولية ضد مصر وبريطانيا اعتراضًا على معاهدة عام 1929، مطالبة إلزامهما بتقديم تعويضات لتنزانيا لمنعها من استخدام مياه النيل بما يحلو لها ويناسب مصالحها حتى ولو كان ذا تأثير ضار بحصة مصر ومصالحها.
دعمت إسرائيل “أسياسى أفورقى”، رئيس إريتريا منذ الاستقلال الذى حصلت عليه إريتريا رسميًّا من إثيوبيا عام 1993، ولهذا تحولت إريتريا إلى أقوى حليف استراتيجى لإسرائيل، حيث يعمل بها 650 ضابطًا إسرائيليًّا فى تدريب قواتها، كما حصلت على حق استخدام جزيرة “دهلك” لأغراض عسكرية، وتؤدي إريتريا – بتأثير من إسرائيل – دورًا مناوئًا للسودان، حيث دعمت حركة تحرير السودان فى الجنوب حتى تمّ الانفصال، وتلعب دورًا مهمًّا فى مشكلة دارفور، حيث دعمت حركتى: العدل والمساواة وتحرير السودان، وقد سلمت السودان شكوى إلى الأمين العام للأمم المتحدة ضد النظام الإريترى، تتهمه بمحاولة زعزعة الاستقرار فى السودان، وفى فبراير 1996 ذهب الرئيس الإريترى “أفورقى” فى زيارة معلنة إلى إسرائيل، أسفرت عن توقيع اتفاقية أمنية مع الكيان الصهيونى لتعزيز التعاون العسكرى بين البلدين، ووضع استراتيجية موحّدة فى البحر الأحمر، وذكرت صحيفة “صانداى تايمز” البريطانية، أن إسرائيل تتحكم فى قاعدتين عسكريتين فى إريتريا، تستخدم إحداهما للتنصت والثانية لتزويد الغواصات الإسرائيلية باحتياجاتها، وأوضح تقرير الصحيفة أن الغارات التى شنتها المقاتلات الإسرائيلية على السودان فى فبراير 2009، انطلقت من إحدى القاعدتين الكائنتين فى إريتريا.يمثل الجزء الخاص بحوض النيل حوالى نصف مساحة بوروندى، ونهر “كاجيرا” – الذى يمثّل حدود بوروندى مع رواندا فى الشمال الشرقى – هو الرافد الوحيد للنيل من بوروندى، وقد انضمت رواندا وبوروندى إلى منظمة تنمية حوض نهر كاجيرا، التى أُنشئت فى أغسطس 1977، وتضم كلاًّ من: رواندا وبوروندى وتنزانيا وأوغندا، وفى التسعينيات شهدت المنطقة تحركات إسرائيلية لتغيير القواعد القانونية الدولية المعمول بها فى إطار توزيع مياه الأنهار، فدخلت بمفاهيم جديدة كتسعير المياه وإنشاء بنك وبورصة للمياه، وقدّمت الدعم الفنى والتكنولوجى من خلال الأنشطة الهندسية للشركات الإسرائيلية فى مجال بناء السدود المائية، كما قدّمت دراسة تفصيلية إلى زائير ورواندا لبناء ثلاثة سدود، كجزء من برنامج شامل للسيطرة على البحيرات العظمى.
ينفرد التعامل "الإسرائيلي" مع القارة الإفريقية بدرجة عالية من الخصوصية يتَّضح ذلك في جانبين؛ أولهما: يتمثَّل في عملية الربط الأيديولوجي والحركي بين الصهيونية وحركة الجامعة الإفريقية والزنوجية، وثانيهما: يتمثّل في التعمد "الإسرائيلي" التعامل مع جماعات إفريقية بعينها تدعيمًا لاستمرارها في السلطة إن كانت حاكمة، أو توسيعًا لدورها في نشر حالة عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول الإفريقية، وهذا ما سنتناوله بشيء من الإيجاز أملاً في أن تتوجه إليه الدراسات في المستقبل.
