ماذا يعني أن اليهود يعرّفون أنفسهم بالخصائص الجينية ، أو الوراثية، بعد ستين عاما من استخدام الخصائص الوراثية ضدهم. هذا هو احد الأسئلة التي يوجهها اسرائيلي إلى اليهود والإسرائيليين. الرجل اسمه افراهام بيرج، رئيس البرلمان الإسرائيلي السابق، الذي رأس ايضا المنظمة الصهيوينة العالمية. قبل اربع سنوات ابتعد بيرج ليس فقط عن السياسة، بل ايضا عن الصهيونية. وفي كتاب نشرت طبعته باللغة الانجليزية هنا في الولاياتالمتحدة قبل اسابيع، يقول بيرج إن اسرائيل ينبغي ألا تكون دولة يهودية، وينبغي تعديل قانون العودة الذي يعطي الجنسية الإسرائيلية لأي يهودي. ويقول بيرج في كتابه إن العرب الإسرائيليين هم مثل اليهود الألمان اثناء الرايخ الثاني، وان المجتمع الإسرائيلي بأسره تفوح منه رائحة المانيا قبيل ظهور هتلر. المؤلف افراهام بيرج هو ايضا ابن يوسف بيرج الذي تبوأ مناصب وزارية في الحكومات الإسرائيلية لفترات اطول من اي وزير آخر. وكان يوسف بيرج قد غادر المانيا عام 1939 قبل ان تبدأ الحملة النازية ضد اليهود. أما ابنه افراهام فقد كان صهيونيا متدينا، ومظليا يناصر بقوة السلام مع الفلسطينيين. وهو بهذه الصفات المتضاربة، العلماني المتدين والجندي المناصر للسلام، دليل حي من وجهة نظر البعض على امكانية المصالحة بين التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي . ولكن المؤلف يقول اليوم إنه ادرك أن اسرائيل مملكة بدون نبوءة، أو هدف كبير. أين هي ذاهبة؟ وكيف يمكن ان تكون ديموقراطية وهي يهودية. ولكن الكتاب الذي يطرح اسئلة عديدة لا يقدم اجابات جوهرية. الكتاب الذي نشر في اميركا (الكتاب الأصلي نشره في اسرائيل) عنوانه : الهولوكوست (المحرقة) انتهت: يجب ان نرتفع فوق رمادها. وفيه يتساءل افراهام بيرج ما إذا كان اليهود يركزون بصورة مفرطة على المحرقة. ويقول إن المذبحة التي اقترفتها النازية، وقتل فيها ستة ملايين يهودي، اصبحت الفكرة المحورية للحياة الإسرائيلية، وهي فكرة تهيمن بدرجة كبيرة حتى إنها تشوه مستقبل وتوجهات اسرائيل. الشباب الإسرائيلي الصغير يوفد في زيارات لمعسكرات الاعتقال النازية في اوشويتز للإبقاء على ذكرى المذبحة حية، ثم إن اسرائيل تصور كل عدو من اعدائها على انه نسخة جديدة من هتلر. هذا ما وصف به الإسرائيليون ياسر عرفات، وهذا ما يصفون به الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد. لقد طرأ التحول على افكار المؤلف في عام 2001 عندما دخل الانتخابات على زعامة حزب العمل الإسرائيلي وخسر الانتخابات بعد تنافس قريب. وبعد خسارته سأل نفسه: ماذا كنت سأفعل بالنصر؟ وبعد هزيمته في الانتخابات سار على قدميه بمفرده عند سفوح تلال عبر ولايات كنتاكي، ونيويورك، ونيوجيرسي في الولاياتالمتحدة. وخلال خمسة اسابيع من سيره قابل احد عشر شخصا، لم يكن من بينهم يهودي واحد. وأدرك عندئذ ان الحياة اوسع من الأفق اليهودي، وادرك انه كان منعزلا عن العالم الأوسع الذي لا يقتصر على اليهود واليهودية فقط. وادرك ان الوقت قد حان ان يخرج من افق محلي ضيق إلى افق عالمي اوسع. فماذا يريد افراهام بيرج؟ إنه يريد هوية يهودية جديدة تركز ليس فقط على فكرة اليهودية بل على فكرة العالمية. هوية اسرائيلية عصرية تقوم على التفاؤل وعلى الإيمان بالبشر وعلى الثقة التامة بمجتمع الأمم. بدون ذلك يقول المؤلف ان اسرائيل لن تتمكن من البقاء على قيد الحياة. وهو يطالب بإزالة متحف ياد فاشيم التذكاري الذي يخلد ذكرى محرقة اليهود، وإقامة مقر محكمة الجنايات الدولية محله. بهذا تصبح المحكمة هي مركز الوقاية ضد الإبادة الجماعية. توصيات افراهام بيرج لا يتلفت إليها احد من اليهود. ولكن الرجل لا يزال شخصية عامة محبوبة ومحترمة في المجتمع اليهودي وفي اسرائيل. وربما مرت ستون عاما قبل أن يبدأ البعض في الالتفات إلى توصياته، وفي المشي على الأقدام لخمسة اسابيع في الولاياتالمتحدة أو الهند أو اندونيسيا لاكتشاف أن العالم ليس يهوديا.