في خمسينيات وستينيات القرن العشرين كان جمال عبدالناصر يفعل بالشعب - وخاصة الإسلاميين - الأفاعيل، لكنه كان يقف مفاخرا بأنه من يدافع عن قضايا الأمة العربية، ويرى البعض أنه أكثر من سعى لتحقيق فكرة القومية العربية كواقع ولا يخفى على أحد موقفه من المقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي كمثال، مع إيماننا التام بخطأ وخطورة كثير من مواقفه. وحينما وقعت أحداث سبتمبر حاولت أمريكا أن تستغل الحدث وتوظفه بما يخدم قضاياها ومصالحها - التي هي مصالح الصهيونية العالمية - بالعمل على إيجاد الشرق الأوسط الجديد أو الشرق الأوسط الكبير. حاولت أمريكا أن تتدخل في سياسات دول المنطقة حتى تدخلت في المناهج والمقررات التعليمية في المدارس والجامعات، حتى أنني لا زلت أذكر حضور بعض الأساتذة الصهاينة من الجامعات الأمريكية من عملاء المخابرات الأمريكية والموساد من أجل مناقشة أساتذة كلية الشريعة في المناهج والمقررات الدراسية، وحينئذ كانت هناك اقتراحات عديدة بتقسيم الجامعة الأزهرية إلى جامعتين أو ثلاثة، وضم بعض كلياتها إلى الجامعات الإقليمية، ومقالات مصطفى الفقي في هذا الشأن بالأهرام ماتزال ماثلة أمام عيني إلى اليوم. لكن حسني مبارك - مع جرائمه البشعة - رفض ذلك تماما لأنه حينئذ وإن كان يدافع عن عرشه لكنه في ذات الوقت يعلم يقينا أن دفاعه عن مصر الأزهر إنما هو دفاع عن عرشه وعن بقاء مصر كدولة تحت قيادته، ومرت الأزمة، وتدخلت أمريكا فألغت المعاهد العلمية باليمن، وأدخلت على المناهج التعليمية في بلاد الخليج تعديلات هائلة، وألغت بعض كليات الشريعة والدراسات الإسلامية واستبدلتها بكليات الحقوق، وجعلت كليات الشريعة مجرد قسم في كليات الحقوق الجديدة، لكنها لم تتمكن من تحقيق أغراضها - كاملة - في الأزهر حينئذ، بسبب صلابة النظام في هذا القضية خصوصا، مع ايماننا التام كذلك بضلوع النظام وكونه رأس حربة في الترسيخ للصهيونية ومبادئها. ودارت الأيام بنا حتى وجدنا الآن جيلا جديداً من الصهاينة العرب لا يداري ولا يتخفى، فيستعلنون بقدرتهم على ضرب قطاع غرة المحاصر أصلاً، ويحيلون أرض سيناء إلى جحيم على أهلها بححج واهية خدمة لمصالح وأغراص أسيادهم من كبار الصهاينة، بل ويهددون ليبيا الشقيقة بالحرب من أجل حجج واهية أيضا، ويفاخرون بقدرتهم على اجتياح الجزائر في ثلاثة أيام، ثم يرسلون جنودهم ليقاتلون في السودان لتحقيق أغراض الصهيونية العالمية. العجيب في الأمر أن العقائد الصهيونية اليهودية تغلغلت في نفوس كثير من أبناء الأمة ممن لا ناقة لهم ولا جمل في السياسة حتى قرأت بعض التغريدات أثناء النزاع الأخير بين غزة والكيان الصهيوني لبعض أبناء الأمة يدعون فيها لليهود بالنصر على المسلمين في غزة ويدعونهم للقضاء عليهم بزعم أنهم إخوان، ومن ثم فإنهم وأولادهم ونساءهم يستحقون القتل والإبادة. الجيل الجديد من صهاينة العرب يختلف تماما عن الصهاينة الأوائل، ولا أظن أن الأمر يتوقف عند هذا الحد من الانحطاط والتبعية لإخوان القردة والخنازير. الصهاينة وإرادة الرب: لا يمكن أن يعيش الغرب المتصهين دائما وهو في حالة قلق دائم ومستمر بالنسبة لأمن إسرائيل، فضلا عن رغبة قادته الشديدة والملحة في تحقيق إرادة الرب - كما يزعمون - بإقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، حتى يرجع المسيح بزعمهم فيتابعونه للقضاء على أعدائهم - المسلمين - وتقوم القيامة ويصحبهم المسيح معه إلى الجنة لأنهم هم الذين حققوا إرادة الرب بإقامة مملكة داوود الثانية. هذه الخرافات اليهودية هي التي صارت تحرك حكام أمريكا وأوروبا الصهاينة لخدمة قضايا اليهود، ومن ثم فإنهم لا يفوتون فرصة لاغتنامها من أجل تحقيق هذه الأهداف، حتى لو كان في تحقيق ذلك القضاء على كل المبادئ التي ينبحون بها ليل نهار. الغرب في سبيل ذلك سعى لإيجاد جيل جديد من صهاينة العرب يقوم على خدمة المبادئ الصهيونية ومتشبع بافكارها وفي لها، حتى يأمن الغرب على الدولة اليهودية تماما، هذا الجيل هو جيل كامب ديقيد. كامب ديفيد لم تعد مجرد معاهدة للسلام أو الاستسلام الأبدي لليهود فحسب، وإنما تجاوزت ذلك فصارت بمثابة المبادئ والأسس بل العقائد الجديدة التي أسست لنصرة اليهود من قبل الشعوب الإسلامية، والدفاع عنهم وعن قضاياهم، فلم يعد الأمر قاصرا على الحكام بل بلغ بنا الأمر مبلغا عظيما حتى صار عندنا جيش كامب ديفيد، وشرطة كامب ديفيد، وإعلام كامب ديفيد، ونخبة كامب ديفيد، بل وشعب كامب ديفيد. من الواضح جدا أن مهمة الصهاينة الجدد ليست هي حكم مصر بالدرجة الأولى، بقدر ما هي محاولة لإشعال المنطقة العربية كلها بالحروب والفتن. فلأول مرة نجد مسئولا مصريا يهدد بالتدخل في ليبيا، ثم يتدخل بالأمس القريب لتعميق الجراح وخلق كارثة بين الشعوب العربية لا تخدم إلا اليهود. لأول مرة نجد من يتباهى بقدرته على اجتياح الجزائر في أيام، وكأن الجيش المصري أنشأ لاجتياح بلاد الأشقاء، في حماقة وصفاقة لا تخدم إلا اليهود. لأول مرة نجد جنودا مصريين يقاتلون في جنوب السودان لمنع انشقاق في دولة منشقة أصلا، في تصرف أرعن لا يخدم إلا مصالح اليهود. الصهاينة الجدد أتوا من أجل إشعال المنطقة كلها بالحروب والفتن، الأمر الذي بستدعي تدخل القوى العالمية ذات الأطماع الاستعمارية المعروفة، حفاظا على الأمن والسلم الدوليين - كما يدعون دائما - ثم بقاء هذه القوى حتى يعاد تقسيم المنطقة من جديد بما يخدم مصالح اليهود بالدرجة الأولى، ويحقق المخطط الصهيوأمريكي، والذي يسمى بالشرق الأوسط الجديد. هذه هي مهمة الجيل الجديد من صهاينة العرب، ونسأل الله أن يجعل كيدهم في ضلال، ومكرهم في سفال، وسعيهم في وبال إن الله على كل شيئ قدير.