أولاً: عملية الربط الأيديولوجي والحركي بين الصهيونية وحركة الجامعة الإفريقية والزنجية:
وتظهر علمية الربط هذه -والتي حاكتها الصهيونية العالمية- في عدة أوجه نذكر منها:
أ_الزعم بخضوع كل من اليهود والأفارقة (الزنوج) لاضطهاد مشترك، فكلاهما ضحايا للاضطهاد وللاثنين ماضٍ مؤلم، وأنهما من ضحايا التمييز العنصري، وبينهما بالتالي تفاهم متبادل، ويزيد من تلاقي تطلعاتهما أن لهم جذورًا ممتدة في ماضيين متشابهين جوهرًا، وبالتالي فإن سياسة "إسرائيل" في إفريقيا تعدّ تطلعًا أصبح لا يتمثل في الرغبة "الإسرائيلية" في مساعدة الذين عانوا المآسي كالشعب اليهودي. ويؤكد موسى ليشم -والذي كان رئيسًا للإدارة الإفريقية في الخارجية "الإسرائيلية"- على أن العلاقات القوية التي تطوَّرت بين "إسرائيل" وإفريقيا إنما تتصل بالروابط التي قامت بين اليهود والإفريقيين، فجذور التعاطف بينهما تتمثل أساسًا في أن المدنية السائدة اعتبرت اليهود الزنوج أجناسًا منحطة على حد سواء، وأن التجربة التاريخية والنفسية متشابهة بينهما، وتمثَّلت في تجارة الرقيق وذبح اليهود، وهذا التماثل ليس ذا طبيعة تاريخية أو مجردة فقط، ولكنه يتأكد من خلال التطلع اليهودي لتجديده ما أسماه وجودهم القومي، وكذلك من خلال كفاح الإفريقيين للتعبير عن أنفسهم في ظل الاستقلال، أي من خلال رغبة كل من الشعبين في حفظ قيمه الثقافية.
ب/ إضفاء المسحة الصهيونية على حركة الجامعة الإفريقية، فمنذ أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي ومع أخذ الحركة الصهيونية، وحركة الجامعة الإفريقية إطارهما التنظيمي فقد أطلق على حركة الجامعة الإفريقية اسم "الصهيونية السوداء"، وأطلق على أحد زعمائها المتصدرين لفكرة "عودة الزنوج الأمريكيين إلى وطنهم الأصلي إفريقيا" -وهو ماركوس جارفياسم- "النبي موسى الأسود"، بل إن تشبه الزنوج بين "إسرائيل" وإضفاء طابع ديني على حركتهم للعودة إلى إفريقيا يوضِّح هذا التأثير بالفكر الصهيوني إلى حد بعيد. فقد كان الأسقف ألكسندر وولترز -أحد أساقفة كنيسة صهيون الأسقفية الميثورية الإفريقية- أكبر سند لسلفستر ويليامز -أول داعية لحركة الجامعة الإفريقية-، والذي نظَّم أول مؤتمراتها في لندن عام 1900 بمساعدة ودعم من كنيسة صهيون، وكان معروفًا أن زعماء هذه الكنيسة يستندون إلى العهد القديم من الكتاب المقدس، وخاصة عندما "عدوا للهروب من العبودية على مثال ما حدث لبني "إسرائيل"، واستعانوا بالآيات الخاصة بالحياة الأخرى من موت وبعث وخلود ليسبغوا على حركاتهم نوعًا من هالة قدسية، أو رضا إلهي".
ج/ أن عملية الربط بين الصهيونية وحركة الجامعة الإفريقية قد استهدفت من بين ما استهدفت مواجهة الإسلام في إفريقيا من جهة، وضرب العلاقة بين حركة التحرر العربية والإفريقية من جهة أخرى؛ إذ صرح عديد من القيادات الدينية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية مبكرًا أن الهدف من تهجير الزنوج الأمريكيين إلى إفريقيا إنما يستهدف نشر المسيحية فيها من خلالهم، والوقوف أمام انتشار الإسلام في القارة. وبعد الحرب العالمية الثانية فقط، أدركت "إسرائيل" والقوى الاستعمارية أهمية "القيادات الوطنية" والمثقفة في إفريقيا مع المد التحرري الذي بدت عليه الحياة السياسية الإفريقية؛ فكان اقترابها البارز في البداية من نكروما ونيريري وسنغور أكثر من غيرهم. وقد كان وزن هؤلاء في حركة التحرر الإفريقية ضروريًا لإسرائيل والغرب عامة لتحجيم صلة هذه الحركة بحركة التحرر العربية، وبالطبع فقد أفاد في هذا الأمر ميراث الصهيونية والزنوجية المبكر من جهة بل وطبيعة ميراثهم من الفكر الليبرالي وحتى اليساري الأوروبي في توجهه نحو "إسرائيل" من جهة أخرى.
د/ وكان من نتائج ما تقدم أن ظهرت "إسرائيل" إلى الوجود متمتعة برصيد من التعاطف المنبثق عن العوامل الدينية والثقافية، دون أن يثقل كاهلها شيء من سلبيات الصدام أو التعامل العدائي بينها وبين القارة الإفريقية وأهلها، على عكس العرب الذي اتُّهموا في هذا السياق بممارسة تجارة الرقيق في إفريقيا. وقد كانت استجابة الزعماء الإفريقيين للتعامل مع "إسرائيل" في كافة المجالات سريعة وودية. فمن المعروف أن ليبريا كانت أول دولة إفريقية تعترف بإسرائيل وثالث دولة اعترفت بها في العالم (بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) عام 1948.
وتتضح هذه الخصوصية في التعامل "الإسرائيلي" مع القارة الإفريقية، والتي تعدّ من ثوابت السياسة الخارجية "الإسرائيلية" في إفريقيا، والتي تتجاوز التعامل المؤقت مع أنظمة الحكم الإفريقية -بافتراض عدم استقرارها- إلى التعامل المستقر وشبه الدائم مع جماعات بعينها تتَّسم بثقل عددي وسياسي، فتقوم بمساندتها إذا كانت تشكِّل قاعدة للسلطة القائمة دعمًا للاستقرار السياسي وتوطيد الأواصر والعلاقات مع "إسرائيل"، أو تقوم بمساندتها إذا كانت خارج السلطة السياسية لإشاعة حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي في دولة تعدّ معادية لإسرائيل. ولم تغفل "إسرائيل" في هذا المقام أهمية الربط الأيديولوجي بين التقاليد الصهيونية وتقاليد هذه الجماعات، والأمثلة على ذلك عديدة: استمرار مساعدة "إسرائيل" لجماعة الدينكا في جنوب السودان لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في السودان لإجهاضه اقتصاديًا وسياسيًا، وفي الوقت نفسه فقد ظلت "إسرائيل" على تعاملها الوثيق مع جماعة الأمهرا الحاكمة في إثيوبيا؛ سواء في ظل هيلاسيلاسي أو منجستو دعمًا لسيطرة هذه الجماعة على غيرها من الجماعات -ومعظمها إسلامية-، وتعزيزًا لتواجد "إسرائيل" في منطقة حوض النيل، وفي مدخل البحر الأحمر، وقد استغلَّت "إسرائيل" في ذلك البعد الأيديولوجي لتقوية صلاتها بجماعة الأمهرا، ذلك أن هذه الجماعة لديها مزاعم بالانتماء إلى "الأسرة السليمانية"، وقياداتها يسمون أنفسهم "زعماء "إسرائيل""، ثم إن الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية قد ظلَّت تقوم بدور هام في تعزيز الهيكل الاجتماعي القائم، فهي لم تسهم فقط في تعزيز سلطة الأمهرا وإضفاء الشرعية عليها، ولكنها كانت أيضًا مصدرًا لتماسك ووحدة شعب أمهرا، خاصة عندما ركَّزت في دعايتها على أن شعب الأمهرا هو "شعب الله المختار".
وفي نيجيريا فقد قامت "إسرائيل" بمساعدة جماعة الايبو التي تقطن في الإقليم الشرقي لنيجيريا (سابقًا) لمواجهة الإقليم الشمالي (سابقًا) المسيطر على السلطة المركزية -ويضمّ أغلبية مسلمة- حتى وصل الأمر إلى حد إعلان استقلال الإقليم الشرقي تحت اسم جمهورية بيافرا عام 1967 والتي اعترفت بها "إسرائيل" تحت دعوى أن الايبو يشكلون قومية متميزة، وزادت على ذلك بأن أعلنت أجهزة دعايتها أن الايبو هم "يهود إفريقيا".
وفي جنوب إفريقيا فإن عملية الربط الأيديولوجي بين الصهيونية والقومية الأفريكانية البيضاء قد آتت أكلها في تعزيز الروابط بين "إسرائيل" وجنوب إفريقيا، ذلك أن البيض (البوير - الإفريكارز حاليًا) الذين اعتبروا أنفسهم أبناء الله، بعد أن تمكَّنوا من الهجرة من مستعمرة الرأس في عام 1936 هربًا من الحكم البريطاني قد عقدوا مقارنة بين خروجهم هذا وخروج بني "إسرائيل" من مصر، ومثلما أن اليهود خرجوا بقيادة موسى -عليه السلام- هربًا من فرعون، فإنهم خرجوا من مستعمرة الرأس بقيادة بيتر ريتيف إلى ناتال والترنسغال هربًا من بريطانيا، وهكذا صارت بريطانيا في نظرهم فرعون، وصارت بلاد المهجر "أرض الميعاد"، وصاروا هم أنفسهم "شعبا مختارًا"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.